بوابة الوفد:
2025-01-07@03:58:07 GMT

سوريا الوطن الجريح

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

منذ سنوات وتمر سوريا بواحدة من أعنف فصول تاريخها، حيث تحولت من بلد مزدهر يتمتع بتنوع حضارى وثقافى إلى حطام وطن وساحة حرب دامية تتقاذفها الأطماع السياسية، والتدخلات الخارجية، والجماعات المتطرفة التى رفعت راية الإسلام زورًا وبهتانًا، إنها مأساة أمة يتم تدميرها ببطء تحت ستار شعارات مزيفة، والغرب يريد أن يفرض واقعا عنصريا على الأزمة ألا وهى الفصائل الإسلامية هى من دمرت سوريا، بينما الإسلام الحقيقى يبرأ تمامًا مما يُرتكب باسمه.

لم تكن الأزمة السورية وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تضافر عوامل داخلية وخارجية، من مطالب شعبية بالإصلاح فى بدايات الأحداث، إلى دخول قوى دولية وإقليمية جعلت سوريا ميدانًا للصراعات الجيوسياسية، وأصبحت مدن سوريا أشبه بلعبة شطرنج بين القوى الكبرى، حيث تخوض كل دولة حربًا بالوكالة لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السورى.

مع دخول الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» إلى الساحة السورية، تغيرت ملامح الأزمة بشكل جذرى، حيث قامت جماعات ارهابية مزيفة نسبت للإسلام زورًا وبهتانًا، بارتكاب أبشع الجرائم من ذبح وقتل وتشريد، وفرض تفسير مشوه للإسلام الذى يدعو للرحمة والعدل، الإسلام بريء من أفعالهم التى شوهت صورته عالميًا، واستخدموا الإرهاب كسلاح مدمر لتشويه الإسلام.

لعبت فيه بعض الدول دورًا خفيًا ومعلنًا فى تمويل وتسليح هذه الجماعات، مستخدمة الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مما أدى إلى مزيد من الإنهيار والخراب، تحملت فيه الشعب السورى العبء الأكبر من هذه الكارثة، الملايين شُردوا داخل البلاد وخارجها، ومئات الآلاف فقدوا أرواحهم ومدن بأكملها دُمرت، وباتت حياة الكثيرين معلقة بين مخيمات اللجوء والأمل الضئيل بالعودة إلى وطن لم يعد كما كان.

حاولت الجماعات المتطرفة تصوير جرائمها على أنها جزء من الدين الإسلامي، بينما الحقيقة أن الإسلام لا يجيز القتل ولا التدمير، ولا يبرر الاعتداء على الأبرياء، بل إن تعاليمه تدعو إلى التعايش السلمي، وحفظ النفس والمال، وتحقيق العدالة، فى الوقت الذى يفترض أن هناك مجتمعا دوليا عليه أن يتصدى ويقف إلى جانب الشعب السورى لإعادة بناء وطنه، رأينا تقاعسًا واضحًا وتدخلات زادت من تعقيد الوضع، فكثير من الدول استخدمت الأزمة السورية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بدلًا من العمل على إنهاء الصراع ومساعدة الشعب السورى.

فالواقع يؤكد أن هناك قوى دولية وإقليمية لعبت أدوارًا معقدة ومثيرة للجدل فى تعقيد المشهد السورى، هذه الدول الكبرى استخدموا عددا من الدول المحيطة بسوريا فى تنفيذ مخططهم التدميرى، حيث كان لكل منها أهدافها ومصالحها التى ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى تفكيك سوريا وإطالة أمد الصراع.

على رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية التى لعبت دورًا محوريًا فى الأزمة السورية عبر سياسات متناقضة وتحالفات متعددة، فقد دعمت واشنطن فصائل المعارضة السورية بالسلاح والتمويل تحت ذريعة «إسقاط النظام»، ما أدى إلى تصاعد العنف وتوسيع رقعة الحرب، ورغم إعلانها محاربة الإرهاب ولكنها كانت تعزز الفوضى بكافة أشكالها، ورغم إعلانها الحرب على «داعش»، أثارت التحركات الأمريكية شكوكًا حول نواياها الحقيقية، حيث استغلت الفوضى لتعزيز نفوذها فى مناطق غنية بالنفط مثل شمال شرق سوريا، كما حافظت على وجود عسكرى غير شرعى فى سوريا تحت ذريعة «محاربة الإرهاب»، بينما الهدف الحقيقى كان السيطرة على الموارد الطبيعية ومنع استقرار المنطقة.

