محمد الصالحي

يُعتبر مصطلح “الشرق الأوسط” من أكثر المصطلحات التي تستخدم في الأوساط السياسية والإعلامية حول العالم، ويغفل الكثيرون عن أنه يحمل في طياته رسائل ضمنية تساهم في تطبيع غير مباشر مع الكيان الإسرائيلي. فهذا المصطلح ليس مجرد تسمية جغرافية أو ثقافية، بل يُعد جزءاً من مشروع سياسي كبير، يهدف إلى تغيير ملامح المنطقة العربية بشكل جذري.

ولعل أبرز ملامح هذا المشروع هو “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يسعى إلى تفكيك وحدة العالم العربي وتقسيمه إلى كيانات سياسية واقتصادية مستقلة عن بعضها البعض.

فهدف هذا المشروع يتجاوز حدود التقسيم الجغرافي ليصل إلى فصل المشرق العربي عن المغرب العربي، مما يعني أن كل جزء من العالم العربي سيظل قائماً في إطار نظام إقليمي منفصل عن الآخر، بعيداً عن أي شكل من أشكال التنسيق أو التعاون العربي المشترك. وهذا الفارق الجغرافي يعكس، بدوره، محاولة لتقويض الوحدة العربية التي لطالما سعى العرب إلى تحقيقها، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية. وفي هذا الصدد، لا يمكن تجاهل الهدف الأكبر الذي يسعى إليه المشروع، وهو دمج الكيان الإسرائيلي في قلب النظام الإقليمي العربي، بحيث يصبح جزءاً لا يتجزأ من هذا الشرق الأوسط الجديد.

فما يسعى إليه هذا المشروع هو استبدال الهوية العربية بهوية “شرق أوسطية” تشمل جميع الدول في المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، مما يؤدي إلى محو الهوية الثقافية والتاريخية للعرب لصالح هوية جديدة تكون إسرائيل في مركزها. بذلك، يتأكد أن الكيان الإسرائيلي سيحتل مكانة مهيمنة في هذا النظام الإقليمي، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو فرض النفوذ الإسرائيلي على باقي الدول العربية. ولعل ما يفاقم هذه المخاوف هو أن هذا المشروع لا يقتصر فقط على البعد السياسي، بل يمتد إلى المجال الاقتصادي أيضاً، حيث يهدف إلي أن يصبح الكيان الإسرائيلي مركزاً اقتصادياً متميزاً في المنطقة، متفوقاً على جميع الدول العربية. من خلال تكريس مكانته الاقتصادية، وسيكون لإسرائيل دور بارز في تشكيل النظام الاقتصادي الإقليمي، مما يعزز مكانتها السياسية في المنطقة.

إلى جانب ذلك، هناك دور محوري تلعبه تركيا في هذا المشروع، حيث يُراد لها أن تكون “الوجه الآخر” للغرب في المنطقة العربية. فعن طريق دمج تركيا في هذا النظام الإقليمي، يزداد التأثير الغربي على دول المنطقة، ويصبح لهذا التحالف الإقليمي دور أكبر في فرض السياسات الغربية على الدول العربية. وبذلك، يتم تعزيز النفوذ الغربي في المنطقة عبر ما يمكن تسميته بـ “الشرق الأوسط الكبير”، وهو ما يهدد بشكل أساسي مصالح العرب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

إن ما يثير القلق بشكل خاص في هذه المرحلة هو استخدام المصطلحات التي تعكس هذه الأهداف، مثل “الشرق الأوسط”، والتي تُروج لها العديد من الأوساط الدولية والعربية. من هنا، يجب أن نكون حذرين في استخدام هذه المصطلحات، لأنها قد تحمل في طياتها اعترافاً ضمنياً بمشروع يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتناسب مع الأهداف التي يسعى الآخرون لتحقيقها. لذا، من الضروري تجنب تبني هذا المصطلح بصيغته التي يريد البعض تعميمها في الأوساط العربية، لأنه في النهاية يمثل جزءاً من حرب المصطلحات التي يخوضها الآخرون لتمرير أجنداتهم.

وفي خضم هذه المخاطر، تبرز ضرورة الحفاظ على الهوية العربية وعدم الانجرار وراء المصطلحات التي تسعى إلى تغيير ملامح المنطقة. فالتوعية بخطورة تبني هذه المصطلحات تُعد جزءاً مهماً من النضال ضد محاولات فرض النفوذ والتقسيم في المنطقة. كما أن تجنب استخدامها هو وسيلة هامة للحفاظ على الوحدة العربية والدفاع عن مصالح العرب في مواجهة مشاريع قد تُمهد الطريق للهيمنة الأجنبية على المنطقة.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: الکیان الإسرائیلی المصطلحات التی الشرق الأوسط هذا المشروع فی المنطقة فی هذا

إقرأ أيضاً:

بعد تهديد ترامب للشرق الأوسط.. ما الدور الذي تقوم به القواعد العسكرية الأمريكية؟

بعد مطالبة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أمس الاثنين، بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة "فوراً" قبل 20 كانون الثاني/يناير القادم. تسأل البعض عما يهدد به ترامب الشرق الأوسط.

