سلم الأولويات وحكم سياسة ما بعد الحرب
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن العمل السياسي ما بعد الحرب محكوم بسلم الأولويات الذي فرضته دواعي الحرب، التي بينت أن القوى السياسية التي أوكلت إليها العملية السياسية و عملية التحول الديمقراطية لا تملك أي مشروع سياسي و عجزت أن ترتب أولوياتها، كما عجزت أن تدير معركتها السياسية من أجل خلق بيئة سياسية صالحة تساعد على عملية التحول الديمقراطي، و أيضا فشلت في التغلب على التحديات التي كانت تواجهها، مما يؤكد أن قدراتها لم تكن قدر التحدي، الأمر الذي قاد للحرب التي تعتبر أعلى درجات الأزمة السياسية، هذا الفشل و العجز في القدرات كان لابد أن ينظر إليه بموضوعية و منهج نقدي يبين اسباب الفشل و العجز، و لكنها فضلت أن تصبح أداة لأجندة خارجية توظفها كما تشاء.
كررت القيادات العسكرية التي تقود المعارك ضد الميليشيا، و في ذات الوقت تدير دولاب الدولة، أن الحرب تعتلي سلم الأولويات و يجب أن لا يتم تجاوزه، و في أخر حديث للفريق أول شمس الدين الكباشي في مصنع سكر غرب سنار أشار إلي "سلم الأولويات" بالقول ( لا تفاوض مع الميليشيا و لا وقف لإطلاق النار حتى القضاء عليها تماما، و لا حديث في السياسة إلا بعد وقف الحرب ثم البدء في عملية التعمير و إعادة البناء).. فالحرب تمثل أعلى درجات سلم الأولويات، و أن أغلبية شباب السودان الذين لبوا نداء الوطن في الاستنفار و المقاومة الشعبية بهدف الدفاع عن وحدة البلاد و استقلالها، و التصدي للمؤامرات الخارجية الآن هم مشغولون بالعمليات القتالية، و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون القاعدة الأساسية للعملية السياسية ما بعد الحرب، أن أنتهاء الحرب و رجوع هؤلاء المستنفرين و المقاومة الشعبية إلي مناطقهم بعد ذلك تبدأ الخطوات الأولى للعملية السياسية من خلال انتخابات للمجالس المحلية، و بعدها انتخابات النقابات العمالية و المهنية و المزارعين، و الهدف منها أن لا تخرج أي مجموعة سياسية أو حزب يتحدثون بلسان الجماهير دون أن يكون لهم تفويضا منها.. و انتخابات المجالس و النقابات تعتبران العمود الفقري في إدارة الصراع القاعدي..
أن القوى السياسية يجب أن تتحاور في " سلم الأولويات" و تقدم رؤاها إذا كانت تختلف مع هذا السلم، بدلا من البحث عن صغائر الأشياء " عبد الحي قال " الكل يخرج مهللا بما قال عبد الحي، الأمر الذي يؤكد أنها نخب ليست لها أي رؤى غير البحث عن صغائر الأشياء.. هو الإفلاس بعينه، و الغريب الأمر أن هؤلاء جميعا يوميا يملأون وسائل الاتصال الاجتماعي بمقالات التخزيل ضد الجيش و قائده " الكيزان و الفلول" أن الحركة الإسلامية لم تجد طوال تاريخها السياسي رواجا و دعاية لها إلا بعد ثورة ديسمبر التي كشفت عجز النخب و حالة الفقر الثقافي و المعرفي الذي تعيش فيه.. و لذلك عجزت عن مقابلة الحجج بالحجج و ذهبت إلي استخدام الفزعات لكي تغلق باب النقد الموجه لها..
أن الذي ينظر إلي الساحة السياسية قبل الحرب و بعد الحرب يجد أن القوى السياسة ليس لها أي مشاريع سياسية تقدمها، فقط شعارات تدل على حالة الفقر التي تعيش فيه، و حتى المشروع الذي كان مطروحا في الساحة " الأتفاق الإطاري" هو مشروع أمريكي عجزت النخب السياسية أن توصله إلي غايته.. كما قال مريم الصادق لقناة الجزيرة مباشر " نحن أخطأنا عندما رفضنا مشاركة الأخرين" و اعتقدوا أنهم بمناصرة الخارج سوف ينتصرون، و لكن حالة البؤس السياسي التي أداروا بها الإزمة كانت نتيجتها الحرب، و فقدان الشارع تماما، الأمر الذي جعلهم في حالة من الترحل المتواصل بين العديد من مدن دول الإقليم أو أوروبا بحثا عن سلطة أهملوا فيها و عجزوا عن إدارتها..
