سودانايل:
2025-03-14@22:55:38 GMT

صندوق باندورا السوداني

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

aloomar@gmail.com

بقلم عمر العمر

أطراف الاقتتال وأنصاره يجفلون من الحقيقة الوحيدة الشاخصة من تحت ركام الحرب ورمادها. فلا أحد يتكهن بموعد نهاية هذه الحرب الآثمة ومَن الخارج منها منتصراً. لكن الجميع يدركون أن الشعب هو الخاسر الأكبر، مثلما يجمعون على تصاعد كلفة فاتورةالحرب كلما اتسع مداها في الزمان والمكان.

الحقيقة المغيّبة عمداً عن رؤى أنصار معسكريالحرب خروجهما عن قبول الجماهير بعودة أيٍّ منهما أو هما معاً إلى دست السلطة. قناعاتهما غير المعلنة بهذه الحقيقة ، لاغيرها، تؤجل نهاية الحرب عبر تسوية سلمية.فوقفالنار رهين بارتضاء طرفي الحرب مصيرا عسيرا جوهره خسارةٌ فادحة. استطالة زمن الحربوتوسيع رقعتها يهدف إلى تخفيف وقع تلك الخسارة من خلال استنزاف قوة الشعب بحيثيصبح أدنى إلى القبول بالمساومة أو أبعد عن الرفض والمحاسبة.لكن من المستحيل على الشارع السياسي إغفال إخفاق الجيش عن حماية الدولة والعائلات و تعريض الشعب لحملات التهجير ،التجويع والترهيب .
*****

بغض النظر عن أثقال كفة كل جانب في ميزان الجرائم فالخطيئة المشتركة الكبرى تتجسدفي التواطوء على اقتراف إنقلاب ٢٥ اكتوبر. فهو صندوق باندورا . إذ أطلق كل الشرور الراهنة.فمن عند ذلك المنحنى هبطنا من فردوس الحلم السلمي الديمقراطي إلى جحيمالاحتراب الإثني الجهوي. ذلك الإنقلاب الأحمق أضاع من بين أيدينا مفتاح بوابة حداثية لنهضة تاريخية صممت الجماهير نسقها العام بالبذل ،بالدم والصبر. صحيح لم يكن الشعب قبل الانقلاب الخسيء داخل إطار وحدة التجانس الشامل في الغايات والآليات. لكنه كان متماسكاً داخل ذلك الإطار مشبّعا بطموح الذهاب إلى الأمام نحو الإستقرا ر دوما. فإذا المباغتة تأتي من معقل الحذر الدائم. انقلاب عسكري يلوّح بشعارات راجفة ليس للانقلابيين أنفسهم قناعة بتردادها. تلك المغامرة الغادرة لم تخنق فقط أكمام زهور الثورة ، أوتكتفي بحفر قبور طموحات الثوار ، أو شق أخاديد الفرقة الوطنية ،بل أقحمت الشعب بأسره في هجير الأهوال والتهجير ،كما عرّضت مؤسسات الدولة برمتها إلى التدمير.إنه - الإنقلاب -ردة إلى أسخم المنزلاقات المدمرة في التاريخ السوداني .
*****

أسوأ ما انتجه إنقلاب أكتوبر هو النكوص بالشعب والوطن إلى أرجوحة الإرتداد بينالحاضر والماضي .فلمّا عايش الشعب محنة الضيق في الحياة اليومية إبان سني البشير العجاف - زمن استباحة المال العام واحتكار الامتيازات والقمع الباطش -ظل الشارع ينادي دعاة الإسلام السياسي بإرجاع الوطن إلى ما قبل الإنقاذ. تحت وطأة إحباط ما بعد إنقلاب٢٥ اكتوبر أمسى الشعب ينادي الإنقلابيين بإعادته إلى ماقبل الإنقلاب.بل تمنى البعض الردة إلى زمن الإنقاذ.لم يعد طوال هذه الحقبة من يتطلع إلى بشارات للمستقبل.هذه هيالمحنة في أكثر صورها قتامةً. البؤس يحقق أرقاما قياسية إبان هذه الحقبة الكالحة فثُلُثُ السودانيين في مدارات النزوح وأكثر من الثلثين يكابدون شبح مجاعة ربما تتجاوز حدتها ما يصنفها التاريخ ب(مجاعة سنة ستة) -١٣٠٥ للهجرة- أبشع فواصل الحقبة المهدية.
*****

