عند تحليل ديناميكية السلطة والمقاومة، يُفيدنا أن نذكر أنفسنا أن المقاومة عادة ما تتخذ صيغة تتناسب مع نموذج السلطة. وتأتي أشكال المقاومة من جنس السلطة المفروضة.
ينتبه المفكر وعالم الاجتماع الإيراني الأمريكي آصف بيات في كتابه «الحياة سياسة: كيف يغيّر بسطاء الناس الشرق الأوسط»، إلى أن ظروف الشرق الأوسط، والأنظمة السياسية السلطوية الحاكمة، التي لا تتسامح مع الاعتراض أو - وبشكل أشد - مع الانتظام المدني المستقل، تجعل التواصل المنفتح بين الأفراد المعترضين، وتنظيم العمل الحركي أمرا غير ممكن.
لذلك فإن ما يصنع التغيير في هذه المجتمعات ليس الحركات بل ما يسميه «اللاحركات»، والتي تعني بشكل أساسي الحضور في الفضاء العام، على نحو يتحدى السلطة، ويُقيم في الوقت نفسه صلة خفية بين الأفراد «العاديين» الفاعلين، في شبكات سلبية (بمعنى أنها غير فاعلة)، التي تتكون في الأحياء، والشوارع، والمساجد، والجامعات، وأماكن العمل.
فبالنسبة لآصف بيات، فالبائع المتجول الذي يفترش الطرق هو فاعل في اللاحركة، ومثله المرأة التي تتجاوز أعراف اللباس المفروضة، والشباب المتململ في النواصي الذي يجعل قضية البطالة حاضرة ومرئية. وبهذا يكون أي احتلال للأماكن العامة، على نحو يُضيف وظيفة أخرى للمكان، بجانب الغرض الذي أوجد من أجله بالأساس، نوع من النشاط والفعالية في اللاحركة.
يبدو أن حافز آصف بيات لتطوير هذا المشروع قادم من عجز نظرية الحركة الاجتماعية (التي طُورت بشكل أساسي في أمريكا) على فهم الطريقة التي يجري بها التغيير في الشرق الأوسط. فإذا ما أخذنا الحركة الاجتماعية لتعني «شكل من أشكال التحدي المنظم الواعي والمستقل للسلطات القائمة»، يُمكن القول إن كثيرا مما نشهده من منعطفات في مسيرة التغيير الشعبية لا يُمكن أن يُطلق عليها «حركات». درجة التخويف والترهيب في بلدان الشرق الأوسط، وحقيقة أنه لا يُمكن إقامة اتصال حر وحوار مفتوح ضمن الحركة، يجعل الأفراد يلجؤون إلى طرق إبداعية لتأكيد الإرادة العامة، عبر اكتشاف المخارج والثغرات، والاستفادة منها، من خلال ما يُسميه «فن الحضور».
مفهوم اللاحركة يتجاوز الثنائيات محدودة الأفق الفاعل/المفعول به، الفردي/الجمعي، السياسي/المدني؛ لـ «يفتح إمكانيات جديدة لبحث الممارسات الاجتماعية غير المشاهدة، والتي يمكن أن تحدث تغييرا اجتماعيا كبيرا. كما أنه يكشف عن منطق الممارسة بين التجمعات المتفرقة والمتباعدة تحت ظرف الحكم التسلطي الذي يمنع فيه التجمعات الحرة والتواصل النشط.
باستخدام هذه الأداة للنظر لتغيرات المجتمعات، نُعيد للشعب دوره الفاعل في فرض التغيير، ونقوض الفكرة التي تدعي بأن أي تغيير اجتماعي إيجابي قادم من رأس السلطة. ونرى الوسائل العديدة التي تتبناها الشابات والشباب والفئات المهمشة، لجعل قضاياهم مرئية. مهما ضُيق على الحريات، وفُرضت قيود على العمل المنظم.
ثمة نوع من التضامن الذي يُطمئن في أن ترى مثيلاً لك (من تشترك معه في الهوية، الهواجس)، يستخدم الأدوات التي تستخدمها، دون أي تنسيق أو تواصل. وثمة أشواط تُقطع عبر حضور أمثلة سابقة تُوحي بحضور المشكلة على مدى يطول، ويبقى رغم غياب التوثيق، والتحليل، والتتبع.
ورغم أن المدن تمتلك طرقا لإخفاء أكثر جوانبها قتامة، خلف الواجهات التي تحمي الأكثر امتيازا من أن تُجرح بمشهد المهمشين، إلا أنهم يجدون طرقهم دائما في زعزعة هذه الصورة الساكنة، وصنع سياسات جديدة عبر حياتهم العادية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرق الأوسط الذی ی
إقرأ أيضاً:
ترامب المظلوم.. وكلوديا الثائرة!
