أكد الدكتور حسان محمد حسان، أستاذ أصول التربية بجامعة دمياط، خلال كلمته في ثاني أيام الأسبوع الدعوي الرابع المنعقد بجامعة الزقازيق، والذي تنظمه اللجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر، بعنوان «الإنسان والقيم في التصور الإسلامي»، أن الأمن هو الشعور بالطمأنينة والاستقرار حتى يستطيع الفرد أن يعمل ويفكر، فالمجتمع يحتاج في تحقيق سلامه وطمأنينته والقيام بدوره إلى الأمن، مضيفا أن للأمن جوانب ثلاثة مكملة لبعضها وهي الأمن الفردي والأمن المجتمعي والأمن العالمي، وقد جاء القرآن الكريم بما يحقق للإنسان الأمن في حياته بجميع جوانبها، حيث عالج القرآن مفهوم الأمن القومي في قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، كما عالج الأمن بمفهومه المادي، ومن ذلك قوله تعالى "واطعمهم من جوع وأمنهم من خوف"، وعالج الأمن الفكري والإيماني، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالأمن مصداقا لقوله تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله"، وبهذا فقد عالج القرآن الكريم جميع جوانب الأمن في حياتنا.

 
 
وأوضح أستاذ أصول التربية بجامعة دمياط أن القرآن الكريم أيضا قد عالج فكرة أمن البيئة والحفاظ عليها، مع تأكيده على الأمن العالمي، بتحريم قتل النفس لحفظ أمن المجتمع وتقليل الحروب بما يسهم في تحقيق امن العالم أيضا، موضحا أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الأمن في حياتنا وبما يمكن أن يؤدي إلى اضطراب المجتمع، ومن ذلك الحروب والنزاعات والشائعات والفقر والبطالة والأمية والإلحاد والإدمان وغيرها الكثير من المهددات التي تواجه الأمن المجتمعي، مشددا على ضرورة الوعي بمثل تلك المهددات لمعالجتها ووضع الحلول الناجعة لها لتجنب مخاطرها، وتوعية شبابنا بها ليكونوا قادرين على مجابهتها والتغلب عليها. 
 
وبين حسان أن البنية القيمية للأمن المجتمعي  تتشكل من عدة قيم، من أهمها الأخوة مصداقا لقوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة"، وقيمة "مجتمع البنيان المرصوص"، وذلك من قوله تعالى كأنهم بنيان مرصوص"، وأيضا قيمة الولاية بين المؤمنين، مصداقا لقوله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"، وقيمة التواصي بالحق والصبر من قوله تعالى: "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، وقيمة الحب بين المسلمين وبعضهم البعض، والتي تترسخ بها علاقات الناس بعضهم ببعض ليتحقق بينهم التكافل والتعاون البناء والإيثار، وبتحقق هذه القيم يتحقق لمجتمعنا أمنه واستقراره.  
 
من جهته، قال الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إن واقعنا اليوم صعب وبه الكثير من التحديات، حيث أصبح التمسك بالدين وعرى الشريعة في أقل حالاته، وقد صدق نبينا الكريم "صلى الله عليه وسلم" حين قال "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة"،  وقوله أيضا "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ"، فانتشرت في مجتمعنا الكثير من السلوكيات والأخلاقيات التي تتنافى مع ديننا ومجتمعنا،  لافتا أن الأكثر غرابة والأشد خطرا أن من يرتكبون تلك السلوكيات يرون أنفسهم على حق والآخرين على باطل، وقد لخص شوقي حالنا هذه بقوله:
 ما كان في ماضي الزمان محرما.. للناسِ في هذا الزمانِ مباحُ 
صاغو نعوت فضائلٍ لعيوبهم.. فتعذر التمييزُ والإصلاحُ
 
