الان وقد حدث ما حدث ، وما حدث هو الأسوأ علي الاطلاق في تاريخ السودان الحديث ، فحرب عبثية أشعلت لكي تستمر بضعة ايام ، ها هي تدخل شهرها الخامس كحفرة يسمونها حفرة جهنم اشتعلت في تركمنيستان أثناء التنقيب علي الغاز ولم تنطفيء حتي يومنا هذا .
والسؤال الذي يدور في زهن كل سوداني لماذا ؟ لماذا اشتعلت هذه الحرب اللعينة وبهذا الجنون العبثي ، والذي كان وكأنه علي موعد مع آلهة الخراب اليونانية، ليدمر عاصمة كان جل سكانها يعيشون فيها بالكاد مستوري الحال ، لتصبح بين ليلة وضحاها مسرحا لعمليات عسكرية برية وجوية ، لا يجد فيها المواطن المدني غير أن يكون ضحية في شكل لاجيء او نازح او جريح او قتيل او منهوب او ساكن يكتوي بلظي هذه الحرب العبثية اللعينة .
يري ماركس ان اهم ما يحرك التاريخ هو الصراع الاقتصادي ، وسواء اتفقنا معه بالكلية او اختلفنا بالكلية لابد أن نعترف بأن للاقتصاد أهمية كبري في تحريك التاريخ للأمام.
يعاني المواطن السوداني العادي منذ ولادة دولته وخصوصا في اطرافه وهوامشه من ضنك العيش بصورة او باخري، ومن تنمية غير متوازنة ومن حروب عبثية دفعت بالكثيرين الي النزوح الي الخرطوم ، حتي صارت المدينة تحوي ربع سكان السودان .
تمددت الخرطوم افقيا حتي تداخلت مع ولايات اخري مثل الجزيرة والنيل الأبيض من شدة النزوح إليها من الأطراف والهوامش. واصبحت الخرطوم نفسها تعاني من هذا التمدد في شكل نقص في الخدمات وسؤ في بنيتها التحتية ، وتدهور في صحتها العامة حتي اذا جاءت كارثة الحرب كانت الكارثة اكبر من ان يتخيل الجميع ، فها هي معظم الوزارات والمرافق الحكومية تتعطل ومعظم البنوك تنهب ومعظم المصانع تدمر بعد أن تنهب ٠ وها هي اقاليم السودان المختلفة تستورد حتي ماء الصحة من الدول المجاورة.
كل هذه الحقائق تضعنا امام سؤال يشكل تحد خطير ، لابد أن يشترك في الإجابة عليه كل السودانيين ويتمثل هذا السؤال في : هل يريد السودانيون العودة بعد الحرب الي سودان ما قبل الحرب ؟
في اعتقادي المتواضع أن الإجابة ستكون قطعا لا ، ولكن كيف لنا أن نبني سودان ما بعد هذه الحرب حتي لا نعود مرة اخري الي الدوامات التي قادت في نهاية المطاف الي هذه الحرب.
نحتاج في السودان الي دولة حقيقية قوية مبنية علي القانون متجهة بكلياتها الي خدمة المواطن وتنمية الوطن بعيدة عن الايديولوجات العبثية ذات الشعارات الرنانة والتي تقود اصحابها في نهاية المطاف الي الاصطدام بالاخر المختلف حتي وان كان ثمن هذا الاصطدام الوطن باكمله ، وحتي لو تمت التضحية بالمواطن المغلوب علي أمره.
عندما قام مهاتير محمد بتنمية بلاده ماليزيا لم يعلن انه يساري ام يميني ولم يعلن انه إسلامي او علماني وإنما اتجه نحو التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وها هي ماليزيا الان لا وقت لها لمثل هذه المماحكات والتي لا تولد الا انقساما وخرابا.
فسودان ما قبل الحرب كان يسير وفق اللا خطة واللا هدف . لدينا تجارة يربح منها التجار اكثر من ٥٠ % دون رقيب او حسيب وفوق هذا لدينا نظام ضراءبي ضعيف ، يعرف معظم التجار كيف يتهربون منه ، فتزداد الطبقات الغنية غني وتزداد الطبقات الفقيرة فقرا وتهميشا.
لدينا صناعة معظمها عبارة عن تعبئة وتغليف ، فتخيل عزيزي القاريء ونحن في دولة زراعية لا نصنع الصلصة إنما تاتينا جاهزة ثم تقوم مصانعنا بتعبءتها ثم نكتب علي العلبة صنع في السودان.
