الوطن:
2024-12-04@18:07:37 GMT

د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان

تظل القيم الإسلاميَّة هى الضامنة لاستقرار المجتمع، المحقِّقة لسلامه النفسى، الحافظة لمكتسباته الماديَّة ومنجزاته الحضاريَّة، وبقدر توطن هذه القيم وتجذُّرها فى نفس الإنسان بقدر ما ينعكس ذلك على المجتمع إيجاباً، وعندما تهتز منظومة القيم فى أى مجتمع تتدهور أوضاعه، وتسوء أحواله، ومن ثَمَّ يُهرع القادة والمفكرون والمثقفون إلى ترسيخ هذه المنظومة القيميَّة فى حياة الناس.

ولما كان لهذه المنظومة من الأهمية، جنَّد الأزهر الشريف علماءه وطلابه لرعايتها، والحفاظ عليها، باعتباره وارث أنوار النبوة التى جاءت تتمم مكارم الأخلاق، والمطالع لتاريخ الأزهر يجد أنَّ بناء الإنسان ليس شعاراً يرفعه الأزهر ولا يتجاوز مداه حناجر المنادين به، بل إنَّ بناء الإنسان محور دراسات الأزهر؛ العقديَّة، والفكريَّة، والشرعيَّة، والسلوكيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، وكل ما ينتجه الأزهر من أطروحات علميَّة، أو يعكف عليه من دراسات أكاديمية مراده منها بناء الإنسان، والارتقاء بالخصائص الإنسانيَّة إلى أعلى مستوياتها؛ لتصير جديرة بالاستخلاف وعمارة الأرض.

وتنبثق قدرة الأزهر على التأثير فى بناء الإنسان، وتشكيل وعيه، من وراثته التاريخ الفكرى للعالم الإسلامى بأسره، فتقرأ فى صحنه وعلومه ونتاجه العلمى التنوع الذى لا يؤدى إلى فُرقة، والوحدة التى لا تنقلب إلى شموليَّة متوحشة، والمعايير التى تضبط النتائج، والأصول التى تضمن سلامة الوصول، وهذا الأفق الفكرى الواسع الذى استوعب حركة التاريخ الإسلامى على كلِّ الأصعدة دراسة وتحقيقاً وإنتاجاً لمزيد من المعطيات والدلالات التى تسهم فى بناء الإنسان، وتحافظ على خصائصه وسط التراكمات الماديَّة التى تتصارع لاغتيال الإنسانيَّة، مستمد من القرآن الكريم والسنة النبويَّة، إذ يعتمد الأزهر الشريف فى بناء الإنسان على هذين المصدرين الأصيلين، فهو يستمد من القرآن الكريم وتطبيقات السنَّة النبويَّة ما يبنى به الإنسان، ويقوِّم اعوجاجه، ويصلح فساده، فهو منهج قائم على الوسطيَّة التى ترشِّد سلوك الإنسان فى تعامله مع بنى جنسه من ناحية، ومع مفردات الكون من ناحية أخرى، وتربط دنياه بأخراه، فيحقق بذلك اعتدالاً لا يعرف الميوعة، ومرونة لا يتخللها تحلل.

وإذا كان هذا هو منهج الأزهر فى بناء الإنسان، فلا غرو أن نجده يتصدى لدعوات الابتذال والفجور، والسلوكيَّات الشاذة، والعقائد الفاسدة؛ والأفكار الهدَّامة التى تهدد الوجود الإنسانى، وتستبيح قيمه، وتقضى على فطرته التى فطره الله عليها، وتئد عفافه، وتغتال كرامته؛ وذلك صيانة للبناء الإنسانى، وحفاظاً على النسق الأخلاقى الذى يضمن استقرار المجتمع، وسلامة الوطن، وتفعيلاً للتكريم الذى اختص الله به بنى آدم فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»، وفى الوقت الذى يتصدى فيه الأزهر للدعوات الهدَّامة بلا هوادة أو مواربة نجده يتجاوب بسرعة البرق مع المبادرات الرصينة، ويتفاعل معها تفاعلاً إيجابياً يكون له صداه، وفى ضوء هذا الاعتدال نستطيع أن نفسر احتضان الأزهر لمبادرة مؤسسة الرئاسة «بداية جديدة لبناء الإنسان» وما اتخذه الأزهر من فعاليَّات شملت كل قطاعاته الدعويَّة، والتعليميَّة، والأكاديميَّة، وهى مبادرة تعكس رؤية رشيدة للقيادة السياسية.

