الوطن:
2025-01-07@02:02:34 GMT

د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان

تظل القيم الإسلاميَّة هى الضامنة لاستقرار المجتمع، المحقِّقة لسلامه النفسى، الحافظة لمكتسباته الماديَّة ومنجزاته الحضاريَّة، وبقدر توطن هذه القيم وتجذُّرها فى نفس الإنسان بقدر ما ينعكس ذلك على المجتمع إيجاباً، وعندما تهتز منظومة القيم فى أى مجتمع تتدهور أوضاعه، وتسوء أحواله، ومن ثَمَّ يُهرع القادة والمفكرون والمثقفون إلى ترسيخ هذه المنظومة القيميَّة فى حياة الناس.

ولما كان لهذه المنظومة من الأهمية، جنَّد الأزهر الشريف علماءه وطلابه لرعايتها، والحفاظ عليها، باعتباره وارث أنوار النبوة التى جاءت تتمم مكارم الأخلاق، والمطالع لتاريخ الأزهر يجد أنَّ بناء الإنسان ليس شعاراً يرفعه الأزهر ولا يتجاوز مداه حناجر المنادين به، بل إنَّ بناء الإنسان محور دراسات الأزهر؛ العقديَّة، والفكريَّة، والشرعيَّة، والسلوكيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، وكل ما ينتجه الأزهر من أطروحات علميَّة، أو يعكف عليه من دراسات أكاديمية مراده منها بناء الإنسان، والارتقاء بالخصائص الإنسانيَّة إلى أعلى مستوياتها؛ لتصير جديرة بالاستخلاف وعمارة الأرض.

وتنبثق قدرة الأزهر على التأثير فى بناء الإنسان، وتشكيل وعيه، من وراثته التاريخ الفكرى للعالم الإسلامى بأسره، فتقرأ فى صحنه وعلومه ونتاجه العلمى التنوع الذى لا يؤدى إلى فُرقة، والوحدة التى لا تنقلب إلى شموليَّة متوحشة، والمعايير التى تضبط النتائج، والأصول التى تضمن سلامة الوصول، وهذا الأفق الفكرى الواسع الذى استوعب حركة التاريخ الإسلامى على كلِّ الأصعدة دراسة وتحقيقاً وإنتاجاً لمزيد من المعطيات والدلالات التى تسهم فى بناء الإنسان، وتحافظ على خصائصه وسط التراكمات الماديَّة التى تتصارع لاغتيال الإنسانيَّة، مستمد من القرآن الكريم والسنة النبويَّة، إذ يعتمد الأزهر الشريف فى بناء الإنسان على هذين المصدرين الأصيلين، فهو يستمد من القرآن الكريم وتطبيقات السنَّة النبويَّة ما يبنى به الإنسان، ويقوِّم اعوجاجه، ويصلح فساده، فهو منهج قائم على الوسطيَّة التى ترشِّد سلوك الإنسان فى تعامله مع بنى جنسه من ناحية، ومع مفردات الكون من ناحية أخرى، وتربط دنياه بأخراه، فيحقق بذلك اعتدالاً لا يعرف الميوعة، ومرونة لا يتخللها تحلل.

وإذا كان هذا هو منهج الأزهر فى بناء الإنسان، فلا غرو أن نجده يتصدى لدعوات الابتذال والفجور، والسلوكيَّات الشاذة، والعقائد الفاسدة؛ والأفكار الهدَّامة التى تهدد الوجود الإنسانى، وتستبيح قيمه، وتقضى على فطرته التى فطره الله عليها، وتئد عفافه، وتغتال كرامته؛ وذلك صيانة للبناء الإنسانى، وحفاظاً على النسق الأخلاقى الذى يضمن استقرار المجتمع، وسلامة الوطن، وتفعيلاً للتكريم الذى اختص الله به بنى آدم فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»، وفى الوقت الذى يتصدى فيه الأزهر للدعوات الهدَّامة بلا هوادة أو مواربة نجده يتجاوب بسرعة البرق مع المبادرات الرصينة، ويتفاعل معها تفاعلاً إيجابياً يكون له صداه، وفى ضوء هذا الاعتدال نستطيع أن نفسر احتضان الأزهر لمبادرة مؤسسة الرئاسة «بداية جديدة لبناء الإنسان» وما اتخذه الأزهر من فعاليَّات شملت كل قطاعاته الدعويَّة، والتعليميَّة، والأكاديميَّة، وهى مبادرة تعكس رؤية رشيدة للقيادة السياسية.

