جواد.. أبوّة روحيّة للمسرحيّين الشباب
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
فـي افتتاح مهرجان المسرح العماني الثامن، سألت المكرّم د.عبد الكريم جواد عن شعوره وهو يقف على المسرح لا بصفته مخرجا، ولا كاتبا، ولا مشاركا ومحاورا، بل مكرّما عن جهوده التي قدّمها للمسرح العماني على مدى أكثر من أربعة عقود، أجاب «التكريم شرف وتقدير وأعتبره تكريما من كلّ الفنانين لأنهم أهلي واخواني وأصدقائي، وأبنائي، هذه الأسرة الجميلة التي عايشتها على مدى عقود طويلة، اليوم أفخر بهم، وأعتز بهم وأعتبر أن التكريم لي، ولهم».
فـي هذه الكلمات عبّر د. عبد الكريم جواد عن انتماء الفنّان الحقيقي لمجتمعه المسرحي الذي يجد به الأخ والصديق والقريب، فالمسرحيون أسرة واحدة، وهو أب روحي للكثير من المسرحيين الشباب، هذا هو جواد الكاتب والمخرج، والأكاديمي، والناقد، والباحث، والمدرّب، وفـي بدايته الممثّل، فهو مسرحي شامل، لعب جميع الأدوار، وتقريبا، تجده حاضرا فـي كلّ فعالية ومهرجان مسرحي محلّي، وداعما، فإن لم يكن مشاركا، فبالتأكيد يقدّم مداخلة.
وحكاية د. عبدالكريم جواد مع المسرح العماني طويلة، بدأت مع تأسيس مسرح الشباب فـي مسقط عام ١٩٨٠ فانضمّ إليه، وتلقّى أولى دروس المسرح من د.مصطفى حشيش، عن تلك المرحلة يقول جواد «كنّا يافعين، ولكننا كنّا ممتلئين بالتطلع والأمل والأحلام»، وفـي العام نفسه (١٩٨٠) شارك بأوّل مسرحية من مسرحيات الشباب، وكانت (تاجر البندقية)، فـي تلك التراجيديا الشكسبيرية وقف ممثّلا، وهو يؤدّي دور (أسانيو) أمام الفنانة فخرية خميس التي أدّت شخصية (اوشيا)، بعدها دخل مجال الإخراج، وشهد عام 1986م إخراجه أول مسرحية وكان عنوانها «أريد أن أفهم» لتوفـيق الحكيم، أعقبها بمسرحية (دختر شايل سمك) التي أعدّها عن موليير، وهو اليوم يعتزّ بها لكونها «كانت محاولة حقيقية لإيجاد مسرح شعبي يقدّم الترفـيه والفكاهة بطريقة محترمة وبذات الوقت يحمل رسالة»، كما يقول، وبعد نجاح التجربة داخل سلطنة عمان، جرى عرضها عام ١٩٨٧ فـي البحرين، ولاقت نجاحا كبيرا، ثم الّف وأخرج العديد من المسرحيات من بينها (السفـينة ما تزال واقفة) عام 1987 و(مخبز الامانة) فـي العام نفسه و(إشاعة فوق تنور ساخن) عام 1989 و(الكرة خارج الملعب) عام 1991 و(هدف غير مقصود) عام 1992 و(الفلج) فـي العام نفسه و(عائد من الزمن الآتي) التي شاركت بمهرجان المسرح الخليجي السادس الذي أقيم فـي مسقط 1999م ونال عنها جائزة أفضل إخراج، و(رجل بلا مناعة) عام 2000 و(احتفالية شجرة الخير) عام 2001، و(زهراء سقطرى) 2005م و(بيت الدمية) 2008م إلى جانب أعمال أخرى عديدة.
