الحديث عن صفقة في غزة: بين ضجة فعلية وضجة مفتعلة
تاريخ النشر: 5th, December 2024 GMT
استقبلت إسرائيل برضى وبترحاب تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى إطلاق المحتجزين الإسرائيليين وهدد بـ»عواقب من الجحيم في الشرق الأوسط»، إذا لم يتم الإفراج عنهم قبل دخوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل.
وشكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس المنتخب ترامب، ووصف تصريحه بأنّه «قوي وحازم ويحسم بأن هناك طرفا واحدا مسؤولا عن عدم التوصّل إلى صفقة»، قاصدا حركة حماس.
لم يرشح إلى الآن أن أحدا من الأطراف غيّر رأيه ومواقفه بشأن المسائل المحورية لصفقة في غزة وهي: وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي وتبادل المحتجزين الإسرائيليين بأسرى فلسطينيين، لكن هناك متغيّرات وازنة ولها تأثير على مجرى ومضامين الاتصالات الجارية في هذا الموضوع.
أوّلها التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، وثانيها التغيير المرتقب لساكن البيت الأبيض، وما يتبع ذلك من تحوّلات في السياسات، وثالثها تقارير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول الخطر على حياة المحتجزين الإسرائيليين في ظل الظروف المعيشية الصعبة في غزة، ورابعها التحوّلات الجارية في منظومة الوساطة ودخول تركيا إليها، وخروج مصر بمبادرة جديدة، وتراجع قطر خطوات إلى الخلف، مع التأكيد أنها ليست مستعدة لمواصلة لعب دور إذا لم تلمس جدية في تفاوض المتفاوضين.
وأبدت حركة حماس مرونة بشأن التفاوض ومضامين الصفقة، ومدة تنفيذها وتدرّجها، شرط الالتزام بالمبادئ الأساسية وهي أن تفضي العملية في النهاية إلى وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحرب، وانسحاب كامل وشامل لجيش الاحتلال وصفقة تبادل «مشرّفة» تشمل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين كافة، مقابل تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين، ومن بينهم ذوو المحكوميات العالية.
وبرز في مفاوضات القاهرة، هذا الأسبوع، أن حماس مستعدة للتخلي عن حكم غزة وتسليم المهام السلطوية كافة إلى حكومة تكنوقراط فلسطينية متفق عليها، تتولى إدارة الحياة في غزة حاليا وإعادة الإعمار لاحقا.
كثر الحديث في إسرائيل هذا الأسبوع عن تقدم في المفاوضات، ويظهر أن نتنياهو معني بخلق الانطباع أن شيئا ما يحدث في الكواليس، وأن حكومته تقوم بمساع حثيثة، وأن المسؤولية تقع على حماس وليس عليه.
ويمكن القول إن قسطا كبيرا من الصخب هو ضجة مفتعلة ومناورات إعلامية لامتصاص غضب أهالي المحتجزين، وإزاحة التهم عن نتنياهو. هذا لا ينفي أن هناك تحرّكات واتصالات بشأن الصفقة، لكن لا يمكن الاتّكاء عليها لتسويغ وتأسيس حالة تفاؤل وحتى تفاؤل حذر، فلم ينجح أحد إلى الآن بإيقاد النور في نهاية النفق.
هناك أغلبية ساحقة في الرأي العام الإسرائيلي تريد التوصل إلى صفقة تبادل، تشمل تبادلا للأسرى ووقفا للحرب على غزة، وهناك إجماع حول ذلك في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية: الجيش والموساد والشاباك، وهذا هو رأي غالبية النخب الإسرائيلية.
العائق الوحيد هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يراوغ ويناور ويحاول كسب الوقت للتهرب من مستحقات الصفقة، باختلاق الأعذار والتبريرات ووضع العراقيل. ولكنّه نجح في تجنيد الإدارة الأمريكية الحالية والإدارة المقبلة إلى جانبه، وجعل المسؤولين الأمريكيين يرددون ادعاءاته كالببغاوات، ويحمّلون حماس مسؤولية تعثر جهود الاتفاق على صفقة.
ويقول صحافيون تحدّثوا مباشرة مع الإدارة الأمريكية بأن المسؤولين كافة فيها يحمّلون نتنياهو المسؤولية في السر، ويفعلون العكس في العلن متهمين حماس بالعناد في مواقفها.
يضع الناطقون باسم اليمين الإسرائيلي المتطرف قضية إطلاق سراح المحتجزين في تناقض مع هدف الحرب الآخر، والأهم بالنسبة لهم، وهو القضاء على القدرات العسكرية والسلطوية لحركة حماس، ويرددون أن الصفقة تعني وقف الحرب، ويترتب عليه بقاء حماس كقوة عسكرية تحكم غزة بشكل مباشر، أو غير مباشر، وهم ينادون بمواصلة الحرب لسنوات لتحقيق أهدافها، ومنهم من يجاهر بالدعوة إلى احتلال دائم لغزة وبناء مستوطنات في شمالها.