نعم ،اتسم أداء حكومة حمدوك بالكثير من التردد على المستوى القيادي كما على الصعيدالوطني. نعم لم ينج الأداء العام من الأخطاء لكن التجربة التاريخية أكدت صدق مقولةالسياسي البارع محمد احمد محجوب ؛معالجة اخطاء التجربة الديمقراطية ممارسةُ مزيدمن الديمقراطية.التاريخ شاهدٌ حاضرٌ على سوء دوافع وقصد ونتئج أفعال الإنقلابيين . فكلفة أخطاء حكومة حمدوك لا توازي مثقال ذرة من شرور إنقلاب اكتوبر البغيض. لو تسلّح قليلٌمن الرجال بشيءٍ من الشجاعة لأمكن إحهاض الإنقلاب الأرعن ولأصلحنا حال سلطة الثورةولتفادى البلد النكبة ولتجنب الشعب مهزلة الشتات المبكية و دفن الموتى بين الأنقاض وفي العراءمجردين من الاكفان ومن طقوس الصلاة والبكاء عليهم.
*****

مقارنة بكل مهابط الإنكسار القاتمة في تاريخنا تشكل الحقبة الراهنة المتداعية عن الإنقلاب الآثم أكثرهن قعودا ،فسادا ،إجراماً و توحشاً. في الذاكرة السودانية عدد من المدائن المخربة بأيدينا إبان حقبٍ متباعدة. من ذلك سوبا، أربجي ، الحلفاية و شندي. لكن الإنقلابيين وحدهم خربوا أكثر مما فعل أسلافهم عبر تلك المهابط التاريخية المتباينة. هذا الانقلاب الأسود لم يعطّل فقط حركة الانتاج بل دمّر بُناها التحتية ،الوسطى والفوقية.أكثر منذلك تهتُكاً خرّب دولاب حركة الأجيال بإرباك مسارات الدراسة والتعليم . فرغم قول عدد من المؤرخين ،بينهم محمد عبد الرحيم، بتوقف التعليم بصورة شاملة في عهد المهدية .إلا أن الثابت استبدال المهدي وخليفته دولاب التعليم الاستعماري ب منهاج و ثقافة الثورةالسودانية.
*****

أما عظمُ أزمة شرور انقلاب اكتوبر فيتجسّد في غياب الحد الأدنى من أي رؤية للخروجمن ظلام النفق العتم الخانق حيث حُشر الشعب

نقلا عن العربي الجديد  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي

البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي:
في معنى الحيرة والأسف..
والكلام الملولو والكلام الساكت
نأسف؟ !!
* ما أعظم تضحيات الجند والشعب في ميادين القتال فليس بعد الفداء بالأرواح من فداء.
* ما أتعس تعبيرات وزارة الخارجية عن عظمة هذا الفداء وما أكبر خيانته على مستوى الخطاب!! فغاية ما أبدته من استنكار لموقف حكومة كينيا من السودان هو (الأسف). الأسف في مقابل مشروع هادف الى إيجاد موطئ قدم (لحكومة) ينشئها الدعم السريع والسائرون في ركابه لتكون عنوانا للتسليح الصريح والدعم اللامحدود لإنجاز ما لم تستطع الحرب (بأداوت الحرب التقليدية) إنجازه.

* هذه الدبلوماسية الناعمة الحيية المستخذية التي لا تستطيع أن ترفع سبابتها في وجه من دمروا البلاد وأزهقوا الأرواح بالفعل المباشر أو بالدعم والإسناد العسكري والسياسي أو بالتواطؤ أو بالإيواء لهي دبلوماسية مؤذية للبلاد وتغري بها أكثر مما تدفع عنها.

* على السيد البرهان قائد الجيش (والرئيس بسلطة الأمر الواقع) أن يعمل على مراجعة الأداء التنفيذي الذي يعاني من مشاكل ناتج بعضها من العجز الوظيفي ( لغياب حكومة حقيقية قادرة و فاعلة) وبعضها مشاكل ناجمة من جراء ( قلة الجدارة ) الطاعنة في الأهلية التي تقتضيها الساعة.

