العدو الصهيوني يعاني اقتصادياً ومسؤولوه يؤكدون.. نحتاج سنوات طويلة لتأهيل الشمال
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
على الرغم من توقُّفِ العمليات الصاروخية لحزب الله، التي كانت تُمطِرُ الأراضي الفلسطينية المحتلّة، إلا أن الوضعَ الاقتصادي للعدو الصهيوني لا يزال في تدهور مُستمرٍّ.
هذا يؤكّـد أن عمليات المقاومة اللبنانية أحدثت أثرًا كَبيرًا سيظل يلاحق العدوّ، حَيثُ إن الشمالَ الفلسطيني المحتلّ ما يزال كما هو وكأنَّ الجبهة مشتعلة؛ فالنازحون خائفون، والعدوّ عاجز ماليًّا وعماليًّا عن إعادة التأهيل والبناء، والمخاوف تحيط بالعدوّ من كُـلّ جانب، ليبقى وقف العدوان على غزة في الجنوب هو الحل الوحيد لمشاكل العدوّ في الشمال، وهو ما رسَّخه الشهيدُ حسن نصر الله.
الجبهة الشمالية وارتباطاتها ما تزال قائمة فالمعطيات تشير إلى أن كيان الاحتلال الصهيوني مصاب بتوجس كبير في عدة جوانب، لا سيَّما الجانبان الاقتصادي والأمني، حَيثُ ما يزال المغتصبون متحفظين على العودة إلى مغتصبات شمالي فلسطين المحتلّة، جراء الهول الذي لاقوه خلال الفترات الماضية، وجراء عدم ثقتهم في قدرات حكومة المجرم نتنياهو، وهذا الجانب يفاقم العجز المالي على العدوّ، حَيثُ يحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات لتوفير المساكن والفنادق والرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية لأكثر من 150 ألف نازح.
أما على الجانب الاقتصادي فما تزال المصانع والمنشآت الحيوية التي طالتها صواريخ حزب الله متوقفة ورافضة لاستئناف عملها لعدم ثقتها في حكومة المجرم نتنياهو بتوفير البيئة المناسبة أمنيًّا واقتصاديًّا، حَيثُ إن إجراءات مالية العدوّ الاقتصادية المتمثلة في الإضافات الضريبية والجمركية لتغطية العجز، أسهمت في تعطّل الآلاف من الشركات والمصانع، إلى جانب موجة هروب أصحاب رؤوس الأموال وسحب الشركات العملاقة لأصولها من فلسطين المحتلّة وغيره، والأكبر من ذلك هو أن العدوّ يواجه أزمةَ عمالة غيرَ مسبوقة، فمن جانب أسهم استدعاء جنود الاحتياط في تفريغ الشركات والمؤسّسات الصهيونية، ومن جانب آخر فَــإنَّ هجرةَ مئاتِ الآلاف من الغاصبين إلى خارج فلسطين المحتلّة ورفضهم العودة، ورفض العمال الأجانب العمل في المناطق الفلسطينية المهدّدة، فاقم من هذه المشكلة؛ وهو الأمر الذي يجعل العدوّ عاجزًا عن إعادة تطبيع الأجواء في شمال فلسطين المحتلّة.
وفي السياق، قدر ما يسمى “اتّحاد المقاولين” الإسرائيلي، فترة إعادة تأهيل مناطق شمال فلسطين المحتلّة التي أمطرتها صواريخ حزب الله، بما يتراوح بين 8 إلى 10 سنوات، في حين يحتاج العدوّ لقرابة مليارَي دولار حتى يرمم الأضرار كتقديرات أولية، وسط توقعات “إسرائيلية” بأن الفاتورة باهظة للغاية.
وأوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تقرير حديث لها، أن ما يسمى “اتّحاد المقاولين” أجرى فحصًا لنطاق أعمال إعادة التأهيل المطلوبة في منطقة شمال فلسطين المحتلّة، ووضع تقديرات بوقوع أضرار مباشرة في مئات المباني الكبرى، فضلًا عن ذكر وسائل إعلام صهيونية بأن الأضرار التي سبَّبتها صواريخُ حزب الله طالت قرابة 8800 منزل، في حين أن البنية التحتية أَيْـضًا تعرضت لأضرار واسعة جِـدًّا، وهو ما يجعل العدوّ على موعد مع فواتير باهظة الثمن لن يقدر على دفعها في ظل العجز المالي الكبير وتصاعد الإنفاق العسكري.
التقديرات بأن الأمر يحتاج إلى 8 أَو عشر سنوات، تأتي استنادًا على تفاؤل إسرائيلي بتفويج آلاف العمل شهريًّا إلى فلسطين المحتلّة لبدء العمل، غير أن استمرار الأزمة العمالة ورفض العمالة الأجنبية بالقدوم إلى الأراضي المحتلّة سوف يجبر العدوّ على الانتظار لسنوات أكثر، وهذا ما أكّـدته تصريحات المعنيين لدى الكيان الصهيوني.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” تصريحات رئيس الاتّحاد “راؤول سروجو” التي حذر فيها من استغراق سنوات طويلة لإعادة الترميم والبناء؛ بسَببِ النقص الكبير في عمال البناء، فيما وصف الأمر بـ”البعيد عن الحل”.
وقال “سروجو” في تصريحاته: إن إعادة التأهيل والتجديد التي ستحتاجها المناطق السكنية في الشمال ستستغرق وقتًا طويلًا جِـدًّا؛ بسَببِ النقص الكبير في عمال البناء، مُضيفًا “إذا استمرت وتيرة عمل الحكومة كما هي اليوم، ووصل ما معدله 1000 عامل بناء أجنبي إلى “إسرائيل” شهريًّا، فَــإنَّ إعادة تأهيل شمال “إسرائيل” ستستغرق من 8 إلى 10 سنوات”، مستدركًا بقوله إنه “من الصعب حتى تقدير الأضرار التي سيلحقها تركيز الأعمال في الشمال بمجال البناء والبنية التحتية على العمل في بقية “إسرائيل” خلال تلك الفترة”.
وتأكيدًا على وجود الكثير من التعقيدات أمام العدوّ يتابع المسؤول الصهيوني في تصريحاته “لقد عرضنا الوضع مرارًا وتكرارًا على الحكومة في الأشهر الأخيرة، خَاصَّةً على وزارة الداخلية، المسؤولة عن العملية البيروقراطية لجلب العمال الأجانب، حَيثُ عشرات الآلاف من العمال، الذين كان من المفترض أن يكونوا هنا، ولم يصلوا بعدُ”، وهنا إشارة إلى أن العمالة الأجنبية ستظل تشكِّلُ أزمةً على العدوّ، إضافة لأزمة العمالة “الداخلية”، حَيثُ استدعى الجيشُ الصهيوني خلال الفترات الماضية أكثرَ من 100 ألف من جنود الاحتياط الذين تركوا وظائفَهم المدنية للالتحاق بالجيش؛ وهو ما أسفر عن إغلاق عشرات الآلاف من الشركات والمنشآت.
وعن حجم المخاوف من استمرار العجز الصهيوني عن التصرّف في حَـلّ مشكلة الشمال، طالب “سروجو” حكومة المجرم نتنياهو بسرعة التصرف لحل هذه المشكلة، قائلًا في تصريحاته “إذا أرادت الحكومة منع ضربة اقتصادية ستستمر لسنوات؛ بسَببِ شلل أجزاء كبيرة من هذا المجال، فيجب عليها أن تستيقظ على الفور، وتحول جلب العمال الأجانب وتوظيفهم إلى عملية قصيرة وفعالة عبر الحد من البيروقراطية، وخفض تكلفة الرسوم التي فرضتها على المجال في هذا الشأن”.
