بوابة الوفد:
2025-02-07@07:54:49 GMT

سوريا الوطن الجريح

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

منذ سنوات وتمر سوريا بواحدة من أعنف فصول تاريخها، حيث تحولت من بلد مزدهر يتمتع بتنوع حضارى وثقافى إلى حطام وطن وساحة حرب دامية تتقاذفها الأطماع السياسية، والتدخلات الخارجية، والجماعات المتطرفة التى رفعت راية الإسلام زورًا وبهتانًا، إنها مأساة أمة يتم تدميرها ببطء تحت ستار شعارات مزيفة، والغرب يريد أن يفرض واقعا عنصريا على الأزمة ألا وهى الفصائل الإسلامية هى من دمرت سوريا، بينما الإسلام الحقيقى يبرأ تمامًا مما يُرتكب باسمه.

لم تكن الأزمة السورية وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة تضافر عوامل داخلية وخارجية، من مطالب شعبية بالإصلاح فى بدايات الأحداث، إلى دخول قوى دولية وإقليمية جعلت سوريا ميدانًا للصراعات الجيوسياسية، وأصبحت مدن سوريا أشبه بلعبة شطرنج بين القوى الكبرى، حيث تخوض كل دولة حربًا بالوكالة لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السورى.

مع دخول الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» إلى الساحة السورية، تغيرت ملامح الأزمة بشكل جذرى، حيث قامت جماعات ارهابية مزيفة نسبت للإسلام زورًا وبهتانًا، بارتكاب أبشع الجرائم من ذبح وقتل وتشريد، وفرض تفسير مشوه للإسلام الذى يدعو للرحمة والعدل، الإسلام بريء من أفعالهم التى شوهت صورته عالميًا، واستخدموا الإرهاب كسلاح مدمر لتشويه الإسلام.

لعبت فيه بعض الدول دورًا خفيًا ومعلنًا فى تمويل وتسليح هذه الجماعات، مستخدمة الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، مما أدى إلى مزيد من الإنهيار والخراب، تحملت فيه الشعب السورى العبء الأكبر من هذه الكارثة، الملايين شُردوا داخل البلاد وخارجها، ومئات الآلاف فقدوا أرواحهم ومدن بأكملها دُمرت، وباتت حياة الكثيرين معلقة بين مخيمات اللجوء والأمل الضئيل بالعودة إلى وطن لم يعد كما كان.

حاولت الجماعات المتطرفة تصوير جرائمها على أنها جزء من الدين الإسلامي، بينما الحقيقة أن الإسلام لا يجيز القتل ولا التدمير، ولا يبرر الاعتداء على الأبرياء، بل إن تعاليمه تدعو إلى التعايش السلمي، وحفظ النفس والمال، وتحقيق العدالة، فى الوقت الذى يفترض أن هناك مجتمعا دوليا عليه أن يتصدى ويقف إلى جانب الشعب السورى لإعادة بناء وطنه، رأينا تقاعسًا واضحًا وتدخلات زادت من تعقيد الوضع، فكثير من الدول استخدمت الأزمة السورية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، بدلًا من العمل على إنهاء الصراع ومساعدة الشعب السورى.

فالواقع يؤكد أن هناك قوى دولية وإقليمية لعبت أدوارًا معقدة ومثيرة للجدل فى تعقيد المشهد السورى، هذه الدول الكبرى استخدموا عددا من الدول المحيطة بسوريا فى تنفيذ مخططهم التدميرى، حيث كان لكل منها أهدافها ومصالحها التى ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى تفكيك سوريا وإطالة أمد الصراع.

على رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية التى لعبت دورًا محوريًا فى الأزمة السورية عبر سياسات متناقضة وتحالفات متعددة، فقد دعمت واشنطن فصائل المعارضة السورية بالسلاح والتمويل تحت ذريعة «إسقاط النظام»، ما أدى إلى تصاعد العنف وتوسيع رقعة الحرب، ورغم إعلانها محاربة الإرهاب ولكنها كانت تعزز الفوضى بكافة أشكالها، ورغم إعلانها الحرب على «داعش»، أثارت التحركات الأمريكية شكوكًا حول نواياها الحقيقية، حيث استغلت الفوضى لتعزيز نفوذها فى مناطق غنية بالنفط مثل شمال شرق سوريا، كما حافظت على وجود عسكرى غير شرعى فى سوريا تحت ذريعة «محاربة الإرهاب»، بينما الهدف الحقيقى كان السيطرة على الموارد الطبيعية ومنع استقرار المنطقة.

