عادل حمودة يكتب: هنا أمريكا وطن اغتيالات الرؤساء
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
عادل حمودة يكتب: ـ هنا أمريكا وطن اغتيالات الرؤساءـ تهديدات لفريق ترامب بتفجير القنابل والاعتداءات الجنسيةمحاولة اغتيال ترامب
إيلون ماسك بدأ الحرب بهجمات على موظفى الحكومة الفيدرالية ليقدموا استقالتهم أسباب قتل الرؤساء تبدأ بدعوة لتغيير سياساته وتنتهى بإثارة الجانى إعجاب ممثلة.
يضع «دونالد ترامب» قطنا فى أذنيه حتى لا يسمع صوت أحد سواه.
حبس عقله فى سجن انفرادى له باب دخول وليس له باب خروج.
وضع النظام السياسى الأمريكى على خشبة ألقى بها فى المحيط وراحت الأمواج تحركها إلى مصير مجهول.
أراد الانتقام من مؤسسات الدولة التى تصور أنها أبعدته عن الرئاسة حتى تنفرد بمحاكمته وسجنه.
اختار مجموعة من أصحاب السوابق ليصبحوا وزراء فى حكومته الجديدة.
بدا مثل قائد إضراب فى سجن نجح فى طرد المأمور ولكنه عين مجرما فى منصبه.
لم يستوعب أن العند يولد العنف.نسى أنه تعرض للاغتيال مرتين وهو مجرد مرشح للرئاسة يتمسح مثل قط سيامى أليف فى الناخبين فهل سينجو للمرة الثالثة بعد أن أصبح رئيسا؟.
إن الرصاص كان يحسم الخلاف السياسى دائما إذا ما عجزت الديمقراطية الأمريكية عن تصفيته.
كانت الأزمات والخلافات والتناقضات إذا ما احتدمت ووصلت إلى طريق مسدود فإن السلاح يخرج من جرابه ليفرض إرادته على الجميع.
ما لا يأتى بالتفاهم يأتي بالتقاتل.إنها عقيدة أمريكية مزمنة ظلت تحت الجلد منذ زمن «الكاو بوي».
لم يتذكر «دونالد ترامب» أن أربعة رؤساء سبقوه قتلوا وهم فى السلطة وأن ثلاثة غيرهم تعرضوا لمحاولات اغتيال كان هو واحدا منهم.
كانت غالبية هذه الجرائم مدفوعة دائما برغبة فى تغيير سياسة حكومية ما.
حسب المؤرخ الأمريكى «جيمس دبليو كلارك» فإن «معظم منفذى أو محاولى الاغتيال كانوا عاقلين ودوافعهم سياسية».
فى الساعة العاشرة والربع من مساء يوم الجمعة ١٤ أبريل ١٨٦٥ كان الرئيس «إبراهام لينكولن» فى مسرح «فورد» يشاهد مسرحية «ابن عمنا الأمريكي» مع زوجته «ماري» والرائد «هنرى راثبون» وخطيبته «كلارا».
فى ذلك الوقت دخل «جون ويلكس بوث» عليه مقصورته فى الشرفة من الخلف وأطلق عليه النار مما أدى إلى إصابته بجروح قاتلة فقد على أثرها الوعى ودخل فى غيبوبة استمرت تسع ساعات مات بعدها.
القاتل ممثل مشهور يرفض سياسية الفيدرالية التى يتبناها «لينكولن» وحارب من أجلها كما يرفض تحرير العبيد ومنحهم حق التصويت.
هو بنفسه وضع خطة التخلص من «لينكولن» هو ونائبه «أندرو جونسون» ووزير الخارجية «ويليام سيوارد».
لم ينج «بوث» من العقاب وقتل برصاص «يوسطن كوربيت» الجندى فى جيش الاتحاد وراء سور مزرعة فى فيرجينيا بعد ١٢ يوما من الحادث وفيما بعد أعدم أربعة متآمرين شاركوا فى وضع خطة الاغتيال.