وبهذه التصريحات فَــإنَّ العدوّ سيكون أَيْـضًا في وضع أكثر إحراجًا حال انتهى العدوان على غزة، حَيثُ إن بقاء الوضع في الشمال معلَقًا سيراكم مسؤوليات وفواتير العدوّ حتى إعادة الوضع كما هو جنوبًا في مغتصبات غلاف عزة، وهو ما سيجعله أمام جملة هائلة من المسؤوليات كالبناء والترميم والتعويض وغيرها، ما ينذر بانفجار داخلي ضد حكومة المجرم نتنياهو، ليكون مصيرها هو الإسقاط والمحاسبة، بالإضافة إلى تحمُّلِ تداعيات الفشل أثناء وبعد العدوان.
ويزيد “سروجو” تحذيراته بالقول إن “ثمن استمرار الركود في التعامل مع هذه القضية سيتحوَّلُ إلى أزمة اجتماعية واقتصادية تاريخية بكافة أبعادها”.
وبالنظر إلى حال الطرفين، “لبنان وكيان العدو” فَــإنَّ المقارنة تظهر أن الانتصار الحقيقي هو للشعب اللبناني، حَيثُ عاد سكان جنوب لبنان في الساعات الأولى إلى مناطقهم التي نزحوا منها بفعل الإجرام الصهيوني، في حين ما يزال العدوّ يواجه شبح الهجرة من جهة، ورفض النازحين بالعودة من جهة أُخرى؛ بسَببِ مخاوفهم وَأَيْـضًا لعدم ثقتهم في قدرة حكومة المجرم نتنياهو على حمايتهم ومنع وصول صواريخ حزب الله مجدّدًا على شمال فلسطين المحتلّة، لا سيَّما وأن المؤشرات تقول إن العدوّ الصهيوني لا يلتزم بالاتّفاق بعد الخروقات التي ارتكبها خلال الثلاثة الأيّام الماضية والتي ستجر حزب الله للرد.
ومع استمرار الأزمات كما هي عليه في شمال فلسطين المحتلّة رغم وقف إطلاق النار؛ وذلكَ بسَببِ المخاوف والآثار التي تركتها عمليات المقاومة اللبنانية، فَــإنَّ هذا يعيد للأذهان مصاديق حديث الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، الذي رهن عودة نازحي شمال فلسطين المحتلّة وتطبيع الأجواء فيها، بوقف العدوان على غزة، وهذه المصاديق تتجلى في استمرار مخاوف النازحين واستمرار مخاوف أصحاب رؤوس الأموال، ومخاوف العمال الأجانب الرافضين للعمل مع العدوّ، ومخاوف حتى الذين هاجروا إلى خارج فلسطين المحتلّة، وباقي المخاوف التي تحيط بالعدوّ من كُـلّ جانب؛ بسَببِ استمرار الحرب على غزة، وَأَيْـضًا العوامل الأُخرى التي تركتها أصداء عمليات حزب الله الكبيرة والنوعية؛ ما يؤكّـد أن الجبهة اللبنانية أرست أَسَاسًا كَبيرًا لإسناد غزة بتثبيت تداعيات الإجرام الصهيوني وجعلها تخيم على العدوّ وتشكل هاجسًا مُستمرًّا حتى وإن استمر اتّفاق وقف إطلاق النار.
ومن ضمن المعطيات التي تؤكّـد استمرارية أزمة الشمال لفترات طويلة، هي تناقض متطلبات إعادة الأوضاع، مع إجراءات حكومة المجرم نتنياهو، حَيثُ يقول ما يسمى “الرئيس التنفيذي لصندوق تشجيع وتطوير البناء في إسرائيل” دافيد يهالومي: إنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في إعادة تأهيل الشمال في ظل غياب متطلبات ذلك.