وإذا أخذنا هذه التصريحات بجدية، ولا سبب لعدم فعل ذلك، فإن حكومة نتنياهو ستسقط إن هي عقدت صفقة تبادل. وقد أضاف بعض المتحدثين اليمينيين بأن إطلاق سراح «ألف سنوار» في إطار الصفقة سيكون نهاية حكومة نتنياهو الحالية. ويمكن القول إن الرفض الإسرائيلي للصفقة متماسك بقدر تماسك الحكومة، خاصة أن نتنياهو نفسه لم يتخلّ عن هدفه المعلن بتحقيق «النصر المطلق» والقضاء الكامل على حماس. وفي المرحلة الحالية على الأقل، تنتظر إسرائيل قدوم ترامب لتتفق معه على سياسات وقرارات مشتركة ومتجانسة، وتفاؤل نتنياهو بقدوم ترامب هو مدعاة للقلق.
لعل من اهم عوامل النجاح في التوصل إلى تسوية في لبنان، هو التوافق بين بايدن وترامب حول ضرورة إنهاء الحرب، وتفعيل الدبلوماسية الأمريكية بكل قوّة. ويبدو أن تأثير الإدارة المقبلة يفوق إدارة بايدن الحالية، وذهب معلّقون إسرائيليون إلى تقدير بأن نتنياهو استجاب لطلب ترامب أكثر مما هو تجاوب مع وساطة بايدن ومبعوثيه. ولكن ما حدث في لبنان لا ينسحب بالضرورة على غزة، لأن الموقف الإسرائيلي يختلف من حيث أهداف الحرب، ومن حيث رؤيا ما بعد الحرب.
والمنطق الإسرائيلي المتنفّذ هو أن أحدا لن يجرؤ على المشاركة في إدارة غزّة والدخول في صدام مع حركة حماس، طالما هي بقيت تقف على رجليها، وعليه يجب مواصلة الحرب لأشهر ولسنوات حتى تحقيق هدف تقويض قدراتها العسكرية والسلطوية. وقد اصطدمت الوساطة الأمريكية والعربية إلى الآن بحائط حديدي وضعه نتنياهو لمنع أي تقدم بشأن إنهاء حرب الإبادة في غزة.
من الملاحظ أن ترامب لم يدع يوما الى تسوية وحل وسط في غزة، بل طالب بحسم سريع وإنهاء الحرب. هو يدعم بالكامل الرواية الإسرائيلية والممارسات الإجرامية الإسرائيلية، ولا يكلف نفسه عناء دفع ضريبة كلامية عن «تجنب المس بالمدنيين» كما فعل بايدن.
وبما أن أي صفقة في غزة تتطلب تغييرا جذريا في موقف حكومة نتنياهو وليس متوقعا أن يتم ذلك بلا ضغط أمريكي فعلي، ولا يبدو أن ترامب سيفعلها ويضغط على نتنياهو، فإن من السذاجة الاعتقاد أن يأتي الفرج من الوافد الجديد إلى البيت الأبيض.
بعيدا عن التصريحات والبيانات واللقاءات فإن ما يحدث على الأرض في غزة هو الأهم وهو الحاسم. فحرب الإبادة الجماعية مستمرة، والدمار الشامل يزداد دمارا، والقتل والتشريد والتجويع وخنق أسباب الحياة، كلها مستمرة والمآسي تتراكم لتخلق كارثة كبرى، وحكومة نتنياهو تصرّح علنا بأنها تريد المزيد من كل هذا. الاتجاه الفعلي للأمور هو احتلال دائم ودام لغزة قد يلحقه استيطان مع الاحتفاظ بخيار التهجير كمشروع ينتظر فرصة للتنفيذ.
يجب الانتباه إلى أن احتلالا واستيطانا في غزة لن يكونا بقرار رسمي، بل بخلق واقع على الأرض، وهذا ما ستقوم به إسرائيل إن لم تجد من يوقفها عند حدّها.
الأصوات التي نسمعها عن إمكانية التوصل الى صفقة تبادل، هي أصوات مختلطة، منها ما هو حقيقي وفعلي وتعكس جهودا مخلصة، ومنها ما هو ضجة مصطنعة لخدمة مآرب نتنياهو وحكومته. وأحيانا يصعب التمييز بين الضجة الفعلية والضجة المفتعلة، وربما يكون الأصوب هو الالتفات إلى المواقف العلنية من القضايا المحورية وعدم المبالغة في أهمية «استعداد إسرائيل لإرسال وفد للتفاوض»، فهذا لا يعكس بالمرة تغييرا في الموقف، والدليل على توجه جدّي للتوصل الى اتفاق على صفقة هو خطاب سياسي مغاير يمهد الطريق لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بضرورة الصفقة وبضرورة «دفع ثمنها»، وهذا لم نره ولم نسمع به ولم نسمع عنه.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب غزة الاحتلال الأسرى غزة الأسرى الاحتلال صفقة التبادل ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحتجزین الإسرائیلیین حکومة نتنیاهو صفقة تبادل فی غزة
إقرأ أيضاً:
وزير حرب سابق: حكومة نتنياهو فقدت السيطرة على المفاوضات ويجب استبدالها
قال وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون، الاثنين، إن حكومة بنيامين نتنياهو "فقدت السيطرة" على المفاوضات مع حركة "حماس"، ودعا لاستبدالها واصفا إياها بأنها "متطرفة جبانة وفاسدة".