لم يتذكر «ترامب» تلك الجريمة ولن يتذكرها فهو لم يقرأ كتابا سياسيا أو تاريخيا واحدا فى حياته.
وللسبب نفسه لن يتذكر أيضا عملية اغتيال الرئيس «جيمس جارفيلد».
فى الساعة التاسعة والثلث من صباح يوم السبت الثانى من يوليو عام ١٨٨١ أطلق عليه الكاتب والمحامى «تشارلز جيتو» النار مرتين بمسدسه وهو فى محطة قطارات «واشنطن».
نجا «جارفيلد» من الموت ولكنه توفى بعدوى فى المستشفى يوم ١٩ سبتمبر ١٨٨١.
سئل القاتل عن دافع القتل قبل إعدامه شنقا يوم ٣٠ يونيو ١٨٨٢ فأجاب:
ــ شعرت بخيبة أمل عندما تجاهلنى جارفيلد وعين شخصا بلا خبرة سفيرا فى فرنسا.
كانت اختيارات «جارفيلد» السيئة فى المناصب العليا سببا فى التخلص منه.
إنه السبب نفسه الذى يثير غضب مؤسسات الدولة كلها من اختيارات «ترامب» فى وزارات الصحة والزراعة والخارجية والعدل والدفاع وفى الاستخبارات الوطنية وغيرها.
ويصنف «ترامب» بأنه ينتمى إلى التيار «اللاسلطوي».
فى الساعة الرابعة وسبع دقائق من مساء يوم الجمعة ٦ سبتمبر ١٩٠١ قتل شاب ينتمى للتيار «اللاسلطوي» الرئيس الأمريكى «ويليام ماكينلي».
أطلق عليه «ليون كولجوش» النار مرتين من مسدس أتوماتيكى طراز «إيفر جونسون» عيار ٣٢ مم كان مخفيا تحت منديل وهو يشاهد عرضا موسيقيا فى نيويورك.
ارتدت الرصاصة الأولى من ميدالية يعلقها «ماكينلي» فى سترته واستقرت فى كمه واخترقت الرصاصة الثانية بطنه.
نجا «ماكينلي» من الموت بالرصاص ولكنه مات بغرغرينا انتشرت حول جروحه فى الساعة الرابعة والربع من يوم ١٤ سبتمبر ١٩٠١.
وفى يوم ٢٩ أكتوبر من العام نفسه أعدم «كولجوش» بالكرسى الكهربائى بعد محاكمة استمرت يومين لم يدافع فيها عن نفسه.
لكن المؤرخين السياسيين تحدثوا عن تضحيته بنفسه لتقوية التيار «اللاسلطوي» الذى يرفض سيطرة مؤسسات الدولة العميقة على قرارات الرئيس لصالحه. البيروقراطية بكل ما تستنزف من أموال عامة تأتى من جيوب الشعب.
إنه التيار نفسه الذى أحياه «ترامب» حتى وصل إلى البيت الأبيض لكن «ترامب» لم يقدر خطورة التيار المعارض له وهو يحاصره ويقصيه ويهدد مصالحه.
إن جهازًا واحدًا من أجهزة السلطة التى يمثلها التيار المعادى لترشيحات «ترامب» التى سيشكل بها إداراته اغتال واحدًا من الرؤساء المحبوبين فى الولايات المتحدة هو «جون كيندي».
فى الساعة الثانية عشرة والنصف من يوم الجمعة ٢٢ نوفمبر ١٩٦٣ أطلق النار على «كيندي» وهو فى سيارة مكشوفة تمر بشوارع مدينة «دالاس» ولاية «تكساس».
كان إلى جواره زوجته «جاكلين» وحاكم دالاس «جون كونالي» وزوجته.
أطلق القاتل النار مرة واحدة من الطابق السادس وهو فى مستودع كتب مدرسية مستخدما بندقية «كاركانو» عيار «٣٨».
