مستقبل الخطاب السياسي النقدي في السودان- ما بين رؤى الشباب والتيارات السلفية
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
السودان يعيش مرحلة تاريخية حرجة، تمثلها صراعات سياسية واجتماعية معقدة وأزمات اقتصادية متفاقمة، مما يخلق مناخًا ملائمًا لإعادة صياغة الخطاب السياسي. يظهر هذا التحدي بوضوح في الصراع بين رؤى الشباب السوداني الطامح للتغيير والتيارات السلفية المحافظة المتمسكة بالنموذج التقليدي للهوية الدينية والاجتماعية.
هذا المقال يحلل بعمق ملامح الخطاب السياسي الجديد الذي بدأ يتشكل، والصراع بين القوى الشبابية والتيارات السلفية، مع محاولة استشراف مستقبل هذا الخطاب في ظل التحديات الراهنة.
الخطاب السياسي للشباب السوداني: رؤى متجددة وتطلعات حداثية
رفض القيود التقليدية
يقود الشباب السوداني حراكًا فكريًا واجتماعيًا يتجاوز الأطر التقليدية التي حكمت السياسة السودانية لعقود. تطلعاتهم لا تقف عند حدود الأيديولوجيات الموروثة أو الانقسامات القبلية والدينية، بل تنطلق نحو بناء دولة مدنية شاملة تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
يرى الشباب أن الأنظمة التقليدية كانت سببًا في تعقيد الأزمات السودانية، سواء بسبب الاعتماد على الخطابات الشعبوية أو التوجهات الشمولية التي أخفقت في تحقيق الاستقرار والتنمية.
التركيز على القضايا العملية
تبتعد خطابات الشباب عن الشعارات الكبيرة وتقترب من مشكلات الناس اليومية مثل البطالة، الفساد، نقص الخدمات، وانعدام العدالة الاجتماعية. يدركون أن التحول الحقيقي يبدأ من معالجة هذه القضايا، مع رفض الخطابات الإقصائية التي عمقت الانقسامات في الماضي.
استخدام التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي-
ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تشكيل وعي الشباب وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة مركزية لنشر آرائهم، تنظيم الحركات الاحتجاجية، وإيصال رسائلهم. هذه المنصات، برغم قيودها، أضفت طابعًا ديمقراطيًا على الخطاب الشبابي، حيث وفرت لكل فرد مساحة للتعبير والمشاركة.
رفض الشمولية
يتميز خطاب الشباب برفض أي شكل من أشكال الحكم الشمولي، سواء كان تحت مظلة أيديولوجية دينية أو سياسية. يسعون إلى نظام يحترم التعددية، ويمنح الجميع حقوقًا متساوية دون تمييز على أساس الدين، العرق، أو النوع.
التيارات السلفية: قوة محافظة في مواجهة التغيير
التمسك بالهوية الإسلامية
تعتبر التيارات السلفية نفسها المدافع الرئيسي عن الهوية الإسلامية في السودان. ترى هذه التيارات أن الشباب المتأثرين بالعولمة والثقافة الغربية يمثلون تهديدًا لهذه الهوية، وهو ما يدفعها إلى تبني خطاب يحذر من "التغريب" ويدعو للتمسك بالشريعة الإسلامية كمرجعية لكل مناحي الحياة.
خطاب تقليدي في مواجهة الحداثة
تتبنى التيارات السلفية خطابًا يمزج بين الدعوة الدينية والنقد الاجتماعي، ويركز على القيم الأخلاقية والتقاليد السودانية الأصيلة. هذا الخطاب يحظى بدعم كبير في المناطق الريفية والأحياء الشعبية، حيث تمثل البنية الاجتماعية المحافظة بيئة ملائمة لنفوذ هذه التيارات.
استخدام المؤسسات الدينية والتعليمية
تمتلك التيارات السلفية أدوات مؤثرة مثل المساجد، المدارس القرآنية، والقنوات الإعلامية التقليدية، التي تُستخدم لنشر أفكارها وتعزيز حضورها الاجتماعي. ورغم أن تأثيرها قد يكون أقل في المدن الكبرى، إلا أنها تبقى قوة سياسية واجتماعية لا يُستهان بها.
التقاطع والصدام بين الشباب والسلفيين
قضية الهوية الوطنية
يشكل مفهوم الهوية الوطنية محور الصراع بين الطرفين. الشباب يدافعون عن مفهوم المواطنة المتساوية، بينما تربط التيارات السلفية الهوية بالدين الإسلامي، ما يؤدي إلى خلاف جذري حول طبيعة الدولة السودانية.
الحريات الفردية
يؤمن الشباب بحرية التعبير، الاعتقاد، والاختيار الشخصي كحقوق أساسية لأي نظام ديمقراطي. في المقابل، ترى التيارات السلفية في هذه الحريات خطرًا على النسيج الاجتماعي وتروج لفكرة أن الحرية يجب أن تكون ضمن ضوابط الشريعة.