عدد من دول أوروبا التى لم تكن بعيدة عن كدر الصراع الدموى، والتى رفعت شعار «الفرضية بين التدخل والتقاعس»، فقد اتخذت عدداً من دول أوروبا موقفًا مزدوجًا تجاه الأزمة السورية، حيث كانت شريكًا فى السياسات الأمريكية وفى الوقت ذاته تدعى السعى للحلول السلمية، وشاركت هذه الدول، مثل بريطانيا وفرنسا، فى تسليح جماعات معارضة، بعضها متطرف، ما ساهم فى تعقيد الأزمة واشتعالها، فبرغم خطورة التدخل العسكري، لم تقم الدول الأوروبية بدورها الإنسانى المناسب، بل اكتفت بإغلاق حدودها أمام اللاجئين السوريين، وتحويل أزمتهم إلى ورقة ضغط سياسية.

الكيان الصهيونى المغتصب والذى هو رأس الحربة فى هذه الأزمة من بدايتها، وتتدخل إسرائيل لتحقيق الأجندة الاستراتيجية، فكان للكيان الصهيونى المغتصب دور مختلف، كان له التأثير الأعظم عن باقى القوى، حيث سعت لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب وحدة واستقرار سوريا، فقد وجد الكيان الصهيونى فى الحرب السورية فرصة لإضعاف سوريا كقوة إقليمية تهددها، فقد شن الكيان الصهيونى مئات الغارات الجوية على مواقع داخل سوريا تحت ذريعة استهداف «النفوذ الإيرانى»، ما أدى إلى تفاقم الدمار وزعزعة الاستقرار، واستغلت إسرائيل الحرب لتعزيز سيطرتها على الجولان المحتل، بل وحصلت على اعتراف أمريكى بسيادتها عليه، فى خطوة مخالفة للقانون الدولى.

وكان لهذه الدول الدموية على رأسها أمريكا واسرائيل أهداف من تدمير سوريا، منها تقسيمها إلى كيانات ضعيفة ومتناحرة لتقليل نفوذها الإقليمى، والسيطرة على مواردها، فأمريكا ودول غربية هدفها السيطرة على موارد سوريا النفطية والمائية، بينما تسعى إسرائيل لتأمين مصالحها الأمنية والجيوسياسية.

فالتكلفة الإنسانية والاقتصادية التى تسببت فيها تدخل هذه القوى، باهظة للغاية، كتدمير البنية التحتية السورية، مقتل مئات الآلاف من المدنيين، تشريد الملايين داخليًا وخارجيًا، نهب الموارد الطبيعية التى كانت ستسهم فى إعادة إعمار البلاد.

النتيجة المؤلمة والحتمية أصبحت سوريا حطام وطن، وساحة صراع عالمى، تحولت فيه إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى، والنتيجة شعب مشرد يعانى، وتدمير تاريخها وثقافتها، فتدمير سوريا لم يكن نتيجة الحرب الداخلية فقط، بل بسبب التدخلات الخارجية التى لم تكن تهدف إلى إنهاء الأزمة، بل استغلالها لتحقيق أجندات خاصة.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار الأزمة السوریة

إقرأ أيضاً:

ماذا وراءَ الزيارات الرسمية إلى سوريا؟!

د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي

من المتعارَفِ عليه في أيةِ ثورة أَو انقلاب أن الدول في مختلف أنحاء العالم تتمهل في تحديد موقفها من تلك الثورة أَو ذلك الانقلاب؛ حتى تتضح الصورة بشكل كامل، وخَاصَّةً إذَا كان التغيير جذريًّا مثلما حدث في سوريا.

