ما بين العينين ضللنا النجدين
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
أجيال تعقب أجيالأ، ولكل جيل مفاهيمه ومعتقداته وقوانينه وطريقة حياته، ولا يخفى على أحد صراع اﻷجيال والفجوات بينها، لكن لم تتسع الهوة بين أجيال يوما كما تتسع في أيامنا هذه، فقد تشعر لوهلة أنها حياة أخرى، في عالم آخر، لا أجد له اسماً، هل هو عالم من الخيال أم عالم من الجنون!
ففي هذا العالم لكل شيء حسابات أخرى وأفكار أخرى ومصطلحات أخرى، نعم حتى كلماتهم اختلفت ومدلولاتها تغيرت.
بينما ينصدم الأبناء ويستغربون تصرفات آبائهم ويرفضون منطقهم، فمن وجهة نظرهم، آراؤهم قديمة مغطاة بالغبار الذي يصيب عقولهم بالسعال، ويلفظها زمانهم ولا تستسيغ طعمها أيامهم، مهما تحاول أن تلوكها، فتصرفاتهم خاضعة بكل هدوء لمنطق أيامهم ومتصالحة بكل سلام مع زمانهم فهي تسرح وتمرح في إطار العادي.
وما بين العينين ضللنا النجدين، مع أن الله – سبحانه وتعالى – اختصر لنا كل تلك المناوشات وسد لنا كل الفجوات ويسر لنا سبل السلام النفسي والاجتماعي فقد قال – سبحانه وتعالى – «وهديناه النجدين» أي بينا طريق الخطأ وطريق الصواب، وكل ما على الإنسان أن يختار طريقه ما بين الحلال والحرام، لكننا فضلنا الضياع بين العيب والعادي عندما فضلنا العادات على الدين فلا نستطيع أن ننكر أن الكثير من عاداتنا خاطئة وما أنزل الله بها من سلطان، كما نتناسى الدين في أحيان كثيرة تحت مسمى الحرية الشخصية ووجهة النظر وضرورة الاقتناع، فطلع علينا بعض من الذين يفتون في الدين ويحرمون ويحللون من رؤوسهم وهنا نقول لهم من أين جئتم بهذا؟والخلاصة أن السلامة في تحكيم الدين واستفتاء القلب السليم، فالعينان تعانيان ضعف البصيرة وتفتقدان للحكمة في الكثير من اﻷحيان، وكل ما علينا هو فتح العينين كي لا نضل النجدين.
ناهد الرطروط – صحيفة اليوم السعودية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: ما بین
إقرأ أيضاً:
ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟
أعلن إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا، الشهر الماضي عن الجيل الجديد من روبوتات شركته الشبيهة بالإنسان، وتحدث عن الاقتراب من إنتاج جيل آخر أكثر تطوراً، قادر على إنجاز مهام أكثر تعقيداً كان من المفترض أنها حكر على الإنسان مثل: “حمل الأجنة” و”تقديم الرعاية للأطفال” (care provider). ليس هذا فحسب؛ بل إنه أشار إلى أن عدد الروبوتات سوف يتجاوز عدد سكان العالم في المستقبل القريب الذي حدده بعام 2040.
تثير هذه التطورات الحالية والتصريحات بشأن المستقبل العديد من الأسئلة حول موقع “الإنسان” من ذلك العالم. فإذا كانت وظائف الكائن البشري، المادية والمعنوية، جميعها سيتم نقلها لأشياء/أجسام أخرى فهل سيظل الإنسان هو “مركز الكون”، بالمعنى والمفهوم الذي قامت عليه نظريات “الإنسانية” (Humanism)، وما ملامح المجتمعات الهجينة التي سيتعايش فيها الإنسان مع الروبوت ومن يقود الآخر؟ وإذا كانت الشرائح أو الأعضاء الاصطناعية المدعمة بالذكاء الاصطناعي المفرط قادرة على رفع قدرات البشر، فمن البشر الذين سيتم تعزيز قدراتهم؟ ومن سيكون له قرار الاختيار؟ وماذا عن البشر المتروكين خلف الركب؟ وإذا كنا نشهد طفرة تكنولوجية في إمكانات الروبوتات الشبيهة بالإنسان أو الروبوتات الاجتماعية، فالأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: أي إنسان تشبهه هذه الروبوتات؟ وأي نسق قيمي تتبع؟ وأي موروث ثقافي تنتمي له؟ وهل يصح الحديث عن إنسان كوني تتشبه به الروبوتات؟ وما ملامحه؟ وهل انتهت البشرية التي نعرفها؟ ونتجه الآن إلى عصر “ما بعد الإنسان” (Posthumanism)، ولماذا هناك اتجاه شديد المثالية بشأن هذا التحول، وآخر شديد التشاؤم؟