وبين فضيلته أنه ورغم ذلك لا يزال هناك أمل، ولا زالت أمامنا الفرصة، ما دام هناك تواصل وحوار نتمكن به من تغيير هذا الواقع ومجابهة تلك التحديات والمخاطر، شريطة حسن استثمار الفرصة، وسيرتنا النبوية مليئة بالكثير من النماذج التي تحثنا على حسن استغلال الفرص، ومن ذلك ما ورد عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه إنه قال: (كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بوَضوئِه وحاجته: فقال لي: سلْ، فقلتُ: أسألُك مرافقتَك في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعنِّي على نفسِك بكثرة السجود)، والنموذج الثاني الذي يبين الفرق بين حسن استغلال الفرص وتضييعها، أن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتى أعرابيًّا فأكرَمه فقال له: ( ائتِنا ) فأتاه فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (سَلْ حاجتَكَ) قال: ناقةٌ نركَبُها وأعنُزٌ يحلُبُها أهلي] فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أعجَزْتُم أنْ تكونوا مِثْلَ عجوزِ بني إسرائيلَ)؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ وما عجوزُ بني إسرائيلَ؟ قال: (إنَّ موسى عليه السَّلامُ لَمَّا سار ببني إسرائيلَ مِن مِصرَ ضلُّوا الطَّريقَ فقال: ما هذا؟ فقال علماؤُهم: إنَّ يوسُفَ عليه السَّلامُ لَمَّا حضَره الموتُ أخَذ علينا مَوثقًا مِن اللهِ ألَّا نخرُجَ مِن مِصْرَ حتَّى ننقُلَ عِظامَه معنا قال: فمَن يعلَمُ موضِعَ قبرِه؟ قال: عجوزٌ مِن بني إسرائيلَ فبعَث إليها فأتَتْه فقال: دُلِّيني على قبرِ يوسُفَ قالت: حتَّى تُعطيَني حُكْمي قال: وما حُكْمُكِ؟ قالت: أكونُ معكَ في الجنَّةِ"، فبين لنا كيف استغلت عجوز بني إسرائيل الفرصة وضيعها الأعرابي.
 
 وأكد  الدكتور محمود الهواري أن مجتمعنا العالمي المعاصر مليء بالكثير من القيم، لكنها قيم عرجاء تقوم على المادية البحتة والازدواجية الواضحة، في ظل ما نراه من عدوان مستمر على غزة ولبنان، أما قيمنا الإسلامية فهي قيم ربانية تحافظ على المجتمع، بما فيها من قيم تؤكد حرمة النفس والمال والعرض وغيرها من الأمور التي يستقيم بها المجتمع، مؤكدا أن القيم الإسلامية، وعلى عكس القيم العالمية الزائفة، هي قيم صادقة وحقيقية، تعمل على تحقيق التوازن بالجمع بين العلم والعمل، والجمع بين العقل والقلب، بما يحقق للإنسان التوازن المطلوب في حياته.
 
وفي ختام المحاضرة، تم فتح باب النقاش والأسئلة، حيث أكد الدكتور الهواري في معرض رده على سؤال لأحد الطلاب أن كل إنسان يولد على الفطرة، ثم يأتي التدخل البشري فينحرف الإنسان عن فطرته السليمة، وكان نبينا الكريم دائما ما يهتم بمعالجة كل ما يعتري فطرة الإنسان السليمة من اعوجاج، وعلى شباب اليوم الحذر الشديد من مشكلات العصر وتحدياته، في ظل ما نراه من انفتاح غير مسبوق وفرته مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف النقالة، التي أصبحت مليئة بالكثير من المشكلات والمخاطر عبر ما فيها من ترويج لسلوكيات وأفكار مرفوضة ومحرمة، أصبحنا نرى الكثير منها منتشر في مجتمعنا اليوم، وبما يشكل تحديا كبيرا للفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها، محذرا الطلاب من الانجراف وراء سلوكيات يرفضها ديننا مثل الإلحاد والانتحار وغيرها مهما كانت الأسباب، لما في ذلك من تجرؤ على الله تعالى وتحد لإرادته، وأن نتمسك بالإيمان به تعالى فالإيمان أمان، كما أكد الدكتور حسان أن الأمن الثقافي من أهم انواع الأمن في مجتمعنا، خاصة في ظل ما نعيشه من غزو ثقافي، فأصبح من السهل استهداف قيمنا الفكرية والسلوكية والتأثير عليها وتغييرها وإحلال القيم الغربية محلها، ما يوجب علينا الانتباه والحذر وتوعية الأجيال الشابة من الوقوع ضحايا لها.
 
حضر الندوة الدكتورة نادية محمد الصاوي، عميد كلية التربية الرياضية بنات بجامعة الزقازيق، التي رحبت بعلماء الأزهر وتقديرها لدورهم المهم في التواصل مع الشباب والرد على تساؤلاتهم واستفساراتهم عن قرب، وتوعيتهم بمخاطر السلوكيات المرفوضة والأفكار المتطرفة، كما حضر الندوة لفيف من عمداء الكليات وأساتذة الجامعة وعلماء الأزهر الشريف، أدار الندوة الأستاذ محمد الدياسطي عضو المركز الإعلامي بمشيخة الأزهر.
 