أطلق النار على «كيندي» مرة واحدة فى ظهره لتخرج الرصاصة من رأسه بعد أن مرت على حنجرته.
توفى «كيندي» فى الساعة الواحدة ظهرا بعد أن فشل أطباء مستشفى «باركلاند ميموريال» فى إنقاذه.
اتهم باغتياله جندى مشاة سابق فى البحرية هو «لى هارفى أوزوالد» وأثناء نقله إلى سجن المقاطعة قتل برصاصة أطلقها مالك ملهى ليلى هو «جاك روبي» الذى ألغيت إدانته فيما بعد.
لم تصل لجنة «وارن» التى حققت فى الجريمة إلى الفاعل لأصلى.
لم ترض النتيجة ثمانين فى المائة من الأمريكيين الذين يصرون على أن الجريمة وراءها مؤامرة دبرتها الاستخبارات الوطنية التى لم يحترم «كيندي» رؤساءها ولم يستمع إلى نصائحهم ولم يقرأ تقاريرهم وأحال إلى التقاعد الكثير منهم عقابا لهم على فضح علاقته الجنسية بنجمة الإثارة «مارلين مونرو».
اللافت للنظر أن أحد اختيارات ترامب التى لاقت استهجانا كان اختياره «تولسى جاريد» مديرا للاستخبارات الوطنية.
وما يثير المخاوف فى الولايات المتحدة أن ما دافع البعض إلى اغتيال الرئيس أحيانا ما يكون دافعا شخصيا «تافها».
فى ٣٠ مارس ١٩٨١ كان الرئيس «رونالد ريجان» عائدا إلى سيارته «الليموزين» بعد إلقاء خطاب فى فندق «هيلتون واشنطن» عندما أطلق عليه «جون هينكلي» جونيور ست طلقات نارية من مسدس «روم آر جي» عيار ٢٢.
أصيب «ريجان» بجروح خطيرة بسبب رصاصة ارتدت من جانب سيارته الرئاسية وأصابته فى الإبط الأيسر وثقبت الرئة وسببت نزيفا داخليا خطيرا قربه من الموت عند وصوله مستشفى جامعة «جورج واشنطن».
قبض على «هينكلي» فى الدقيقة الأولى من الحادث وعندما سئل عن سبب ما فعل أجاب:
ــ أردت إثارة اعجاب الممثلة جودى فوستر.جريمة كادت أن تقضى على رئيس أقوى دولة فى العالم ارتكبها شاب صغير ليلفت نظر ممثلة سينما.
وفى محاولة اغتيال الرئيس «ثيودور روزفلت» سنجد دافعا أكثر غرابة.
فى يوم ١٤ أكتوبر ١٩١٢ أطلق «جون شرائك» صاحب صالون حلاقة فى نيويورك النار على «روزفلت» رغم أنه ترك منصبه قبل ثلاث سنوات.
فى محاكمته سئل «شرائك» عن دافعه فأجاب:
ــ زارنى الرئيس ويليام ماكينلى فى المنام وطلب منى الانتقام لاغتياله بقتل روزفلت.
إن قتل الرئيس فى الولايات المتحدة لا يحتاج على ما يبدو إلى سبب.
«ترامب» نفسه يعرف هذه الحقيقة بعد أن تعرض لمحاولة اغتيال قبل الانتخابات الرئاسية.
فى ١٣ يوليو ٢٠٢٤ كان يلقى خطابا فى تجمع انتخابى بالقرب من «بتلر» بنسلفانيا عندما أصيب برصاصة فى الجزء العلوى من أذنه اليمنى.
أطلق عليه «توماس ماثيو كروكس» ثمانى رصاصات من بندقية طراز إيه آر ١٥ من فوق سطح مبنى على بعد ٤٠٠ قدم من مكانه.
أطلقت القناصة المضادة التابعة للخدمة السرية النار على الشاب وأردته قتيلا.
جرب «ترامب» خطر الموت اغتيالا لكنه رغم ذلك يضع نفسه ويضع فريقه الانتقالى الجديد فى الخطر نفسه.
