سودانايل:
2025-03-09@22:22:48 GMT

الفرق بين الإسلام السياسي والإسلام غير السياسي

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

محمود عثمان رزق

12/03/2024
كثير من السياسيين وغير السياسيين لا يفهمون الفرق بين فكرة الشخص الإسلامي صاحب التوجهات والبرنامج السياسي وبين المسلم الذي يعتقد أن الدين هو "عبادة بين العبد وبين ربه، وما لله لله وما لقيصر لقيصر" فلماذا لا يسمى الأخير "إسلامي" أيضاً؟. وفي الحقيقة الفرق بين الإثنين كبيرً جداً بالرغم من وجود أرضية مشتركة بينهما في مسائل العقيدة والعبادات والشعائر.

فالمسلم الذي ليس لديه برنامج سياسي هو ذلك المسلم الذي يؤدي عباداته في معزل عن معظم أنشطة وقضايا المجتمع. هذا العابد الزاهد الطاهر التقي يسبح ربه ويقرأ قرآنه ويحمل سبحته وهو في حاله لا يهتم بشئون الناس العامة ولا يتحدث في السياسة أو الحرب أوالتعليم أو الصحة أوغيره. وهذا النوع من التدين هو الذي يريده الغرب للمسلمين ويرضى عنه ياسر عرمان ويصفق له، ويراه صدقاً في التدين، ويرفع من شأنه وشأن أصاحبه يزفهم للخلوة للعبادة ويدخل هو الحكومة للسواطة!
وهذا النوع من التدين يسقط بالضرورة معظم أحكام القرآن الكريم الذي يعكف على تلاوته هذا العابدُ ليلاً ونهاراً. فالذي ينعزل عن المجتمع في الخلاء أو في خلوته أو بيته بعيداً عن المجتمع، غير مطالب - بحكم الواقع ومنطق العقل- بمسألة الدعوة، أو إقامة العدل، أو مسألة القضاء، أو مسألة الحرب، أو مسالة الصلح والسلام، أو مسألة الإقتصاد، أو أي مسألة من المسائل العامة التي تتعلق بإدارة الدولة. وذلك لأن الرجل بكل بساطة منعزل لايعيش في مجتمع إنساني ليهتم به ويتفاعل معه بكل ذلك. وبالتالي هذا النوع من التدين يلغي ويجمد بالضرورة كل الآيات القرآنية التي تخص الشأن العام، وتصبح تلاوة تلك الآيات القرآنية للأجر والتبرك فقط، ولن تجد لتلك الأحكام التي تخص الشأن العام أثراً على حياة ذلك العابد الزاهد، وهذا الطريق هو عين فكرة "هجر القرآن" ولو خًتم تلاوةً في كل يوم وكل ساعة.
أما الإسلام السياسي فهو ذلك النوع من الإسلام النشط الذي يرى كل شيء بنظارة الإسلام وفلسفته الوجودية، ولأصحاب هذا المذهب مقدرة فائقة لربط كل أنشطة الحياة بقيم الدين وحقائقه من غير أن تفقد تلك الأنشطة طعمها وجوهرها، وكما أن الأرض جُعلت للمسلمين مسجداً، فكذلك كل أوجه الحياة الإنسانية بالنسبة للإسلام السياسي مختبراً وميداناً ومعتركاً مفتوحاً للدخول. وطبعاً هذا النوع من الإسلام يعتبر حركة مزعجة يخافها الغرب ويخافها اليسار ويخافها البعثيون وغيرهم، وقطعاً يخافها ياسر عرمان وصحبه الطامعون في الحكم.
هذا النوع من الإسلام أو التدين مبني فلسفياً على الفكرة الإسلامية الفقهية المُجمع عليها والتي تقول: "إن العبادة المتعدية خير من العبادة اللازمة في الأجر" بمعنى أن إطعام الناس أجره أكبر من صلاة النافلة، وأن القتال دفاعاً عن المسلمين خير من صيام الدهر نافلة، وأن كفالة اليتيم أو العمل على كفالته خير من العمرة ...الخ (وبالطبع في كلٍ خير متفاوت في الدرجات). وهذا النوع من الإسلام النشط تجده في الإنتخابات والنقابات والصناعات العسكرية والمشاريع الزراعية وفي المتاجر وميادين الكورة، والحكومة والوزارت وفي الجيش وأركان النقاش وفي كل مكان، وكما قال الإمام الحريف لأصحابه بتاعين السيجة بعد صلاة الجمعة وهم يلعبون السيجة: "هنا نبكيكم ومن على المنبر نبكيكم" هههههههه.
وبهذا تكون الفكرة قد وضحت، فمن أراد تجميد معظم الأحكام القرآنية وهجرها على جميع المستويات، فعليه بحمل مصحفه وإبريقه وتبروقته ومعزته ويدقش الخلاء أو الخلوة فهو حر في قراره وهذا مبلغه من العلم وحسابه على الله لا يلومه أحد...ومن أراد تعمير الأرض ومداوسة أو مدافعة الأفكار الرأسمالية والليبرالية والشيوعية والبعثية والناصرية والطائفية والعنصرية وفقاً لتعاليم وفلسفة وقيم الدين فعليه بالإسلام السياسي فهو الحركة السياسية الأمثل التي تجابه هذه الأفكار وتهزمها وتقدم البديل، ولا بديل للإسلام السياسي إلا الإسلام السياسي مهما كانت الأخطاء ومهما تعثرت التجربة ومهما كان الثمن. وثمن المسير في هذا الخط هو الإعدامات والسجون والإغتيالات والأمراض ومصادرة المال والفصل من الوظيفة وتشويه السمعة والشيطنة والحسد والحقد وتضخيم الأخطاء وتقليل الحسنات وكل البلاوي التي تخطر على البال، ومع هذا البلاء يكون الأجر عظيماً بإذن الله وحده.
وعلى أية حال إن الإسلام السياسي داخل السودان أو في البلدان الأخرى قد أصبح رقماً صعباً لا تتم المعادلات السياسية ولا تستقر إلا به، ولن يستطيع أحدٌ أن يتجاوزه ويهمشه، ولن يستطيع أحد ابعاده من الساحة السياسية لا بالقوة ولا بالإنتخابات ولا بالتحالفات ولا بالغزو، ومن ظن أنه سيهزم الإسلام السياسي فهو واهم واهم واهم. وقد تخسر أحزاب الإسلام السياسي معركة أو معركتين ولكنها لن تخسر الحرب أبداً بإذن الله ربها. ونقولها نعم ومليون نعم للطرح الإسلامي في مجال السياسة وملحقاتها.

