هل تستغل تركيا تراجع النفوذ الإيراني في بلاد الشام؟
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
كان متوقعاً أن تحاول تركيا استغلال الفجوة التي أحدثتها إسرائيل في نفوذ إيران، بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).
الدمار الذي تعرضت له ايران وحزب الله فرصة تاريخية لم تستطع تركيا تفويتها
ووفق كامران بخاري، الأكاديمي المتخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية في جامعة أوتاوا، فإنه يبدو أن الوقت قد حان لذلك.
وقال بخاري في تحليله بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي: لم يتمكن المتمردون من تحقيق مثل هذا الإنجاز حتى في ذروة الحرب الأهلية السورية. في الوقت نفسه، تقوم الطائرات الروسية لأول مرة منذ سنوات بضرب مواقع المتمردين، وقام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة لروسيا بحثاً عن الدعم.
وانتهت الحرب الأهلية السورية فعلياً في ديسمبر (كانون الأول) 2016، عندما استعادت القوات الحكومية السورية السيطرة الكاملة على حلب.
“Turkey saw an opportunity to change the dynamics on the ground, weaken Assad’s hand and demonstrate to the next US administration it can curb Iranian influence effectively,” my quote in @FT story on Syria @MiddleEastInst
https://t.co/4cRCbCcIuV
ونجح الأسد في البقاء في السلطة، ولكن بعد انتهاء الصراع، فقدت حكومته مناطق مهمة في الشمال والشرق لصالح عدة قوى هي: هيئة تحرير الشام (التي قادت الهجوم على حلب هذا الأسبوع)، والقوات التركية، وتنظيم داعش الإرهابي، والانفصاليون الأكراد. ويمكن القول إن انتصاره كان بفضل الدعم الجوي الروسي وإيران وحزب الله. وأصبح يعتمد عليهم بشكل كامل.
وعندما غزت روسيا أوكرانيا عام 2022، لم تعد قادرة على التركيز على سوريا. ووجدت موسكو عزاءً في إدراكها أن إيران ما زالت قادرة على دعم الأسد عسكرياً، وأن تركيا ليست في وضع يسمح لها بإحياء حركة التمرد.
من جانبه، كان الأسد مدركاً لمأزق روسيا، وعرف أن وجود إيران المتجذر في سوريا يعني حاجته إلى خيارات أخرى، ومن هنا جاءت جهود المصالحة التي قام بها عام 2023 مع دول عربية.
ورغم أهمية هذه العلاقات، فإنها لم تكن كافية لإخراج نظام الأسد من دائرة النفوذ الإيراني. وكان الأسد يدرك أن الصراع المتزايد بين إيران وإسرائيل قد يمتد إلى سوريا.
في هذا السياق الأوسع، وقع هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، الذي أشعل صراعاً إقليمياً أضر بالمصالح الإيرانية في سوريا ولبنان، وترك بذلك مجالاً للقوى البديلة الطامحة. كانت تركيا وشبكتها من الفصائل المتمردة تتابع الوضع عن كثب، وتخطط وفقاً لذلك.
وكانت أنقرة تعمل على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، حيث رأت كيف أن الدول العربية تصلح علاقاتها مع دمشق، وأرادت بدورها الاستفادة من رغبة النظام السوري في تنويع علاقاته الإقليمية.
التطلع إلى المستقبل
لكن تركيا ستجد صعوبة في ملء الفراغ الإيراني، بحسب الكاتب، مستشهداً بعدم تطابق المصالح السورية بشكل كامل مع المصالح التركية، في وجه طهران، والحاجة إلى تقليل النفوذ الإيراني.
وتتفق سوريا وتركيا على قضايا مثل مواجهة الانفصاليين الأكراد، لكن أنقرة تعد تهديداً لسوريا أكثر من كونها حليفاً؛ إذ تحتل القوات التركية مساحات واسعة من الأراضي السورية في الشمال، وتُعد أنقرة الداعم الرئيس للفصائل المسلحة.
والأهم من ذلك، برأي الكاتب، أن الأسد لا يريد أن يبتعد عن فلك إيران ليصبح في فلك دولة أخرى لها طموحات إقليمية. وهذا ما يفسر رفض الأسد في يوليو (تموز) الماضي عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتطبيع العلاقات، ووضع انسحاب القوات التركية من بلاده كشرط مسبق لأي خطوة كهذه. وقد أكدت الهجمات المتمردة في الأيام الماضية صحة مخاوفه.
It was only a matter of time before Turkey would try to capitalize on the hole Israel punched into Iran’s sphere of influence after Hamas' Oct. 7 attack.
