الأولوية الأهم لإدارة ترامب الثانية ستكون إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة. وهو المشروع الأساسي الذي يريد ترامب أن يسجل باسمه في التاريخ رغم صعوبته.
فبالمقارنة بإدارته الأولى، فإن ترامب، عند توليه الرئاسة في العشرين من يناير المقبل، سيكون أكثر قدرة بكثير على اتخاذ إجراءات أكثر جرأة وراديكالية، لأن الظروف اليوم باتت مواتية بما لا يقارن بعام 2017.فالمؤسسات الثلاث صارت في يد حزبه الجمهوري، فهو سيحكم ومعه أغلبية من حزبه في المجلسين. والمسألة في الكونغرس لا تتعلق فقط بأغلبية من حزبه وإنما الأهم أن حزبه هذا لم يعد هو نفسه الذي كان موجوداً قبل ظهوره على الساحة، إذ صار الداعمون لترامب يشكلون التيار المهيمن.
أما المؤسسة الثالثة، أي المحكمة العليا، فقد صار لتيار اليمين أغلبية كبرى فيها، بفضل تعيينات ترامب في إدارته الأولى. ومن هنا، سيكون بإمكان ترامب، على الأرجح، أن يتخذ قرارات لم يكن بإمكانه اتخاذها في إدارته الأولى دون معارضة من الكونغرس أو دون إلغائها من جانب المحكمة العليا.
وإعادة الهيكلة التي يريدها ترامب لا تقف عن حد تنفيذ الرؤية التقليدية للتيار المحافظ، وإنما تذهب لما هو أبعد من ذلك، لتشمل جوانب سياسية وأيديولوجية.
فالمحافظون في أمريكا عموماً طالما نادوا بضرورة تقليص الجهاز البيروقراطي للدولة أو ما يطلقون عليه إقامة حكومة صغيرة، بمعنى أن تتولى الحكومة الفيدرالية أقل عدد من المهام، حيث تتولى حكومات الولايات باقي المسؤوليات، بينما يتم التخلص من المراحل المتعددة في تنفيذ السياسات العامة، فحكومات الولايات، عندهم، هي الأقرب للمواطن وتعرف جيداً مشكلاته ولديها قدرة أكبر على حلها، فضلاً عن أن تجارب الولايات المختلفة لحل المشكلات يمثل مختبراً يمكن أن تتعلم منه ولايات أخرى، بل والحكومة الفيدرالية نفسها.
كما يرون أن الجهاز الإداري للحكومة الفيدرالية ابتدع طريقته الخاصة في كل مؤسسة لتنفيذ السياسات العامة.
وهي عادة عملية تمر بإجراءات كثيرة وتستغرق وقتاً طويلاً وتفرض على البلاد تكلفة باهظة من بينها تكلفة القوة البشرية المكلفة بتنفيذ تلك المراحل كلها. ومن هنا، فإن اختصار تلك المراحل يرفع الكفاءة ويسمح بتقليص القوة العاملة والتكلفة الكلية.
إلا أن لترامب دوافع إضافية. ففي السنوات الأربع التي حكم فيها أمريكا، لم تأتِ المقاومة لسياساته من جانب المؤسستين التشريعية والقضائية فقط، وإنما من جانب الجهاز الإداري في المؤسسات التنفيذية ذاتها. صحيح أن تلك المقاومة لم تكن علنية إلا أنها كانت قادرة على تعطيله عبر الجوانب الإجرائية.
لذلك لا يريد ترامب مجرد الحكومة الصغيرة وإنما يسعى لتطويع المؤسسات التنفيذية وحرمانها من قدرتها على مقاومة الرئيس. فهو يرى أن الوسيلة الوحيدة لضمان تنفيذ أجندته السياسية هي أن يعيد تشكيل الجهاز الإداري في كل وزارة من الوزارات على نحو يضمن أن يهيمن الموالون له على عملية صنع القرار فيها.
ففي كل إدارة، يوجد فارق بين من يطلق عليهم المهنيون ومن يسمون بالمعينين سياسياً.. أما المهنيون، فهم الذين تدرجوا بالمناصب داخل الوزارة، بينما قد يأتي المعينون سياسياً من خارج الوزارة، ففي وزارة الخارجية، على سبيل المثال، فإن المهنيين هم من تدرجوا في السلك الدبلوماسي، فيختار الرئيس من بينهم سفراءه أو أصحاب المناصب العليا بالوزارة.
