صلالة- العُمانية

تُعد سمكة شقائق النعمان العُمانية إحدى أهم الكائنات البحرية المميزة والنادرة التي تجسد الغنى والتنوع الإحيائي الذي تزخر به البحار في سلطنة عُمان.

وتشتهر هذه السمكة التي يطلق عليها علميًّا اسم "Amphiprion omanensis" بمظهرها اللافت، الذي يتداخل فيه اللون الماروني مع الخطوط البيضاء العريضة، ما يجعلها من الكائنات المفضلة لدى مصوري الحياة البحرية وهواة الغوص، وهي أصيلة التوطن في شواطئ سلطنة عُمان المطلة على بحر العرب وتحديدًا في المنطقة الواقعة ما بين جزيرة مصيرة شمالاً وولاية مرباط جنوباً، أي أن وجودها الطبيعي حول العالم يقتصر فقط على هذه المنطقة.

وقال المهندس سالم بن أحمد الغساني، مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار: تعيش هذه السمكة في بيئات الشعاب المرجانية على شكل أزواج في علاقة تكافلية مع أنواع من شقائق النُعمان البحرية، ويُبرز التوزيع الجغرافي المحدود لهذه السمكة الأهمية الفريدة لسلطنة عُمان، ويسلط الضوء على دورها كمركز حيوي للتنوع البيولوجي البحري في شبه الجزيرة العربية.

وأضاف: تُفضل هذه الكائنات المياه الضحلة الغنية بالضوء، التي توفر بيئة مناسبة لنمو الشعاب المرجانية وغيرها من الكائنات البحرية، مشيرًا إلى أن نطاقها المحدود يوضح الحاجة الملحّة لجهود الحماية للحفاظ على هذا النوع وموائله.

وحول الأهمية البيئية والبيولوجية لسمكة شقائق النعمان أكد مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار في حديث لوكالة الأنباء العُمانية أنّ هذه السمكة تشكل علاقة تكافلية مع شقائق النعمان البحري، التي تحمي السمكة من المفترسات عبر لواسعه السامة التي طورت السمكة مناعة ضدها مع مرور الوقت، وفي المقابل تقوم السمكة بتنظيف الشقائق من خلال إزالة الرواسب وحمايته من التهديدات المحتملة من المفترسات، وتُعد هذه العلاقة مثالاً رائعاً على التفاعل البيئي والتكيف بين الكائنات البحرية المختلفة.

ولفت إلى أنه نظراً لأهمية التنويع الحيوي البحري في البحار العُمانية ولانفراد سلطنة عُمان بوجود هذا النوع من أسماك شقائق النُعمان الأكثر نُدرة حول العالم، يقوم مختصون من مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار التابع للمديرية العامة للبحوث السمكية بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بتنفيذ برنامج مسح للمخزون الطبيعي لسمكة شقائق النعمان العُمانية على امتداد الشواطئ العُمانية المطلة على بحر العرب في كلٍ من محافظات ظفار والوسطى وجنوب الشرقية.

وبيّن أنّ برنامج المسح يهدف إلى تحديد المخزون الطبيعي لسمكة شقائق النعمان العُمانية وأعدادها، والانتشار الجغرافي الدقيق لهذه الأسماك ومواقع تواجدها إلى جانب تحديد مدى وجودها خارج الحيز الجغرافي المعروف، وتحديد التواجد حسب الأعماق ونوعية البيئة، بالإضافة إلى تقييم وضع البيئة والشعاب المرجانية المحيطة بها، وتوفير قاعدة بيانات علمية تسهم في اتخاذ القرارات المناسبة لحماية هذه الأسماك، وبيانات لتسجيل الملكية الفكرية لهذه الأسماك لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو (WIPO).

ووضّح أن البرنامج يُنفذ عن طريق تنفيذ مسح بحري ميداني باستخدام طريقة الحبل الطولي Transect بالغوص في مواقع تواجد السمكة وجمع البيانات اللازمة التي يتم تحليلها إحصائيًّا فيما بعد وإصدار تقرير مفصل حول النتائج.

