أسوأ من العدو أصحاب العقارات وتجار الحروب
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
أسوأ من #العدو #أصحاب_العقارات و #تجار_الحروب
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
كلنا نصبر على ظلم العدو وبغيه، وعلى جرائمه وعدوانه، وعلى أعماله الدنيئة وفعاله القبيحة، وعلى سوء خلقه وخساسة نفسه، لكننا لا نخضع له ولا نركع، ولا نستجيب له ولا نسلم بأمره، ولا نئن أو نصرخ، ولا نجزع ولا نفزع، وإن كنا نتألم ونتوجع، ونحزن ونغضب عندما يقصف بيوتنا ويدمر بلداتنا، ويقتلنا وأبناءنا، ويشردنا وأهلنا، ويرتكب الموبقات في حقنا، وينفذ فينا المجازر والمذابح، ويقتل أطفالنا وصغارنا، ويبقر بطون نسائنا ويجهض الأجنة في أحشائهن، بل نصمد في وجهه ونقاومه، ونتحدى صلفه ونقاتله، ونحط من كبريائه ونذله، ونرفض سياسته ونصمد، ونقاوم طرده ونثبت.
فهذا هو عدونا، وهذه هي طباعه السيئة، وهذه هي سجيته المريضة وفطرته العفنة التي فطر عليها وعرف بها، ونشأ عليها وتربى، وتواصى بها وتعاهد عليها، فهو قاتل ظالم بغي مستبد، محتل مستوطنٌ طاردٌ عنصري، وبغير هذا لا يكون عدواً، ونحن لا ننتظر منه غير ما رأينا وما ذقنا، ولا نتوقع منه رحمةً ولا رأفةً، ولا نرجو منه حباً ولا مودة، ولا نأمل منه عدلاً ولا إنصافاً، ولا مساواةً واعترافاً، والتاريخ يشهد على سيرته الدموية العدوانية معنا، فهو لا ينفك منذ أكثر من عقدٍ من الزمان يحاول السيطرة على أرضنا، والاستحواذ على خيراتنا، وسرقة تراثنا، ونبش قبورنا وبعثرة أجيالنا، وطردنا من أرضنا أحياءً واقتلاعنا منها أمواتاً.
مقالات ذات صلة الحقيقة العارية 2024/12/04الحمد لله الذي أنجانا من هذا العدو الظالم وخلصنا منه، واستطعنا دحره ومنعناه من تحقيق أهدافه، وأفشلنا مشروعه وبقينا على أرضنا هنا في لبنان شوكةً في حلقه، وصخرةً تتحطم عليها معاوله، وسداً يفشل مشاريعه، ويحبط خططه، وعاد أهلنا إلى بيوتهم ولو أنها مهدمة،وإلى بلداتهم ولو أنها مدمرة، لكنهم عادوا زحوفاً مؤمنةً، وأفواجاً واثقةً بالعز على أرضها، وبالكرامة في ديارها.
وما كان هذا ليتحقق لولا الدماء العزيزة التي سفكت، والأرواح الطاهرة التي زهقت، والمقاومة الصادقة التي ثبتت، والرجال الشجعان الذين قاتلوا، والمرابطون الثابتون الذين صمدوا، وصبر الشعب على ما أصابه ولحق به، واحتماله التشريد والنزوح ومغادرة الديار، والبحث عن ملجأ للعيش في البرد والعراء، وفي الشوارع والميادين، والمدارس ومراكز الإيواء، في ظل القصف الذي يستهدفهم، والغارات التي تلاحقهم، لأن العدو يعلم أن صمودهم سلاحٌ، وأن صبرهم نصرٌ، وأن ثباتهم له فشل، وعودتهم إلى بلداتهم له خزيٌ، ولجيشهم ذل.
