السيد القائد.. نورٌ من رحم القرآن وسيفٌ في مواجهة الطغيان
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
عدنان ناصر الشامي
من أنت أيها الرجل؟ أتراك شعلةً أضاءها الله في زمن الظلام، أم صرخةً ربانية شقت صمت القرون؟ أأنت نورٌ انبثق من رحم القرآن، أم سيفٌ تربى في كف علي؟ من أنت، حتى تهتز لهيبتك الجبال، وينبت في قلوب الأحرار عزةٌ لم تعرفها أمتنا منذ أزمان؟
أيها الرجل الذي يحمل قلبًا ورثه من رسول الله، ورحمةً تفيض على الأُمَّــة بأسرها لا على اليمن وحده، كيف تصفك الكلمات وأنت بحرٌ لا ساحل له؟ قلبك يمتلئ بالألم حتى يغمر الكون، ليس على شعبك فحسب، بل على الأُمَّــة كلها، على فلسطين الجريحة، على أطفال الأقصى الذين تتلظى أعينهم بنار الاحتلال.
أيها السيد، كيف تسكت وأنت ترى جرائم اليهود في أرض النبوات؟ أطفال تقتل، وبيوتٌ تهدم، وأقصى يئن تحت وطأة المحتلّين. دماءٌ تسيل كالنهر، وأمةٌ نائمة كأنها جبلٌ من الجليد. أما أنت، فقلبك يحترق كاللهب، يفيض بالغيرة على أُمَّـة محمد، يصرخ حين يصمت الآخرون، ويقف حين يهرب السادة والمتزعمون.
اليهود، قتلة الأنبياء، ما زالوا يرتكبون جرائمهم بلا رادع. يبنون عروشهم على جماجم الأبرياء، ويكتبون تاريخهم بحبرٍ من الدم. أما أنت، فصوتك كسيف علي، يقطع زيفهم، ويهز عروشهم. أكنت رسول الله اليوم، لعذرتك الأُمَّــة، فصوتك هو صوت النبوة، ورحمتك هي رحمة محمد.
عزةٌ لا تُضاهَى، وشجاعةٌ تهز الجبال.
من أين تأتي بكل هذه العزة؟ خصومك قبل أصدقائك يعترفون بها، يتهامسون فيما بينهم: “من أين لهذا الرجل كُـلّ هذا الكبرياء؟ كيف يقف وحده أمام طغيان العالم؟”. إنهم يرونك سدًا منيعًا، جبلًا شامخًا، وأمةً في رجل. في كلماتك قوةٌ لا تُوصف، تُنبت العزة في قلوب المستضعفين، تجعلهم يدركون أن زمنَ الانحناء قد ولَّى.
يا سيد القول والفعل، كيف تنثر كلماتك فتثمر حرياتٍ في قلوب شعوبٍ كانت تظن أنها ميتة؟ كيف توقظ الكرامة؟!
أيها الرجل، أنت اليوم أمل الأُمَّــة الذي ينير لها طريق التحرّر. بك تتجدد الأرواح، وبك تنبض القلوب، وبك تُقام حُرمة الأقصى. ليس للأُمَّـة أملٌ غيرك، ليس لها صوتٌ سوى صوتك، ولا سيفٌ سوى سيفك
أنت الطوفان الذي سيطهر الأرض، والنور الذي سيبدد ظلمات الاستكبار. بك وبأمتك، سيكتب التاريخ صفحةً جديدة، عنوانها: “عاد الحق إلى أهله، وانكسر الظلم على صخرة الإيمان”.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
شعب الله المختار .. في التوراة والقرآن
رمضان 1445هـ.. تحدثت في خمسة مقالات عن «الإسلام وأهل الكتاب»؛ نشرتها جريدة «عُمان» مشكورةً، وفي هذا السياق خصصت هذا المقال لقضية «شعب الله المختار»، جوابًا على سؤال كثر تداوله هذه الأيام تزامنًا مع أحداث الطوفان الأقصى: ما دلالة تكريم الله لبني إسرائيل في القرآن؛ مع ما عرفوا به تأريخيًا من خداع ومكر، وما يرتكبونه في زماننا من إبادة وتدمير؟ أليس تفضيلهم على العالمين امتدادًا لما جاءت به أسفار اليهود، وتبرئةً لهم مما وصفوا به من الإفساد في الأرض؟ اليوم؛ لا يمكن الحديث عن شعب إسرائيلي يجمعه نسب واحد، فالبحوث العلمية في الأنساب لا تثبت وجود أب واحد لأي شعب، وهذا هو حال بني إسرائيل؛ فلا يوجد دليل علمي يثبت أنهم سلالة من أب مشترك أعلى، فالعلم.. لا يتحدث إلا عن «جماعات يهودية» بحسب عبارة عبدالوهاب المسيري (ت:2008م) المتخصص في الدراسات اليهودية والحركة الصهيونية. بدايةً؛ ألقي نظرة على ما ورد في الأسفار اليهودية عن الشعب الإسرائيلي.. جاء في «سفر التثنية: 14/ 2-3»: (لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض)، ما دلالة هذه «الخصوصية والفوقية» على الشعوب؟ وبحسب «سفر التثنية» نفسه؛ يأتي بيانهما بعد عبارة التوراة السابقة؛ حيث إن كل ما ورد هو أحكام طولب بها «الشعب الخاص» مثل: ما يجوز له أكله وما لا يجوز من الأنعام، وبيان الأصناف النجسة من الحيوان والطير ونحوها، وأمره بأن يعطي القاذورات النجسة للغريب المحتاج الذي جاء يسأل ليأكلها، أو يبيعها للأجنبي، ففي «سفر التثنية: 14/ 2-3»: (لا تأكلوا جثة ما، تعطيها للغريب الذي في أبوابك فيأكلها أو يبيعها لأجنبي لأنك شعب مقدس للرب إلهك). هذا هو التقديس لهذا الشعب التوراتي؛ الذي تطلب منه التوراة أن يتخلص من نجاسته بأن يصدّرها للناس. وفي «سفر أشعياء: 50/ 16-23»: (وقد جَعَلْتُ أقوالي في فمك وبظل يدي سترتك لغرس السموات وتأسيس الأرض ولتقول لصهيون أنت شعبي، انهضي انهضي قومي يا أورشليم التي شربت من يد الرب كأس غضبه ثفل كأس الترنح شربت