وأكد المهندس سالم بن أحمد الغساني مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار أنّ سمكة شقائق النعمان العُمانية تمثل أكثر من مجرد نوع متوطن، فهي رمز للتنوع البيئي الذي يجب حمايته والاحتفاء به للإسهام في صحة واستدامة البيئة البحرية الأوسع في سلطنة عُمان، للتأكيد على ريادة سلطنة عُمان الإقليمية والدولية في مجال الحفاظ على البيئة البحرية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذه السمکة

إقرأ أيضاً:

ابن رُزَيق

حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت العبيداني النخلي، ولد فـي مسقط سنة 1784م، وعرف نفسه بأنه سليل ابن رزيق، نشأ فـي كنف عائلة لها صلة وثيقة بالأسرة الحاكمة سواء اليعاربة أو البوسعيديين، فوالده وجده كانا محاسبين فـي فرضة مسقط، وفـي ذلك يقول: «وكان جدي قد خرج من بيته يريد فرضة مسقط، وكان هو يومئذ المتقدم عند الإمام سيف بن سلطان على كتابة الدفتر الحسابي، وبيده قلمه». وحين تولى الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الإمامة فـي عمان عام 1744م أبقى جده فـي منصبه محاسبًا فـي فرضة مسقط، وكتب له عهدًا فـي ذلك كتب فـيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من إمام المسلمين أحمد بن سعيد إلى كافة أولادي خصوصًا، وإلى الناس عمومًا، أما بعد، لتتركوا بعدي رزيق بن بخيت ومن تناسل منه مثل ما تركته فـي الفرضة على قلم الحساب، وتمموا له الفريضة كما تممتها له، وهي مرقومة فـي دفتر السركار، وأحسنوا إليهم مثلي، (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم).

توفرت لابن رزيق البيئة المناسبة لطلب العلم، فهو مقرب من الأسرة البوسعيدية، وفـي مستوى معيشي يكفل له حياة كريمة تجعله ينصرف وبكل همة ونشاط لطلب العلم دون أن يشغل تفكيره طلب الرزق، فحفظ القرآن والحديث الشريف، واستوعب فؤاده الكثير من شعر العرب، وقرأ الكتب للشيخ حبيب بن سالم أمبوسعيدي؛ لأن الشيخ أعمى فكانت فرصة كبيرة لابن رزيق لأن يدرس على يديه ويطلع على العديد من المؤلفات ويتدارسها معه. ولابن رزيق علاقات بعلماء عصره كالشيخ جاعد بن خميس الخروصي وولده ناصر بن جاعد الخروصي، والشيخ معروف بن سالم الصايغي والشيخ ناصر بن حميد البداعي.

برز حميد بن رُزَيق كشاعر متميز، عبّر فـي قصائده عن هموم وطنه وأحوال عصره، وتغنى بالبطولات العمانية، ولا سيما تلك التي قادها الأئمة والسلاطين البوسعيديون ضد من لهم مطامع فـي عمان. تنوعت موضوعات شعره بين الفخر، والحكمة، والرثاء، والمدح، واحتوت قصائده على لغة عربية جزلة وصور بلاغية تعكس تمكنه من الأدب العربي الكلاسيكي.

كتب ابن رزيق عددًا من المؤلفات منها: ثمانية دواوين شعرية، ومن هذه الدواوين: ديوان «سبائك اللجين»، وهو ديوان شعري فـي مدح السيد سالم بن سلطان وابنه محمد. ونظم ابن رزيق ديوانا شعريا آخر فـي مدح السيد محمد بن سالم بعنوان «فصوص المرجان»، وله ديوان «فرقان الجمان فـي مدح العلامة ناصر بن أبي نبهان»، وديوان «نور الأعيان وضوء الأذهان فـي مدح محسن بن زهران العبري»، وديوان «سلك الفريد فـي مدح السيد ثويني بن سعيد» وقصيدة «الشعاع الشائع باللمعان فـي ذكر أئمة عمان». وله فـي فن المقامات كتاب عنونه بـ«علم الكرامات المنسوب إلى نسق المقامات»، يضم 60 مقامة. ومن الكتب التي كتبها ابن رزيق كتاب «الصحيفة القحطانية»، وكتاب «الصحيفة العدنانية»، وكتاب «سراج المسترشد الهادي إلى مناقب الإمام الممجد ناصر بن مرشد»، وكتاب «السيرة الجليلة المسماة سعد السعود البوسعيدية»، وكتاب «المؤتمن فـي ذكر مناقب نزار واليمن».

تُعد مؤلفات ابن رُزَيق مصدرًا أساسيًا للباحثين فـي تاريخ عُمان ومنطقة الخليج العربي فـي القرن التاسع عشر. فقد تميزت أعماله بدقة السرد، وحيادية الطرح، واعتماده على مصادر متعددة، بما فـي ذلك شهادات معاصريه ووثائق رسمية. كما لعبت قصائده دورًا فـي تعزيز الهُوية الوطنية وتوثيق الروح القومية العمانية فـي مواجهة التحديات الخارجية.