لكن العدو الأسوأ الذي لا نصبر عليه ولا نقبل منه، كان في انتظارهم، بل كان يتربص بهم ويتآمر عليهم، ويتمنى أن تطول محنتهم وأن تستمر أزمتهم، وأن تتأخر عودتهم ويطول بهم البقاء بعيداً عن بيوتهم وبلداتهم، فهم يستفيدون من نكبتهم، ويقتاتون على معاناتهم، ويكتنزون سحتاً من دمائهم، أولئك هم شرار الخلق وشراذمة الناس، الذين لا يشبون البشر إلا في أشكالهم، ولا ينتمون إلى الإنسانية إلا بأسمالهم، بينما هم براء من الإنسانية ومن الوطنية، ومارقون من الدين و ينتسبون إليه وإن اسقبلوا قبلتنا وصلوا، وصاموا شهرنا ودعوا بدعائنا.
إنهم السماسرة وأصحاب العقارات وملاك الشقق السكنية، الذين يبتزون المواطنين ويذلونهم، ويخضعونهم إلى قوانينهم أو يشردونهم، ويفرضون عليهم شروطهم أو يطردونهم، ويقسون عليهم ولا يرحمونهم، ويستغلون حاجتهم ويضغطون عليهم، ويفاوضونهم باستعلاء أو يستغنون عنهم، ويساومونهم على الأجرة أو يستبدلونهم، ويتواصون فيما بينهم لئلا يشذ أحدٌ من أصحاب العقارات عن سياستهم، ويخرق بسماحته احتكارهم، ويفقدهم الكسب الحرام الذي حققوه، ويحرمهم من السحت الذي نالوه.
إنهم تجار الحروب وسماسرة الموت، السم الزعاف الذي يسري بيننا، والوحوش الضارية التي تعيش معنا، الذين يظنون أن ما يجمعونه سينفعهم، وأن ما يراكمونه سيخدمهم، وما علموا أنهم يجمعون كد الفقراء وبؤس الأشقياء، ويمتصون دماء الضعفاء، ويشربون عرق الناس، ويحرمون الأطفال من حليبهم، والمرضى من دوائهم، والجياع من طعامهم، هؤلاء الفاسدون المرضى، المرابون الشرهى، شأنهم شأن العدو الذي يوجههم ويشجعهم، لا يختلفون عنه في القتل وابادة، وفي التجويع والحصار، وفي الحرمان والتعذيب.
استغل هؤلاء المارقون أصحاب المكاتب العقارية، وملاك الشقق السكنية، وأصحاب المشاريع العمرانية، حاجة المواطنين الذين دفعوا عنهم ثمن العزة والكرامة، وسددوا فاتورة الشرف والشهامة، وقدموا أرواحهم فداءً لهم، وضحوا بدمائهم في سبيلهم، وأجبروا على ترك بيوتهم التي كانت أعلى عماداً من بيوتكم، ليهنأ غيرهم ويسعد سواهم.
رفعه هؤلاء المحتكرون أجرة البيوت وضاعفوها، وفرضوا شروطاً على المحتاجين لها وبالغوا فيها، وألزموهم بمبالغ مقدمة وضماناتٍ مسبقةٍ، ومن لا يستطيع أخرجوه من البيت عنوةً، وألقوا متاعه وآثاثه البسيط أمامه، وربما استعانوا بالشرطة لطردهم، واحتكموا إلى القوانين الظالمة وغلبوهم بها، وجاؤوا بغيرهم ممن ألجأته الحاجة إليهم، وألزمتهم الظروف بهم.
أيها السادة ولستم بسادة، اعلموا أن من يسكن بيوتكم يرفع شأنكم ويزيد في شرفكم، ويمسح العار من على جبينكم، وهم الذين أبقوا على وجودكم، وحافظوا على هويتكم، وأمنوا أملاككم، وحافظوا على حقوقكم، فأنتم بدونهم لا شيء، فالمال لا يصنع الرجال ولا يخلق لشهامة، بل الرجال هم صناع المال وأهل الشهامة، وغيرهم ربائب الفسق والنذالة، وعما قريب ستجدون أنفسكم في حاجتهم، تتسولون رضاهم، وتسألون عفوهم، فهم كرامٌ أكثر منكم، وأسيادٌ قبلكم، وأطهارٌ لا يشرفهم أن يكونوا أمثالكم، لأنكم رجسٌ ونجاسة، وعارٌ ونذالةٌ، ولولاهم لاستباحكم العدو ونال منكم، وطردكم من عقاراتكم أو دمرها عليكم، لولا أنكم تخدمونه وتنفعونه، وتؤدون عنه دوراً قذراً يتمنى تحقيقه، ألا بئس الناس أنتم، وشؤم الخلق أنتم، يا عاراً نبرأ إلى الله عز وجل منكم ومن شركم.
