بين الأنقاض شابة من غزة تنتزع حق النازحات في التعليم والمرح
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
شروق طومار
على أنقاض البيوت المدمرة، وإلى جوار الخيمة التي تسكنها وعائلتها بعد نزوحهم من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة وسط القطاع المحاصر، أقامت سهاد جرادة (24 عاما) خيمة تعليمية تستهدف فتيات المنطقة، في صورة للصمود، والإصرار على انتزاع الحق في الحياة والتعلم.
سهاد التي تخرجت -قبل عام واحد من الحرب الإسرائيلية- بتخصص اللغة الإنجليزية والترجمة من جامعة الأزهر في غزة، كانت تحمل أحلاما وخططا كثيرة لإكمال دراستها العليا والمضي بمسيرتها المهنية مترجمة ومدربة على مهارات الإنجليزية، لكن حرب الإبادة أوقفت التعليم بكل مراحله وأشكاله.
ولكنها لم تستسلم لهذا الواقع الأليم المليء بالتحديات، فبادرت إلى إقامة صف تعليمي في خيمة زينتها بألوان زاهية تشبه أحلام الفتيات اللواتي يضمهن الصف وهن طالبات بالمرحلة الإعدادية تتراوح أعمارهن بين (12-15) عاما، ونجحت في تنفيذ برنامج تعليمي منوع دام 3 أشهر، غير أن استمرار إغلاق المعابر البرية وتوقف دخول المساعدات إلى القطاع أدى إلى نفاد ما كان متبقيا من مواد أولية مما أجبرها على التوقف الذي تأمل أن يكون مؤقتا.
مقالات ذات صلة تشققات بجدران مدرسة في إربد وتسرب مياه الأمطار إلى الصفوف .. والتربية ترد 2024/12/04درس ولعبة وأنشودة
تنوعت الأنشطة التي قدمتها المبادرة ما بين جوانب تعليمية وأخرى اجتماعية وترفيهية، فشملت التدريب على المحادثة بالإنجليزية، إلى جانب التفريغ العاطفي بواسطة التدريب على الغناء الجماعي لأناشيد فولكلورية، بالإضافة للألعاب التفاعلية والكتابة والحديث عن المخاوف في ظل هذه الظروف القاسية.
وتقول سهاد للجزيرة نت “هدفت المبادرة إلى تعويض الطالبات بشكل جزئي عن الفاقد التعليمي الناجم عن انقطاعهن الطويل عن الدراسة والمدارس، ومساعدتهن في استعادة بعض المهارات من خلال جمعهن في أجواء دراسية بعد حرمانهن منها لأكثر من عام”.
وتضيف “حاولت تكريس ما لدي من مهارات في الإنجليزية والترجمة في تدريب الفتيات على المحادثة بالإنجليزية، وإكسابهن المخزون اللغوي من المفردات وكيفية تركيب الجمل للتعبير عن أنفسهن، والحديث عن القضية الفلسطينية بالإنجليزية وعن يوميات الحرب والخوف والمجاعة، خصوصا في ظل توافد الأطباء والمبادرين من مختلف الجنسيات الأجنبية، وتعليمهن كيفية التحدث مع أي شخص لا يتحدث العربية”.
أمل رغم التشرد
التحقت الطفلة النازحة عائشة كحيل (13 عاما) بالمجموعة التعليمية، ورغم الحالة النفسية الصعبة التي تعيشها نتيجة استشهاد والدها في الشهر الأول من الحرب، إلا أنها كانت من أكثر الطالبات اجتهادا وحماسا للتعلم.
وتقول عائشة “حلمي أن أصبح صحفية باللغة الإنجليزية لأنشر قضيتي وقضية أطفال فلسطين للعالم، تحمست جدا عندما سمعت بالمبادرة وشاركت بها، تعلمت فيها أشياء كثيرة، وأصبح لدي صديقات جدد وكنت أحضر الحصص بانتظام رغم صعوبة الظروف، فالتعليم حقي وقد حرمتني منه الحرب، أنا أشعر بالظلم فكل أطفال العالم يذهبون إلى مدارسهم بأمان ولكن أطفال غزة محرومون من ذلك”.