بل إن العديد من أفراد الفريق تلقوا تهديدات بالقتل وحرق بيوتهم وخطف أطفالهم.
شملت التهديدات النائبة الجمهورية «إليز ستيفانك» المرشحة لتولى منصب سفيرة لدى الأمم المتحدة والنائب السابق «لى زيلدين» المرشح لتولى منصب وكالة حماية البيئة.
كشفت «كارولين ليفات» المتحدثة باسم عملية انتقال السلطة عن تفاصيل لم يسبق نشرها حين قالت:
ــ تعرض العديد من مرشحى الرئيس ترامب لوزارته وموظفيه المعنيين فى الإدارة لتهديدات عنيفة لحياتهم وحياة من يعيشون معهم».
تراوحت التهديدات من الموت بتفجير القنابل إلى الاعتداء الجنسى.
جاءت هذه التهديدات بعد أن بدأ موقع «إكس» فى نشر تغريدات لمالكه «إيلون ماسك» تفضح شخصيات إدارية بالأسماء لتنفيذ خطة ترامب للتخلص من مليون موظف من الحكومة الفيدرالية وإجبارهم على الاستقالة.
أصبحت الحرب المعلنة بين مرشحى الوزارات والهيئات وبين العاملين فيها حربا معلنة على جميع أقنية التليفزيون والراديو.
لم تكن بحاجة إلى كشفها فأخبارها تملأ عناوين الصحف المحلية والقومية.
حرب ستبدأ باغتيالات فردية ثم تتمدد حتى تصل إلى صدامات أهلية.
لم تعد الولايات المتحدة على ما يبدو إلى من يضربها أو ينسفها أو يغتالها فقد ضربت ونسفت واغتالت نفسها بنفسها بسادية لا مثيل لها ووفرت على الدول الأجنبية شر القتال.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: عادل حمودة بايدن أمريكا رؤساء أمريكا الولایات المتحدة فى الساعة أطلق علیه النار على من الموت بعد أن
إقرأ أيضاً:
فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
ترجمة - نهى مصطفى -
لطالما شكل الشرق الأوسط مقبرةً للطموحات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يغادر الرؤساء المتعاقبون السلطة تاركين المنطقة في وضع أكثر تعقيدًا مما سبق.
سعى بيل كلينتون لتحقيق اختراق في عملية السلام، لكن جهوده انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية. أطاح جورج دبليو بوش بصدام حسين، فتحول مشروعه إلى مستنقع عزز نفوذ إيران. حاول باراك أوباما استثمار الربيع العربي ووقّع اتفاقًا نوويًّا مع طهران، لكن صعود تنظيم داعش وحرب سوريا عرقلا مساعيه. انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي وقُتل قاسم سليماني، لكنه ترك إيران أكثر جرأة. أما جو بايدن، فركز على تحقيق الاستقرار، ليجد نفسه في عامه الأخير يواجه تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة.
يجد ترامب نفسه اليوم أمام فرص حقيقية في الشرق الأوسط، قد تمنحه نفوذًا، لكنه في المقابل قد يفاقم أزمات المنطقة، كما بدأ بالفعل عبر خفض المساعدات ودعوته لإخلاء غزة. خلال ولايته، سيعتمد مصير الشرق الأوسط إلى حد كبير على قراراته، بين اغتنام الفرص أو تبديدها باندفاعه.
ترِكة ترامب الأولى تتعلق بإيران، التي كانت لعقود في صميم أزمات الشرق الأوسط. اليوم، تبدو طهران أضعف من أي وقت منذ ثورة 1979، مع محاصرة حماس وحزب الله عسكريًّا، وفشل صواريخها الباليستية في مواجهة الدفاعات الإسرائيلية، وفقدانها السيطرة الفعلية على سوريا، التي باتت تحت تحالف مناهض لها. في حين يعاني اقتصادها من سوء الإدارة والعقوبات وتراجع أسعار النفط.