لكن إلى جانب هؤلاء، يوجد أيضاً المعينون سياسياً، وهم الذين يأتي بهم الرئيس لشغل تلك المناصب من خارج الوزارة بالكامل، بل من خارج المجال السياسي أصلاً، فبحكم العادة قد يأتي هؤلاء على سبيل المثال من الشركات الكبرى أو من الأكاديميين أو من بين رجال الأعمال الكبار.
والواضح أن ترامب يسعى لإحداث زيادة راديكالية في عدد المعينين سياسياً في كل الأجهزة والمؤسسات التنفيذية ومنحهم سلطات أعلى في اتخاذ القرار، وإخضاع المهنيين لعملية فرز دقيق، أظنها تحدث الآن من جانب الفريق الانتقالي، لمعرفة من منهم يصلح لأن يكون في دائرة صنع القرار ومن ينبغي استبعاده منها لأنه ليس موالياً لترامب.
وربما يقوم ترامب بخلق شبكة تضم المعينين سياسياً في شتى المؤسسات حتى يشكلوا كتلة قوية تدعم أجندته وتردع أية محاولات لعرقلتها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حرب سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله عيد الاتحاد غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب الجهاز الإداری من جانب
إقرأ أيضاً:
صحيفة إلباييس: دبلوماسية ترامب بين البلطجة والصفقات الاستبدادية
نشرت جريدة "إلباييس" الإسبانية مقالا للكاتب لويس باستاس تناول فيه انطلاقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية، حيث بدأها كالصاروخ، أكثر تركيزا واستعدادا من أي وقت مضى، ومسلحا بأجندة واضحة: إحداث صدمة ورعب عبر قرارات صارمة وتهديدات قصوى، على غرار ما يحدث في مستهل الحروب بالقصف الجوي المكثف.
وقال باستاس إنه ورغم إعلانه عن "دكتاتورية الـ24 ساعة"، فإنها امتدت لأسبوعين حتى الآن، في اختبار مباشر لقدرة المؤسسات، لا سيما القضائية، على الصمود أمام تعطشه اللامحدود للسلطة.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: فيديو الجندي الأوكراني الذي شاهده الملايين وهو يلفظ أنفاسهlist 2 of 2العالم في حالة حرب.. هذه بؤر التوتر التي يتجاهلها الغربend of list عثرات لم تتأخروقال الكاتب إن أولى العثرات التي واجهها ترامب لم تتأخر كثيرا، إذ اضطر، بعد أيام فقط، إلى التراجع عن قراره القاسي بتجميد مليارات الدولارات من المساعدات الاجتماعية، والذي كان ضمن أوامره التنفيذية الأولى.
وهذا التراجع لن يكون الأخير، فالمزيد من العثرات والتعديلات قادمة بلا شك. ويبقى السؤال: إلى أي مدى ستصل حملات "التطهير" السياسي والانتقام؟ وكيف سيمضي في هجومه على مؤسسات الدولة الإدارية؟
وما مصير الطرد الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، الذين جرى تجريمهم بقرارات حكومية دون المرور عبر المحاكم؟ وهذا بخلاف الحروب التجارية التي أطلقها ضد المكسيك وكندا والصين، والتداعيات المحتملة لهذه السياسات على الداخل والخارج.
إعلانوأفاد الكاتب بأنه على غرار فرانكلين روزفلت وبرنامجه الإصلاحي "نيو ديل" عام 1933؛ يسعى ترامب لتحقيق إنجازات خلال أول 100 يوم. لكن الهدف ليس إعادة بناء الدولة، يريد ترامب كل شيء دفعة واحدة، لكن بمنطق مختلف: تفكيك الدولة الفدرالية من الداخل، وإنهاء الحروب والتدخلات العسكرية في الخارج.
فقد وعد بأن يصل يوم تنصيبه، وقد نجح، لفرض وقف إطلاق النار في غزة وأوكرانيا، لكنه حتى الآن لم يحقق سوى هدنة هشة في الأولى، بينما لا تزال ملامح التفاوض بشأن الثانية غامضة، قبل أن تنقضي فترة السماح الأولى.
دبلوماسية القوة والابتزازولفت الكاتب إلى أن نهج ترامب معروف، فهو يعكس فلسفته التي تجسدها فكرة "فن الصفقة" التي عنون بها كتابه، والتي تقوم على فرض الشروط بدلا من التفاوض عليها.