وقال يعلون، زعيم حزب "تلم" اليميني، في منشور على منصة "إكس": "قررت الإدارة الأمريكية إجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس، متجاوزة الحكومة الإسرائيلية".
وأضاف: "الخبر السيئ هو أنه أولا، الولايات المتحدة تنتهك مبدأ هاما وتتحدث مباشرة مع منظمة إرهابية، وثانيا الحكومة الإسرائيلية تفقد السيطرة على المفاوضات"، وفق تعبيره.
وتابع: "الخبر السار هو أن الحكومة الأمريكية تدرك أن الحكومة الإسرائيلية مستعدة للتخلي عن الرهائن".
وأوضح أن الحكومة "غير مهتمة بإنهاء الحرب (الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين بقطاع غزة) لأن نهاية الحرب تعني نهاية ولاية الحكومة".
وأردف يعلون: "قررت الإدارة الأمريكية التصرف وفقا لمصالحها الخاصة ومصالح إسرائيل، ولكن ليس مصالح الحكومة الإسرائيلية".
وأكمل مشددا: "لإنقاذ البلاد والمخطوفين يتعين علينا استبدال الحكومة المتطرفة والجبانة والفاسدة، وكلما كان ذلك أبكر كلما كان أفضل".
من جهة أخرى قالت هيئة البث العبرية، الاثنين، إن رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد إيال زامير أقر خططا عسكرية لاستئناف الحرب على قطاع غزة، حال فشل مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
وأوضحت أن زامير أقر، الخميس الماضي، خططا عسكرية جديدة لتجديد القتال في غزة، خلال زيارته لقيادة المنطقة الجنوبية.
وتابعت الهيئة: "أوعز زامير لقائد القيادة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي يارون فينكلمان، بإجراء تعديلات لضمان أن تكون العملية البرية القادمة أكثر كفاءة من السابقة".
وأردفت: "تتضمن الخطط التي وافق عليها رئيس الأركان تكثيف الضربات الجوية، وتوسيع نطاق التحركات البرية، وإعادة إخلاء شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، إلى جانب الاستعداد لاستدعاء مئات آلاف من جنود الاحتياط وفقا لأوامر الطوارئ".
وكانت "إسرائيل" لوحت باستئناف الحرب بحال فشل مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، بعد تنصل تل أبيب من تنفيذ بنود في المرحلة الأولى من الاتفاق ورفض الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية.
وترغب "إسرائيل" في تمديد اتفاق وقف إطلاق النار ليشمل تبادل أسرى، لكن دون إنهاء الحرب ودون الانسحاب الكامل من القطاع كما ينص الاتفاق الذي وقعته الحكومة الإسرائيلية نفسها.
وتؤكد حماس مرارا التزامها بتنفيذ الاتفاق وتطالب بإلزام "إسرائيل" بجميع بنوده، داعية الوسطاء إلى الشروع فورا في مفاوضات المرحلة الثانية منه، التي تشمل انسحابا إسرائيليا من القطاع ووقفا كاملا للحرب.
وأوقفت "إسرائيل" مطلع آذار/ مارس الجاري إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، في خرق واضح للاتفاق، وبهدف الضغط على حماس لتمديد المرحلة الأولى.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية: "في سياق متصل، أصدر وزير الطاقة إيلي كوهين، تعليماته لشركة الكهرباء بقطع الخط الوحيد الذي يزوّد محطة تحلية المياه في غزة بالكهرباء".
ومن المحتمل أن يتم لاحقا قطع أحد خطوط المياه الثلاثة التي تزود شمال القطاع، وفق الهيئة.
ومنذ بداية الحرب، قطعت "إسرائيل" الكهرباء عن قطاع غزة، ولكن تحت ضغط دولي وتحذيرات دولية وافقت على ربط محطة تحلية مياه في غزة بالكهرباء.
ومن المرتقب وصول وفد تقني إسرائيلي إلى العاصمة القطرية الدوحة اليوم، لبحث فرص التوصل لاتفاق بشأن تبادل الأسرى وتمديد اتفاق وقف إطلاق النار.
وقالت الهيئة الإسرائيلية: "من المتوقع أن يصل وفد إسرائيلي يضم منسق شؤون الأسرى والمفقودين غال هيرش، وممثلا عن جهاز الأمن العام (الشاباك) ومسؤولين آخرين، إلى الدوحة اليوم".
وأضافت: "لن يشارك في الوفد الوزير للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وهو رئيس فريق التفاوض الإسرائيلي".
وأضافت القناة، أن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، سيسافر الثلاثاء إلى الدوحة للمشاركة في المحادثات.