واشنطن – في قلب مدينة آيبكس بكارولينا الشمالية، يقبع مبنى على شكل مستودع كبير لا شيء يدل على أنه مسجد سوى لافتة مثبتة على المدخل الرئيسي، مدون عليها باللغة الإنجليزية "مسجد آيبكس". فقبل نحو 14 سنة كان هذا المستودع يستخدم لإقامة سوق لبيع السلع المستعملة، لكن الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة سنة 2008 أجبرت مالكه على إغلاق أبوابه وعرضه للبيع.

وفي الأثناء، كانت مجموعة من المسلمين بالمدينة تبحث عن مكان لإقامة مسجد يستوعب العدد المتنامي للعائلات المسلمة بالمنطقة، بعد أن ضاقت بهم البيوت الصغيرة التي كانوا يستغلونها لإقامة الصلوات.

الجزيرة نت التقت الدكتور خالد شحو، وهو أحد أفراد هذه المجموعة المؤسسة لمسجد آيبكس، وأحد قادة الجالية المسلمة في ولاية كارولينا الشمالية قبل أن ينتقل إلى ولاية تينيسي المجاورة، ليتحدث عن ظروف تأسيس المسجد، والصعوبات التي واجهتهم والخدمات التي يقدمها.

شحو: أصبح مسجد آيبكس منارة تشع على المنطقة وما جاورها (الجزيرة) كيف كانت بداية مسجد آيبكس؟

كانت بداية مسجد آيبكس ثمرة اجتماع ثلة من الشباب من ساكني المنطقة على مجموعة من أعمال الخير والبر.

في البداية، كانت هذه الأعمال ممثلة في الصلاة والتلاوة والذكر والقيام والتعليم والتعلم وخدمة الجالية، تتم في بيوت هؤلاء الشباب بالتناوب، حتى أصبحت هذه البيوت غير قادرة على استيعاب عدد الحاضرين، ومن ثم بدأ التفكير في ضرورة إيجاد مكان يستوعب الأعداد المتزايدة من الشباب ويواكب طموحاتهم وتطلعاتهم لخدمة الإسلام والمسلمين في هذه المنطقة، فبدأ السعي الجدي لإيجاد مكان منذ سنة 2006.

إعلان

وبعد فترة من البحث والنظر في مجموعة من الأماكن والعقارات، وفي صبيحة يوم في بداية سنة 2009، وأثناء رحلة بحث عن مكان مناسب، ساقنا الله إلى حيث مكان المسجد الآن، حيث وضع عرض لبيع قطعة أرض مجاورة للمسجد.

وبعد التواصل مع صاحبها، تأكدنا أن هذه الأرض لا تصلح لما كنا نبحث عنه، لكن صاحب الأرض أخبرنا أن لديه 3 بنايات، أكبرها كان يستخدم كسوق أسبوعي لبيع السلع المستعملة، وإن كنا نرغب في تأجير واحدة منها فليس لديه مانع في ذلك، ولكننا كنا نرغب في مكان نمتلكه.

وكانت هذه السنة سنة ركود اقتصادي، وكانت البنايات عبئا على صاحبها، فاقترح علينا أن نشتريها منه، لكن الثمن كان يقدر بملايين الدولارات، فبدا لنا أن هذا شبه مستحيل.

إذن كيف تمكنتم من تأمين التمويل اللازم لشراء العقار؟

لقد ألهمنا الله أن نسأل صاحب العقار عن إمكانية تمويله الذاتي للمشروع دون مرورنا عبر البنوك، حيث أوضحنا له أننا مسلمون ولا نريد أن نتعامل بالقروض الربوية، فطلب منا وقتا للتفكير في الموضوع وعرضه على محاميه. وفي ظرف يومين اتصل بنا المحامي وطلب اللقاء لمعرفة شروطنا، وما هي إلا أيام حتى اتفقنا مع صاحب العقار على صيغة البيع والشراء وتم الأمر والحمد لله.

ومما سهل علينا الأمور أكثر أن البناية كانت مُعَرَّفَة وفق القانون للاستعمال كمكان للعبادة دون حاجة للمرور عبر تصويت الجيران على قبول أو رفض ساكني المنطقة لتحويل المكان إلى مسجد.