واليوم، يطبق هذه العقيدة مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الملياردير العقاري الذي يفتقر إلى أي خبرة دبلوماسية، لكنه شريك ترامب في لعبة الغولف، مما يجعله مطلعا عن كثب على أسلوبه القائم على الصفقات والابتزاز، وكذلك ميله للكذب، حتى أثناء ضرب الكرة.
في الليلة المهيبة لحفل التنصيب، خاطب ويتكوف آلاف المناصرين لترامب، متحدثا عن أسلوبه في تحقيق السلام عبر "عروض لا يمكن رفضها". وهذا ما حدث بالفعل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي انصاع تماما لأوامر ترامب، بعد أن تجاهل على مدار 15 شهرا ضغوط إدارة جو بايدن.
اعتبر الكاتب هذه الدبلوماسية، دبلوماسية "المعاملة بالمثل"، لكن وفق تعريف خاص: القوة مقابل الاستسلام، والصفقات الآنية بدلا من القواعد المستقرة، فهو عالم بلا مبادئ، تديره المصالح المطلقة، ويخضع فيه الضعفاء لإرادة الأقوياء. هذه الدبلوماسية تقوم على 4 ركائز، أو هكذا يُروج لها، وهي:
الركيزة الأولىوذكر الكاتب أن ترامب يرفع شعار "احترام سيادة الدول"، لكنه يفهمها على طريقته الخاصة، حيث لا وجود للقانون الدولي إلا حين يخدم المصالح الأميركية، كما حدث عندما اعترف بضم إسرائيل للجولان المحتل في ولايته الأولى.
إعلانوكذلك حين يخطط الآن للاعتراف بضم الضفة الغربية. والأمر ذاته ينطبق على القرم ودونباس، حيث أبدى تفهمه المبكر لمطالب موسكو، وهو الآن مستعد لجعلها جزءا من أي "صفقة سلام" مقبلة.
هذا النهج يتجاهل تماما قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا إذا كانت تتعارض مع المصالح الأميركية. إيران، وكوبا، وفنزويلا أمثلة على أنظمة يُفترض معاقبتها.
بينما يتم التغاضي عن ممارسات إسرائيل ودول أخرى في المنطقة، بل وحتى روسيا والصين، لأن واشنطن قررت إغلاق ملف "الرقابة الأخلاقية" على الدول التي تعقد معها صفقات!
الركيزة الثانيةوبيّن الكاتب أنه بينما يشاهد العالم صور الدمار في غزة، يرى ترامب فرصة استثمارية: أرضا خالية يمكن تحويلها إلى مجمعات سكنية وكازينوهات. ومن هنا جاءت فكرته، التي لا تصدر إلا عن كبار مجرمي الحرب: "دعوة كريمة" لـ1.5 مليون فلسطيني، تعرضوا للقصف والتشريد، للانتقال إلى مصر أو الأردن، وربما حتى إلى إندونيسيا أو ألبانيا.
الركيزة الثالثةوذكر الكاتب أن ترامب يصف سياسته الخارجية بأنها "جريئة"، تتطلب محادثات صعبة وقرارات محفوفة بالمخاطر. ولكن بلغة الواقع، تعني هذه السياسة فرض العقوبات، والحصار، والتعريفات الجمركية.
وكذلك التهديد باستخدام القوة العسكرية، أو على العكس، تقديم المكافآت مثل الاستثمارات، والحماية، والرشاوى، أو رفع العقوبات، وذلك وفقا لاستجابة الأطراف لمطالبه أو مقاومتها.
الركيزة الرابعةوبحسب الكاتب؛ يختتم ويتكوف نظريته بالقول: "هكذا تُبنى الثقة ويُحافظ عليها"، عبر مبدأ المساءلة وتقاسم الأعباء المالية التي يطالب بها ترامب من حلفائه. لكن في الواقع، هذا مجرد تبرير آخر لسياسة الابتزاز.
فالأعداء الذين يستطيعون التعامل معه ندّا لند ستكون فرصهم أفضل من الحلفاء الذين يرضخون، والذين سيتم استبعادهم من المفاوضات ليجدوا لاحقا أن عليهم دفع الفواتير وتحمل أعباء التخريب.
إعلانويختم الكاتب مقاله بأن هذه هي الدبلوماسية التي يحاول ترامب فرضها على العالم، حيث لا مكان للعدالة أو القانون، بل فقط القوة والصفقات العابرة، وحيث لا صوت يعلو فوق منطق "العرض الذي لا يمكن رفضه".