ففي منشور على حسابه عبر منصة "تروث سوشيال"، قال ترامب: "الجميع يتحدثون عن الأسرى، الذين يتم احتجازهم ضد إرادة العالم أجمع في الشرق الأوسط، إلا أن كل هذا مجرد كلام ولا يوجد فعل!".

وهدد ترامب قائلاً: "إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصب رئيس الولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم يدفع ثمنه في الشرق الأوسط".

واعتبارا من 20 كانون الثاني/يناير المقبل، يتوجه ترامب وحكومته الجديدة لإدارة البلاد، بعد فوزه الشهر الماضي على مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية.

واختتم ترامب بالقول: "سيتعرض المسؤولون عن هذه الفظائع لضربة أقوى من أي ضربة شهدها التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة... أطلقوا سراح الأسرى الآن!".


وبعد هذا التهديد٬ يطرح السؤال هل من الممكن أن يستغل ترامب القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط في تنفيذ هذا التحذير؟ وهو ما يدفعنا للحديث عن الدور الذي تقوم القواعد العسكرية في المنطقة.


30 ألف جندي
يتمركز نحو 30 ألف جندي أمريكي بشكل دائم في عشرات القواعد العسكرية المنتشرة في أكثر من 15 دولة في الشرق الأوسط وفقًا لأرقام وزارة الدفاع الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تتغير أعداد الجنود بحسب المناسبات والظروف، مع وجود ترسانة ضخمة من الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة.

كما تتواجد الأساطيل الحربية الأمريكية بشكل دائم في المياه المحيطة بالمنطقة، مع تعزيزات مؤقتة في أوقات التوتر والأزمات.

وخلال فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما بين عامي 2008 و2016، اتجهت الولايات المتحدة نحو تخفيض وجودها العسكري في الشرق الأوسط، حيث انخفض عدد القوات الدائمة من 74 ألفاً في عام 2008 إلى 28 ألفاً في عام 2016.


ولم يكن الرئيس السابق دونالد ترامب متحمساً للعمليات العسكرية الخارجية. لكن الأزمة المتصاعدة مع إيران منذ عام 2019 أجبرت الولايات المتحدة على تعزيز قواتها مجدداً للحفاظ على مصالحها في المنطقة.

ومنذ عام 2019 دعمت أمريكا استراتيجية التركيز على القوات الجوية والبحرية وفرق المارينز، في حين قلصت عدد قواتها البرية في المنطقة.

وتحصل القوات الأمريكية على تسهيلات واسعة تشمل المناورات العسكرية المشتركة، وحق استخدام المجال الجوي والموانئ والمطارات والمعسكرات، بالإضافة إلى خدمات الوقود والصيانة وتخزين الأسلحة في معظم دول المنطقة. هذه التسهيلات تمنح القوات الأمريكية حرية ومرونة كبيرة في الحركة برا وجوا وبحرا.

حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية
تهدف الولايات المتحدة من وجودها العسكري إلى حماية مصالحها في المنطقة، والقضاء على ما تسميه "الجماعات الإرهابية"، ودعم حلفائها الإقليميين، وإجراء التدريبات والمناورات العسكرية وتقديم المشورة. كما تعمل على تأمين تدفق المساعدات العسكرية الحيوية للاحتلال الإسرائيلي.


كما دعمت أمريكا وجودها العسكري في المنطقة بأساطيل حربية ضخمة، منها الأسطول السادس في البحر المتوسط، والأسطول السابع في المحيط الهندي وبحر العرب. تتمركز هذه الأساطيل بشكل دائم في البحار المحيطة بالمنطقة، وتحمل ترسانة كبيرة من الأسلحة، وتضم قوات بحرية وبرية وجوية.

وعززت واشنطن هذا العدد دعمًا للاحتلال الإسرائيلي بعد معركة "طوفان الأقصى" التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بنشر حاملة الطائرات الهجومية "يو إس إس جيرالد فورد"، التي ترافقها قوة بحرية تضم نحو 5 آلاف من جنود البحرية ومجموعة من الطائرات الحربية والطرادات والمدمرات.

