فى الأدبيات السياسية التى تتناول حالة الحروب بين الدول سواء بعضها البعض أو مع حركات المقاومة يمكن القول بأن الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة أفرزت مفهوما جديدا قد يتحول إلى نموذج يجرى الاستشهاد به فى توصيف بعض الأوضاع فى مسار الحروب المستقبلية ألا وهو مفهوم «غزة الأخرى».
ويمكن الإشارة فى هذا الصدد إلى ما صدر من تهديدات من بعض القادة العسكريين الإسرائيليين للبنان وحزب الله فى سياق الصراع بينهما بأن يتم تحويل لبنان إلى غزة أخرى، وهو ما جرى وإن على نطاق مصغر، وحال دونه بعض الظروف المتعلقة بوضع لبنان فى الساحة الدولية ما أدى إلى محدودية العمليات العسكرية هناك مقارنة بما جرى فى غزة.
بهذا الفهم قد تتحول غزة من اسم يطلق على منطقة أو إقليم جغرافى هو قطاع غزة فى فلسطين التاريخية إلى مصطلح يتم توصيف به حالة معينة من حالات الصراع والحرب، على غرار مفهوم البلقنة، وهو مفهوم سياسي، ويقصد به تفكيك الدول أو الأقاليم الجغرافية. وعلى هذا النحو قد ينتقل المفهوم من الإقليم الذى تخلق منه وهو الشرق الاوسط وبالتحديد الصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلى مناطق إقليمية اخرى، فتهدد روسيا أوكرانيا بتحويلها إلى غزة أخرى.. وعلى هذا النحو يمكن تصور اتساع نطاق المفهوم بكل ما قد يتم تحميله به من مضامين سلبية تحمل معانى الوحشية والحجم العالى من التدمير، وفى الوقت ذاته مضامين إيجابية من منظور القائم على تطبيق المفهوم ممثلة فى استعراض القوة والعمل على توصيل رسالة إلى الخصم بسهولة سحقه والقضاء عليه تماما.
فما غزة تلك التى صار يضرب بها المثل فى مسار علاقات الحروب بين الأعداء والخصوم؟ المعنى العام والمباشر من هذه الحالة هو تحويل إقليم بسكانه إلى حالة من حالات العودة فى الزمن، أو ما يصطلح عليه البعض مجازا العودة إلى العصر الحجرى ما قبل نشوء الحضارة. من المفارقات هنا أن تلك العملية تتم بأحدث ما وصلت إليه الحضارة «المعاصرة»، هى بمعنى آخر نفى لسكان الإقليم من سياق الحضارة المعاصرة إلى سياق آخر على النقيض تماما، ويتم ذلك من خلال استخدام أكبر قوة تدميرية عرفتها البشرية فى عصرها الحديث، ربما لم يتم تجريبها من قبل، وبكم هائل يفوق بمراحل حجم الإقليم المستهدف تدميره، وهو ما يبدو فى حقيقة تحويل اسرائيل قطاع غزة إلى إقليم غير صالح للحياة الآدمية، على نحو يفرض حالة قد تدفع أو ربما يتوق معها كل من يقيم على هذا الإقليم إلى الخروج منه والبحث عن حياة بها الحد الأدنى من مقومات الحياة، فى إحياء أو استعادة لأكثر مفاهيم الحروب بشاعة وغياب للإنسانية.