*على السيد قائد الجيش و (رئيس البلاد بسلطة الأمر الواقع) أن يغادر المحطة التي وقف فيها طويلا وهو (يعول على عنصر الوقت) في جعل فكرة القبول بحكمه (أمرا لازما ضرورة) وما يمكنه من فعل ذلك هو (تمدين سلطته) عبر تعديل الوثيقة الدستورية التي يظنها مناط شرعيته وما هي هي. فالوثيقة الدستورية بالغا ما بلغت من قوتها القانونية في المحاججة بها في تأسيس فترة الانتقال هي في نهاية الأمر ليست أكثر من (اتفاق سياسي) بين الحرية و التغيير وبين الجيش. وهذه الوثيقة لم يأخذها أحد من الأطراف مأخذ جد بعد (حفل التوقيع عليها) بل ما أكثر ما وظفت توظيفا انتقائيا ما خلا من حيل ومكر لتوافي ظرفا سياسيا عارضا لتشرعنه. فشركاء الوثيقة لم يكوِّنوا مجلسا تشريعيا كما قضت بذلك وهو ضلع ثالث لا تقوم الفترة الانتقالية بغيره رقيبا على الأداء التنفيذي. لكن طرفي الوثيقة احتالا على تشكيل جسم هجين من مجلس الوزراء ومجلس السيادة ليقوم مقام المجلس التشريعي. وما زالت القوى المدنية تسوف في شأنه حتى أدرك الناس من اليأس ما ساء معه ظنهم في قدرة الحرية والتغيير وحمدوك على تحقيق الحد الأدنى من أحلام الثورة. فلما قامت الحرب وقبلها اجرءات تصحيح المسار ( سمه الانقلاب) لم يبق من الوثيقة ما يصلح أن يحاجج به أحد في (شرعنة السلطة القائمة). قلنا مرارا إن (سلطة البرهان هي سلطة أمر واقع) لم يختره أحد شأنه شأن الحرية والتغيير لكنهما صنعا شرعيتهما (بمنطق الأمر الواقع) دونما انتخاب. (كلو حمدو في بطنو) ولذلك على السيد البرهان أن يترك هذه (المناورة السياسية) غير المنتجة ويعمد إلى ممارسة (سلطة الأمر الواقع) دونما تذرع بأنه يفعل ذلك (بمشروعية الوثيقة الدستورية).

بل إنني أمضي أبعد من ذلك فأقول ليست (الوثيقة الدستورية) وحدها التي أصبحت غير ذات صلة وموضوع بواقع الحال بل إن(إتفاقية جوبا) مع (حركات المسلح) هي الأخرى أصبحت من الماضي في ظل الحرب التي لم تبق على شيء. فقوات (المشتركة) التي تقاتل مع الجيش وتستبسل في الدفاع عن الفاشر لا تفعل ذلك لأنها ( تحمي وثيقة عزيزة عليها ترجو خيرها بعد الحرب). هذا قتال متعلق بصيانة الوجود المادي للدولة كيانا و بشرا.
وربما يصنع قادة الحركات خيرا في أنفسهم وفي شعوبهم وفي البلاد لو أنهم بادروا من تلقاء أنفسهم بتحرير رقبة (الدولة المقاتلة) من (تبعات إتفاق جوبا). وهذا أمر يتطلب قدرا عاليا من الواقعية السياسية وأقل من ذلك من الحصافة السياسية التي تمكنهم من ( رؤية ما انتهت إليه البلاد.). ولا يخفى أن ( حركات الكفاح المسلح) تتشبث (بالوثيقة الدستورية) تشبث البرهان بها لأنها في تقديرهم هي(المشرعنة وجودهم في مجلس السيادة وداخل مجلس الوزراء). وهذا التفكير نفسه هو المسيطر على البرهان باعتبار أنه موجود هو (حيث هو) بموجب الوثيقة الدستورية. وهذا سوء تقدير سياسي وعملياتي يورث صاحبه هماَ واضطرابا في مقاربة القضايا فضلا عن (خرمجة) في ترتيب أولوياتها فيدفع بآخر القضايا إلى سطح عقله فلا يكون شاغل له غيرها. ومن ذلك الفكرة (الفطيرة) حول خريطة الطريق التي تمخضت عن ( نقاشات واسعة لقوى سياسية و مجتمعية) في تعبير بيان الخارجية. (فخريطة الطريقة وهمة خرجت من (رحم) الحاضنة وباعتها ( خديجا للبرهان) وسارعت الخارجية الى تسميتها (خريطة طريق) ودعت المجتمع الدولي إلى مباركة المولود ..ماذا يكون العبث السياسي إن لم يكن هذا.