mahmoudrizig3@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی هذا النوع من

إقرأ أيضاً:

العلمانية في السودان- بين الواقع والطموح السياسي

تاريخٌ من التوظيف السياسي للدين
لطالما كان الدين حاضرًا في الوعي الجمعي السوداني، ليس فقط كمعتقد روحي، بل أيضًا كأداة سياسية تُستخدم لتبرير السلطة، وكسب الولاءات، وإقصاء الخصوم.
منذ عهد الدولة المهدية، مرورًا بالحكومات المتعاقبة، وصولًا إلى حكم الحركة الإسلامية بقيادة عمر البشير، ظل الدين جزءًا لا يتجزأ من المعادلة السياسية.
لكن هل يمكن اليوم، بعد ثورة ديسمبر 2019، بناء دولة قائمة على مبدأ الحياد الديني؟
الخلفية التاريخية- محاولات الجمع بين الدين والدولة
شهد السودان عدة تجارب سياسية سعت لتحقيق توازن بين الدين والدولة، ولكنها غالبًا ما انتهت بإقصاء أحد الطرفين:
الدولة المهدية (1885-1898): قامت على أساس ديني واضح، حيث تم توظيف الإسلام كمصدر للشرعية، ولكن سرعان ما انهارت بسبب الاستبداد وانغلاقها على ذاتها.
الإدارة الاستعمارية (1898-1956): فرضت حكمًا علمانيًا إداريًا، مع الإبقاء على دور محدود للزعامات الدينية.
الفترة الديمقراطية الأولى (1956-1958): شهدت جدلًا حول طبيعة الدولة، بين دعاة الدولة المدنية والتيارات الإسلامية الصاعدة.
نظام النميري (1969-1985): بدأ بميول اشتراكية، لكنه انقلب إلى الإسلام السياسي بإعلانه قوانين الشريعة الإسلامية في 1983.
حقبة الإنقاذ (1989-2019): رسّخت سيطرة الإسلاميين على الحكم، وجعلت الدين أداة لشرعنة القمع والاستبداد.