في ظل هذه الأوضاع، بدأ القادة الإيرانيون يلمحون إلى انفتاح على اتفاق نووي جديد، إذ تبدو البدائل أكثر سوءًا. انتُخب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 ببرنامج يركز على تحسين الاقتصاد، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون اتفاق مع واشنطن وتخفيف العقوبات. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فرغم تشدده، يدرك تراجع قدرة إيران على الردع، في مقابل استعداد أمريكي-إسرائيلي متزايد للضربات الهجومية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو وترامب غير المتوقعة.
أبدى ترامب اهتمامًا بالاتفاق، وقد يدفعه المشهد الاستراتيجي الجديد للحصول على تنازلات إيرانية غير متوقعة، تشمل قيودًا مشددة على التخصيب النووي، وضوابط دائمة، وحدودًا على الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي.
رغم ذلك، تبقى حدود للتنازلات الإيرانية، وقد يتجاوز ترامب السقف المطلوب. لكن إبرام اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويحدّ من نفوذها الإقليمي يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. وإذا نجح ترامب في هذا، فسيتمكن من التباهي بـ«صفقة أفضل» من اتفاق أوباما، وبيعها للكونجرس.
الفرصة الثانية المتاحة لترامب في المنطقة هي إنهاء حرب غزة، التي تُعد أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار منذ حرب العراق، وبدء عملية تحقيق الاستقرار في «اليوم التالي». فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وردّ إسرائيل العنيف، غرقت غزة في مأساة غير مسبوقة. لكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، الذي تم التوصل إليه في 15 يناير بعد محاولات فاشلة وبمساعدة فريق ترامب القادم، قد يوفر مسارًا لإنهاء الحرب. وبعد 15 شهرًا من الدمار، أوقفت إسرائيل العمليات الكبرى، وبدأت حماس بإطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
المرحلة الأولى من الاتفاق محدودة زمنيًّا، ولا ضمان لاستمراريتها. ويعتمد الانتقال إلى المرحلة الثانية على قرارات صعبة بشأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، ومصير حماس. كانت صور الرهائن الهزيلين الذين أُطلق سراحهم في 8 فبراير تذكيرًا لإسرائيل بضرورة التوصل لاتفاق جديد قبل وقوع المزيد من الوفيات. وفي المقابل، تدرك حماس أن رفض الصفقة قد يكون مكلفًا، خاصة بعد تهديد ترامب بـ«الجحيم» وغياب أي دعم مرتقب من إيران أو حزب الله، مما دفعها أساسًا للموافقة على الاتفاق. إذا تمكن ترامب من تمديد الهدنة أو منع استئناف القتال، فسيكون أمامه فرصة لوضع أسس استقرار جزئي في غزة والضفة، وتمهيد الطريق لاتفاق «التطبيع» بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن هذا يتطلب إنهاء الحرب، إلى جانب التزام إسرائيلي بمسار يقود إلى دولة فلسطينية، وهو أمر مستبعد مع الحكومة الحالية، لكنه قد يصبح ممكنًا تحت ضغط ترامب، خاصة إذا رأى فيه فرصة للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، حيث كانت آفاق البلاد قاتمة حتى قبل حرب غزة، لكنها ازدادت سوءًا مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين. عانى لبنان لعقود، وتفاقمت أزمته منذ 2011 مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري. غير أن إضعاف حزب الله منح البلاد أخيرًا فرصة للتحرر من النفوذ الإيراني وبناء دولة أكثر استقرارًا وسيادة.
جاءت هذه الفرصة نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله منذ أن أخطأ في الانخراط بالحرب مع إسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر. رغم دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لعملية عسكرية كبرى ضد الحزب، تردد نتنياهو في البداية تحت ضغط إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي. وبحلول أواخر 2024، صعّدت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله، مستهدفة قادته ومقاتليه عبر عمليات اغتيال دقيقة، بما في ذلك مقتل حسن نصر الله، إضافة إلى غارات جوية دمرت بنيته التحتية العسكرية. وفي نوفمبر 2024 وافق حزب الله على وقف إطلاق النار دون شرط إنهاء حرب غزة، وسحب قواته إلى شمال الليطاني، ما أتاح انتشار آلاف الجنود اللبنانيين في منطقة عازلة بالجنوب.
كما فتح الاتفاق الباب أمام تغييرات سياسية كبرى، حيث تم انتخاب قائد الجيش السابق جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، والفقيه نواف سلام رئيسًا للوزراء، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وتعزيز استقلال لبنان. لا يزال حزب الله مؤثرًا في السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما مع تزايد سخط اللبنانيين من قيادته. كما أن قدرة إيران على دعمه ضعفت بفقدانها لنفوذها في سوريا. في ظل هذه الظروف، قد تحصل الحكومة اللبنانية الجديدة على دعم سياسي واقتصادي وعسكري دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وإذا تمكن ترامب من تجاوز معارضته التقليدية للمساعدات الخارجية، فستكون لديه فرصة لتعزيز قدرات الحكومة والجيش اللبنانيين، ما قد يسهم في مزيد من تهميش حزب الله والحد من النفوذ الإيراني في لبنان.
وأخيرًا، تأتي الفرصة الأكثر إثارة للدهشة في سوريا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في الشرق الأوسط على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. فبعد سنوات من محاولات عزل بشار الأسد أو الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تقبلوا إلى حد كبير واقع استمرار حكمه. لكن مع انشغال العالم بأزمة غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، وجدت المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، فرصة للتحرك. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن الهيئة هجومها العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي منع الجماعة اللبنانية من التدخل لإنقاذ الأسد كما فعلت عام 2011 عندما كان نظامه على وشك الانهيار.
المفاجئ بنفس القدر أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أعلنت التزامها بحقوق الإنسان واحترام الأقليات، ونأت بنفسها عن ماضيها المتشدد. فجأة، اختفى النظام السوري الذي كان حجر الزاوية لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وشريان الدعم لحزب الله، ومستضيفًا للقوات الروسية، ومصدرًا رئيسيًّا لتجارة المخدرات، ليحل محله احتمال قيام سوريا جديدة. ولا يزال على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، إثبات التزامه بتحقيق تغيير حقيقي، لكن مجرد وصوله إلى الحكم كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل أشهر فقط.
ورغم أن السياسة الأمريكية لن تكون العامل الحاسم في تحديد نجاح أو فشل الوضع في سوريا، فإن واشنطن قادرة على التأثير. فقد يقرر ترامب رفع تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية في مقابل التزامها بالحكم الرشيد والتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الإبقاء على وجود عسكري أمريكي متفق عليه في الشمال الشرقي لمنع عودة تنظيم داعش. كما قد يخفف العقوبات ويدعم الاقتصاد السوري إذا التزمت الحكومة الجديدة بإغلاق القواعد البحرية الروسية. وقد يساعد سوريا في إيجاد بدائل للحبوب والنفط لتعويض خسارة الإمدادات الروسية والإيرانية. إضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب نفوذ واشنطن لدى تركيا والأكراد السوريين لتسهيل اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.
لا تزال التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط هائلة، بدءًا من الحكومات الضعيفة والصراعات العرقية والطائفية، وصولًا إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة. لكن سيكون من الخطأ تجاهل الفرص التي خلقها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي بدت قبل عام أو حتى بضعة أشهر فقط بعيدة المنال. ولا شك أن ترامب سيرغب في تحقيق نجاح حيث فشل غيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يجعل أي شخص مهتم بالمنطقة يأمل في أن يتمكن من اغتنام هذه الفرصة.
فيليب جوردون دبلوماسي أمريكي وباحث في العلاقات الدولية.
نشر المقال في Foreign Affairs