خلال ذلك سافر إلى بريطانيا لتكملة دراسته العليا، وكنا نلتقي فـي زياراته لمسقط، وأتاح لي مهرجان المسرح العماني الأول الذي أقيم فـي عام 2004 م فرصة محاورته، والإصغاء إلى مداخلاته فـي الندوات التطبيقية، التي كشفت عن ثقافته المسرحية الرصينة، واطلاعه الواسع على المدارس المسرحية، وخبراته المتراكمة، وفـي تلك الأيام كان قد انتهى من كتابة أطروحته الأكاديمية التي حملت عنوان (العناصر الأسطورية فـي المسرح المعاصر)، وتناول فـيها علاقة المسرح بالأسطورة منذ نشأته عبر التاريخ إلى عصرنا الحالي، وتوقف عند توظيف الأسطورة فـي المسرح العماني والعربي ومناهج النقد المسرحي الحديث، مسلّطا الضوء على الكثير من العروض المسرحيّة العمانيّة، فقد حمل على أكتافه قضايا المسرح العماني وسبل تطويره، وحين صدرت الأوامر السامية فـي عام 2008م بتشكيل لجنة عليا تقوم بدراسة وضع المسرح والدراما العمانية لرسم خطة للنهوض به كان على رأس اللجنة، كما أسندت إليه إدارة مهرجان المسرح العماني الثامن منذ عام 2011 ولغاية 2015م.
على المستوى الشخصي يتمتّع د. عبد الكريم جواد بحسّ إنساني رفـيع، متواضع، يحتفـي بالأصدقاء، ويبتكر المناسبات ليجمعهم، وقبل سنوات بعيدة، اقترح بأن نلتقي مساء كلّ خميس بمقهى منطقة «الخوير» بمشاركة دائرة ضيقة من الأدباء، والفنانين، ومن بينهم الراحل صادق جواد سليمان، ود. خالد الزدجالي، وكان يدعو ضيوف سلطنة عمان لحضور هذه الجلسات ومن بينهم : الكاتب محفوظ عبدالرحمن ود. مدكور ثابت.
وبعد سنوات أمضاها خارج سلطنة عمان للتدريس فـي قسم المسرح بجامعة قطر، عاد ليواصل نشاطاته المسرحية، ويشغل موقع استشاري مشروع المسرح الوطني، فرهاناته على المسرح العماني تبقى قائمة، فهو يقول «أتطلع إلى مستقبل زاهر ومعطاء وثري فـي المسرح العماني، لأنه يحظى باهتمام وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وقبل ذلك يحظى باهتمام مولانا المقام السامي، الذي له نظرة خاصة للمسرح كفنّ له أهمية كبيرة وعطاء فـي تفعيل الواقع الثقافـي والحاضر الثقافـي واستشراف المستقبل».
ويأتي تكريمه اليوم فـي مهرجان الكويت المسرحي فـي نسخته الرابعة عشرة التي تعقد فـي الفترة ٤-١٢ ديسمبر الجاري، إلى جانب عدد من المسرحيين الخليجيين من أعضاء اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون الخليجي السابقين والحاليين، بمناسبة مرور ٤٠ عاما على تأسيسها، تتويجا لهذه المسيرة التي ستظلّ متوهّجة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المسرح العمانی مهرجان المسرح
إقرأ أيضاً:
«تنكر».. محاولة في «البوب» العماني