My latest on the Syrian rebel resurgence https://t.co/TkzF8UdEUI
وكانت أنقرة تعرف أن جهودها الدبلوماسية لن تنجح على الأرجح، لكنها مضت قدماً لأنها لم تكن تعلم أن إيران وحزب الله سيتعرضان للضعف بهذه السرعة.
وكان الدمار الذي تعرضا له فرصة تاريخية لم تستطع تركيا تفويتها. وتشير السرعة التي نُشرت بها القوات الموالية لتركيا إلى أن أنقرة قد استعدت لهذه الفرصة مسبقاً. وتعكس سرعة استيلاء حلفائها على حلب على الأرجح مدى ضعف إيران الآن في بلاد الشام. وكانت إسرائيل تقصف إيران وحزب الله لأشهر، مما أجبرهما على توجيه مواردهما في اتجاه، أدى إلى خلق ثغرات في الدفاعات السورية استغلتها الفصائل المسلحة.
السؤال الحاسم
والسؤال الحاسم، بحسب الكاتب، هو مدى قدرة طهران وموسكو على مساعدة القوات السورية في مواجهة هجوم الفصائل المسلحة، التي طالما تعاني من الانقسام الداخلي، وهو عامل يحد من قدرتهم في السيطرة على دمشق ومعاقلها على الساحل المتوسطي.
وخلص الكاتب إلى أن ما نعرفه على وجه اليقين هو أن هيمنة إيران في بلاد الشام تقترب من نهايتها، وتسعى تركيا لتحل محلها، ومن المرجح أن تستهلك حرب أهلية سورية متجددة قدراً كبيراً من انتباه إدارة دونالد ترامب الثانية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله عيد الاتحاد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الحرب في سوريا وحزب الله
إقرأ أيضاً:
في انتظار اقتناع إيران بخسارة سوريا…
في انتظار تبلور الوضع الإقليمي الذي يمرّ في مرحلة مخاض من النوع العسير، يبدو مفيداً التساؤل متى تستوعب إيران حجم الخسائر التي أصيبت بها، خصوصاً في سوريا.
يوجد رفض واضح لدى كبار المسؤولين في "الجمهوريّة الإسلاميّة" للاعتراف بأنّ إيران خسرت سوريا التي كانت حليفاً لها منذ اليوم الأوّل لقيام النظام الجديد الذي أسسه آية الله الخميني في العام 1979. لم يمرّ وقت طويل على نجاح الثورة التي قام بها الخميني على نظام الشاه، حتّى سارت سوريا في ركاب إيران التي دخلت حرباً مع العراق.استمرّت تلك الحرب 8 سنوات كاملة. انتهت بشبه انتصار عراقي لم يفهم الراحل صدّام حسين أبعاده أو معناه الحقيقي. حارب العراق طوال ثماني سنوات على جبهتين؛ جبهة إيران وجبهة سوريا. لم يتردّد حافظ الأسد، من منطلق مذهبي قبل أي شيء آخر، في دعم "الجمهوريّة الإسلاميّة". كان وراء حصولها على صواريخ من ليبيا.
استخدمت هذه الصواريخ في قصف بغداد ومدن عراقيّة أخرى.
لا يمكن حصر أحداث 2024 بخروج إيران من سوريا ولا بالهزيمة التي لحقت بـ"حزب الله" في لبنان. تصلح عناوين كثيرة لسنة استثنائية. على الصعيد العالمي يبرز عنوان عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والمخاوف الأوروبيّة المشروعة من تلك العودة، خصوصاً في ظلّ استعداد ترامب لعقد صفقة مع روسيا على حساب أوكرانيا. يتجاهل الرئيس الأمريكي القديم – الجديد ما يمكن أن تتركه مثل هذه الصفقة، التي ستكافئ فلاديمير بوتين على حرب شنها على دولة أوروبيّة مستقلة، من آثار على القارة العجوز وكلّ دولة من دولها.
الأهمّ من ذلك كلّه، انعكاسات مثل هذه الصفقة على الأمن الأوروبي وعلى مستقبل العلاقات الأوروبيّة – الأمريكيّة في وقت تمرّ دولتان أوروبيتان أساسيتان، هما ألمانيا وفرنسا في أزمتين داخليتين عميقتين. تكمن أزمة ألمانيا، المقبلة على انتخابات نيابية في شباط – فبراير المقبل، في صعود اليمين المتطرف بكلّ ما يمثله من مخاطر أوروبيًّا وألمانيّا. أمّا أزمة فرنسا، فإنّها تكمن في غياب قدرة مؤسسات الجمهوريّة الخامسة التي بناها الجنرال ديغول على التكيف مع واقع سياسي جديد تسبب به وجود إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه. تدور فرنسا في حلقة مقفلة ليس ما يشير إلى أنّها ستخرج منها قريبا في غياب تغيير كبير وإصلاحات في العمق على صعيد مؤسسات الجمهوريّة ذات النظام شبه الرئاسي الذي بناه ديغول.