مصصت، ليس لها من يقودها من جميع البنين الذين ولدتهم وليس من يمسك بيدها من جميع البنين الذين ربتهم، اثنان هما ملاقياك من يرثي لك الخراب والانسحاق والجوع والسيف بمن أعزيك، بنوك قد أعيوا اضطجعوا في رأس كل زقاق كالوعل في شبكة الملانون من غضب الرب من زجرة إلهك، لذلك اسمعي هذا أيتها البائسة والسكرى وليس بالخمر، هكذا قال سيدك الرب وإلهك الذي يحاكم لشعبه هأنذا قد أخذت من يدك كأس الترنح ثقل كاس غضبي لا تعودين تشربينها فيما بعد، واضعها في يد معذبيك الذين قالوا لنفسك انحني لنعبر فوضعت كالأرض ظهرك وكالزقاق للعابرين)، هكذا تصف التوراة أورشليم التي يحل «شعب الله» فيها، بأنها شربت ومصصت الغضب الإلهي، ويبشرها بـ(الخراب والانسحاق والجوع والسيف)، ويخاطبها بقوله: (اسمعي هذا أيتها البائسة والسكرى)، هكذا يتحدث رب إسرائيل عن «شعبه المختار»! ويبدو أنه اختاره ليوبخه ويسحقه! أما في القرآن.. فإن الله لا يتكلم عن بني إسرائيل بوصفهم «شعب الله المختار»، فهذه عنصرية يتعالى عنها، فكل البشر خَلْقُه؛ وهم أمامه سواء، وتتنافى مع المساواة بين البشر التي أقرها القرآن. وإنما يتكلم عن حال هؤلاء القوم الذين يتحدد فضلهم بمدى امتثالهم لله، فالله.. بيّن في مقام الحديث عن بني إسرائيل بأن الظالمين من بني إبراهيم -«جدهم الأعلى»- لا ينالهم عهدُه: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (*) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (*) وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) «البقرة:122-124». يبيّن الله بقوله: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ) «الدخان:32-33» أنه اختار بني إسرائيل للنجاة من فرعون على مشهد من العالمين، فالاختيار الواقع عليهم.. ليكشف ضعف فرعون أمام قدرة الله، ومع ذلك؛ فقد وقع عليهم الابتلاء حتى تحصل لهم النجاة، فهم كغيرهم من البشر. ونبيهم موسى وقع عليه الاختيار كذلك لأجل أن يوحى إليه: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) «طه:13»، في سبيل إعداده لمواجهة فرعون وتحرير هذا الشعب الذليل، حيث يأتي توجيهه في السورة ذاتها: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) «طه:42-43». تفضيل بني إسرائيل على العالمين كان وقتئذٍ؛ لأنهم في مواجهة فرعون وجنده عندما أنقذهم الله من يده الباطشة: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) «البقرة:47-49». ما نوع هذه النعمة؟ يبيّنها الله بقوله: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ) «المائدة:20»، إذًا؛ هي نعمة إلهية بأن جعل الله فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكًا وآتاهم ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين، إشارة إلى النبي داود وابنه سليمان الذي قال الله عنهما: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) «الأنبياء:79»، هذان النبيان لم يحظيا بالاعتراف بنبوتهما من بني إسرائيل، فهم لديهم ملوك دنيويون فقط. في القرآن.. لا يوجد ما يشير بأن تفضيل بني إسرائيل على الناس مطلق، وإنما هو مرهون باتباعهم أنبياءهم، وحمل الآيات على غير ذلك تكلّف؛ خاصةً إنْ كان لموافقة كتبهم، هذا ما يتعلق بالتفضيل. وهناك صورة أخرى سلبية يعرضها القرآن عنهم. أولى الصفات السيئة التي تلبّس بها هذا الشعب؛ هي أنهم يكذّبون الأنبياء ويقتلونهم: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) «المائدة:70»، فهم لا يفعلون ذلك مع الغرباء فحسب.. بل يفعلونه مع أنبيائهم بعد أن أخذ الله ميثاقهم، خيانةَ عهودٍ وكذبًا وقتلًا للنبيين. بسبب هذا الأعمال.. استحقوا أن يلعنهم الأنبياء كداود وعيسى بن مريم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) «المائدة:78-79». لقد أورثهم تكذيبهم أنبياءهم والتعدي عليهم الذلة والمسكنة وغضب الله: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) «البقرة:61». بل إن الأخلاق المجبول عليها الإنسان يقتلعونها من قلوبهم ويعرضون عنها: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) «البقرة:83». والأكثر من ذلك؛ أن أصل الإيمان بالله وتوحيده لم يستقر في نفوسهم، فها هم فور نجاتهم من قبضة فرعون العاتية يطلبون من نبيهم ومخلصهم موسى أن يجعل لهم إلهًا كعبدة الأصنام يعبدونه من دون الله: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) «الأعراف:138». بهذين البيانين التوراتي والقرآني تسقط أوهام الاختيار والتفضيل المطلقين لشعب لم يعد الآن موجودًا على الأرض بالأساس. |