قضايا المرأة
الشباب يدعمون المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في كافة المجالات، بينما تتبنى التيارات السلفية مواقف تقليدية تقيّد دور المرأة في المجتمع، معتبرة أن هذه القيود تعزز "حماية الأسرة" و"تماسك المجتمع".
نظام الحكم
يدعو الشباب إلى دولة مدنية تفصل بين الدين والسياسة، بينما ترى التيارات السلفية أن الشريعة يجب أن تكون مصدر التشريع الأساسي. هذا الصراع يمثل نقطة محورية في تحديد شكل النظام السياسي السوداني القادم.
التحديات أمام الخطاب السياسي السوداني الجديد
الانقسامات المجتمعية
ما زالت القبلية، الإثنية، والدينية تهيمن على الحياة الاجتماعية والسياسية في السودان، مما يحد من انتشار خطاب الشباب الذي يركز على الدولة المدنية.
غياب القيادة الموحدة
رغم الحماس الكبير، يعاني الشباب من غياب قيادة موحدة أو رؤية سياسية متكاملة قادرة على تحويل طموحاتهم إلى واقع ملموس.
السيطرة السلفية في الأرياف
تبقى المناطق الريفية معقلًا للتيارات السلفية التي تتمتع بنفوذ واسع بفضل المؤسسات الدينية والاجتماعية.
التدخلات الخارجية
تتأثر التيارات السياسية السودانية بالصراعات الإقليمية والدولية، حيث تدعم بعض القوى الإقليمية الاتجاهات المحافظة، بينما تشجع أخرى على تبني الحداثة والديمقراطية.
استشراف المستقبل: ملامح الخطاب السياسي السوداني القادم
التعايش بين الرؤى
من المرجح أن يبرز خطاب سياسي جديد يجمع بين عناصر من رؤية الشباب والتيارات السلفية، بهدف تحقيق استقرار اجتماعي وسياسي.
اندماج الأفكار
يمكن أن تتطور تيارات وسطية تتبنى قيمًا إسلامية معتدلة مع انفتاح على مبادئ الدولة المدنية، مما يُخفف من حدة الصراع.
دور التكنولوجيا والإعلام
ستظل التكنولوجيا أداة رئيسية للشباب للتأثير على النقاش العام، بينما قد تستثمر التيارات السلفية بشكل أكبر في الإعلام الحديث لمواكبة هذا التوجه.
التحول نحو المؤسسات
سيشهد الخطاب السياسي السوداني انتقالًا نحو التركيز على إصلاح المؤسسات بدلًا من الشخصيات أو الأيديولوجيات.
إن السودان يقف أمام مفترق طرق تاريخي يتطلب شجاعة سياسية وفكرية لتجاوز الصراعات والانقسامات.
الشباب والتيارات السلفية يمثلان وجهين لتحدي بناء مستقبل البلاد. الأول يعكس الطموح نحو الحداثة، والثاني يجسد التمسك بالجذور.
السؤال الأبرز هو- هل سيتمكن الطرفان من التفاعل الإيجابي وإيجاد حلول وسط تحفظ للسودان استقراره وتنوعه؟
المستقبل يعتمد على قدرة السودانيين على صياغة خطاب سياسي نقدي يعكس روح العصر مع احترام الخصوصية الثقافية والدينية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السیاسی السودانی الخطاب السیاسی السودانی ا خطاب ا
إقرأ أيضاً:
عضو مجلس السيادة السوداني: نشكر مصر على استقبال النازحين بسبب الحرب
قال الفريق مهندس إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني، إنّ مصر والسودان شعب واحد في دولتين، مواصلا: «أمن السودان من أمن مصر، وبالتالي، لابد من توحيد الرؤى والخطاب والدعم في كل المحافل الدولية والإقليمية فيما يختص بأمن بلادنا، وننسق مع القاهرة في كل المستويات».
مصر ساندت السودان ودول مجاورة حاولت إسقاط أركانهاوأضاف «جابر»، في حواره مع الإعلامي أحمد أبو زيد، عبر قناة «القاهرة الإخبارية»: «نشكر مصر وشعبها وحكومتها والقيادة المصرية على الدعم الكبير الذي قدموه لمن هُجروا ونزحوا إلى مصر، ولم نسمع كلمة لاجئين في مصر، بل وفدوا إلى أرض مصر التي احتضنتهم ونثمن دور وحكومة شعب إريتريا أيضا التي استقبلت السودانيين أيض».
وتابع: «لكن بعض دول الجوار كانت داعمًا أساسيًا للتمرد، وفتحت حدودها لتمرير المرتزقة والسلاح، وعندما تنتهي الحرب بالسودان يكون لحدث حادث حديث».