على صعيد المنطقة التي نعيش فيها، كانت السنة 2024 سنة التغيير الكبير الذي تسبب به رجل اسمه يحيى السنوار كان وراء هجوم "طوفان الأقصى". لم يعش السنوار ما يكفي لرؤية ما فعله بالمنطقة بدءا بإزالة غزة من الوجود وانتهاء بالقضاء على النظام السوري الذي عمّر 54 عاما والذي جعل من سوريا دولة تدور في الفلك الإيراني، خصوصا منذ خلف بشّار الأسد حافظ الأسد في العام 2000. الأكيد أنّ الأسد الأب كان حليفا لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران، لكنّه حافظ في كلّ وقت على هامش ضيّق كي يسهل عليه ابتزاز العرب عموما ودول الخليج العربيّة على وجه الخصوص.
قضى "طوفان الأقصى" أيضاً على "حزب الله" بعدما استسهل زعيمه الراحل حسن نصرالله فتح جبهة جنوب لبنان وخوض حرب "إسناد غزّة". لم يدرك النتائج التي ستترتب على مثل هذا القرار الذي في أساسه رغبة إيران في التأكيد للولايات المتحدة أنّ مفتاح توسيع حرب غزّة في يدها… وليس في يد إسرائيل وبنيامين نتنياهو وحكومته.
ارتدّت الحروب التي خاضتها "الجمهوريّة الإسلاميّة" على إيران نفسها. نرى إيران في حال ضياع. تدل على هذا الضياع التصريحات الأخيرة لـ"المرشد الأعلى" علي خامنئي الذي لا يزال يراهن على استعادة سوريا. هناك جهل إيراني واضح بأمور سوريا حيث يشعر الشعب بسعادة ليس بعدها سعادة بعد التخلّص من نظام آل الأسد ومن الوصاية الإيرانيّة.
أثبتت إسرائيل أنّ في استطاعتها خوض حروب عدّة في الوقت ذاته. ذهبت من القضاء على غزّة وتوجيه ضربة قويّة إلى "حزب الله"… إلى رفع الغطاء عن النظام العلوي في سوريا. من الواضح أنّ تركيا دخلت على خطّ الاستفادة إلى أبعد حدود من تراجع المشروع التوسّعي الإيراني.
ثمة واقع لم يعد في استطاعة أحد الهرب منه. حلّت تركيا مكان إيران في سوريا. ذلك هو العنوان الأبرز لأحداث 2024. سيكون ذلك العنوان الأبرز للسنة 2025 أيضا. ما الذي ستفعله تركيا بالورقة السوريّة؟ كيف سيستغلّ الرئيس رجب طيب أردوغان الفشل الإيراني؟ ليس مستبعدا أن تكون تركيا أكثر تعقلاً من "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي لم تستوعب يوما أنّه لن يكون في استطاعتها إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا عبر القضاء على الأكثريّة السنّية في هذا البلد.
ستكون السنة 2025 سنة الصعود التركي في المنطقة في مقابل التراجع الإيراني. سيعتمد نجاح تركيا، ذات الاقتصاد الضعيف، على مدى قدرتها على مد جسور مع القوى العربيّة الفاعلة أولا وعلى التخلي عن أيديولوجية الإخوان المسلمين ثانياً وأخيراً. هل يمتلك أردوغان ما يكفي من الحكمة بما يسمح له باستيعاب أن المشروع الإخواني لا يصلح لبناء دولة عصرية في سوريا تنقل هذا البلد المهم إلى مكان آخر بعد سنوات طويلة من التخلّف والقمع والظلم والقتل والمتاجرة بالشعارات الوطنية مارسها حافظ الأسد وورّثها إلى نجله؟
يظهر أنّ تركيا تحاول بالفعل تفادي تجربة إيران في سوريا. يشير إلى ذلك التحسّن الكبير في العلاقات السوريّة – السعودية. توجد قناعة تركية بوجوب الاستعانة بالعرب، خصوصاً بأهل الخليج ومصر في سوريا. المؤسف أنّه لا توجد قناعة لدى "الجمهوريّة الإسلاميّة" بأنّ ما حصل في سوريا طي لصفحة إيران في هذا البلد العربي. يكفي أنّه لم تعد سوريا مستعمرة إيرانيّة ولم تعد جسراً لنقل أسلحة وصواريخ لـ"حزب الله" في لبنان.