كنتُ أتصفح كعادتي الصحف العالمية، ضجرة كالعادة من العناوين الغارقة فـي مركزية الغرب حتى عندما يحاول ادعاء موقف آخر فـي الظاهر. أصبحتُ أكثر حساسية للموضوعات التي تنشرها الصحف الأمريكية والأوروبية عما يحدث فـي غزة. شاركتني صديقتي قبل أيام منشورًا لكاتب فلسطيني ينبه للغة التي تستخدم فـي كل من نيويوركر، ونيويورك تايمز، إذ نشرت الأولى مقالًا بعنوان «غزونة الضفة» والثانية مقالًا بعنوان «النجاة من غزة» تُطبع كارثية غزة وتجعلها مكانًا للفاجعة فحسب، بدلًا من الإشارة للحديث عن «النجاة بغزة» يصبح بدلًا الحديث عن «النجاة منها». نشرت نيويوركر هذا الأسبوع مقالًا بعنوان «التحول لليهودية فـي أعقاب السابع من أكتوبر» للكاتبة جيني سوك غيرسن، وتحكي فـي مقالها هذا قصة تحولها لليهودية بعد لقائها بزوجها اليهودي نوح، غيرسن كورية مسيحية، هاجرت من كوريا لأمريكا مع أسرتها عندما كان عمرها ست سنوات، واجهت غيرسن تحديات كثيرة فـي بدايات علاقتها بنوح سواء من قبل عائلته، أو الحاخام اليهودي المرتبط بالعائلة، ذلك بسبب الديانة اليهودية التي تشترط أن تكون الأم يهودية ليصبح الأبناء يهوديين بدورهم، لتبدأ قصة تحول طويلة ومعقدة. ليس هذا ما يلفت الانتباه بصورة خاصة فـي «التاريخ الشخصي» الذي ترويه غيرسن، بل فـي حديثها عن المجتمعات الصغيرة التعليمية التي نشأت وتضاعفت بعد السابع من أكتوبر عام 2023. تقول غيرسن أنها اكتشفت كون رحلتها هذه جزء من حركة أكبر بدأت مع ما أسمته «أزمة أكتوبر 2023». والتي تسببت بخروج مظاهرات مناهضة لإسرائيل ارتفعت معها معاداة السامية ــ لاحظ معي عزيزي القارئ، يتم ربط إسرائيل بالسامية دومًا، وكنا قد تحدثنا كثيرًا عن هذا الربط غير البريء ـــ تكتب غيرسن عن الكسر والرعب داخل المجتمع اليهودي، ومع ذلك لاحظ الحاخامات من مجموعة واسعة من المؤسسات اليهودية شيئًا لم يتوقعوه وهو زيادة الاهتمام باليهودية فـي أمريكا. فكتبت عن لقائها بإليوت كوسجروف، الحاخام المحافظ ومؤلف الكتاب الجديد «لمثل هذا الوقت: عن كونك يهوديا اليوم»، أنه منذ 7 أكتوبر رأى مشاركة من «داخل وخارج حدود الجالية اليهودية التقليدية» على مستوى لم يشهده من قبل. شمل ذلك زيادة عضوية الكنيس، وتوسيع التسجيل فـي برامج المدارس العبرية، - ودورات تحول للأشخاص المهتمين بأن يصبحوا يهودا. الجدير بالذكر أن اليهودية خلافا لبعض الديانات الأخرى لا تعتمد على «التبشير» إلا أن هذا لم تحتجه اليهودية فـي هذا الوقت. تكتب غيرسن نقلًا عن الحاخامة ليزا روبن فـي الكنيس المركزي «مركز استكشاف اليهودية» الذي يعمل على تثقيف الوافدين الجدد لليهودية، بأن البرنامج سجل ضعف العدد المعتاد للطلاب بل أن قائمة الانتظار وصلت لسبعة أشهر. معظم من سجلوا هذه الدورات شعروا بأن هذا الوقت صار أكثر إلحاحًا، حتى أولئك الذين كانوا مرتبطين بشركاء يهود، شعروا بأهمية أن يتعجلوا هذه الخطوة فـي هذا الوقت. تذكرت بهذا الصدد تحولًا لاحظته وناقشته مع أصدقائي من غزة وخارجها، حول خيارات الجماهير السياسية والتي تغيرت قبل وبعد السابع من أكتوبر، من دعم للجماعات الإسلامية السياسية، أو حتى الموقف من الدين، حتى مع الاختلاف الأيدلوجي مع الحركة الإسلامية للمقاومة حماس، أو الاختلاف مع حزب الله اللبناني، إلا أن هذه الاختلاف تمت مراجعته، هنالك تيارات جديدة حتى داخل الحركات السياسية الناشئة، فأصبحنا نقرأ عن مجموعة تعتبر«يسارية» إلا أنها تتهم بتبعية محور الممانعة ومركزيته كما نعلم إيران. كيف يمكن أن تصبح