أن ترتيب الأولويات هو المفهوم الذي يمثل الركن الأساس لمستقبل العملية السياسية في السودان، و بالتالي هو المحور الذي يجب أن يفتح الحوار حوله بعيدا عن حالة الإسفاف و التنطع السياسي التي درج عليها البعض، و هو المحور الذي تترتب عليه كل أجندة محور التساؤلات.. التحول الديمقراطي سوف يبدأ من القاعدة و ترتقي إلي أعلى، و كل مرحلة لابد أن تمر بصناديق الاقتراع لكي تخرج شرعيتها.. و إذا أقرت القاعدة أن يتم انتخاب لرئيس الجمهورية ترشحه هي لكي تتحول البلاد إلي الشرعية الدستورية هي أيضا قضية حوار.. و هي الطريقة الأسرع ثم يدعو رئيس الجمهورية لحوار وطني " مؤتمر دستوري" بهدف الوصول للتوافق الوطني لصناعة دستور دائم للبلاد. و التحضير لانتخابات عامة في البلاد.. كل ذلك مرهون أن تتحول الأحزاب إلي مؤسسات ديمقراطية ليست أسرية أو تابعة لشللية كما هو الآن.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: سلم الأولویات ما بعد الحرب
إقرأ أيضاً:
ألمانيا تهدد بترحيل ناشطين مؤيدين لفلسطين.. هل تحوّلت سياسة الهجرة إلى أداة قمع؟
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا، للناشط كاسيا فلازتشيك، حول تلقّيه وثلاثة ناشطين آخرين، لرسائل من الدولة تُطالبهم بالمغادرة وتهدّدهم بالترحيل. ويقول إنّ: "هذا مثالٌ مُرعبٌ على انحياز ألمانيا نحو اليمين".
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّه: "في الأسبوع الأول من كانون الثاني/ يناير، تلقّيت رسالة من مكتب الهجرة في برلين، تُبلغني بفقدان حقي في حرية التنقل في ألمانيا، بسبب مزاعم حول مشاركتي في الحركة المؤيدة لفلسطين".
"لأنني مواطن بولندي أعيش في برلين، كنتُ أعلم أن ترحيل مواطن من الاتحاد الأوروبي من دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي أمرٌ شبه مستحيل. تواصلتُ مع محام، ونظرا لعدم وجود مبرر قانوني قوي وراء هذا الأمر، رفعنا دعوى قضائية ضده، وبعد ذلك لم أُعر الأمر اهتماما كبيرا" تابع المقال نفسه.
وأضاف: "علمتُ لاحقا أن ثلاثة أشخاص آخرين ناشطين في الحركة الفلسطينية في برلين، وهم روبرتا موراي، وشين أوبراين، وكوبر لونغبوتوم، قد تلقّوا الرسائل نفسها"، مبيّنا أنّ: "موراي وأوبراين مواطنان أيرلنديان، ولونغبوتوم أمريكي".
وأردف: "فهمنا هذا على أنه تكتيك ترهيب آخر من الدولة، التي قمعت الاحتجاجات بعنف واعتقلت النشطاء، وتوقعنا عملية طويلة ومملة، وإن لم تكن عاجلة، للطعن في أوامر ترحيلنا"، مشيرا إلى أنّه: "في بداية آذار/ مارس، تلقّى كل محامينا رسالة أخرى نيابة عنا، تُعلن أنه مُنحنا مهلة حتى 21 نيسان/ أبريل لمغادرة البلاد طواعية وإلا فسيتم ترحيلنا قسرا".
واسترسل: "تشير الرسائل إلى تُهم ناجمة عن مشاركتنا في الاحتجاجات ضد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. لم تُؤدِ أيٌّ من هذه التهم إلى جلسة استماع في المحكمة حتى الآن، ومع ذلك، خلصت رسائل الترحيل إلى أننا نُشكل تهديدا للنظام العام والأمن القومي".
وتابع: "لم تكن هناك أي إجراءات قانونية لهذا القرار، وليس لدى أي منا سجلٌ جنائي. يستمر المنطق في الرسائل باتهامات غامضة لا أساس لها من الصحة بـ"معاداة السامية" ودعم "منظمات" -في إشارة إلى حماس- بالإضافة إلى: منظماتها الواجهة المزعومة في ألمانيا وأوروبا".
وأكد: "هذه ليست المرة الأولى التي تستغل فيها ألمانيا قانون الهجرة كسلاح. فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جمّد المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين بشكل غير قانوني معالجة طلبات جميع طالبي اللجوء من غزة. وفي 16 نيسان/ أبريل 2025، ستصدر محكمة إدارية اتحادية في ألمانيا، بحسب التقارير، قرارا في قضية قد تُشكّل سابقة للدولة الألمانية لترحيل اللاجئين الفلسطينيين جماعيا".