بيروت في 4/12/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: العدو أصحاب العقارات تجار الحروب أصحاب العقارات
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع ترامب كسب الحروب التجارية قبل "الرصاصة الأولى"؟
يرى الكاتب السياسي دانيال مكارثي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعرف بالضبط ما الذي يفعله بالتعريفات الجمركية. الآخرون في حيرة: لماذا أعلن فرض ضرائب باهظة على الواردات من كندا وكذلك المكسيك والصين؟، من الواضح أن لأمريكا مصلحة في الانفصال الاقتصادي عن الصين، بصفتها قوة عظيمة منافسة.
يستخدم ترامب التعريفات الجمركية لتحديد التوقعات مع الجارة الشمالية
كتب مكارثي في موقع "ريل كلير بوليتيكس" أن ترامب، ومن خلال فرض تعريفات جمركية على الواردات المكسيكية أولاً ثم تعليقها، تمكن من جلب حكومة المكسيك إلى طاولة المفاوضات بشروطه. حقق ذلك نتائج فورية في مكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالفنتانيل والمخدرات الأخرى إلى الولايات المتحدة.
ترسل الرئيسة كلوديا شينباوم الآن 10 آلاف جندي لتأمين الجانب المكسيكي من الحدود. ولديها شهر واحد لإنجاز المهمة وإبرام صفقة أكبر وأطول مدى مع الولايات المتحدة، أو ستعاود سريعاً فرض الرسوم الجمركية في مارس (آذار). ترامب يغضب محافظي كندا
مثل المكسيك، مُنحت كندا مهلة 30 يوماً لتسوية الأمور. وثمة المزيد للحديث عنه بخلاف الحدود الشمالية. يضايق ترامب رئيس الوزراء جاستن ترودو بشأن تحويل كندا إلى الولاية الأمريكية رقم 51. من الصعب تخيل تعريفات جمركية عالية بما يكفي لتحقيق ما لم يتمكن اجتياحان من تحقيقه على مدار مئتي عام تقريباً.
Can Trump Win Trade Wars Before They Start? https://t.co/zMFO1DRyvw
— RealClearPolitics (@RCPolitics) February 4, 2025حاولت أمريكا الاستيلاء على كندا بالقوة في الحرب الثورية وحرب عام 1812، وفي المرتين كانت تأمل أن ينقلب الكنديون تلقائياً ضد حكومتهم، ويطالبوا بحقوق وحريات المواطنين الأمريكيين. مع ذلك، يأتي أحد المكونات الأساسية للهوية الوطنية الكندية من المحافظين المؤيدين لبريطانيا، والذين فروا من المستعمرات الأمريكية بدلاً من الانضمام إلى الثورة الأمريكية. المحافظون الكنديون، بمن فيهم الرجل المتمتع بأفضل أمل لهزيمة الحزب الليبرالي في الانتخابات القادمة بيار بواليفير، لا يريدون أن يصبحوا أمريكيين.
إنهم غاضبون بشكل وطني من تهديد التعريفات الجمركية، وهم في خطر سياسي، إذا احتشد الكنديون حول الحكومة الليبرالية كمدافع عن سيادتهم وشرفهم الوطني، لكن ترامب يعرف كل ذلك.