وقد بادر صاحب المبنى بالقيام بكل الإصلاحات اللازمة لتحويل المكان إلى مسجد في وقت قصير جدا، كما ساعدنا في تحصيل كل التراخيص القانونية التي تمكننا من استعماله لهذا الغرض، وفي غضون شهر واحد، تمت كل الإصلاحات والترتيبات القانونية وفتحنا المسجد في مايو/أيار عام 2009.

ما الصعوبات التي واجهتموها خلال عملية شراء المكان وبعدها؟ إعلان

من أهم العقبات التي اعترضتنا كانت العقبة المادية، حيث كانت تكلفة الشراء 3.6 ملايين دولار، يجب تسديدها خلال 15 سنة، وهو ما يعني دفع أقساط شهرية بقيمة 20 ألف دولار.

هذا عدا المصاريف الشهرية لصيانة المسجد والقيام ببرامج وأنشطة المسجد، علما أن جميع الإخوة القائمين حينها على المسجد كانوا متطوعين وكانت أعمالهم بسيطة جدا وإمكانياتهم المادية محدودة، ناهيك عن أن الجالية في هذه المنطقة كانت صغيرة ولم تكن مقتنعة في البداية بضرورة وجود مسجد بهذا الحجم في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، كان كل من يسمع عن دخولنا في مشروع من هذا الحجم يرى ذلك مغامرة غير محسوبة، لكن تماسك الإخوة ويقينهم التام في أن الكريم إذا بدأ أتم، فند كل التشكيكات، وحول الحلم إلى حقيقة.

والفضل كل الفضل يرجع إلى المحبة التي كانت بين المجموعة، وإلى تفانيهم في خدمة بيت الله وبذل الغالي والنفيس من أجل إنجاح المشروع. هذا الحب والصدق والإخلاص جعل الجالية تلتف سريعا حول المشروع وتنفق عليه بسخاء.

كما لا يفوت التنويه إلى الدور الداعم الذي قامت به مؤسسة "نفيس" لاحتضان المشروع ورعايته حتى اشتد عوده. ولم تمر 10 سنوات من العمل والجد والعطاء حتى تم تسديد كل الديون.

ما أبرز الأنشطة والخدمات التي يوفرها المسجد؟

لقد أصبح مسجد آيبكس بفضل الله وبفضل القائمين عليه منارة تشع على المنطقة وما جاورها، فعلى مدار السنوات الـ15 الماضية، قدم خدمات جليلة للمسلمين وغير المسلمين. فبالإضافة إلى الشعائر الإسلامية من الصلوات الخمس وخطبتي جمعة ومجالس العلم والقرآن والذكر والقيام الأسبوعية، تم إنشاء مدرسة "المنارة" للحضانة، ومدرسة الأحد، ومركز للشباب، وبرنامج تحفيظ القران الكريم للأخوات.

كما كان سباقا لمؤتمر السيرة النبوية، ومؤتمر كنوز القرآن. وكان له دور طلائعي في تأسيس مجلس أئمة كارولينا الشمالية بهدف السعي إلى تنسيق الجهود والتعاون على الخير، وغير ذلك من البرامج والأنشطة الهادفة إلى إفادة كل الفئات العمرية المكونة للجالية، وإلى تسهيل اندماجها في المجتمع دون فقدان هويتها أو الذوبان في هويات أخرى تناقض روح الإسلام وجوهره.

قاعة الصلاة في مسجد آيبكس الذي يتوافد عليه مسلمون من مختلف الجنسيات (الجزيرة) كيف تقيم علاقة المسجد بمحيطه خاصة مع غير المسلمين؟ وما المبادرات التي اتخذها في هذا الإطار؟ إعلان

من الناحية النظرية ليس لدي شك في أن القائمين على المسجد مقتنعون كليا بأهمية هذه الواجهة الدعوية وضرورة الاعتناء بها، والحقيقة أنه كانت هناك مبادرات هنا وهناك، من قبيل توزيع بطاقات تعريفية على جيران المسجد، ولقاءات تواصلية مع بعض المسؤولين في مدينة آيبكس وشرطتها، وبرنامج الأبواب المفتوحة، وبعض البرامج المشتركة مع قسم رجال الإطفاء وغيرها.