أما والد النازحة آلاء حمدان (14 عاما) إحدى طالبات المجموعة فيقول “كنت أحرص على حضور ابنتي للدروس، وكنت أراقب تفاعلها مع صديقاتها بفرح كبير، الحرب حولت حياتنا إلى دمار بعد أن فقدنا كل شي، وتأثرت آلاء وأخوتها كثيرا بحالة التشرد التي نعيشها، لكن وجودها بهذه المجموعة ساعدها وحسن نفسيتها بشكل ملحوظ، وأعاد إليها بعض الأمل”.
قطعة حلوى ووجبة حب عائلية
تمكنت المبادرة من الاستمرار لمدة 3 أشهر، بجهود ذاتية من سهاد وعائلتها، حيث كان أفراد العائلة يساهمون في الدعم والمساندة بأقصى طاقة، مع ندرة المواد وضعف الإمكانيات.
كانت حورية والدة سهاد -والتي تعمل بالأساس مديرة التدقيق بوزارة المالية- تقوم بإعداد الضيافة للطالبات وتجهيز طبق من الحلوى، وتقول “كنت أعتمد على ما يتوفر من مكونات في ظل شح المواد التموينية وعدم وجود الغاز ومستلزمات الطهي، كنت أطبخ الضيافة على الحطب، ورغم مشقة ذلك إلا أنني كنت أشعر بالسعادة”.
ما أشرف جرادة (والد سهاد) فكان يساعد في الإشراف على عملية الإدارة والتنظيم، ويقوم بتوفير المستلزمات من قرطاسية وأدوات تساعد الطالبات في الدروس والأنشطة، وكان في أحيان كثيرة يضطر لقطع مسافات طويلة حتى يعثر على بعض منها.
وتقول سهاد إن عائلتها كانت دائما تشجعها على الاستمرار كلما شعرت بالتعب بسبب التحديات الكثيرة.
إصرار يعترضه الجوع والإغلاق
رغم النتائج الإيجابية التي تمكنت المبادرة من تحقيقها، والإصرار الكبير لدى سهاد وطالباتها على الاستمرار، إلا أن نفاد المواد الأساسية بما فيها المواد الغذائية وكذلك القرطاسية بفعل إغلاق المعابر المستمر لنحو 6 أشهر أجبرهن على التوقف إلى أجل غير معلوم.
وتقول سهاد “لم يعد هناك شيء في الأسواق، نفدت جميع المواد، ولا يمكنني بهذه الحالة أن أقدم شيئا للفتيات، كما تسبب نقص المواد الغذائية بحالة جوع وقلق لدى الجميع، وفي ظل هذه الظروف لا يمكن للعائلات إرسال بناتهن للمجموعة، لذلك اضطررت للتوقف، وأتمنى أن يكون مؤقتا وقصيرا”.
تدمير ممنهج للتعليم
وتسببت هجمات الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 في تدمير البنية التحتية التعليمية، ضمن سياسة وصفها مكتب الإعلام الحكومي في غزة بسياسة التدمير الممنهج بعدد من وسائل الإعلام المختلفة.
وقبل الحرب، كان هناك 796 مدرسة تستوعب نحو 800 ألف طالب وطالبة، بالإضافة إلى 17 جامعة وكلية مجتمع متوسطة. ومن تلك المدارس والجامعات، دمر جيش الاحتلال 123 منها بشكل كامل و335 بشكل جزئي، وقتل أكثر من 11 ألف طالب و750 معلما ومعلمة.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.
اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.
مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.
مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.
مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.
الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.
فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.
مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.
فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.
فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.
سماء عيسى شاعر عُماني