وإذا كان الأزهر يحتضن هذه المبادرة ويجوب الآفاق تنفيذاً لبنودها، فقد كان لعلمائه دورهم المهم فلم يغفلوا فى أطروحاتهم العلميَّة قضية بناء الإنسان، فالأزهر عنوان ضخم على حقيقة كبرى تجاوز عمرها ألف عام وثمانين أو يزيد، كان بناء الإنسان محورها، وكانت قيمه موضع اهتمامها، وكان الحفاظ على خصائصه الإنسانيَّة محل دراساتها، وكانت هدايته لُبَّ دعوتها، وصدق الله العظيم إذ يقول «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المؤسسات الدينية بناء الإنسان الكنائس الأزهر الأوقاف فى بناء الإنسان ة التى

إقرأ أيضاً:

الجاسوس الإسرائيلى الذى كان مرشحًا رئيسًا لوزراء سوريا!

فى السطور التالية نسرد تاريخ الجاسوس الإسرائيلى، «إيلى كوهين»، الذى يعد من أخطر جواسيس الموساد الذين عملوا فى دولة عربية وهى سوريا، نظرًا لتمكنه من الوصول إلى أعلى المستويات، والمعلومات الخطيرة التى حصل عليها بعد أن حاز ثقتهم المطلقة:

ولد إلياهو شاؤول كوهين فى الاسكندرية عام ١٩٢٤، ونشأ فى حى اليهود. ثم التحق بجامعة الملك فاروق (جامعة الإسكندرية حاليًا)، لدراسة الهندسة، إلا أنه توقف عن الدراسة قبل التخرج. ليلتحق بمنظمة الشباب اليهودى فى مصر، يدفعه إلى ذلك حماسه للسياسة الصهيونية، فقام بتشجيع اليهود المقيمين فى مصر على الهجرة إلى إسرائيل، وكان من ضمنهم عائلته التى سبقته إلى هناك فى عام ١٩٤٩. فى هذه الأثناء، كان قد بدأ يعمل فى شبكة الجاسوس اليهودى جون دارلينج، حيث نفذ تحت قيادته مع آخرين، سلسلة من التفجيرات فى المنشآت الامريكية، فى كل من القاهرة والاسكندرية، بهدف إفساد العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر. تم القبض عليه للمرة الأولى، مع عدد من اعضاء الشبكة فى عام ١٩٥٤، إلا انه تمكن بطريقة ما من اقناع المحققين المصريين ببراءته، فتم الإفراج عنه. ونجى من السجن فى المرة الثانية فى عام ١٩٥٦، وذلك بعد أن تم القبض عليه بعد العدوان الثلاثى. بعد أن تم إطلاق سراحه للمرة الثانية، هاجر إيلى كوهين إلى إسرائيل عام ١٩٥٧، واستقر فيها، حيث بدأ يعمل لفترة كمحاسب فى بعض الشركات الخاصة، ثم انتقل للعمل لدى وزارة الدفاع كمترجم، وفى عام ١٩٥٩ تزوج من يهودية من أصول عراقية. وفى هذه الأثناء قررت الموساد تجنيده لمهمة تجسسية فى دمشق، فباشروا فى تدريبه بداية على اللهجة السورية، التى لم تكن صعبة عليه نظرًا لإتقانه اللغة العربية، اضافة لإتقانه كل من العبرية والفرنسية بطلاقة. وبدأوا يساعدونه على بناء شخصية مزيفة، تحت اسم كامل أمين ثابت، رجل الأعمال السورى المسلم، والمقيم فى الأرجنتين، كما تعلم القرآن وتعاليم الدين الإسلامى، من أجل إتقان دوره كمسلم، وحفظ إسماء جميع الشخصيات السورية البارزة آنذاك، من سياسيين، وعسكريين، ورجال أعمال. وأخيرًا، تم تدريبه على استخدام اللاسلكى والحبر السرى. وهكذا أصبح جاهزًا لمباشرة شخصيته الجديدة، ودوره التجسسى. وغادر ايلى كوهين اسرائيل فى ٣ يناير ١٩٦١، إلى زيورخ التى كانت محطته الأولى، ومنها توجه إلى العاصمة التشيلية سانتياغو. ومن ثم وصل أخيرًا إلى بيونس آيريس فى الأرجنتين، تحت اسم كامل أمين ثابت، وكان فى انتظاره فى الارجنتين بعض العملاء الاسرائيليين، الذين ساعدوه على أن يستقر فيها بشخصيته الجديدة. ونصحوه بأن يبدأ بتعلم اللغة الإسبانية فورًا، حتى لا ينكشف أمره. وخلال سنة واحدة كان قد بنى علاقات