يلخص “يهالومي” في تصريحاته لصحيفة “يديعوت أحرونوت” متطلبات تأهيل الشمال بإعادة جنود الاحتياط الذين تم تسريحهم من أعمالهم وإلحاق الآلاف من الإسرائيليين بأعمال البناء كي يتم مواجهة أزمة العمالة الأجنبية، وإعادة البناء بشكل آمن يتطلب أموالًا أكثر، في حين أن هذه المتطلبات تتناقض مع تحَرّكات حكومة العدوّ التي ما تزال تحشد جنود الاحتياط، وَأَيْـضًا ما تزال غير قادرة على التعامل مع الأزمات المحيطة بها، لا سيَّما الأزمات المالية، وهو الأمر الذي يجعل متطلبات إعادة تأهيل الشمال بعيدة المنال، وهنا أَيْـضًا يتأكّـد للجميع أن وقف العدوان على غزة سيظل هو الحل الثابت والراسخ مهما تغيرت المتغيرات.
وفي سياق منفصل، ما تزال الأزمات المالية والاقتصادية الأُخرى تلاحق العدوّ، حَيثُ رفضت وكالات التصنيف الائتماني الدولية تقليص نسبة التخفيض التي حصلت في تصنيف العدوّ الائتماني مؤخّرًا؛ بسَببِ بقاء التهديدات التي تطال العدوّ ومفاصله الاقتصادية، وهذا الأمر يؤكّـد أن فاعلية عمليات القوات المسلحة اليمنية والمقاومة العراقية ما تزال في تصاعد مُستمرّ، ومن جهة أُخرى ما تزال آثار ضربات حزب الله في حيفا الصناعية قائمة وصعبة الحل، أما العجز “الحكومي المالي” فما يزال سيد الموقف، حَيثُ قال ما يسمى “رئيس قسم الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية”، يوغيف غرادوس: إن عجز ميزانية “إسرائيل” خلال 2024 سيكون أعلى من المتوقع، وهو الأمر الذي يشير إلى حتمية لجوء العدوّ الصهيوني إلى المزيد من الإضافات الجمركية والضريبية وفرض تقشُّفات جديدة بعد أن أوقف جوانبَ من مخصصات 10 وزارات خدمية في مقدمتها مخصصات الشيخوخة، فيما تؤول هذه الإجراءات بحكومة العدوّ إلى الهاوية.
ومع هذه المعطيات تزداد خيارات العدوّ ضيقًا، ليبقى الحل وحيدًا وحصريًّا ومتمثلًا في وقف العدوان والحصار على غزة، أما بدون هذا الحل فَــإنَّ العدوّ يواصل التوغل في النفق المظلم، وفي كلا الأمرين تبقى معادلة الشهيد نصر الله هي الثابتة من بين كُـلّ المتغيرات.
المسيرة – نوح جلاس
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: شمال فلسطین المحتل ة العدوان على غزة العمال الأجانب جنود الاحتیاط تأهیل الشمال فی تصریحاته إعادة تأهیل وقف العدوان الآلاف من فی الشمال حزب الله ما یسمى ما تزال ما یزال ف ــإن فی حین وهو ما
إقرأ أيضاً:
“جيش” العدو الصهيوني يعترف بالفشل ويتستّر على فضيحة هزائمه
يمانيون/ تقارير
بعد سلسلة اعترافات مجزّأة جاءت نتائج التحقيقات التي أجرتها جهات رسمية داخل كيان العدو الإسرائيلي بمثابة إقرارٍ بالجملة، كاشفةً عن فشل تاريخي استراتيجي مُنيَ به الجهاز العسكري والأمني لكيان العدو الإسرائيلي ومحاولة سبر أغواره ومعرفة أسبابه، نتائج التحقيق الأول أصدره قبل أسبوع ما يُسمى “جيش إسرائيل”، والآخر أصدره ما يُعرف بـ”جهاز الشاباك” الخاص بالأمن الداخلي لكيان العدو الإسرائيلي.