وبخلاف ما هو متعارف عليه فقد رأينا مسؤولين عربًا وأجانبَ يتقاطرون على دمشق جماعاتٍ وأفرادًا من وزراء ورؤساء استخبارات وغيرهم وآخرهم وزير خارجية فرنسا ووزيرة خارجية ألمانيا، وتلك الزيارات تؤكّـد حجم المؤامرة التي تحاك ضد سوريا وعلى المنطقة العربية، والدول التي سارعت إلى إرسال وفودها إلى دمشق للقاء حكام سوريا الجدد ترغبُ بالحصول على مكاسبَ وامتيَازات تثبت تواجدها في المنطقة.

وإذا ما قارنَّا بين ما يحدث في سوريا وبين ما حدث مع تجاربَ مماثلة وخَاصَّة ما حدث في أفغانستان فسوف نجد أن الفارق كبير؛ فبرغم من أن التجربتَينِ انطلقتا من خلفيات إسلامية أُصولية إلَّا أن معظمَ الدول رحَّبت بما حدث في سوريا وتجاهلت ما حدث في أفغانستان، ويبدو أن التاريخَ سوف يعيدُ نفسَه، حَيثُ كان الوضع في سوريا قبل الحرب العالمية الأولى 1914م غيرَ طبيعي؛ فقد أعلنت الدول الكبرى آنذاك مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا رعايتَها للطوائف المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية والمارونية وغيرها وأصبحت تلك الدول تتدخّلُ في شؤون سوريا التي كانت تخضعُ للحكم العثماني من منطلق رعايتها لمصالح الطوائف المسيحية، واليوم من المتوقع أن الهدفَ الرئيسي للوفود التي تتقاطر على دمشق هو وضعُ شروط على الحكام الجدد يجب أن يتم الالتزامُ بها إذَا رغبت سوريا برفع العقوبات الدولية والأمريكية عنها وأن يتم قبولها عضوًا فعالًا في المجتمع الدولي، ومعظم تلك الشروط تؤثر على سيادة واستقلال البلاد، وَإذَا تم الالتزامُ بتلك الشروط سيصبح للدول الكبرى حق التدخل في شؤون البلاد تحت مبرّر حماية الأقليات والطوائف الدينية، وبذلك يعيد التاريخ نفسه.

والسبب الآخر والمهم لإسراع الدول المختلفة بإرسال وفود رسمية إلى سوريا هو مجاورتها للكيان الصهيوني، والتحَرّكات الجارية تهدف إلى ضمان أمن الكيان وعدم السماح لحكام سوريا الجدد حتى بالتفكير في مواجهة الكيان الصهيوني برغم التوسعات التي يقوم بها في الأراضي السورية ورغم احتلاله للجولان.

ومن خلال الزيارات العديدة إلى دمشق سوف تحصل سوريا على وعود كثيرة بالدعم السياسي والاقتصادي وإعادة الإعمار، ولكن في المقابل سوق تقعُ سوريا تحت احتلال من نوع جديد، وأن غدًا لناظره قريب.

مقالات مشابهة

  • حزب الله يتجاهل خروجه من سوريا!
  • ماذا وراءَ الزيارات الرسمية إلى سوريا؟!
  • وزير الداخلية يهنئ قداسة البابا تواضروس الثاني بعيد الميلاد المجيد .. فيديو
  • بمناسبة عيد الميلاد المجيد.. وزير الداخلية في زيارة للبابا تواضروس الثانى
  • وزير الداخلية يزور قداسة البابا تواضروس لتقديم التهنئة بعيد الميلاد المجيد
  • وزير الداخلية يزور البابا تواضروس لتقديم التهنئة بعيد الميلاد المجيد
  • وزير الداخلية: التاريخ شاهد على أحداث سجلت المواقف الوطنية للكنيسة المصرية
  • وزير الخارجية الصومالي: الأزمة مع إثيوبيا انتهت ومنفتحون على إدارة سوريا الجديدة
  • دفتر أحوال وطن «٣٠٤»
  • رئيس الوزراء العراقي: التزمنا الحياد منذ بداية الأزمة في سوريا