* ثورة ديسمبر 2019 والتوجه نحو العلمانية
جاءت ثورة ديسمبر 2019 كرفض واضح لاستغلال الدين في السياسة، حيث رفع الشباب شعارات تطالب بالحرية والعدالة، بعيدًا عن الخطاب الديني المؤدلج.
كان هذا تحولًا جذريًا في الفكر السياسي السوداني، حيث بدأ الحديث بجدية عن ضرورة بناء دولة مدنية تتعامل مع المواطنين على أساس المواطنة، لا الانتماء الديني.
العلمانية في المشهد السوداني
أ. ميثاق التأسيس والإشارة للعلمانية
أحد أبرز مظاهر التغيير كان الإشارة الواضحة للعلمانية في ميثاق التأسيس للحكومة الانتقالية، والذي أكد على حياد الدولة تجاه الأديان. العلمانية هنا لم تكن رفضًا للدين، بل محاولة لفصله عن الدولة لضمان عدم استغلاله سياسيًا.
ب. ردود الفعل المتباينة
الشارع السوداني: قطاع واسع من الشباب والمثقفين رحبوا بهذه الخطوة باعتبارها ضمانة للحرية والعدالة الاجتماعية.
التيارات الإسلامية: رفضت هذا التوجه بشدة، معتبرةً أنه تهديد للهوية الإسلامية للسودان.
المتاجرون بالدين: بعض رجال الدين والساسة استغلوا الجدل حول العلمانية لإثارة الفتنة وربطها بالإلحاد، مما زاد من تعقيد النقاش حولها.

تأثير العلمانية على المجتمع السوداني
أ. تحرير العقل الجمعي
العلمانية يمكن أن تشكل فرصة لتحرير المجتمع السوداني من سطوة رجال الدين الذين استغلوا الدين لتبرير الفساد والاستبداد، مما يتيح حرية أكبر في التفكير واتخاذ القرار السياسي.
ب. حماية الدين من الاستغلال
كما هو الحال في العديد من الدول العلمانية، يزدهر الدين عندما يكون بعيدًا عن السياسة. التجربة التركية والتونسية نموذج لهذا التوازن، حيث بقيت المجتمعات محافظة دينيًا رغم فصل الدين عن الدولة.
ج. مواجهة التطرف
بفصل الدين عن الدولة، يتم تقليص نفوذ الجماعات المتطرفة التي تستغل المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب سياسية أو تبرير العنف.