تأتي لقاءات «أسبوع الدعوة الإسلامي» الرابع، التي تستمر على مدار هذا الأسبوع في رحاب جامعة الزقازيق، في إطار مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي،" بداية جديدة لبناء الإنسان"، وتهدف إلى إعداد خريطة فكرية تتناول بناء الإنسان من جميع جوانبه الفكرية والعقدية والاجتماعية، وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا في المجتمع، وذلك بمشاركة نخبة من كبار العلماء بالأزهر الشريف.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: استثمار الفرص الدكتور محمود الهواري عدوان مستمر على غزة أصول التربية بنی إسرائیل قوله تعالى الکثیر من الله علیه الأمن فی فی ظل ما ى الله

إقرأ أيضاً:

طعام حذر منه النبي إياك أن تأكله

تركنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة، ونهانا عن كل ما يعرضنا لغضب الله سبحانه وتعالى.

أكل يحرم تناوله

وأوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرص على الحلال في طعامنا وشرابنا وحذرنا صلوات الله وسلامه عليه من أكل الحرام لأنه يقود صاحبه إلى جهنم وبئس المصير، فمن كان مصدره الحلال يجعل دعائك مرجو القبول، وما كان مصدره من حرام يحرم الإنسان من نعم كثيرة ويحجب عنه عفو الله ورحمته.

لماذا أشعر بالابتلاء رغم قربي من الله ؟

علمنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه كيف نحرص على الطيب الحلال في كل ما نأكله ونشربه فقال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: يا أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ويقول يا رب، يا رب، ومطعمه من حرام، ومشربه من حرام، وملبسه من حرام، وغذي بالحرام فأنى أي فكيف يستجاب له ؟.

باللقمة الحلال يغفر الله للعبد بها، واللقمة الحرام تحجب الدعاء، عن الإجابة، منوها بأنه يروى عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وهو صحيح موقوف على بعض الصحابة، قال "العبادة عشرة أجزاء تسعة في طلب المعيشة"، أي: الكسب الحلال الذي يعيش به الإنسان،" وجزء في سائر الأشياء.

هل الأكل الحرام يمنع إجابة الدعاء ؟

أنه لو أكل شخص مال شخص آخر بالباطل كأنه أكل ماله هو، وهذا لأن الإنسان لابد ان يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فهذا المعنى المقصود في ذلك.

فالله- عز وجل- أمرنا بأكل الحلال، وأمر المرسلين بما أمر به المؤمنين، وقال الله- تعالى- في سورة المؤمنون "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"، ونهانا الله- عز وجل- عن أكل أموال الناس بالباطل، مستشهدا في ذلك بقول الله- تعالى- في سورة البقرة "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ".

فبيًن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو اقتطع من أخيه شيئا حوسب به، قالوا يا رسول الله حتى ولو شيء بسيط، قال ولو كان عودًا من أراك- أي من سواك.

فعلى الإنسان ان يكون على يقين بأن مسألة أكل الحرام ليست بشيء هين، وعليه ان يراعي ربنا في مال غيره ويتعامل معه كأنه ماله، مستشهدا بحديث ورد عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه.. وعن علمه فيم فعل فيه.. وعن ماله من أين اكتسبه.. وفيم أنفقه.. وعن جسمه فيم أبلاه".

مقالات مشابهة

  • الدعوة إلى استلهام دروس المناسبة في تعزيز القيم والمبادئ الإيمانية والاستمرار في نصرة الشعب الفلسطيني
  • السفير الرحبي: زيارة الدكتور بدر عبد العاطي إلى مسقط تؤكد عمق الروابط الأخوية التي تجمع البلدين
  • بين الدين والعلم
  • كيف يرفع الله البلاء سريعا؟.. بذكر واحد تبتعد عنك المصائب
  • آية ودلالة: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ"
  • طعام حذر منه النبي إياك أن تأكله
  • أعمال شهر رجب .. تعرف على أفضلها وداوم عليها
  • حكم أكل لحم النعام والأحاديث الواردة في ذلك
  • هل يجوز تغيير لون البشرة أو الشكل؟.. الدكتور شوقي علام يجيب
  • ما حكم بيع السجاد المكتوب عليه لفظ الجلالة والصلاة عليه؟.. الإفتاء تجيب