لدينا زراعة ولكنها أقرب للبداءية فلا شركات ضخمة تقوم بالاستثمار في اراضينا الشاسعة السهلة الصالحة للزراعة وإنما هي اجتهادات مزارعين كثير منهم يصل الي السجون في نهاية الموسم الزراعي .
لدينا قطاع صحي متهالك ، سرب معظم امكانيته للقطاع الخاص الذي يعالج المواطنيين بعدما يقطع من لحمهم الحي ، وغالبا ما يتوفي المريض فتكون ميتة وخراب ديار .
لدينا قطاع تعليمي متهالك ايضا سرب معظم طاقاته الي القطاع الخاص فزادت الهوة بين الطبقات وزاد الغبن والشعور بالظلم بين المهمشين وما نهب الخرطوم بهذه الطريقة البشعة الا حصاد هذه الفروق الطبقية الوخيمة.
استعرضت معكم عزيزي القاريء هذه الأمثلة دون اسهاب او تطويل لكي أوضح أن سودان ما قبل الحرب لا يجب أن يعود وإنما نريد دولة قوية تقوم علي مباديء قانون صارم لا مجاملة فيه ولا محسوبية ، قاءم علي خطة تنموية شاملة ، وسموه بعد هذا الاسم الذي تريدون فلا يفرق عندنا أن يكون اسلاميا او علمانيا يمينيا كان او يساريا .
أمجد هرفي بولس
wadharfee76@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
تحت القنابل وأزيز الرصاص.. هذا هو الواقع الصحي بالسودان
نقدم في "الجزيرة صحة" تغطية معمقة حول الواقع الصحي في السودان، وذلك في ظل الحرب التي يعيشها البلد، والتي أدت إلى نزوح الملايين، وحدوث دمار غير مسبوق للمستشفيات والمنشآت الصحية، نتيجة استهدافها.
وقد عمل على التغطية شبكة مراسلينا في السودان، وفريق "غرفة أخبار الصحة" في الدوحة، وشملت تقارير ميدانية ومقالات وشهادات من ضحايا هذه الحرب.
وتوصلنا في هذه التغطية إلى معطيات متعددة تشير إلى استهداف قوات الدعم السريع للمنشآت الصحية في السودان. كما حصلنا على شهادات تتحدث عن ممارسة قوات الدعم السريع، للترهيب والتعذيب، اقتحام البيوت ليلا لاغتصاب النساء، وهو أمر له "أثر كبير على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة خاصة إذا لم تكن هناك تدخلات علاجية بعد تعرض المرأة للاعتداء والاسترقاق الجنسي، مما يجعلهن عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، وتعرض الصحة الإنجابية لخطر كبير" وفقا لسليمى إسحق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة.
ووثقنا في تغطيتنا تعرّض السودانيين لصدمات نفسية قاسية جراء الحرب ومواجهتهم الانتهاكات التي صاحبت القتال، لكنها تشير إلى أن الأثر الأكبر كان على الأطفال، خاصة الذين فقدوا أسرهم أو شهدوا بأعينهم أحداثا عنيفة أو تعرضوا للعنف الجسدي أو اللفظي.
ووجدنا أن أمراض السرطان والسكري والكلى والقلب تمثل أكثر الأمراض المزمنة تفشيا في السودان، ويعاني منها بشكل أكبر كبار السن الذين يجدون صعوبة في التنقل من مكان لآخر، فيكون مصيرهم الموت البطيء، لا سيما في ظل دمار 80% من المؤسسات الصحية في جراء القتال.
إعلانوشملت تغطيتنا واقع اللاجئين السودانيين، الذين يعيشون عددا من التحديات خلال طريقهم للبحث عن الحماية، مما يضعهم أحيانا في مواقف محفوفة بالمخاطر، وينفصل عدد من الأطفال عن ذويهم خلال رحلة اللجوء ويصلون وهم في أمس الحاجة إلى الدعم الطبي والنفسي، بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وكان وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم -في تصريحات نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024- قد ذكر أن المواجهات المستمرة منذ قرابة 20 شهرا، بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسببت في انهيار النظام الصحي بالبلاد.
ونضع هذه التغطية المعمقة بين يدي القراء:السودان.. نظام رعاية صحية يئن تحت الحرب
اللاجئون السودانيون.. مأساة لم ينهها عبور الحدود
حرب السودان.. آلام النساء معاناة صامتة
أطفال في خضم حرب السودان.. الموت جوعا وتحت القصف
بين الخوف والنزوح والموت.. قصص مأساوية لأصحاب الأمراض المزمنة في السودان
وزير الصحة السوداني: الاشتباكات أدت إلى انهيار النظام الصحي