عدد من دول أوروبا التى لم تكن بعيدة عن كدر الصراع الدموى، والتى رفعت شعار «الفرضية بين التدخل والتقاعس»، فقد اتخذت عدداً من دول أوروبا موقفًا مزدوجًا تجاه الأزمة السورية، حيث كانت شريكًا فى السياسات الأمريكية وفى الوقت ذاته تدعى السعى للحلول السلمية، وشاركت هذه الدول، مثل بريطانيا وفرنسا، فى تسليح جماعات معارضة، بعضها متطرف، ما ساهم فى تعقيد الأزمة واشتعالها، فبرغم خطورة التدخل العسكري، لم تقم الدول الأوروبية بدورها الإنسانى المناسب، بل اكتفت بإغلاق حدودها أمام اللاجئين السوريين، وتحويل أزمتهم إلى ورقة ضغط سياسية.

الكيان الصهيونى المغتصب والذى هو رأس الحربة فى هذه الأزمة من بدايتها، وتتدخل إسرائيل لتحقيق الأجندة الاستراتيجية، فكان للكيان الصهيونى المغتصب دور مختلف، كان له التأثير الأعظم عن باقى القوى، حيث سعت لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب وحدة واستقرار سوريا، فقد وجد الكيان الصهيونى فى الحرب السورية فرصة لإضعاف سوريا كقوة إقليمية تهددها، فقد شن الكيان الصهيونى مئات الغارات الجوية على مواقع داخل سوريا تحت ذريعة استهداف «النفوذ الإيرانى»، ما أدى إلى تفاقم الدمار وزعزعة الاستقرار، واستغلت إسرائيل الحرب لتعزيز سيطرتها على الجولان المحتل، بل وحصلت على اعتراف أمريكى بسيادتها عليه، فى خطوة مخالفة للقانون الدولى.

وكان لهذه الدول الدموية على رأسها أمريكا واسرائيل أهداف من تدمير سوريا، منها تقسيمها إلى كيانات ضعيفة ومتناحرة لتقليل نفوذها الإقليمى، والسيطرة على مواردها، فأمريكا ودول غربية هدفها السيطرة على موارد سوريا النفطية والمائية، بينما تسعى إسرائيل لتأمين مصالحها الأمنية والجيوسياسية.

فالتكلفة الإنسانية والاقتصادية التى تسببت فيها تدخل هذه القوى، باهظة للغاية، كتدمير البنية التحتية السورية، مقتل مئات الآلاف من المدنيين، تشريد الملايين داخليًا وخارجيًا، نهب الموارد الطبيعية التى كانت ستسهم فى إعادة إعمار البلاد.

النتيجة المؤلمة والحتمية أصبحت سوريا حطام وطن، وساحة صراع عالمى، تحولت فيه إلى ساحة تصفية حسابات بين القوى الكبرى، والنتيجة شعب مشرد يعانى، وتدمير تاريخها وثقافتها، فتدمير سوريا لم يكن نتيجة الحرب الداخلية فقط، بل بسبب التدخلات الخارجية التى لم تكن تهدف إلى إنهاء الأزمة، بل استغلالها لتحقيق أجندات خاصة.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار الأزمة السوریة

إقرأ أيضاً:

جرأة مجموعة لاهاي

منذ أن نجح فى الانتخابات وحتى قبل أن يجلس على عرش أمريكا رسميًا للمرة الثانية اعتاد ترامب الإدلاء بتصريحات غير مسئولة أثارت جدلًا واسعًا فى كل دول العالم واعتبره كثيرون مجنونًا قد يجر العالم لحرب عالمية ثالثة.

