المجاعة تفتك بجنوب غزة بسبب قيود الاحتلال واللصوص
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
غزة – لدى ميساء حسين 4 أطفال وزوجها جريح حرب، وتقيم هذه الأسرة النازحة من شمالي قطاع غزة في مركز إيواء غرب مدينة خان يونس، ولم تتذوق طعم الخبز منذ نحو 10 أيام، "أما الخضار والفواكه واللحوم فلم تعد تخطر لنا على بال"، تقول هذه المرأة وهي تشكو حالها مع غلاء الأسعار وشح المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية والسرقات.
وتكافح ميساء (30 عاما) من أجل توفير ما يسد رمق أطفالها، "وفي اليوم الذي لا يتوفر فيه الطعام من التكية الخيرية لا نجد ما نأكله"، كما تضيف.
وفي الغرفة ذاتها يقيم والدها علاء حسين مع أشقائها وأطفالهم (15 فردا)، ويقول حسين (50 عاما) إنه يعاني من سرطان الرئة وذاق ويلات النزوح المتكرر من شمال غزة إلى جنوبها، وانقطع عن العلاج بسبب عدم توفر الأدوية.
ويعيش على المعلبات التي يعلم أنها تضر بحالته الصحية بوصفه مريضا بالسرطان، ويؤكد "لا يوجد بديل آخر"، حيث يحتاج لأطعمة صحية من الخضار والفواكه المتوفرة بالأسواق بكميات وأصناف شحيحة وبأسعار باهظة. ولا تتوفر اللحوم والدواجن في الأسواق، إضافة إلى غالبية المواد، ومنها البيض والأجبان والألبان، والتي يمنع الاحتلال دخولها للقطاع.
يقول أمجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية ونائب المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، "وصلنا لحال ينبغي معها إعلان قطاع غزة منطقة مجاعة رسميا". ويضيف للجزيرة نت أن المجاعة تنتشر على نحو خطير، خاصة في أوساط الأطفال والنساء والمسنين، مع توقّف المخابز عن العمل وعدم توفر الدقيق.
إعلانوصار عشرات آلاف الفلسطينيين في مناطق جنوب القطاع يبيتون جوعى من دون طعام جراء توقف عمل عشرات التكايا الخيرية بسبب عدم توفر إمدادات المواد الغذائية لإعداد وتوزيع الوجبات المجانية.
ونتج هذا الواقع المرير والمتدهور بشكل متسارع منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بفعل القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على دخول المساعدات الإنسانية من معبر كرم أبو سالم، المنفذ الرئيسي في جنوبي غزة الخاضع لسيطرته المطلقة.
ووفق الشوا، لا تتجاوز المساعدات التي يسمح الاحتلال بدخولها لكل مناطق القطاع 30 شاحنة يوميا، تغطي ما بين 5% و7% فقط من الاحتياجات الأساسية لزهاء 2.2 مليون فلسطيني، من بينهم نحو 1.8 مليون من السكان والنازحين في جنوب القطاع.
كما فاقمت عصابات اللصوص من معاناة الغزيين بالسطو والاستيلاء على شاحنات المساعدات الشحيحة. وبحسب الشوا، يفرض الاحتلال طرقا ومسارات تسهل سرقتها.
وتبدو هذه الحال جلية على وجوه الغزّيين الذين يعيش غالبيتهم حياة بائسة في الخيام ومراكز الإيواء التي تفتقر لأبسط المقومات، بما فيها الخبز والطحين. فيما تبدو الأسواق خاوية إلا من القليل من الخضار والفواكه التي يسمح الاحتلال بدخولها ضمن شاحنات البضائع التجارية، وبأسعار توصف بـ"الجنونية".
بدورها، تعاني النازحة فاطمة النجار (73 عاما) من كسر في ساقها وجروح أصيبت بها خلال نزوحها مع أسرتها قبل 4 شهور من بلدة بني سهيلا شرقي مدينة خان يونس. وتقول للجزيرة نت إن الأطباء في مجمع ناصر الطبي أخبروها أن إصاباتها لم تُشفَ منذ ذلك الحين بسبب الظروف المعيشية وعدم تناولها الأطعمة التي تساعد في التئام الجروح وجبر الكسر.
وحتى الطحين لا يتوفر منذ أيام لدى فاطمة التي تقيم مع أبنائها وأحفادها (15 فردا) في خيمة غربي خان يونس، وكانت آخر مرة استلمت فيها الطحين المجاني الذي توزعه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح قبل نزوحها منها في مايو/أيار الماضي. وتقول "لا نقدر على أسعار البيض والخضار، والخبز غير موجود بسبب الاحتلال والحرامية".
إعلانوأعلن المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني تعليق استلام وإيصال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم لأن "الطريق المؤدي من هذا المعبر لم يكن آمنا منذ أشهر".
وأوضح مكتب إعلام الأونروا، في بيان صحفي، أنه "في أعقاب الاجتياح البري لرفح في مايو/أيار الماضي، أصبح الوضع في هذا المعبر أكثر خطورة وتقلبا، والبيئة التي نعمل فيها -خاصة في رفح- تجعل من الصعب جدا على المجتمع الإنساني الدولي إيصال المساعدات إلى غزة بالقدر المطلوب".
وبسبب عمليات السطو، فقدت الأونروا سائقين قُتلوا وأصيب آخرون أثناء محاولاتهم إيصال المساعدات، وتوضح الوكالة الأممية "سنواصل بذل جهودنا لإيجاد حلول. لكن للأسف، اختار البعض في غزة تقديم مصالحهم الشخصية على احتياجات الناس".
من جانبه، يقول لازاريني إن "مسؤولية حماية العاملين في مجال المساعدات والإمدادات تقع على عاتق دولة إسرائيل بصفتها القوة المحتلة، ويجب عليها ضمان تدفق المساعدات إلى غزة بأمان ووقف الهجمات على العاملين في المجال الإنساني".
وقبل بضعة أيام، قتلت غارة جوية إسرائيلية عاملين محليين في المطبخ المركزي العالمي في حادثة تكررت سابقا، وأعلن بسببها المطبخ العالمي تعليق عملياته الإنسانية في القطاع.
وحسب مدير شبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا، يؤشّر قرارَا المفوض العام للأونروا والمطبخ العالمي على خطورة الأوضاع الإنسانية والمعيشية، والتداعيات الخطيرة لجريمة التجويع التي يمارسها الاحتلال بمنع دخول المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية، خاصة على صحة النساء والأطفال الذين باتوا في واقع صعب ومعقّد يهدد حياتهم.
من جهته، أكد المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة -في تصريحات نشرها مكتب إعلام المنظمة- أن المجاعة بدأت بالفعل في مناطق شمالي القطاع وجنوبيه، والسكان يعتمدون بشكل رئيسي على الطحين الذي أصبح غير متوفر، والمواد الغذائية الأخرى -حتى المتوفرة منها- أصبحت باهظة الثمن بالنسبة للسكان الذين لا يملكون أية سيولة نقدية.
إعلانوشدد على أن ما يحدث في القطاع "غير مقبول على الإطلاق ولا يمكن الاستمرار فيه"، وأن قرار تعليق استلام المساعدات جاء نتيجة خطورة الوضع وعدم وجود حماية للشاحنات بعد دخولها حيث تتم سرقتها بالكامل، "مما يجعل الجهود المبذولة بلا جدوى".