لكن الانتقال من مجرد الاهتمام النظري إلى خطوات أكثر عملية وانتظاما بات من أولى الأوليات، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تتنامى فيها الإسلاموفوبيا والأفكار العدائية تجاه المسلمين، حيث أصبحت الحاجة ماسة وملحة لمزيد من الجهد والاهتمام بالمحيط الاجتماعي للمسجد، واتخاذ كل المبادرات التي من شأنها تقوية الروابط مع جيران المسجد ومحيطه.

هل يمكن التوفيق بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والاندماج في المجتمع الأميركي؟

نعم، هذا من أكبر التحديات، ولكن لأجل اقتحام هذه العقبة تم إنشاء المسجد. فالمسجد في الواقع الأميركي ليس مجرد مكان للعبادة، ولكنه مصنع للرجال، وحافظ للهوية، ومسهل للاندماج الاجتماعي دون فقدان الهوية الإسلامية، بل جعلها إضافة نوعية للمنظومة الإنسانية داخل الأوساط الأميركية.

وتتفاوت المساجد في قدرتها على ذلك، لكني أعتقد أن مسجد آيبكس له دور فعال في هذا الاتجاه، وما إنشاء مركز شبابي حديثا إلا خطوة أخرى نحو ربط الأجيال الصاعدة بالواقع في ثقة كاملة بهويتها ومنظومتها الحضارية والأخلاقية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

غزة والضفة.. الموت في كلّ مكان و«نتنياهو» يجاهر بدعم جرائم المستوطنين

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، “إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يساند الجرائم البشعة التي يرتكبها مستوطنون ضد الفلسطينيين”.

وأضاف إيهود أولمرت، في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي، “أن نتنياهو، بصفته رئيسا للوزراء “يساند الجرائم البشعة التي يرتكبها “شبان التلال” في الأراضي الفلسطينية”.

وصرح رئيس الوزراء الأسبق بأن “الحكومة أيضا تغض الطرف عنها”.

يذكر أن “شبان التلال” هي مجموعة يمينية متطرفة من المستوطنين الإسرائيليين تهاجم الفلسطينيين بإطلاق الرصاص وإضرام النيران بالممتلكات واقتلاع الأشجار وإقامة البؤر الاستيطانية، وينتمي أعضاء هذه المجموعة إلى أحزاب يمينية تشكل الحكومة الحالية”، وفق وكالة “الأناضول”.

وكان المستوطنون “صعدوا منذ تشكيل الحكومة الحالية نهاية العام 2020 من اعتداءاتهم على الفلسطينيين، وخاصة شمال الضفة الغربية، وشهد الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، دفعة قوية منذ تشكيل الحكومة، وفقا لمعطيات حركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية التي ترصد الاستيطان بالضفة الغربية”.

هذا “ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر 2023، صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية ما أدى إلى مقتل أكثر من 945 فلسطينيا وإصابة قرابة 7 آلاف، واعتقال 15 ألفا و800، وفق معطيات فلسطينية رسمية”.

غوتيريش: لا ينبغي أن تصبح الضفة الغربية غزة أخرى

أعلنت حركة “حماس” مقتل 29 شخصا وجرح أكثر من 50 في قصف إسرائيلي استهدف مربعا سكنيا مكتظا بالمدنيين والنازحين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “عن قلقه العميق إزاء تجدد العنف في قطاع غزة وحذر من تصعيد آخر في الشرق الأوسط، وخاصة في الضفة الغربية المحتلة”.

وقال غوتيريش في نيويورك إن “خطر تحول الضفة الغربية المحتلة إلى غزة أخرى يجعل الأمر أسوأ”.

وحث غوتيريش، “إسرائيل والمجتمع الدولي على احترام القانون الدولي”، قائلا “يجب أن نلتزم بمبادئنا الأساسية، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة يجب أن تفي بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ويجب أن تكون هناك عدالة ومساءلة عندما لا تفعل ذلك”.

وفي إشارة إلى الأزمة الإنسانية في غزة، قال غوتيريش: “قد ينفد العالم من الكلمات لوصف الوضع في غزة، لكننا لن نهرب مطلقا من الحقيقة”.

وتابع: “الطريق الحالي هو طريق مسدود، غير مقبول تماما في نظر القانون الدولي والتاريخ”، مضيفا “لقد حان الوقت لإنهاء التجرد من الإنسانية، وحماية المدنيين، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان وصول المساعدات المنقذة للأرواح، وتجديد وقف إطلاق النار”.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن “إجبار الفلسطينيين على النزوح من قطاع غزة يتعارض مع القانون الدولي”.