في سرديةٍ تكاد تكون غير مسبوقةٍ ضمن الإعلام العبري، اعترفت تحقيقاتٌ أجراها جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” و”جيش” العدو الإسرائيلي بإخفاقاتٍ استخباراتية وعسكرية كارثية، أدت إلى نجاح هجوم “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، الذي نفذته فصائل المقاومة الفلسطينية كردٍّ طبيعي على عقودٍ من القمع والاحتلال. هذه التحقيقات، التي وصفها مراسلون ومحللون إسرائيليون بأنها “صادمة”، لم تكتفِ بكشف عورات المنظومة الأمنية للعدو، بل أقرّت بشكلٍ غير مباشرٍ بأن إرادة الشعب الفلسطيني وقدرة مقاومته على الابتكار والتخطيط تفوقت على كل ما تمتلكه آلة الحرب الصهيونية من تقنياتٍ وتجسسٍ وأساطيرَ عن “المناعة الأمنية”.
بدايةً، أعلن “الشاباك” في تقريره أن خمسة أسباب استراتيجية قادت إلى الهجوم، كان أبرزها تزايد الانتهاكات المُمنهجة للمسجد الأقصى، والتي حوّلتها سلطات العدو الإسرائيلي إلى طقسٍ يوميٍ لاستفزاز المشاعر الإسلامية، إضافةً إلى السياسات الوحشية في معاملة المعتقلين الفلسطينيين الذين يُعانون من التعذيب والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية.
لكن اللافت في التقرير هو اعترافه الصريح بأن الفشل السياسي للكيان الصهيوني، والغرور العسكري الذي جعل قيادته تثق بشكلٍ أعمى في “جدارٍ” وهمي وقواتٍ “مُتهافتة”، ساهمت جميعها في خلق بيئةٍ مثالية للمقاومة لتنفيذ ضربتها.
ولم يتردد التقرير في الإشارة إلى أن سياسات “شراء الهدوء” عبر التسهيلات الاقتصادية المقيّدة بغزة – والتي كان الهدف منها كسر إرادة السكان – تحوّلت إلى سلاحٍ ذي حدين، إذ سمحت للمقاومة بتعزيز قدراتها العسكرية تحت غطاء الهدوء المؤقت، بينما كانت آلة التجسس الصهيونية تغرق في أوهام الأمان.
فشل استخباراتيأما في الجانب الاستخباري، فقد كشف التحقيق عن ثغراتٍ خطيرة في شبكة التجنيد، حيث اعترف “الشاباك” بأنه فشل في تجنيد عملاء داخل غزة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة صعوبات واجهها على الأرض، ما أدى إلى فجواتٍ كبيرة في المعلومات حول تحركات المقاومة.
ووفقاً لمراسل القناة 12 الصهيونية “الموغ بوكير”، فإن 6,700 مقاتل فلسطيني نجحوا في اجتياح مستوطنات غلاف غزة دون أن تمتلك أجهزة العدو أي معلومات مسبقة عن الهجوم، وهو ما يعكس – بحسب التحقيقات – تفوقاً استخبارياً فلسطينياً في الحفاظ على السرية وتضليل الخصم. بل إن التقرير أشار إلى تفعيل المقاومة لـ45 بطاقة اتصال إسرائيلية (سيم) بشكلٍ تدريجي قبل الهجوم، ما سمح لها بتجنب الرقابة وتنفيذ عمليات تنسيق دقيقة، بينما كانت أجهزة العدو غارقة في افتراضاتٍ خاطئة بأن حماس “مشغولة بالضفة الغربية” وغير قادرة على حربٍ واسعة النطاق.
على الجبهة العسكرية، قدم “جيش” العدو في تحقيقاته اعترافاتٍ أكثر إيلاماً، حيث وصف الهجوم بأنه “إخفاقٌ تام”، ليس فقط في حماية المستوطنين، بل في القدرة الأساسية على التنبؤ والاستجابة. فوفقاً لمسؤولٍ عسكريٍ لم يُكشف عن اسمه، فإن “فرقة غزة” الإسرائيلية – التي يفترض أنها الخط الدفاعي الأول – تم إخضاعها بالكامل خلال الساعات الأولى، فيما تحوّل الجنود إلى حالةٍ من الذعر، وفشلوا حتى في الوصول إلى مخازن أسلحتهم، وفقاً لشهادة المراسل العسكري “نيتسان شابيرا”، الذي أكد أن منظومة القيادة والسيطرة انهارت تماماً مع الساعة الأولى، تاركةً القوات في فراغٍ تكتيكي.
