كتب الدكتور عزيز سليمان – أستاذ السياسة والسياسات العامة

في سباتة السياسة السودانية، يبدو أن الستارة قد تُرفع مجددًا لتكشف نفس الوجوه الراقصة التي قادت البلاد إلى جحيمها، بأقنعتها المعتادة على التنكر وأدوارها المكررة. سقوط نظام البشير كان مشهدًا دراميًا، لكنه لم يكن نهاية الرواية. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ماذا لو عادت نفس المحاصصات "على عرصات البدايات الاولي"، ونُفذ اتفاق جوبا بآلياته القديمة، وانقسمت السلطة مجددًا بين قوى لا ترى في السودان سوى غنيمة تُقتسم، وبندقية تُشهر لتحقيق المآرب والحفاظ عليها؟
الانتهازيين، الحركات المسلحة، الأحزاب السياسية، والسلطة العسكرية كل منها يتسابق لاقتناص نصيبه من كعكة الحكم في غياب صاحبها " الشعب المكلوم".

وفي هذا السوق السوداء للسلطة، تأتي الحركة الإسلامية بروايتها البالية، تحلم بعودة مجدها المستبد، حيث الحديد والنار لغة الخطاب ومندوحة " الإسلام هو الحل"، ومعلوم انه ليس في قلب أي من هذه الأطراف مكان لشعب أضنته الحرب والجوع والتشريد والموت والمهانة في أفحش صورها التي ازلت اعزاء قوم وكرماء أصل واغنياء نفس.
المفارقة المؤلمة أن الشعب السوداني، رغم جراحه العميقة، يبدو تائهًا، بعيدًا عن التوحد والتكتل لمواجهة هذا العبث الجماعي. كيف يمكن لبلد ممزق أن ينهض في ظل قوى سياسية وعسكرية تحمل برامجها على فوهة البندقية وعطايا " المزينين"، وليس في عقولها رؤية وطنية حقيقية؟
حكومة المستشارات: البديل المقترح الممكن؟
في مواجهة هذا العبث، يطرح (مركز دراسات الليبرالية والاستنارة) رؤية مغايرة: حكومة المستشارات. حكومة لا تعتمد على المحاصصة، ولا تعيد تدوير النخب الفاشلة، بل تستند إلى العقول والكفاءات المتجردة من المصالح الضيقة

هذه الحكومة لا تهدف فقط إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب، بل إلى إعادة بناء الإنسان السوداني ذاته، وخلق فضاء ديمقراطي جديد، يتيح للشعب أن يحدد مصيره بيديه، بعيدًا عن هزلية "ديمقراطية الصندوق" المستوردة من وستمنستر، والتي لم تثمر سوى الفشل في سياق السودان القائم على ديمقراطية الاسياد والسجادة "المزوارية" واهل الخطوة و "المتمسحين" بتراب حفدة الرسول وأخيرا ديمقراطية الجهلاء أصحاب " الجزلان الكبير" حملة طلسم "الرواية".
الديمقراطية المجتمعية التي نطرحها هي صيغة تُمكّن المواطن من المشاركة الفعلية في صناعة القرار، حيث يُعاد تعريف الديمقراطية بما يتناسب مع خصوصية السودان، بعيدًا عن قوالب استُوردت وفُرضت دون مراعاة للواقع الثقافي والاجتماعي المُنطلقة من الحي والقرية وأصغر وحدات المجتمع وصولا للبرلمان الكبير.
هل من أمل نحي من اجله؟
الإجابة ليست سهلة، لكن إن أراد السودانيون الخلاص من مسرح الإعادة هذا، فإن البداية تكمن في كسر دائرة الخوف وترتيب الكتلة الحرجة لإظهار صوت الشعب الحقيقي، والانحياز للوطن على حساب الحزب، الجهة، السجادة، القبيلة، والذات المتجذرة في وجدان الانسان السوداني والانتصار للقيم الإنسانية على حساب المصالح الفئوية التي اقعدتنا وفتح الباب للأجيال الجديدة لتدير الشأن العام
السودان، إن كان له أن ينهض، فلن يكون عبر ذات السيناريوهات الباهتة المكررة، بل عبر إرادة شعبية تُدرك أن ما بين أيديها أغلى من أن يُباع في سوق الساسة، السلاح والوظيفة، وان ما عند الشعب أعظم وأقيم.

quincysjones@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

قتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وأصيب 30 آخرون يوم الأحد، في غارات استهدفت منطقة جنوب العاصمة السودانية الخرطوم، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام محلية.