وأكد المسؤول الأممي أن "إسرائيل تمتلك القدرة الكاملة على حماية القوافل خصوصا وأن المناطق التي تحدث فيها السرقات قريبة جدا من معبر كرم أبو سالم"، وحذّر من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى انهيار كامل للمنظومة الإنسانية في غزة خلال أيام قليلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
"الدقيق الفاسد".. قُوت الغزيين مع تفشي المجاعة واشتداد الحصار
غزة- مدلين خلة - صفا على إحدى البسطات بالسوق المركزي في مدينة جباليا شمالي قطاع غزة، يقف الأربعيني يوسف الددة يسترجي صاحبها أن يسمح له بتفحص كيس الدقيق قبل شرائه والتأكد من خلوه من "السوس والدود". إلا أن محاولاته باءت بالفشل بعد إصرار البائع على شرائه أولًا قبل معاينته وفتحه، ما اضطره لشرائه بمبلغ يتراوح ما بين (350_ 400) شيقل. ومنذ إغلاق الاحتلال الإسرائيلي المعابر في الثاني من مارس/آذار الماضي، يعاني سكان القطاع من نقص حاد في السلع الغذائية والمواد التموينية، عدا عن ارتفاع أسعار السلع، وخاصة الدقيق والمواد الأساسية. تفاقم الوضع يصف الددة حالة الدقيق قائلًا: "رائحته عفنه ولا تطاق، والسوس والدود غزا ذراته واحتلها، فضلًا عن رائحته الكريهة التي تتناثر بالأجواء بعد خبزه". ويقول لوكالة "صفا": "لا يوجد خيارات أفضل أمامي إلا شراء هذا الدقيق وبهذا السعر المرتفع، كي أسد جوع صغاري وإلا فإنهم سيموتون جوعًا، بعد نفاد الدقيق الصالح للاستخدام من حوزتنا". ويضيف "هذه ليست المرة الأولى التي أضطر فيها لاستخدام الدقيق العفن، ففي المجاعة الماضية التي ضربت شمالي القطاع تناولته وعائلتي، ما أضر بصحة أطفالي وأصابتهم نزلة معوية، جراء تناوله". ويتابع "نضطر اليوم لشراء الدقيق غير الصالح للاستخدام، والذي قمنا ببيعه سابقًا لمربي الطيور والحيوانات، دون معرفتنا بأننا سنلجأ إلى شرائه بثمن مرتفع جدًا، لا يستطيع غالبية الغزيين اقتنائه مع عدم امتلاك ثمنه". وقبل عدة أيام، أعلن برنامج الأغذية العالمي، نفاد مخزونه الغذائي بالكامل في غزة بسبب عدم دخول أي مساعدات منذ سبعة أسابيع، بسبب الإغلاق الإسرائيلي للمعابر. وتتفاقم معاناة 2.4 مليون فلسطيني في القطاع يومًا بعد يوم، نتيجة الحصار الخانق وإغلاق المعابر، مما أدى إلى تدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية والصحية، وانتشار واسع لحالات سوء التغذية الحاد، خصوصًا بين الأطفال والرضع. اشتداد المجاعة وأما الثلاثيني أحمد عبد ربه، فأراد أن يتدارك خوض عائلته المجاعة، فعمّد إلى تخزين بعض أكياس الدقيق علها تُنجي صغاره من خطر الإصابة بالأمراض، بعد تناول الدقيق غير الصالح للاستخدام. عبد ربه الذي نفّد لديه مخزون الدقيق، اضطر إلى شراء كيسين من الدقيق المُباع بالأسواق، ليكتشف أن "السوس والدود قد بلغ مبلغه، حتى قام بنخله عدة مرات وتفريغه في كيس آخر". يقول عبد ربه لوكالة "صفا": "أصبح حال الغزيين المفاضلة بالدقيق بين المليئ بالسوس فقط، مع الذي يملأه الدود مع السوس، كون الأول منه أخفُ ضررًا من الذي أكّل الدود زواياه". ويضيف "حتى حين نريد تغيير نوعيه الخبز وشراء خبز الصاج، فإن طعمه لا يختلف إطلاقًا عن الخبز المنزلي، وجميعه يمتلك طعم ورائحة كريهة". ويردف "اليوم لا نجد بديلاً عن الدقيق العفن، بل نشتريه بسعر مرتفع للغاية، نحن مضطرون إلى سد جوع أطفالنا مع اشتداد المجاعة، وانقطاع الفواكه واللحوم والدجاج، وشح الخضار". وفي حال بقي الوضع في القطاع على هذا الحال، كما يقول عبد ربه، فإن أمراض الجهاز الهضمي ستنتشر بكثرة بين الغزيين، وخاصة الصغار منهم. والأحد الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" نفاد إمداداتها من الطحين في قطاع غزة. وأوضحت أن لديها حوالي 3000 شاحنة محملة بمساعدات منقذة للحياة جاهزة للدخول إلى غزة، غير أن "إسرائيل" تمنع دخول شاحنات المساعدات.