وإذا كان الأزهر يحتضن هذه المبادرة ويجوب الآفاق تنفيذاً لبنودها، فقد كان لعلمائه دورهم المهم فلم يغفلوا فى أطروحاتهم العلميَّة قضية بناء الإنسان، فالأزهر عنوان ضخم على حقيقة كبرى تجاوز عمرها ألف عام وثمانين أو يزيد، كان بناء الإنسان محورها، وكانت قيمه موضع اهتمامها، وكان الحفاظ على خصائصه الإنسانيَّة محل دراساتها، وكانت هدايته لُبَّ دعوتها، وصدق الله العظيم إذ يقول «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المؤسسات الدينية بناء الإنسان الكنائس الأزهر الأوقاف فى بناء الإنسان ة التى

إقرأ أيضاً:

«الدعوة الإسلامية»: توجيهات مستمرة من شيخ الأزهر لتحصين الشباب من الفكر المتطرف

قال الدكتور حسن يحيى، الأمين المساعد للجنة العليا لشئون الدعوة الإسلاميَّة، إن الشباب يأتي على رأس أولويات شيخ الأزهر ودائما ما يوصي بهم، ويوجه بالعمل على بذل كل الجهد لتوعيتهم من كل ما يهددهم من مخاطر العصر وتحصينهم من الفكر المتطرف.

وأوضح أن الله تعالى استخلف الإنسان في إدارة الكون، وهي درجة وسط بين المستخلٍف، وهو الله تعالى، وبين من لم يستخلف، كالجمادات وغيرها، وهذا هو مقام التكريم، مشيرا أن الله تعالى وهبنا الحياة لعبادته، مصداقا لقوله تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، والعبودية ليست فقط الصيام والصلاة والحج وغيرها، بل أن يكون عملك كله خالصا لله تعالى.

الكليات الخمس في الشريعة الإسلامية

وأضاف الأمين المساعد للجنة العليا لشئون الدعوة الإسلاميَّة بمجمع البحوث الإسلامية، أن الجزئية الثانية هي التكريم، فالكليات الخمس في الشريعة الإسلامية هي حفظ النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال؛ فالإسلام أمرنا بحفظ النفس، ليس فقط بتحريم القتل وسفك الدماء، بل ارتقى لما هو أعلى من ذلك بكثير، فجعل لهذا الجسد ما يحقق له إنسانيته، بمهارته القلبية والجسدية التي تجعله مناط الاستخلاف، ثم حفظ العقل ليس فقط من المسكرات والمخدرات التي تغيبه، بل نظر الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك، فحفظ العقل من التزييف، والتحريف، وأمده بما يبني الوعي الرشيد، ليصبح عقلا مفكرا، قادرا على تحصيل العلوم.

الرؤية الإسلامية لتحقيق الاستخلاف تقوم على 6 ركائز 

وأكد يحيى، أن الرؤية الإسلامية لتحقيق الاستخلاف وما يترتب عليه من العمران والتقدم والنهضة للوطن تقوم على 6 ركائز؛ هي دين متبع، وسلطان قاهر أي دولة قوية ذات سيادة، ونفوذ، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح، تمكن الإنسان من تحقيق الغاية من استخلاف الله تعالى له في الأرض دون غيره من المخلوقات.

جاء ذلك خلال لقاءات «أسبوع الدعوة الإسلامي» الرابع، التي تستمر على مدار هذا الأسبوع في رحاب جامعة الزقازيق، ضمن مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بداية جديدة لبناء الإنسان، وتهدف إلى إعداد خريطة فكرية تتناول بناء الإنسان من جميع الجوانب الفكرية والعقدية والاجتماعية، وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا في المجتمع، وذلك بمشاركة مجموعة من علماء الأزهر الشريف.

مقالات مشابهة

  • «الدعوة الإسلامية»: توجيهات مستمرة من شيخ الأزهر لتحصين الشباب من الفكر المتطرف
  • القس رفعت فكري سعيد يكتب: بداية وقيمة الإنسان
  • «بيت العائلة».. دعم التعايش السلمي وترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية
  • «الإفتاء».. رسائل دينية ومحاضرات وجلسات حوارية لبناء العقل
  • «الأزهر».. حجر الزاوية في خلق الوعي والحفاظ على الهوية ونشر قيم التسامح
  • المؤسسات الدينية.. قوى روحية لـ«بناء الإنسان» (ملف خاص)
  • محمد يحيى يكتب: "البوابة نيوز".. مشاغبات اقتصادية
  • "ثقافة الإسماعيلية" تناقش دور الأدب في بناء الإنسان
  • حميد بن راشد: عيد الاتحاد يوم فخر بدولة عصرية غايتها بناء الإنسان