وذكرت غرفة الطوارئ في جنوب الخرطوم، وهي مجموعة تطوعية تقدم المساعدات، في بيان أن ” عشرة أشخاص قتلوا وأصيب 30 آخرون، من بينهم 5 حالات أصيبت بحروق من الدرجة الأولى، بعد غارات جوية استهدفت محطة الصهريج في حي مايو جنوبي الخرطوم”، بحسب صحيفة سودان تريبيون السودانية.

وذكرت المجموعة، أن محطة الصهريج تعرضت للقصف ثلاث مرات خلال شهر واحد، مضيفة أن المنطقة تكون في العادة مكتظة بالمدنيين، وذلك لأنها تحتوي على سوق والعديد من محلات الأغذية.



وجرى نقل معظم المصابين في الغارات إلى مستشفى بشائر، الذي يقع على بعد 4 كيلومترات من موقع الحادث.

وأكدت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أنه ارتفع عدد النازحين داخليا في السودان بنحو 27 في المائة، من 9.5 مليون نازحاً في ديسمبر 2023 إلى 11.5 نازحا أواخر 2024.

ووفق مصفوفه النزوح الأممية، أنه خلال عام 2024، كانت الولايات التي شهدت أكبر زيادة في أعداد النازحين خلال عام 2024 هي: القضارف، شمال دارفور، نهر النيل، جنوب دارفور، والنيل الأزرق. وانخفض إجمالي أعداد النازحين في ولايتين خلال عام 2024: الجزيرة وسنار.

وأشار التقرير، إلي أنه وقعت 389 حادثة أدت إلى نزوح مفاجئ في السودان خلال عام 2024، وشملت هذه الحوادث الهجمات والصراعات (226)، والفيضانات (130)، والحرائق (31).



ومنذ مايو/أيار الماضي، تحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر وشنت عدة هجمات لاقتحامها لكنها فشلت حتى الآن في كسر الدفاعات التي أقامها الجيش والقوات المساندة له، كما أنها خسرت مؤخرا قاعدة "الزُرق" الإستراتيجية، حيث سيطرت عليها القوة المشتركة لحركات التمرد السابقة المتحالفة مع الجيش.

واتُّهمت قوات الدعم السريع مرارا بقصف المناطق السكنية والمستشفيات والمرافق المدنية الأخرى ومخيمات النازحين في الفاشر، ولكنها تنفي هذه الاتهامات.

ويشهد السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 معارك بين الجيش والدعم السريع أسفرت حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 30 ألف شخص ونزوح 14 مليونا داخل البلاد وخارجها، بحسب أحدث البيانات التي تصدرها منظمات دولية.

مقالات مشابهة

  • التعايشي يفجر مفاجأة : حميدتي حيٌ يُرزق ويرد على مقترح “تقدم” تشكيل حكومة منفى
  • تعديل “وزاري مرتقب” في “حكومة عدن” 
  • شاهد بالفيديو.. مصممة الأزياء السودانية الحسناء عواطف دهب تشعل مواقع التواصل بوصلة رقص مع زوجها على أنغام مدحة “مكاشفي القوم”
  • عبدالحي يوسف يلبس عباءة البدريين ويريد العودة للحكم عبر بوابة الجيش
  • مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية
  • مخرج “الدشاش” يسخر من شائعات عنف محمد سعد ويكشف سر النجاح
  •  “قوانين الثورات” العدالة التي لا تُهزم
  • مصدر استخباراتي “صهيوني”: “حكومة عدن” يمكن ان تزودنا بما نحتاج و”نتقاسم معها الكثير” 
  • الخروج من فقه “إدخار القوة”؟!
  • خيار وحيد لإنهاء الحرب في السودان: حكومة مدنية للسلام والوحدة