لقد اكتسب مفهوم ما “بعد الإنسانية” اهتماماً كبيراً ليس فقط في الفكر الفلسفي، ودراسات التكنولوجيا؛ بل وأدبيات الخيال العلمي أيضاً، وتصاعد الجدال الفكري المرتبط بحركات “ما بعد الإنسانية”. والتي قدمت عدداً من المفاهيم مثل: “ما بعد الإنسانية” (Post humanism) و”تجاوز الإنسانية” (Transhumanism)، و”الفوق إنسانية” (Meta-Humanism)، وعلى الرغم من الاختلافات الموجودة بين تلك المصطلحات؛ فإنها تتفق جميعها على خلاصة واحدة وأساسية، وهي انتهاء شكل الإنسانية التي نعرفها، وأن مصطلح “الإنسانية” لم يعد الآن قادراً على تعريف “من نحن” في ظل الاندماج المتزايد بين الإنسان والآلة، وظهور مفاهيم مثل “السايبورغ” (الروبوتات الإنسانية أو الشبيهة بالإنسان)، ناهيك عن المفاهيم المرتبطة بتطور التكنولوجيا البيولوجية، إضافة إلى زيادة اندماج الإنسان بالبيئة وصعود عصر “الإنثروبوسين”.
خريف الإنسانية:
قبل الحديث عن مفهوم “ما بعد الإنسانية”، ينبغي علينا أولاً فهم حركة “الإنسانية” (Humanism) وفرضيتها التي سادت لقرون، والتي يبدو أننا تجاوزناها.
يعبر مفهوم “الإنسانية” عن حركة فلسفية ظهرت خلال عصر النهضة في القرن السابع عشر، نقلت ثقل التركيز من “اللاهوتية” إلى “الإنسان”؛ إذ منحت الإنسان اليد العليا في تسيير حياته، وأكدت أن البشرية لا بد أن تتحمل المسؤولية عن مصيرها، وتعول على جهودها لتلبية الاحتياجات والرغبات بدلاً من الاعتماد على الآلهة والمعتقدات الغيبية التي سادت أوروبا خلال العصور الوسطى. فكانت فلسفة الإنسانية هي رد فعل ضد الاستبداد الديني في أوروبا في العصور الوسطى وانتشار الأساطير الدينية وتفسير العالم مصائر البشر بناءً عليها. فوفقاً للكتابات الغربية، انتزعت حركة “الإنسانية” السيطرة على مصير الإنسان من الإله ووضعته في أيدي أفراد عقلانيين، وكان المقصود بالعقلانيين في ذلك الوقت “الرجال البيض”. وعلى الرغم من ارتباط هذه الفلسفة بعصر التنوير وتحرير الإنسان؛ فإنها في واقع الأمر اعترفت فقط بعقلانية “الرجل الأبيض”، وكان البشر من دون البيض “أقل إنسانية”. (ولكن هذا ليس موضوع هذه المقالة).
في هذا الإطار، ارتكزت حركة “الإنسانية” على معتقداتها الراسخة بالقيمة الفريدة والوكالة والتفوق الأخلاقي للبشر على كافة الكائنات الأخرى، وأن أهم ما يدعم هذا التفوق هو النسق الأخلاقي والقيمي لدى الإنسان؛ وهو الأمر الذي يؤهله ليكون في مركز الكون، ما يعرف بـ”مركزية الإنسانية” (humancentric). وساد هذا الإطار المعرفي منذ ظهوره حتى فترة التسعينيات من القرن الماضي تقريباً؛ إذ بدأت التطورات التكنولوجية تأخذ منحى متسارعاً ونوعياً، وظهرت بعض الآراء الفكرية التي تشكك في ذلك النموذج، وتحدت فكرة أن البشر سيظلون دائماً الوكلاء الوحيدين للعالم الأخلاقي؛ بل أشارت إلى أنه في ظل التكنولوجيا؛ فإن فهم العالم باعتباره هرماً أخلاقياً، يضع البشر في قمته لن يكون ذا معنى .