كما ألحقت بحاملة الطائرات "آيزنهاور"، التي تعمل بالطاقة النووية وتحمل على متنها حوالي 5 آلاف جندي. يمكن لحاملة الطائرات حمل ما يصل إلى 9 أسراب من الطائرات، بما في ذلك مقاتلات وطائرات هليكوبتر وطائرات استطلاع، بالإضافة إلى الطرادات ومدمرات الصواريخ.

وأرسلت الولايات المتحدة أيضًا إلى المنطقة 900 عنصر من وحدات التدخل السريع، بهدف دعم جهود الردع الإقليمية وتعزيز قدرات حماية القوات الأمريكية. وضعت نحو 2000 فرد في حالة استعداد عالية للانتشار، وعززت أنظمة الدفاع الصاروخي في المنطقة.


الميزة العسكرية الأمريكية وتأثيراتها
ووفقا لدراسة المقدم في القوات الجوية الأمريكية٬ والزميل العسكري في معهد واشنطن٬ ناثان أولسن٬ فتتمثل أكبر ميزة عسكرية دائمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في إمكانية الوصول وبناء القواعد والحق في عبور المجالات الجوية.

حيث يمتلك الجيش الأمريكي جنود ينتشرون في جميع أنحاء المنطقة ويشاركون في التعاون الأمني مع الشركاء الإقليميين. غالباً ما يضمن الوجود العسكري الكبير إمكانية وصول الولايات المتحدة إلى القادة العسكريين والمدنيين الرئيسيين، مما يسمح بالحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية في أوقات التوترات الدبلوماسية أو الاقتصادية.

وأضافت الدراسة أن الولايات المتحدة، تتمتع بفضل العلاقات المبنية عبر الأنشطة العسكرية الإقليمية، بقدرة لا تضاهى على الحصول على تصاريح سريعة لإمكانية الوصول وعبور المجالات الجوية.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، إمكانية الوصول المباشر إلى قناة السويس التي تمنحها الحكومة المصرية غالباً للبحرية الأمريكية لتمكينها من المرور العاجل. هذا يمكن القوات الأمريكية من إجراء مجموعة واسعة من المهمات في المنطقة خلال مهلة قصيرة.


تبديد الشكوك وتعزيز الشراكات
ويرى الباحث أن المستقبل يعتمد على إمكانية وصول الولايات المتحدة وبناء قواعدها وحقها في عبور المجالات الجوية في المنطقة على نجاحها في تبديد الشكوك حول التزامها المستمر بأمن شركائها. لذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهود لاحتواء الأنشطة الإقليمية والنووية لإيران، ومساعدة شركائها على الرد بالمثل على الأعمال العدوانية. هذا يتطلب إقامة شراكات حقيقية كما هو موضح في "استراتيجية الأمن القومي" لإدارة بايدن.

قواعد مدى الحياة
في العقد الأخير من القرن العشرين، تحول الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط إلى طابع دائم ومنظم، مع إنشاء قواعد عسكرية تضم قوات دائمة، بدلاً من التسهيلات المؤقتة التي كانت محدودة النطاق. 


وشكلت حرب الخليج الثانية عام 1991 نقطة تحول رئيسية، حيث نشرت الولايات المتحدة أكثر من 500 ألف جندي في السعودية ضمن عملية "درع الصحراء"، التي شارك فيها إجمالاً 697 ألف جندي أميركي، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأميركية. 

وأدت هذه التحولات إلى تمكين الولايات المتحدة من إنشاء قواعد عسكرية استراتيجية في المنطقة، ما أتاح لقواتها تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، تشمل الهجمات البرية والبحرية والجوية.

مقالات مشابهة

  • طفل يعود لحكم العالم
  • انطلاق اجتماعات مجموعة مشغلي شبكات الشرق الأوسط  في مسقط
  • مصطفى الفقي: تصريحات ترامب تهدد بتصعيد عسكري وتؤشر لتقسيم جديد في الشرق الأوسط
  • بعد تهديد ترامب للشرق الأوسط.. ما الدور الذي تقوم به القواعد العسكرية الأمريكية؟
  • ترامب يهدد الشرق الأوسط| خبير: المنطقة في خطر حقيقي.. والتوسع الإسرائيلي على حسابنا
  • ترامب يهدد بضربات تاريخية في الشرق الأوسط قبل 20 يناير
  • العالم العربي لابد أن يتحد.. تعليق ناري من أحمد موسى على تهديدات ترامب.. فيديو
  • وزيرا الخارجية العراقي والسعودي يحذران من خطورة توسيع دائرة الصراع الإقليمي
  • من هو مسعد بولس الذي اختاره ترامب مستشارًا له للشؤون العربية والشرق أوسطية؟