ومضى بالقول: "هذه الإجراءات المتطرفة ليست تحولا مفاجئا أو مجرد موقف يميني متطرف. إنها نتيجة حملة استمرت لأكثر من عام شنّها ائتلاف أمبل الليبرالي -الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) والحزب الديمقراطي الحر (FDP) وحزب الخضر- ووسائل الإعلام الألمانية، داعية إلى عمليات ترحيل جماعي، يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها رد فعل على الحركة المؤيدة للفلسطينيين المتنامية، وتستهدف في المقام الأول السكان الألمان العرب والمسلمين".
وأبرز: "في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، صعدت بياتريكس فون ستورش، نائبة الزعيم البرلماني لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، حفيدة وزير مالية هتلر، إلى منصة البوندستاغ للتصفيق لتمرير القرار المعنون "لن يتكرر هذا أبدا: حماية الحياة اليهودية في ألمانيا والحفاظ عليها وتعزيزها"، الذي صاغه الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ألمانيا/الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا (CDU/CSU)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الحر، وحزب الخضر. وزعمت بحماس أن قرار معاداة السامية الجديد يستمد محتواه من موقف حزبها".
ووفقا للمقال نفسه: "يحدد القرار، الذي يتبنى تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) المثير للجدل لمعاداة السامية، الهجرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و"اليسار المناهض للإمبريالية" كاثنين من المصادر الرئيسية لمعاداة السامية في ألمانيا. في غياب تشريعات جديدة، يُوجِّه هذا القانون الدولة والمؤسسات العامة إلى ممارسة أقصى صلاحياتها التنفيذية، مما يؤدي إلى حملة قمع شاملة لجميع أشكال الخطاب والنشاط المؤيد للفلسطينيين".
وأضاف: "من بين الأساليب المقترحة التدقيق الدقيق في جميع التمويلات الثقافية والأكاديمية، وفحص جميع المرشحين لوظائف التدريس الجامعي، والتوسع غير المسبوق في الإجراءات التأديبية في الجامعات، وأخيرا وليس آخرا، استخدام قانون الهجرة".
"بكلمات فون ستورش الحازمة، "أعيدوا المسلمين المعادين للسامية إلى ديارهم على متن طائرة. وداعا ولن أراكم مجددا" أردف المقال، مبرزا: "يستند أمر ترحيلي، وكذلك أوامر ترحيل مواطنَين آخرين من الاتحاد الأوروبي، صراحة إلى مبدأ الدولة الألماني (فكرة أن أمن إسرائيل جزء من مبرر وجود ألمانيا) كأساس لترحيلنا".
وقال: "من مصلحة المجتمع والدولة الجوهرية أن يُعاد تفعيل هذا المبدأ دائما، وألا يُثار أي شك -لا في الداخل ولا في الخارج- في أن التيارات المعارضة تُقبل داخل الأراضي الاتحادية".
وأردف: "لم يكن مبدأ الدولة محاولة حقيقية للتكفير عن ماضي ألمانيا، بل استراتيجية لإعادة توحيد الأمة أولا، وهو حاليا وسيلةٌ لتبرير التعليق غير المحدود لنظام قائم على الحقوق، والممارسة غير المقيدة للسلطة التنفيذية".
وتابع: "لقد أعلنّا أنا وموراي وأوبراين ولونغبوتوم عن قضايانا علنا لمواجهة هذا الترهيب. وقد رفع كلٌّ من محامينا دعوى قضائية ضد ترحيلنا، ونحن الآن بصدد تقديم طلب إعفاء مؤقت ضد الموعد النهائي المحدد في 21 نيسان/ أبريل. وبما أن أوامر الترحيل تُعدّ اختبارا لمعرفة مدى القمع الذي يمكن للدولة أن تفلت منه، فمن الصعب معرفة الحكم الذي يمكن أن نتوقعه".
وختم بالقول: "ما نعرفه هو أن التعبئة ضد الإبادة الجماعية المستمرة ومن أجل فلسطين حرة ليست جريمة، بل مسؤولية ملحة. ينبغي أن تكون محنة الشعب الفلسطيني سببا كافيا لنا للوقوف إلى جانبه تضامنا. أرفض فكرة أن التضامن قائم على الخوف من حدوث شيء مماثل لنا يوما ما".
واستطرد: "مهما كانت هذه الإجراءات سابقة خطيرة، فلا نستطيع أن نسمح لها، ولن نسمح لها، بتشتيت انتباهنا، ونناشد الآخرين ألا يثبطوا عزيمتهم. تتصاعد حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة يوميا. نحن الأربعة من برلين نقف متضامنين بشكل ثابت مع الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرير".