عندما يقتحم الذكاء الاصطناعي أسرارنا وخصوصياتنا!
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
مؤيد الزعبي *
الكثيرُ منا يستخدم يوميًّا أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ مثل: (Chat GPT) و(Gemini) وغيرهما من الأنظمة المشابهة؛ وبالطبع تأخذ هذه الاستخدامات في الكثير من الأحيان طابعًا شخصيًّا مُحمَّلًا بالخصوصية والأسرار والمعلومات الحساسة، فأحدنا يذهب ليطلب منها أن تصوغ له خطابًا رسميًّا، وآخر يطلب كتابة بريد إلكتروني احترافي، والبعض يسألها عن أمور شخصية وكيف يتعامل في بعض المواقف العائلية أو حتى العملية.
وتخيَّل عزيزي القارئ، كم هي الأسرار التي قد تحملها مثل هذه المحادثات، وهنا يكمُن التساؤل المهم: هل أسرارنا وخصوصياتُنا في مأمن؟ أم يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يعود علينا يومًا ويستغل مثل هذه الأسرار؟ وحتى إن لم يستغلها، فهل مُحادثاتنا في مأمن من أيدي العابثين من قراصنة وهاكرز؟.. سوف أحاول أن أتناقش معك عزيزي القارئ حول كل هذا من خلال هذا الطرح.
قبل أيام خُضتُ عدة تجارب مع أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي؛ فبعد سلسلة من الطلبات حول تصحيح صياغة بريد إلكتروني أو صياغة طلب خاص بعملي، وجدتُ أن النظام بدأ يَعرفني ويعرف وظيفتي وما هي طبيعة عملي، وبدأ يجيب عن تساؤلاتي من منظور أنني صحفي يعمل في جهة إعلامية هو يعرفها ويصيغ تصحيحاته واقتراحاته وحواراته بناءً على ما لديه من معلومات شخصية تخصني، حتى إنني تفاجأت بأنني قد قُمت بطلب مُعيَّن قبل أشهر ولا يزال هو يبني إجاباته معي بناءً على ذلك الطلب، وبالنسبة لي لا يشكل هذا الأمر أيَّ تخوف بالنسبة لي، فمثل هذه الأشياء لا تشكل سرًّا ولا معلومة فيها مَضرَّة لي لا من قريب ولا من بعيد، ولكن لنفترض عزيزي القارئ أنَّ شخصًا يطلب من الذكاء الاصطناعي كلَّ يوم طلبًا؛ فمرة طلب في مكان عمله، ومرة في بيته، ومرة يطلب منه حلًّا لمشكلة تواجهه أو يُحاوره حول فكرة تخطر في باله، وربما يذهب بعيدًا فيبدأ بالتحدُّث معه عن مشاعره أو يبُوح له بأحد أسراره، تخيَّل كمية المعلومات التي بات يعرفها عنك هذا النظام التوليدي، ومثل هذه المعلومات قد يتم استخدامها لاحقًا لملاحقتك من قبل المعلنين وأصحاب الملاحقات الإلكترونية وهم كُثر من شركات تَبيع منتجات وخدمات، وها هي اليوم تَعْرف أدق التفاصيل حتى عن مكنوناتك وأسرارك وخصوصياتك.
تخيَّل أن يكون الشخصُ الذي يستخدم هذه الأنظمة رجلًا يعمل في وظيفة حساسة، أو يُرسل إيميلات فيها أسرار عمله أو شركته، أو فيها أسرار لاختراعات أو حلول تقنية أو علمية أو حتى طبية، كم هي الأسرار التي سيكون بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يصل لها دون أي مجهود، فنحن من ننسخ ونلصق ونطلب منه التحسين والتجميل وإعادة الصياغة، وتخيَّل كم صحفي أو مُدوِّن أو كاتب يبدأ بتوليد نصوصه عبر هذه الأنظمة وهو يضع نتاج أفكاره ونتاج أعماله بين يدي الذكاء الاصطناعي طوعًا، فمن يضمن لنا أننا في مأمن؟!!!
الشكلُ الآخر الذي أجد فيه خطورة: أنَّ محادثاتنا الشخصية والخاصة مع الذكاء الاصطناعي التوليدي سيتم استخدامها في تدريب الذكاء الاصطناعي نفسه على طريقة تفاعله وإجاباته ومنطقه، ولا أستبعد أن يأتي الوقت الذي لن نميز فيه ما إذا كنا نحادث نظامًا توليديًّا يعمل بالذكاء الاصطناعي، من أن نجده أقرب للإنسان أو شخص يُشبهنا نحن شخصيًّا، وهنا أكرِّرها من الذي سيضمن لنا سلامة بياناتنا وأسرارنا ونحن في عالم مستعد لأن يستغل كل حرف نكتبه على أجهزتنا ليلاحقنا ويروِّج لنا منتجات المعلنين، أو يستغل هذه الداتا البشرية ليطوِّر بها نظامًا أكبر وأشمل وأعقد؟!! في الحقيقة لا أحد يضمن لنا ذلك.
نحن نتحدث اليوم عن محادثات بسيطة بات الذكاء الاصطناعي من خلالها يخترق خصوصياتنا وأسرارنا، فما هي الحال ونحن نستخدم أنظمة أكثر شمولية وأكثر تعقيدًا وترابطًا (؟!) بالطبع سيخترق الذكاء الاصطناعي كلَّ ما فينا من مشاعر وأسرار وخبرات ومعلومات حساسة، وما نقوم به اليوم لن يتوقف، فإذا كانت مُحرِّكات البحث تستغل كل ما نكتبه ونبحث عنه فها هي اليوم أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي تعرف عنا الكثير، ليس فقط ما نبحث عنه، ها نحن قد أدخلناها بيوتنا ومكاتبنا ومعاملنا ومدارسنا ومستشفياتنا، حتى إننا أدخلناها قلوبنا وعقولنا، وأنا أعلم عزيزي القارئ أنَّ هذا الأمر لن يتوقف، ولكن أضع بين يديك هذا الطرح لنتفكَّر في حجم الاختراق الذي بات الذكاء الاصطناعي يخترقنا به.
* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام - الشرق الأوسط
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«سدايا» تعزز مشاركة السعوديات في مستقبل الذكاء الاصطناعي
البلاد ــ الرياض
تبنّت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” إستراتيجية شاملة؛ تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة السعودية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال توفير بيئة عمل ناجحة تدعم تمكينها في قطاعات هذه التقنيات المتقدمة بمختلف تخصصاتها؛ لتسهم في تعزيز الاستدامة والابتكار، ودعم المشاريع والمبادرات الريادية، التي تنفذها “سدايا”؛ بوصفها المرجع الوطني لكل مايتعلق بالبيانات والذكاء الاصطناعي من تنظيم وتطوير وتعامل.
وأتاحت “سدايا” فرصة إشراك المرأة في اتخاذ القرار، وتمكينها بدايةً من المناصب القيادية وصولًا إلى الوظائف التقنية وسط منظومة عمل متكاملة؛ تسعى لتحقيق إستراتيجية “سدايا” الطموحة، ما مكن المرأة من إثبات كفاءتها في قطاعات عمل عدة، تتعلق بإدارة البيانات وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعيين عالمات بيانات، ومهندسات ذكاء اصطناعي في مناصب إستراتيجية بالهيئة لدعم تحقيق الأهداف الوطنية لسدايا.
وفي الجانب التطويري، قدمت “سدايا” عددًا من البرامج التدريبية وورش العمل المتخصصة، التي تهدف إلى رفع كفاءة المرأة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال دورات متقدمة في هذا المجال؛ بهدف إكسابهن المهارات المتطورة وفق أحدث التقنيات والأدوات في المجال، فضلًا عن تعزيز قدراتهن الابتكارية التي كان لها الأثر الفعّال في تحقيق مستهدفات الهيئة في العديد من المجالات؛ مثل : حوكمة البيانات وإدارتها، وقيادة إستراتيجية الهيئة، وتحقيق أهدافها المتمثلة في تعزيز التحول الرقمي، وتمكين استخدامات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال ومسؤول. وتركز “سدايا” على دعم المرأة الباحثة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، من خلال إتاحة الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة تُستخدم لتطوير حلول مبتكرة في قطاعات حيوية؛ كالصحة والطاقة والتعليم، ودعمهن في المشاركة بالمبادرات الوطنية والعالمية التي تهدف إلى تعزيز دورها في المجال التقني والابتكاري القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي، ما يجعلها شريكًا فاعلًا في بناء مستقبل يعتمد على الابتكار.
وهيأت “سدايا” كل سبل النجاح للمرأة من خلال تحقيق التوازن بين مسؤولياتها المهنية وواجباتها الأسرية، ووفرت بنية تحتية رقمية متطورة تدعم إمكانية العمل عن بُعد، وهو ما يعزز من قدرتها على الإسهام الفعّال دون التخلي عن واجباتها الأسرية، إضافة إلى وضع سياسات تضمن بيئة عمل محفزة، تراعي احتياجات المرأة مهنيًا واجتماعيًا وصحيًا، مما يخلق مناخًا يساعد على الإبداع والإنتاجية والابتكار.
ويعكس تمكين المرأة في “سدايا” التزام المملكة بتعزيز دورها في بناء اقتصاد معرفي مستدام قائم على البيانات والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، من خلال إشراك المرأة في عملية التنمية بما يسهم “سدايا” في تحقيق رؤية شاملة تسعى إلى تمكين المرأة- ليس فقط كموظفة- بل كقائدة ومبتكرة.