يستخدم ترامب التعريفات الجمركية لتحديد التوقعات مع الجارة الشمالية للولايات المتحدة، تماماً كما فعل مع الصين والمكسيك. في بعض الأحيان يكون أفضل شيء يمكن أن يفعله الشخص أو الأمة لصديق هو أن يكون صارماً. لطالما كانت كندا غير جادة بشأن الوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه شعبها وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، على حد سواء.
من المفترض أن يساهم أعضاء الحلف بما لا يقل عن 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. أنفقت كندا 1.37% فقط السنة الماضية، ووعد ترودو بأن تصل بلاده إلى عتبة 2% بحلول 2032.
Can Trump Win Trade Wars Before They Start?
A Commentary By Daniel McCarthy
Donald Trump knows exactly what he's doing with tariffs.
More At Rasmussen Reports:https://t.co/5pqHh4QidN pic.twitter.com/GBreao8aWo
وفق الكاتب، ليس هذا تعهد زعيم يشعر بأي إلحاح حيال توفير أمن بلاده، ناهيكم عن مساعدة الأصدقاء عندما تكون هناك حرب بالقرب من حدودهم. حتى الآن، كان رؤساء الوزراء الكنديون راضين عن السماح لأمريكا بدفع فاتورة الأمن، وهو ما دفع ترامب إلى التساؤل عن سبب دفع الولايات المتحدة ثمنها إذا لم تكن الأرض أرضها.
ما لا تستطيع أمريكا تحمله توجه معاملته القاسية لترودو رسالة إلى أوروبا، حيث بدأ المزيد من دول الناتو تلبية مساهماتها الدنيا البالغة 2%، لكن بالكاد يتم ذلك: على سبيل المثال، أنفقت ألمانيا 1.3% على الدفاع في 2023 ولم ترفع ذلك إلا إلى ما يزيد بقليل عن 2% في السنة الماضية، بالرغم من أن حلف شمال الأطلسي يواجه أعظم تحد له منذ نهاية الحرب الباردة مع غزو روسيا لأوكرانيا.في القرن الحادي والعشرين، لا تستطيع أمريكا تحمل أن يخدعها الأصدقاء أكثر مما تستطيع أن تتحمل عدم الحذر بشأن القوة الصينية أو الفوضى المكسيكية. يستخدم ترامب أساليب سلمية – وإن كانت مؤلمة – لتغيير سلوك الأصدقاء والأعداء على حد سواء. الكلمة الأجمل وحقيقة ترامب للتأكيد، هو يعتقد أن "التعريفات الجمركية" هي الكلمة الأكثر جمالاً في اللغة الإنجليزية: ترامب هو بلا خجل "رجل التعريفات الجمركية"، لكنه أيضاً صانع صفقات أولاً وقبل كل شيء، ويمكن تجنب التعريفات الجمركية إذا كان الطرف الآخر على استعداد للتوصل إلى اتفاق يخدم مصالح أمريكا بشكل أفضل.
في نهاية المطاف، التجارة مع أمريكا هي في مصلحة الجميع، من الصين مروراً بالمكسيك وصولاً إلى كندا – تقدم الولايات المتحدة شيئاً، ولكنها لا تحصل على ما يكفي في المقابل. يقصد ترامب تغيير ذلك، والتعريفات الجمركية أداة قوية للقيام بذلك. يعرف كيف يفوز بإمكان استراتيجية الرئيس أن تساعد حتى في إعادة الوظائف وسلاسل التوريد إلى أمريكا، دون الحاجة إلى دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ. لدى الشركات، الخائفة من احتمال فرض تعريفات جمركية، حافز لتخطيها من خلال إعادة الإنتاج إلى أمريكا، وتكريس المزيد من الاهتمام بالسوق المحلية.
ولدى الشركات الأمريكية، التي تعتمد على الواردات الأجنبية، كل الأسباب للبدء بالتحرر من اعتمادها الآن، من خلال إيجاد مكونات بديلة لن تخضع للتعريفات الجمركية.
وختم مكارثي مقاله مشيراً إلى أن ترامب يعرف كيف يفوز في الحروب التجارية قبل إطلاق الرصاصة الأولى، إذا جاز التعبير.