ومن اللافت للنظر هنا تعدد التوصيفات التى يتم التعاطى بها مع الوضع فى غزة على نحو يشمل التوليفة المتنوعة لآثار وتبعات الحروب التى تخرج بها تطوراتها عن المستوى الطبيعى لمفهوم الحرب، وهى تعريفات عديدة لحالة واحدة هى القضاء على فكرة بقاء الإنسان وهو المواطن الفلسطينى على بقعة معينة من الأرض هى فى حالتنا قطاع غزة.. التى أصبحت مضرب المثال فى التدمير وإقصاء شعب بأكمله خارج الحياة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات غزة الأخرى د مصطفى عبدالرازق يمكن القول إلى غزة أخرى
إقرأ أيضاً:
منصة الطاقة الأمريكية:العراق خسر (15) مليار دولاراً جراء عدم تصدير النفط من الإقليم
آخر تحديث: 4 يناير 2025 - 1:17 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- وفق مسح أجرته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- ان العراق تعرض لانتكاسة في بعض ملفات الطاقة، على الرغم من المساعي الحثيثة لتذليل العقبات.فقد شكّل ملف عودة صادرات نفط إقليم كوردستان إلى الأسواق العالمية أحد أهم الملفات التي لم ينجح فيها العراق خلال العام الماضي، ما أدى إلى خسائر مالية تفوق 15 مليار دولار.ولم تنجح المباحثات التي قادتها حكومة بغداد الاتحادية مع إقليم كوردستان وشركات النفط في التوصل إلى صيغة لإعادة أكثر من 400 ألف برميل يوميًا إلى الأسواق العالمية، لتمتد الأزمة إلى أكثر من 21 شهرًا.وعلى الرغم من موافقة مجلس الوزراء العراقي- على إجراء في الميزانية لتعويض حكومة الاقليم عن تكاليف إنتاج ونقل النفط، محددةً سعرًا قدره 16 دولاراً للبرميل لشركات النفط الأجنبية العاملة في كوردستان العراق، فإن التعديل لم يسلك طريقه إلى البرلمان.وكانت صادرات نفط كوردستان قد توقفت منذ مارس/آذار 2023، بعد أن دعمت محكمة التحكيم الدولية موقف حكومة العراق المركزية، وألزمت تركيا بدفع تعويضات تُقدَّر بـ1.5 مليار دولار قبل الفوائد في حكم يغطي المدّة بين 2014 و2018، تتعلّق بنقل نفط الإقليم عبر خط أنابيب ميناء جيهان، دون الحصول على إذن بغداد.وتعثّرت المفاوضات لإعادة تشغيل خط الأنابيب، بعد أن قدّمت حكومة إقليم كوردستان وشركات النفط الأجنبية والحكومة الاتحادية مطالب متضاربة.وتشير إحصاءات رسمية إلى أنّ توقُّف صادرات نفط كوردستان ألحق أضرارًا مادية بالعراق تُقدَّر بأكثر من 15 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول.ولم يكن ملف نفط كوردستان الأزمة الوحيدة التي واجهها العراق خلال 2024، إذ شكّل الالتزام بتخفيضات الإنتاج وفق اتفاق أوبك+، واحدًا من أكبر التحديات التي واجهتها بغداد.وفشل العراق في الوفاء بتعهداته وفق اتفاق إنتاج أوبك+، إذ تجاوز إنتاجه الحصد الأقصى المسموح له طيلة أشهر عام 2024.وتجاوز إنتاج العراق من النفط منذ يناير/كانون الثاني الماضي حصّته المقررة وفق اتفاق أوبك+ بنحو 1.44 مليون برميل يوميًا، إذ تعهدت بغداد بتعويض حجم الإنتاج الفائض عن حصتها البالغة 4 ملايين برميل يوميًا بحلول سبتمبر/أيلول 2025.ويشارك العراق مع 7 دول أعضاء في تحالف أوبك+ في تخفيضات الإنتاج الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، المُعلنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي مُدِّدَت 3 أشهر، حتى نهاية مارس/آذار 2025، على أن تُعاد تدريجيًا، على مدار 18 شهرًا.وكانت دول أوبك+ قد مددت تخفيضات الإنتاج الطوعية الإضافية البالغة 1.65 مليون برميل يوميًا، المُعلنة في أبريل/نيسان 2023، التي بدأ تطبيقها منذ مايو/أيار 2023، حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026.ويصل نصيب العراق في تخفيضات الإنتاج الطوعية، البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، إلى نحو 220 ألف برميل يوميًا، في حين تبلغ حصّته في التخفيضات الطوعية الإضافية نحو 211 ألف برميل يوميًا، بإجمالي 431 ألف برميل يوميًا.