وطيدة، مع الجالية العربية فى الارجنتين، وأصبح شخصية مرموقة بينهم. كما حرص على أن يحضر التجمعات والحفلات، التى يشارك فيها الدبلوماسيين السوريين على نحو خاص. واستغل الفرصة ليشيع بينهم رغبته بالعودة إلى مسقط رأسه، بسبب الحنين إلى وطنه. وبعد أن صفى أعماله فى الارجنتين، وحصل على موافقة الموساد الإسرائيلى، فتوجه إلى دمشق فى يناير ١٩٦٢، وبحوزته كل ما يلزم من معدات تجسس، ليبدأ على الفور مهمته الأساسية. وأول خطوة له فى دمشق، كانت تكوين شبكة علاقات واسعة مع كبار المسؤولين وضباط الجيش، وقيادات حزب البعث. وبعد انضمامه إلى حزب البعث، تحت اسم كامل أمين ثابت، تعرف على أعلى مستويات الدولة، مثل أمين الحافظ رئيس الجمهورية، وصلاح البيطار رئيس الوزراء، وميشيل عفلق رئيس حزب البعث. وما لبثت أن بدأت المعلومات المهمة والخطيرة بالتدفق إلى الموساد، فقد زودهم بمعلومات حساسة عن الأسلحة التى اشترتها سوريا من الاتحاد السوفيتى، وحصل على قوائم بأسماء وتحركات عدد من أهم الضباط السوريين آنذاك. وقد وصل نفوذه إلى حد انه ذهب بصحبة أحد اصدقاءه السوريين، فى جولة داخل التحصينات الدفاعية السورية على جبهة الجولان، وكان ذلك فى سبتمبر ١٩٦٢. وتمكن خلال هذه الزيارة من تصوير جميع التحصينات السورية على الجبهة، باستخدام كاميرا مثبتة بساعة يده، كانت أحدث ما أنتجته أجهزة المخابرات فى ذلك الحين. أما أخطر المعلومات التى سربها ايلى كوهين على الإطلاق، كانت الخطط الدفاعية السورية فى مدينة القنيطرة. تقول بعد المصادر التى تناولت شخصية إيلى كوهين أو كامل أمين ثابت، انه عُرِضَ عليه منصب رئيس الوزراء، وهو منصب على درجة عالية من الحساسية والخطورة. ولكن هذا إن صدق، يدل على الثقة المطلقة التى حازها كوهين من المسؤولين السوريين، علمًا بأن مدة إقامته فى سوريا لم تكن قد تجاوزت الثلاث سنوات، وهذا ما يثير الدهشة، إلا أنه من الجدير بالذكر، بأن «بن جوريون» رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت، أصدر أوامره لإيلى كوهين والموساد برفض هذا المنصب. وفى ديسمبر ١٩٦٥ تم اكتشاف الجاسوس إيلى كوهين عن طريق المخابرات المصرية، حيث تم التقاط صور لبعض المسئولين السوريين برفقة ايلى كوهين، خلال جولته على جبهة الجولان المحتل، وعندما عرضت الصور على المخابرات المصرية، فى ضوء التعاون المخابراتى بين الدولتين، تعرف إليه أحد ضباط المخابرات المصرية، نظرًا لتاريخه فى قضية شبكة جون دارلينج.

وفى ١٨ مايو ١٩٦٥، تم إعدام الجاسوس إيلى كوهين، المعروف باسم كامل أمين ثابت، علنا فى ساحة المرجة بدمشق. وقد كان إعدامه صاعقة للموساد تعيرهم بفشلهم.

محافظ المنوفية الأسبق

مقالات مشابهة

  • البابا تواضروس الثاني يكتب: رسائل لـ "أصحاب القلوب الدافئة"
  • أنشودة البسطاء|رحلة يحيى حقى مع المسرح.. من «قنديل أم هاشم» إلى مدرسة النقد
  • د. محمد حسن معاذ يكتب: استقرار الأسرة أساس لبناء المجتمع في فكر الإمام محمد زكي إبراهيم
  • د.حماد عبدالله يكتب: "عادات" مصرية أصيلة!!
  • تغيير المناهج فى سوريا وتداعياته.. بين أحمد الشرع والهوية الوطنية
  • لم يترك نفسه بلا شاهد
  • الجاسوس الإسرائيلى الذى كان مرشحًا رئيسًا لوزراء سوريا!
  • مصر التى فى خاطرى
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: غذاء الوجدان .. التذوق
  • كريمة أبو العينين تكتب: الفن والشعب