وأضاف أن الموجة الثانية من الهجوم، التي بدأت مع الساعة العاشرة صباحاً، وجدت جيش العدو في حالةٍ من التشويش وفقدان السيطرة، ما سمح للمقاومة بتنفيذ عمليات قتلٍ وأسرٍ واسعة، بينما كانت الاستجابة الصهيونية تنزلق في الفوضى.
عبقرية التخطيط الفلسطينيلم تكن هذه الصورة القاتمة حكراً على التقارير الرسمية، بل انسحبت أيضاً على الإعلام العبري، الذي وجد نفسه أمام مفارقةٍ تاريخية: كيف انهارت “أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم” (الموساد والشاباك) أمام مقاومةٍ تُحاصَر في قطاعٍ مُسيّج؟ فالمحلل السياسي “جاكي ليفي” حاول تبرير الأمر بالقول إن “الجميع في إسرائيل مسؤولون عن هذا الإخفاق”، مُلقياً باللوم على “المفهوم الخاطئ لنوايا حماس”، بينما وصف مراسلون آخرون الهجوم بأنه “زلزالٌ كشف هشاشة المنظومة التي ادعت لسنواتٍ أنها تحمي السماء والأرض”.
لكن الأكثر إثارةً في كل هذه التحقيقات هو اعترافها الضمني بـ”عبقرية التخطيط” الفلسطيني، حيث أشادت تقارير صهيونية بقدرة المقاومة على خداع أجهزة التجسس، والحفاظ على السرية المطلقة للعملية رغم مرور سنواتٍ على التحضير لها. فبحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية، فإن حماس نجحت في تحويل كل عناصر “الضعف” المفترضة – مثل الحصار والرقابة الإلكترونية – إلى أدواتٍ لصالحها، مستفيدةً من معرفتها العميقة بثقافة الغرور الصهيوني التي تستبعد دائماً احتمال الهزيمة.
تكشف هذه التحقيقات أن “طوفان الأقصى” لم يكن مجرد هجومٍ عسكري غير محسوب العواقب ولا التبعات، بل كان صفعةً مدوية لأسطورة التفوق الأمني الإسرائيلي، وتذكيراً بأن معادلة القوى في الصراع لم تعد كما كانت. فالشعب الفلسطيني، رغم الحصار والقتل اليومي، أثبت أن إرادة التحرر لا تُقهر، وأن الاحتلال – مهما بلغت قوته – يبقى بنياناً منهاراً من الداخل، لا يقوى على الصمود بذاته ولا يحتمل العيش دون إمدادات عسكرية ودبلوماسية غربية، وللأسف هذه الحقائق يعمى عنها المطبّعون العرب رغم جلائها ووضوحها، خاصةً بعد معركة طوفان الأقصى وما تبعها من زلازل لن يسلم منها أحد في المنطقة.
فجوة في التخطيط الاستراتيجيويوم الجمعة كشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن ما كشفه جيش العدو الإسرائيلي في تحقيقاته لم يكن سوى الجزء اليسير من النتائج الفعلية والتي تجاوزت آلاف الصفحات، بينما اختصرها إلى 15 صفحة فقط.
وركز تقرير الصحيفة العبرية على إخفاقات جيش العدو الإسرائيلي في 7 أكتوبر والفترة التي سبقت يوم الهجوم ووصفتها بالهائلة، مؤكدة بالتفصيل أنها شملت تقريبا كافة أذرع جيش العدو الإسرائيلي، وخاصة في المجال الاستخباراتي.