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن “أكثر من شهر قد مر بدون دخول قطرة مساعدات إلى غزة، و”فيما تنفد المساعدات، يُعاد فتح أبواب الأهوال”، مبينا أن “قطاع غزة أصبح ساحة للقتل، وأن المدنيين عالقون في دوامة موت لا نهائية”.

وأضاف أن “وكالات الأمم المتحدة وشركاءها مستعدون ومصممون على تقديم الإغاثة، لكن آليات الموافقة المقترحة حديثا من السلطات الإسرائيلية بشأن توصيل المساعدات، تهدد بفرض مزيد من السيطرة على الإغاثة وتقليصها بشكل كبير حتى آخر سعر حراري وذرة دقيق”.

واختتم قائلا: “الوقت قد حان لإنهاء تجريد المدنيين من إنسانيتهم ولحمايتهم وضمان الإغاثة المنقذة للحياة واستئناف وقف إطلاق النار”.

ويوم أمس الاثنين، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن وجود قوات حفظ سلام أمريكية في غزة وسيطرة الولايات المتحدة على القطاع سيعود بالنفع على القطاع الفلسطيني.

وأعرب ترامب عن استغرابه من “سبب تنازل إسرائيل عن غزة أصلا”، واصفا إياها بأنها “موقع استراتيجي رائع لكنه غير صالح للسكن”.

ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء، إن هناك “محادثات إيجابية مع دول أخرى ترغب في استقبال سكان قطاع غزة”، إلا أنه رفض الكشف عن هذه الدول.

وعقب الاجتماع الذي عقده مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، أشاد نتنياهو مجددا بخطة ترامب لإجلاء سكان قطاع غزة أثناء إعادة إعمار القطاع.

خطة إسرائيل في منطقة رفح

كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن “الجيش الإسرائيلي يستعد لجعل مدينة رفح والأحياء المحيطة بها، التي تشكل خمس مساحة قطاع غزة، جزءا من المنطقة العازلة”.

هذا وبحسب الصحيفة، “كانت المنطقة، الواقعة بين محور فيلادلفيا في الجنوب وممر موراغ في الشمال، موطنا لنحو 200 ألف فلسطيني قبل الحرب، لكن في الأسابيع الأخيرة أصبح المكان مهجورا تقريبا بعد أن أحدث الجيش الإسرائيلي الفوضى فيه، وتقع المنطقة التي تبلغ مساحتها 75 كيلومترًا مربعًا بين طريقي فيلادلفيا وموراغ، وتشمل مدينة رفح والأحياء المحيطة بها، ولن يسمح للسكان بالعودة إليها، حيث يجري النظر في هدم كافة المباني فيها”.

وكانت أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، “ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي للقطاع إلى 50.810 قتلى و115.688 إصابة، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023”.

آخر تحديث: 9 أبريل 2025 - 16:09

مقالات مشابهة

  • حرّ الصيف والتسرّبات ما لها مكان في بيتك! مع مؤسسة بيت الروض لعزل الأسطح في القصيم
  • للتخفيف من الرسوم الجمركية... بي.إم.دبليو تدرس زيادة الإنتاج في مصنعها بأميركا
  • جراح أميركي: ما أجريته من عمليات أطفال بغزة في ليلة واحدة أكثر مما أجريه عاما كاملا بأميركا
  • وزير الدفاع الأمريكي: إيران هي التي تقرر إن كانت القاذفات B-2 رسالة موجهة لها
  • غزة والضفة.. الموت في كلّ مكان و«نتنياهو» يجاهر بدعم جرائم المستوطنين
  • ‏عاااااجل .. استهدفت مسيّرة تتبع لمليشيا الدعم السريع اليوم مستودع “سيدون” للمحروقات بمدينة عطبرة
  • مسجد الحسن الثاني: معلمة دينية وثقافية شامخة في قلب الدار البيضاء
  • معلومات عن مسجد سيدي جابر التاريخي بالإسكندرية
  • عبدالرحيم ركب مكان اخوهو
  • الثقب الأزرق العظيم.. وجهة سياحية بأميركا الوسطى وإشارة خطيرة لمستقبل الأرض