السير نحو “ما بعد الإنسانية”:
يُعد مفهوم “ما بعد الإنسانية” مظلة لعدد من المفاهيم والمدارس الفكرية، وأهمهما مفهومان أساسيان:
– “ما بعد الإنسانية/ تجاوز الإنسانية” (Posthumanism): يشير المفهوم بالأساس إلى نقد الفكرة التقليدية التي ترى الإنسان كائناً مركزياً متميزاً عن غيره في الكون. ويسعى “ما بعد الإنسانية” إلى تفكيك الحدود الثنائية التي لطالما حكمت الفلسفة الغربية، مثل: الإنسان/غير الإنسان، الطبيعة/الثقافة، الذات/الموضوع؛ ويهدف هذا التوجه إلى إعادة النظر في الوكالة (Agency) ودورها من خلال إدراج غير البشر مثل: البيئة والآلات، ضمن دائرة الفاعلية والتأثير. وفي هذا الإطار، يتصاعد مفهوم وكالة غير البشر (Non-human agency) الذي يدعم ذات التوجه. فيؤكد مفهوم “ما بعد الإنسانية” أن الطبيعة البشرية سائلة ومتغيرة ومتشابكة مع كيانات غير بشرية. فمع التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات، أصبحت الخطوط الفاصلة بين البشر وغير البشر تتضاءل بشكل متزايد. وتشكل الأسئلة حول الهوية البشرية والاستقلالية والأخلاق ودور التكنولوجيا في تشكيل المجتمعات المستقبلية جوهر خطاب “ما بعد الإنسانية”.
– “الإنسانية المعززة” (Transhumanism): على العكس من مفهوم “ما بعد الإنسانية”، تقوم حركة “الإنسانية المعززة” على تحسين القدرات البشرية من خلال التكنولوجيا والهندسة الحيوية والجينية، والتقنيات النانوية. ويركز هذا التوجه على تجاوز الحدود الطبيعية للإنسان والتغلب على القيود البيولوجية؛ بهدف تحقيق مستويات جديدة من الأداء البدني، والمعرفي، وحتى النفسي؛ فهو يهدف إلى تعزيز نوعية الحياة الإنسانية وإطالة أمدها. ويستلهم هذا المفهوم من النزعة الإنسانية التقليدية، ولكنه يعيد تعريفها بما يتناسب مع إمكانات التكنولوجيا الحديثة.
فيزعم أنصار هذا التيار أن البشر سوف يتغيرون جذرياً في القرن القادم؛ من خلال عمليات الزرع والاختراق البيولوجي وتعزيز القدرات المعرفية، وغير ذلك من التقنيات الطبية الحيوية. وسوف تقودنا هذه التحسينات إلى “التطور” إلى نوع لا يتطابق تماماً مع ما نحن عليه الآن. ويؤكد راي كورزويل، كبير مهندسي جوجل، أن المعدل الهائل للتطور التكنولوجي سوف يجلب نهاية التاريخ البشري كما عرفناه، وسيؤدي إلى ظهور طرق جديدة تماماً للوجود لا يستطيع البشر العاديون مثلنا فهمها بعد.
ولعل أشهر الأمثلة على ذلك مفهوم “السايبورغ”؛ إذ يسمح للأشخاص بالتغلب على العوائق والمشكلات البيولوجية باستخدام الأجهزة الذكية، فهو التطبيق الواقعي لفكرة دمج الإنسان والآلة لتحقيق ذلك، حيث يصبح الإنسان قادراً على الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لتحسين وظائفه؛ مما يمهد الطريق لتحول البشر إلى كائنات ما بعد بشرية. وقد شهد العالم تطور “السايبورغ” مع حالة العالم البريطاني بيتر سكوت مورغان، الذي أصيب بمرض ضمور العضلات، وقرر الخضوع لعدد من العمليات المعقدة لزرع واستبدال أجهزته البيولوجية بأجهزة آلية تعمل بالذكاء الاصطناعي، وأعلن عن أول إنسان تحول بالكامل لـ”سايبورغ”، وأطلق على نفسه بيتر 2.0، وكانت من قبله حالة نيل هاربيسون، الذي تغلب على عمى الألوان بدمج جهاز إلكتروني مع مخه.
يعبر كلا المفهومين عن رؤيتين مختلفتين لمستقبل البشرية ودور التكنولوجيا. فـ”ما بعد الإنسانية” يدعو إلى تجاوز مركزية الإنسان لصالح رؤية شاملة ومتعددة الوكلاء. بينما “الإنسانية المعززة” يسعى إلى تعزيز هذه المركزية من خلال تحسين الإنسان باستخدام التكنولوجيا. كلا الإطارين يقدمان رؤى مبتكرة، لكنهما يثيران أيضاً تساؤلات أخلاقية وفلسفية عميقة حول ما يعنيه أن تكون “إنساناً” في المستقبل.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”