إن من حق الشعب على البرهان أن يقود البلاد في مهمة واحدة هي تحقيق النصر الحاسم و( تصحيح الوضع المائل) بما كسب (تطنيشه ) عن المخاطر التي سارت بها تقارير ضباطه في الاستخبارات. ولكي يفعل ذلك عليه أن يخلي ذهنه الآن من (المعادلات السياسية المتعلقة بالمستقبل) ولا ينشغل قلبه وعقله (بالحواضن) ولا (بفكرة العطايا السلطوية) ثمنا للانخراط في الحرب. هناك شاغل واحد يجب أن يكون الأولوية التي لا تتقدمها أولوية وهو تحقيق النصر المكرس حيازة السلاح في يد الجيش وأجهزة الدولة وحدها.
إن ثقة الشعب في قيادته في أوقات السلم هي رأسمال الحاكم وتتزايد الثقة بمقدار تحقق الرضا العام عنه. في أوقات الحرب تزيد حاجة القائد الى ثقة شعبه وإمتلائه بها ولا ثقة تمنح لقائد مضطرب يمحو كلام نهاره كلام ليله. ولا ثقة مع خطاب ينصرف عن رفع معنويات الجنود والمقاتلين إلى الحديث عن (القسمة و النصيب) في سلطة لما تنبسط على كامل التراب السوداني. يجب أن يدرك السيد البرهان أنه في لحظته التاريخية هذه ( لا حاضنة له غير الشعب ) فإن طلبها في غيره (صادقا أو مناورا) فإنه يكون قد خطى بقدميه إلى باب الخروج. فهذا الشعب قد أنضجته الحرب حتى (الحريق) ولذلك لن يمكن أحدا من اللعب بوطنه وبمصيره ومصير أجياله المقبلة.

*على السيد البرهان أن يبادر الى تشكيل حكومة تكنوقراط صرفة من خبرات سودانية بلا ولاءات سياسية لتقوم بالمهام المطلوبة من الحكومة على الوجه الأكمل. فمن شأن أهل القدرة و المعرفة والخبرة منح الخطاب الحكومي كثيرا من الرشد والسداد المفقودين فيه واللازمين لمعالجة طوارئ الأحداث وما أكثرها في الأيام المقبلة.
* على السيد البرهان أن يكون (خلية أزمة تضم دبلوماسيين وضباط استخبارات وجيش رفيعي المستوى وسفراء من ذوي الكعب العالي للتفكير في سيناريوهات المستقبل ومن بينها: ما العمل حال قامت جماعة نيروبي بإعلان حكومة سواء بقيت في الخارج أو استقرت في أي مكان بدارفور. والحاجة إلى هذا الأمر كشف عنها البيان الهزيل للخارجية السودانية في مخاطبته حكومة كينيا. خطاب الخارجية لم يحسن التعبير عن الاحتجاج ولا أحسن التعبير عن المفتدين البلاد وأهلها بأرواحهم.

* على السيد البرهان أن يفرق بين خطابات المناسبات العارضة وهذه لا تطلب أكثر من رفع المعنوية وبين الخطابات التي توجه الى الشعب كله لبيان أمر عظيم. وهذه خطابات يجب أن تكون مكتوبة وتجلي كل قضية بحيث لا تبقي أمرا ما يحيط به الغموض. (الغموض) لن يفيد السيد البرهان في شيء فقد سئم الشعب (اللف والدوران). وسئم من الخطابات التي يلقى بها وفق ما تجود به الخواطر (بنت لحظتها) حتى إذا المتحدث فسمع ما قال مرة أخرى عاد إليه ينقضه حرفا حرفا يصحح فلتات لسانه. ما هكذا تدار الدول في السلم ..أهي تدار هكذا في الحرب؟ نأسف.!!

فوزي بشرى

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وكيل الأزهر: شاركنا في الحرب مع الشعب وما يحدث في غزة جريمة إنسانية
  • السوداني يعطي الضوء الأخضر لإنشاء صندوق إعمار المدن الحدودية في ديالى - عاجل
  • الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
  • مناوي يغرد بالفيسبوك : نشيد بمواقف الكويت مع الشعب السوداني
  • صندوق أممي: أكثر من 6 ملايين امرأة وفتاة باليمن يواجهن مخاطر العنف
  • حكومة السوداني تطمئن الشعب ..”الرواتب مؤمنة”
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
  • البرهان والوثيقة الدستورية وهرج الأداء الحكومي
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • السوداني والعبادي يبحثان داخل “صندوق الإطار”