وفاجأ ترامب العالم بتصريحات غريبة عقب لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وكأن كل تصريح خرج من شخص مختلف أحدهما همجى والثانى استعمارى إمبريالى والثالث إنسان والرابع نرجسى والخامس ممثل، ربما ما جاء عل لسانه حول استيلاء أمريكا على غزة ونقل عدد من الجنسيات للعيش فيها أى تدويلها بمثابة صدمة أعادت للأذهان تلك الاتفاقيات والوعود الاستعمارية التى قسمت دولًا وشردت شعوبًا، وكأن العالم خلق من أجلهم يظلمون ويتجبرون دون وازع من ضمير ودون مراعاة للقوانين والأعراف الدولية التى وضعوها وطبقوها بطريقتهم وحسب مصالحهم.

فى يقينى الضعفاء لن يسكتوا، قد يتحدون لمواجهة هذا التسلط وهذا الفكر الاستعمارى الهمجى، وربما كانت كندا وبنما وكولومبيا والبرازيل والمكسيك هى البداية وسينضم اليهم آخرون بدعم قوى أخرى من مصلحتها إضعاف الولايات المتحدة بل وتفكيكها.

أتوقف هنا عند حدث دولى أعتبره من أهم الأحداث على الساحة العالمية خلال الأيام الماضية، ففى سابقة هى الأولى فى التاريخ، أعلنت 9 دول عن تدشين أول تجمع دولى أطلق عليه «مجموعة لاهاى» بهدف ملاحقة العدو الصهيونى فى المحاكم الدولية والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة عقب 1967، والدول هى جنوب أفريقيا وماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز.

هذه الدول قررت ألا تكتفى بملاحقة إسرائيل قضائيًا فقط، بل وسياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا من خلال عدة إجراءات: منها تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة من الجنائية الدولية بحق «نتنياهو» و«غالانت» فى حال وصول أى واحد منهما إلى أراضى أى دولة من الدول التسع، ومنع تصدير أو توفير أو نقل الأسلحة إليها، ومنع رسو أى سفن تنقل أسلحة أو وقودًا لإسرائيل فى موانئ هذه الدول.

ربما يقلل البعض من هذا الحدث معللًا أن هذه الدول صغيرة–عدا ماليزيا بالطبع–وتأثيرها ليس كبيرًا، ولكنى أقول إن مجرد إعلان هذه المجموعة عن اتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيونى المدعوم بالشيطان الأمريكى الأعظم هو جرأة تنذر بانضمام المزيد إلى هذا التحالف، أو تكوين تحالفات أخرى ضد أمريكا نفسها، فالضغط والظلم غالبًا ما يولدان الانفجار.

وأشير هنا أيضًا إلى الانقسامات السياسية العميقة فى الولايات المتحدة الأمريكية والاعتراضات المتتالية على الإجراءات التى اتخذها ترامب فى الأيام الأولى من ولايته الثانية والتى أسفرت عن عريضة جمعت أكثر من 100 ألف توقيع تطالب الكونجرس بعزل هذا الرئيس الذى قد يتسبب بسياساته فى زيادة العداء ضد أمريكا على مستوى العالم، وانهيار الاقتصاد الأمريكى.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • جدل العربية في اسم سوريا.. ماذا تعرف عن أسماء الدولة السورية خلال مئة عام؟
  • ونحن فى انتظار شهر الرحمات.. انتى فين يا حكومه؟!
  • تناقضات الإدارة الأمريكية
  • جرأة مجموعة لاهاي
  • دعم الخدمات ‏الطبية والتعليمية في سوريا ضمن ورشة عمل للجمعية الطبية ‏السورية الأمريكية “سامز”
  • ملك المغرب يهنئ الشرع ويؤكد دعم سوريا لتحقيق الاستقرار
  • العاهل المغربي يهنئ الشرع ويؤكد دعم سوريا لتحقيق الاستقرار
  • د.حماد عبدالله يكتب: قراءة فى صفحات تاريخ الوطن !!
  • مسؤولة أممية: ضعف التمويل يفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا
  • وزير خارجية تركيا: تطهير سوريا من الإرهاب شرط أولي لتحقيق استقرارها