حتى المؤسسات الصحفـية والثقافـية والنشاطوية التي تقدم نفسها عربيًا بكونها كويرية، داعمة للمانعة والمحور الذين يعتبرون إسلاميين، كل هذه المعادلات أصبحت تُقرأ فـي سياقها الجديد. شخصيًا عرفتُ العديد من الأشخاص الذين تدينوا أكثر من السابق بعد السابع من أكتوبر، آخرين وإن لم يكونوا متدينين وقدموا أنفسهم فـي أماكن لجوئهم فـي الغرب بـ«كونيين» اعتمادًا على أطروحة الإنسان «الكوني» بدلًا من الانتماءات القومية والعقدية وغيرها، أعادوا النظر بعد خذلانهم من هذه المنظومة التي تدعي الكونية عندما لا يشمل ذلك غير معتقدات الأوروبيين والأمريكيين، فباتوا يقدمون أنفسهم كمسلمين لشعورهم بمسؤوليتهم الأخلاقية تجاه موقف هذه الدول من هذه الجماعات وإبادتها التي يجري تحقيقها بالفعل فـي غزة. أتذكر أنني قبل نحو ثلاث سنوات قدمتُ مراجعة للعديد من الكتب منها «أرض جوفاء» لايال وايزمان وكتاب آخر هو «اليهود العرب: قراءة ما بعد كونوليالية فـي القومية والديانة والأثنية» للكاتب يهودا شهناف شهرياني، واللذان يقدمان فـي بعض فصولهما كتابة عن الأسس الدينية لإسرائيل التي تدعي العلمانية، والتي تضعنا إزاء نوع من الابتزاز يجعلنا متوجسين من الخلط بين اليهودية والصهيونية، فـيما يشبه ذلك الابتزاز المزدوج الذي كتب عنه سلافوي جيجك وان فـي سياق آخر، حول تحول اليسار الأمريكي والأوروبي للتعاطف مع التيارات الإسلامية على اختلافها، تعويضًا عن تركة الاستعمار وخوفًا من تهمة الاستشراق والمركزية. ما أحاول قوله إن مراجعة اليهودية وتعلم العبرية ينبغي أن تكونا من ضمن اهتماماتنا فـي العالم العربي والإسلامي اليوم، وقراءة ممارسات دولة الاحتلال فـي ضوء الأثر اليهودي الديني ضرورية أكثر من أي وقت سابق مع يقظة واجبة تجاه الاستقطاب، والنكوص نحو الأصوليات والأديان والتعصب، أكثر من أي وقت سابق. (1) مَن منكم لم يُجرّب فكرة الغناء فـي الحمام؟ أغلبنا إن لم يكن كُلنا نفعل ذلك. وفـي الأعراف والآداب - ليس الحَمّام كما يجري نَعته ببيت الراحة- هو المَكان الذي يليق باكتشاف المواهب الصوتية فـي الثقافة الإسلامية على الأقل، فما بالكم بالأدائية! لكن الجميع ربما يتفقون على أنهم جرّبوا فكرة الغناء فـي بيت الراحة. بهذا المعنى، يُمكن لأي كلمات أغنية ساميّة أو هابطة تخطر على بال صاحبها فـي الحَمام، أن يَركض إلى تسجيلها إمّا كتابة على الورق، أو على هاتفه المحمول أو كتابتها بإصبع روج للزينة على المرآة. إذا اتفقنا على النقطة السابقة حول اعتقاد إمكانية اكتشاف الموهبة فـي الحَمام وتحررها فسأنطلق إلى النقطة التالية: كّل من لا يَملك صوتا موسيقيا، فليذهب إلى الحَمام يُدندن بكلمات وألحان، ثم يخرج إلى الشارع لينسبها إلى نفسه، ويوثقها بعد ذلك لدى الجهات الرسمية الخاصة لحفظ حقوق الملكية الفكرية، وإذا جرى اعتماد الكلمات وصاحب الصوت صارت الأغنية «ترند»، سوف يصفق له الغالبية العظمى من الجمهور المتابعين على وسائط التواصل الافتراضي، وليس شرطا تسجيل الأغنية فـي أستيديو، أو على خشبة المسرح، إذ يكفـي توفر جهاز