وأشارت إلى أن الإخفاقات الكبيرة كانت في أداء الأجهزة الأمنية والعسكرية، بما في ذلك الاستخبارات وسلاح الجو وسلاح البحرية، مع محاولات لتضليل الرأي العام حول حجم هذه الإخفاقات. ووفقًا للتحقيقات التي لم يتم نشرها بالكامل، تبين أن الاستخبارات العسكرية فشلت في توقع الهجوم الواسع الذي شنته حركة حماس، حيث اعتبرت أن سيناريو هجوم مفاجئ من هذا النوع غير واقعي. كما لم يتم الحصول على إنذار استخباراتي مسبق، رغم الاعتماد على ما يسمى “التفوق الاستخباراتي” و”الأداة السرية”، والتي لم تنجح في كشف تحركات حماس قبل الهجوم، وفقا لتقرير الصحيفة.
وأظهرت التحقيقات أن سلاح جو العدو الإسرائيلي فشل في اعتراض الطائرات الشراعية والمسيرات التي استخدمتها حماس لتجاوز السياج الأمني المحيط بقطاع غزة. كما لم يتم تنفيذ أوامر من يسمى رئيس هيئة الأركان، هيرتسي هاليفي، بدراسة أهداف لرد سريع عند بزوغ الفجر، ما ساهم في تفاقم الموقف. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح بطاريات القبة الحديدية في اعتراض نصف الصواريخ التي أطلقت من غزة، ما أظهر قصوراً في نظام الدفاع الجوي.
وعلى صعيد سلاح البحرية، كشفت التحقيقات أن بحرية العدو الإسرائيلي لم تتمكن من منع وصول زوارق حماس إلى شاطئ “زيكيم”، حيث استولى مقاتلو حماس على مركبة عسكرية من طراز “سافانا” وواصلوا هجومهم داخل “غلاف غزة”. كما تبين أن “الجيش” أخفى معلومات عن تحركات حماس ليلة الهجوم، رغم ورود تقارير تشير إلى نشاط غير عادي في قطاع غزة. ولم يتم إبلاغ الضباط بجميع نتائج التحقيقات، حيث قدم ملخصًا مقتضبًا للجمهور يتجاهل تفاصيل مهمة حول الإخفاقات الكبيرة.
ومن بين النقاط التي تم إخفاؤها، ما يتعلق بسيناريو الهجوم المفاجئ من قبل حماس، والذي كان قد تم إلغاؤه من الخطة الاستراتيجية التي وضعها المدعو رئيس أركان جيش العدو السابق، غادي آيزنكوت، عام 2017. وكانت الخطة تشمل ثلاثة سيناريوهات محتملة لحرب مع غزة، إلا أن سيناريو الهجوم المفاجئ تم استبعاده، ما أظهر فجوة في التخطيط الاستراتيجي.
وكشفت الصحيفة أن التحقيقات أكدت فشل الموساد في رصد التحضيرات المشتركة بين حماس وإيران وحزب الله لشن هجوم واسع. وتبين أن مفهوم “حماس مرتدعة”، الذي ترسخ بعد عدوان مايو 2021، كان خاطئًا، حيث اعتبرت حماس أنها حققت إنجازات كبيرة في تلك المعركة، ما دفعها إلى تعزيز تحالفاتها مع إيران وحزب الله.
وحاول جيش العدو الإسرائيلي تضليل الجمهور من خلال تقديم ملخص مقتضب للتحقيقات يتجاهل تفاصيل مهمة حول الإخفاقات الكبيرة في التخطيط والتنفيذ. وبدلًا من الاعتراف الكامل بالفشل، تم تقديم صورة مشوهة للواقع، ما أثار تساؤلات حول شفافية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وقدرتها على التعلم من الأخطاء.
ومن المتوقع أن يثير هذا الكشف موجة من الارتدادات داخل كيان العدو والذي يضع المؤسسة العسكرية على محك ويضعضع ثقة الداخل اليهودي به أكثر مما هو حاصل حتى الآن.
نقلا عن موقع أنصار الله