التحديات التي تواجه التوجه العلماني
أ. المقاومة من التيارات الإسلامية
التيارات التي فقدت نفوذها بعد سقوط نظام البشير ستسعى لإفشال أي محاولة لبناء دولة علمانية، عبر وسائل سياسية وإعلامية ودينية.
ب. الفهم المغلوط للعلمانية
يتم الترويج للعلمانية على أنها معادية للدين، ما يجعل تقبلها صعبًا لدى شرائح واسعة من المجتمع.
ج. الانقسام المجتمعي
العلمانية قد تؤدي إلى استقطاب سياسي واجتماعي، وهو ما قد يؤثر على استقرار البلاد، في ظل هشاشة الوضع السياسي.
مواقف القوى السياسية السودانية
حزب الأمة القومي يتبنى دبلوماسية فكرة الدعم السياسي الوسط لصالح فكرة الدولة المدنية لكنه يرفض المصطلح الصريح للعلمانية.
الحزب الاتحادي الديمقراطي وهؤلاء الذين يظنون أنهم أصحاب ميل لنموذج إسلامي معتدل.
المؤتمر السوداني هنا تكمن ضبابية المواقف لصالح قضايا الجماهير
التجمع الاتحادي لا تصريح لهم في هذه القضية ولكنهم مع الاتحاداليمقراطي لديهم محاولات اللعب علي رؤوس الافاعي لتحقيق حضور سياسي
الحزب الشيوعي السوداني يدعم العلمانية بشكل كامل التساؤل المهم هنا أيضا أين طرحه لبرنامج حكم علماني في السودان
قوى الحرية والتغيير - تشهد تباينًا في مواقفها بين داعم صريح للعلمانية وبين مؤيد للدولة المدنية دون تسميتها.
أغلب الكيانات الصغيرة تعتبر قضية العلمانية يجب تأجيل مناقشتها الان لحين نهاية الحرب
منظمات المجتمع السودانية لا تعرف الكثير عن العلمانية وهي المناط بها شرح الامر لكل جماهير شعبنا تحتاج لشرح الفكر العلمانية وتطوير قدراتها اتصبح في خدمة الناس
مستقبل العلمانية في السودان الفرص والتحديات
أ. فرص النجاح
دعم الشباب والمثقفين- الثورة أظهرت رغبة قوية لدى الشباب في بناء دولة مدنية حديثة.
التجارب الدولية - دول مثل تونس أثبتت إمكانية تحقيق توازن بين الدين والسياسة في بيئة عربية إسلامية.
ب. مخاطر الفشل
ضعف المؤسسات السياسية - لا تزال البنية السياسية السودانية هشة، مما قد يعيق تنفيذ إصلاحات جوهرية.
التدخلات الخارجية- بعض القوى الإقليمية قد تعمل على إفشال التوجه العلماني لضمان استمرار نفوذ التيارات الإسلامية.
العلمانية ليست حربًا على الدين، بل وسيلة لحماية المجتمع من استغلاله سياسيًا. في السودان، يمثل هذا التوجه تحديًا وفرصة في آنٍ واحد. نجاحه يعتمد على قدرة القوى السياسية والمجتمع المدني على تحقيق توافق وطني
ومواجهة التحديات الفكرية والسياسية التي تعترض طريقه. هل يستطيع السودان تجاوز إرث الاستغلال الديني والسياسي ليؤسس لدولة مدنية حقيقية؟ الإجابة تكمن في إرادة شعبه.

zuhair.osman@aol.com

   

مقالات مشابهة

  • تاريخها يعود للقرن الرابع قبل الميلاد.. “الطابونة” التونسية تحمل الهوية القرطاجية
  • العلمانية في السودان- بين الواقع والطموح السياسي
  • حوار الأمين.. إطلالة تلفزيونية لنعيم قاسم وهذا موعدها
  • سؤال في الدولة والمجتمع
  • الخارجية العراقية: ندعم مسارات الحل السياسي التي تضمن وحدة سوريا وسلامة شعبها
  • “تحديد موعد مباراة ذهاب ربع نهائي كأس الكونفيدرالية بين “سوسطارة و “السياسي”
  • خطيب الأوقاف: إذا أردت أن تعرف التدين المصري فانظر إلى موائد الرحمن وصلاة التراويح
  • حلويات غير مطابقة للمواصفات في صيدا.. وهذا ما عُثر عليه
  • عون أطلع بري على محادثاته في الرياض.. وهذا ما بحثاه
  • الدراما والتوظيف السياسي