لوحي وطاقة هائلة من التحفـيز والانتشار. هذا الشكل من الغناء المُنتشر بين أوساط الشباب يدعى «البوب»، حتى إذا لم تكن أصوات المؤدين له مميزّة! عُدت إلى جوجل وشات جي بي تي، فوجدت التالي: البوب وموسيقاه «مصطلح مستمد أصلا من اختصار الكلمة الإنجليزية «Popular» والتي تعني (شعبية وشائعة)» ويبدو أن منشأها كان فـي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة فـي خلال منتصف خمسينيات القرن العشرين. ويستطرد جوجل فـي الكشف عن تداخل البوب مع غناء الروك والموسيقى الشعبية فـيقول: «غالبًا ما يُستخدم مصطلحا (الموسيقى الشعبية)، و(موسيقى البوب) بالتبادل، رغم أن الأول يصف جميع الموسيقى الشائعة، ويتضمن العديد من الأساليب المتنوعة. كان مصطلح (بوب)، و(روك)، مترادفـين تقريبًا حتى أواخر الستينيات، عندما انفصلا تمامًا عن بعضهما البعض». وأفهم هنا، أن الانفصال بهذا المعنى هو الانطلاق. ويُلخص شات جي بي تي تعريف «البوب» «تميّزه بنغمات سهلة وألحان تجذب الجمهور وموضوعات الحب والعلاقات والاحتفالات، ويعتمد الأداء على الغناء المميز مع استخدام أصوات وألحان إلكترونية أو كلاسيكية وجمهوره واسع ورسائله تتجنب القضايا الجدلية». أمّا تعريف «البوب» العربي فهو نمط موسيقي يتأسس على «الجمع بشكل تركيبي ألحان البوب مع عناصر من أنماط إقليمية عربية مختلفة، تستخدم بشكل رئيسي الأدوات الغربية بما فـي ذلك القيثارات الكهربائية أو لوحات المفاتيح الإلكترونية، فضلا عن الآلات التقليدية مثل العود والدربوكة. ومن سمات موسيقى البوب العربية هي النغمة العامة والمزاج العام للأغاني، وتميل الكلمات إلى التركيز على الشوق والكآبة -أعوذ بالله وهذه من عندي- والنزاع وقضايا الحب بشكل عام». أمّا ما يُمكن أن يُميز نمط البوب العماني فالعثور عليه مسألة فـي غاية الصعوبة، فمحركات البحث معلوماتها شحيحة، لكني عثرت على صفحة فـي الفـيسبوك للشاب (هيثم محمد رافـي) يذكر فـيها لمتابعيه أن له أغنية «بوب» اسمها (غاوي) أنزلها قبل ثلاث سنوات. إن تاريخ المنشور هو 2023م، ما يفـيدنا أن (غاوي) كان أول انتشار لها هو عام 2020م. ويستطرد ليعرّف لنا فهمه لغناء البوب قائلا: «إنه نعمل (مكس) بين الإيقاعات العمانية مع (الستايل) الغربي بطريقة حديثة مع الروح الأصلية». ثم يُعلن عن أغنية جديدة اسمها (يمه) بستايل «بوب» عماني استخدم فـيها الإيقاع العماني الدان والليوا. (2) «تنكر.. مو ذا الشغل ما يدخل أبد فلوس، كل يوم أقوم الساعة سبعة، أروح أدُور على البيوت، ماشي ماي. أطلع أشوف كل واحد رايح الدوام، يضربني غَم يوم أشوفهم، أتمنى لو ألبس ذاك المصر، وأروح الوزارة بدل ما أدُور بيوت، ليش أنا منحوس؟ ماشي فلوس فـي المندوس...». لا شك فـي أن أغنية «تنكر» إحدى أغاني «البوب» العماني الأصيل؛ البوب الذي أخذ يتشكّل منذ سنوات لدى عدد من الشباب فـي الوطن العربي بوجه عام. ويبدو أن الظهور الأول لأغنية «تنكر» حسب محرك البحث جوجل كان فـي عام 2011م. وبعد محاولات عدة لمعرفة صاحبها سواء عن طريق جوجل أو الذكاء الاصطناعي، أو الشباب الذين صاروا يؤدون غناء «الرَّاب» فـي أعلى نماذجه العربية المرتبطة بثورات الربيع العربي، أو «البوب» المحلي لم أستطع الوصول إلى صاحبها. تندرج كلمات أغنية «تنكر»، حسب مفهوم «البوب» العربي بوجه عام فـي قضايا الشباب اليافعين ومعاناتهم المختلفة على أصعدة كثيرة؛ يبثون عن طريقها رسائل اجتماعية وظروفا مالية ومشاعر وطنية. إن كلماتها، حظيت بالانتشار، فأول وهلة أتذكر عند سماعي لها أنّها راقت لي كثيرا؛ وقلتُ فـي نفسي: من الجيد أن يُعبّر جيل الشباب عن قضاياهم العامة بلغتهم الخاصّة وحساسيتهم الجديدة، وبالتحرر من قوالب الأغنية الكلاسيكية المعروفة. وهذا الشأن لا يقتصر على أغاني «البوب» فـي وطننا العربي، بل هو امتداد طبيعي وحيوي للخروج على التقاليد الغنائية والإبداعية كافة، كما فعل بريخت فـي مسرحه الملحمي بالخروج على وحدات أرسطو الدرامية الثلاث، أو تمرّد قصيدة النثر على بناء القصيدة العمودية. وفـي سياقنا العماني أستشهد بمحاولات بعض المبدعين الذين أظهروا طاقات فنية جميلة جدا سواء فـي تأليف الكلمات، أو فـي تصوير مشاهد الأغاني، أو فـي استثمار التقنية الحديثة عن طريق تقديم محتوى تأثيري على السوشال ميديا، فلا يقتصر التطوّر على غناء «البوب» وحده، بل تقديم فـيديوهات ناقدة واعية، على سبيل المثال ما يقدمه الفنانان الممثلان (عبدالحكيم الصالحي، والصلت السيابي) حيث تخصص كل واحد منهما فـي التعبير بأسلوب أدائي خاص به، أو بعض الذين يقدمون أعمالا كوميدية هادفة كالفنان الممثل (عبدالله الغافري أبو حميد) الذي يمزج بين المتعة والقيمة الفكرية، فـي بعض أعماله الفنية. وعطفًا على كلمات أغنية «تنكر»؛ إنّ أول ما يلفت الانتباه إليها هو محليّتها، بساطتها، واقعيتها، بالتالي قدرتها على نقل الواقع المجتمعي لشرائح مختلفة من الأسر العمانية البسيطة، مما ساعدها على الانتشار ودخولها إلى القلوب، بالإضافة إلى ذلك محاولتها تقديم أغنية «بوب» عمانية بإيقاعات ديسكو، تتضمنها فـي البعد الاجتماعي أمنيات شاب يقود «تنكر» ويبحث عن وظيفة أفضل فـي قطاع الحكومة، ويطمح إلى الزواج. يُغني: «كل واحد يسوق سيارة، وأنا عندي تنكر بدون إشارة، أحلم أصير أنا وزير، ولا حتى واحد كبير...»، كلمات أقرب ما تكون إلى إثارة «الشكوى»، و«الاعتراض»، و«الاستجداء»، يُغني: «صار سنين وأنا أسوق تنكر، الشغل صار حظ ويانصيب، سويت حادث كربخ... كربخ، راح التنكر ماشي تأمين ولا فُل بيمه، ساعدوني الشيمة... إلخ». (3) هل «البوب» نص أو هو اللاّنص؟ «البوب» يعيدني إلى انشغال المثاقفة العرب بالسؤال التالي: هل عرف العرب المسرح فـي تاريخهم الحضاري الطويل؟ تعرّف العرب على المسرح الذي قَدَم إليهم من الخارج، فأحبوه وعشقوه وأنتجوا فـيه. بمعايير النقد الثقافـيّ ليس مستغربا دراسة «البوب»؛ لأنه نجح فـي تكوين ذائقة مجتمعية جديدة طالعة فـي الوطن العربي، فأحبوه وأنتجوا فـيه، فاستطاع كسب نسبة من الاعتراف به ضمن الثقافة العامة. لكن صموده إزاء تعريف النصّ لا يجعله يحقق نتاجًا، وعلى النقاد الحرث فـيه إلى أجل غير مسمى. |