تصريحات متناقضة، وبجاحة سياسية غير مسبوقة، واحتلال أمريكى مغلف بالإنسانية يقوده بلطجى العالم ترامب ملخص الساعات الأخيرة، وأتوقف عند تصريحين يكشفان ما يخطط له هذا «الترامبي»، ويبدو أنه سيغير خريطة الشرق الأوسط بشكل صارخ ودون سابقة إذا لم تكن هناك «استراتيجية مواجهة» وموقف عربي صلب وتشكيل لوبى عالمى مساند للقضايا العربية.
الأول، تشبيه إسرائيل بالدولة الصغيرة جدًا مقارنة بدول الشرق الأوسط، رغم ما تملكه من تقنيات وقوة ذهنية وفكرية وهى تستحق أكبر من مساحتها الحالية مشبها إسرائيل بقلم صغير مقارنة بمكتبه الكبير «الشرق الأوسط» الذى يجلس عليه! فكيف تتسع مساحة إسرائيل دون ضم الضفة الغربية وغزة، خاصة أنه معجب بالأخيرة وموقعها الفريد على المتوسط، وبناء أرض جميلة دون أن يذكر من سيسكن فيها؟!
والثانى، يقول فيه: ليس من الإنسانية الإبقاء على سكان القطاع فى مكان لا يصلح للعيش لمدة 15عامًا.. رغم أن مصر ضامنة لتعمير القطاع فى 3 سنوات فقط دون تهجير السكان من القطاع، والتناقض أن الرجل يتعذب بسبب المكان «غير اللائق» بفعل الآلة والسلاح «الأمريكى الإسرائيلي» ولا يتعذب بطردهم من أراضيهم!
مؤشرات تؤكد قرب التهام إسرائيل للضفة الغربية وغزة، وما شجع ترامب عليها عدم وجود رد فعل قوى بعد اعترافه خلال ولايته الأولى بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وقتها أكد أنه تم تحذيره من الإقدام على ذلك، خوفًا من ردود فعل العرب التى سبق أن رفض القيام بها 5 رؤساء أمريكيين.
ترامب يرفع سقف مطالبه المتشددة للحصول على تنازلات تُعد «مكاسب» له ومن يدعمهم ويعتبرها الطرف الآخر مكسبا لخفضه سقف مطالبه! وانطلاقًا من عقيدته المسيحية الصهيونية وفلسفته البرجماتيه كرجل أعمال «اصفع خصمك أولًا.. ثم اعقد الصفقات»!
هو لا يعرف إلّا لغة القوة ولا يعير اهتمامًا بالضعفاء حتى لو خاطبوه بمدح واستعطاف فليست لديهم القوة التى يخشاها أو المال الذى يسيل له لعابه..!
ترامب تراجع أمام وحدة أوروبا، وكندا قاطعت المنتجات الأمريكية ورفض مواطنوها السفر لفلوريدا وأريزونا للسياحة هروبًا من الطقس البارد مفضلين التجمد شتاء عن الإذعان لترامب، والمكسيك هددت بمواقف أكثر تشددًا تؤثر سلبًا على اقتصاد أمريكا، ووجهت رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم «الثائرة» رسالة قاسية لترامب وخفف من تهديداته، وقالت له: من السهل بعد الجدار الذى بنيتموه مع دول العالم التوقف عن شراء منتجاتكم من سيارات ووسائل اتصال، والإقبال على منتجات أمريكا اللاتينية وأوروبا التى تتمتع بتقنيات ومحتوى أفضل.
سنستخدم أحذية التنس المكسيكية، وتنحية ديزنى والذهاب إلى منتزهات أمريكا الجنوبية والشرق وأوروبا، وهمبرجر المكسيك أفضل من همبرجر ماكدونالدز، وتساءلت: هل رأى أحد أهرامات فى الولايات المتحدة؟ فى مصر والمكسيك وبيرو وجواتيمالا ودول أخرى، توجد أهرامات ذات ثقافات لا تصدق.
أين توجد عجائب العالم القديم والحديث، لا يوجد أى منها فى الولايات المتحدة.. يا للأسف على ترامب، كان سيشتريها ويبيعها!!
إذا لم يشترِ الـ7 مليارات مستهلك منتجاتكم، سينهار اقتصادكم، وستتوسلون إلينا لهدم الجدار المشئوم.. لم نكن نريد ذلك، لكن أنتم أردتم جدارًا، ستحصلون على جدار!