من أهم مؤلفات حميد بن محمد بن رزيق كتاب «الفتح المبين فـي ذكر السادة البوسعيديين»، ولقد كتب هذا الكتاب بطلب من السيد حمد بن سالم بن سلطان البوسعيدي، إدراكا من السيد حمد أن القلم هو من يخلد السيرة لأجيال طويلة. وأن تاريخ جده الإمام أحمد بن سعيد الحافل بالأعمال والمنجزات لن يحصل على التقدير، إلا إذا دُوِنت هذه الإنجازات فـي كتاب ليقرأه الناس ويتداولونه أجيالا كثيرة. ويقول ابن رزيق فـي ذلك: «فقد سألني ذو الدراية والاحتشام والأخلاق الرضية...، السيد حمد ابن مولانا سالم بن سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي اليمني الأزدي، أن أشرح له ما سمعته وحفظته من أهل المعرفة والأنساب والأخبار المطبقة للصواب عن نسب الإمام الحميد أحمد بن سعيد، وما جرى فـي سيرته الجليلة، ومملكته العلية، وعن السبب الذي استأصل به من اليعاربة السلطان، وصار بيده ما كان بيدهم من زمام الزمام بعمان، وأن أبين له فراغي من ذكر نسبه وسيرته وحدود مملكته بلا إبهام، سيرة أولاده النجباء الكرام، وما جرى لهم من الشأن الشائع بعمان مع الأعيان».

رتب ابن رزيق كتابه على أربعة أبواب، جعل فـي كل باب عدة فصول، الباب الأول تناول فـيه سلسلة البيت البوسعيدي، وذكر فرسانهم وشعراءهم، ثم يذكر فـي هذا الباب عددًا من الأخبار القديمة كقصة أصحاب الأخدود، وخروج الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة، وخروج ابن ذي يزن إلى كسرى، ثم يتناول عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته من الأزد والصحابيات الأزديات، ويختم هذا الباب بمجموعة من مشاهير العلماء العمانيين. والباب الثاني حول تاريخ أئمة عمان مبتدئًا بالإمام الجلندى بن مسعود وصولا إلى الإمام أحمد بن سعيد، ويكتب فـي هذا الباب عن تاريخ عمان فـي عهد الدولة الأموية ويسترسل فـي سيرة عمر بن عبدالعزيز العطرة، بعدها يستعرض أئمة عمان وأهم إنجازاتهم فـي خدمة وطنهم والدفاع عنه.

يمثل حميد بن محمد بن رُزَيق بن بخيت النخلي رمزًا من رموز الثقافة العمانية، جمع بين براعة الشاعر ودقة المؤرخ، فاستحق مكانته الرفـيعة فـي سجل الأدباء والمؤرخين العمانيين. لقد وثّق بعين الشاعر وأمانة المؤرخ حقبة مفصلية من تاريخ بلاده، فجعل من إرثه جسرًا بين الماضي والحاضر للأجيال اللاحقة.

توفـي حميد بن محمد بن رُزَيق النخلي عام 1874م بعد حياة حافلة بالعطاء الأدبي والتاريخي. وقد بقيت مؤلفاته، خاصة كتابه «الفتح المبين فـي سيرة السادة البوسعيديين»، مرجعًا مهمًا للمهتمين بتاريخ عُمان والخليج العربي، ولا تزال أعماله تُدرّس وتُحلل فـي الأوساط الأكاديمية إلى اليوم .

بدرية الشعيبية تربوية وباحثة في الشأن التاريخي

مقالات مشابهة

  • القائد يحذر “إسرائيل”: الحصار بالحصار
  • ابن رُزَيق
  • العثور على دولفين نافق ونقله لتحنيطه بمعهد علوم البحار بالسويس
  • العثور على دولفين نافق بخليج السويس.. ومعهد علوم البحار يتدخل لتحنيطه
  • علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري
  • خط الشّام..
  • تزكية عزان آل سعيد رئيسا للجنة الأولمبية العُمانية .. وعبدالله أمبوسعيدي نائبا
  • إطلاق صفحة إلكترونية متخصصة لمؤشرات المرأة العُمانية
  • مسعود بارزاني: نساء كوردستان مثال للتضحية والإباء
  • وزيرة البيئة تناقش مع نائب وزير البيئة الألماني تمويل التنوع البيولوجي