مقدمات أساسية في مفهوم فقه الفرصة في طوفان الأقصى.. قاموس المقاومة (55)
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
يُعد مدخل الفرصة الاستراتيجية والحضارية من المداخل المهمة في علوم الاستراتيجية والسياسة، كما أن نجاح الحركات الاجتماعية والجماعية أو فشلها -ومنها العمل الانتفاضي في نماذجه المختلفة- يتأثر بصورة رئيسة ليس فقط في إدراك تلك الفرص؛ بل بامتلاكها والبناء عليها وفق منطق "لا تدع الفرصة تفلت"، وإذا أتت الفرصة فاهتبلها واستثمرها.
وفي المعاجم "اهتبل الفُرْصةَ: اغتنمها"، وتعد الفرصة أفضل طريق للتصدي للتحديات ومحاولة استخدام هذا الوقت المناسب لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي والنهوض بالأمة في طاقاتها واستنفارها. ووفقا للمتخصصين فإن السياق المتعلق بالفرصة بإمكانه أن يؤثر على خمسة أمور؛ أولها الحشد والنظامية، وثانيها طرح مطالب محددة واضحة وجدت الظروف المواتية، وثالثها إقامة تحالفات معينة، ورابعها توظيف سياسات وتكتيكات سياسية معينة بدلا من أخرى، وخامسها التأثير على مجمل البيئة بكاملها على المستوى الداخلي والإقليمي والخارجي.
وتكمن ميزة هذا المدخل في تأكيده على مراعاة هذه الأمور الخمسة بما يضمن الفاعلية والتأثير، ويحيلنا ذلك إلى مسألة غاية في الأهمية تتعلق باستثمار الفرصة، والتي تتطلب بدورها القدرة على صناعتها والمقدرة في فن إدارتها. ومن هنا وجب على الأمة ومن خلال أجهزة تهتم بصناعة المستقبل وبناء الاستراتيجيات أن تحرص على الفرص الاستراتيجية النادرة وأن تعظم من آثارها.
الفرصة فقها وصناعة وإدارة تعنى بأمرين؛ أحدهما فهم إمكانات الفرصة ومسالك اغتنامها، أما الأمر الآخر فيرتبط بتطوير مهارة التعرف على الفرص الذي يتطلب بدوره مزيجا من الوعي الذاتي، والتفكير التحليلي، والرغبة في التعلم والاعتبار والاستثمار من الخبرات
والفقه في اللغة؛ الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم. وتخصيص اسم الفقه بهذا الاصطلاح حادث، واسم الفقه يعم جميع الشريعة التي من جملتها ما يتوصل به إلى معرفة الله ووحدانيته وتقديسه وسائر صفاته، وإلى معرفة أنبيائه ورسله عليهم السلام، ومنها علم الأحوال والأخلاق والآداب والقيام بحق العبودية وغير ذلك.
وبهذا الفهم الواسع كانت إضافة الفقه الى الفرصة (فقه الفرصة)، معتمدا ذلك المدخل المهم من أن استثمار الفرص الاستراتيجية والحضارية التي هي من الندرة بمكان، وأن إدارتها تحتاج إلى رؤية استراتيجية أصيلة ورصينة وبصيرة، فإن الأمر كما يتعلق بإدارة الأزمات لا بد وأن يُمكِّن من إدارة الفرص وتقليل الخسائر والمخاطر.
إن "استثمار الفرصة له جانبان؛ الأول يتعلق بصناعتها، والثاني يتعلق بإدارتها". إن خروج الأمة من عقلية مواجهة الأزمات المستمرة وإدمانها إدارة الأزمات لهو من الأمور التي تحقق جوهر معاني الاستراتيجية الحقيقية؛ بأنها عقل العمل بإعمال كل مسارات التفكير والنظر والبحث والتأصيل وعمليات التيسير والتسيير؛ مستلهمة أصول التدبر والتدبير ودافعة إلى البحث في طرائق التغيير قاصدة إلى الفاعلية والتأثير.
ويجب ألا يصرفها ذلك على أهميته وجلالة قدره عن تشوّف الفرص بل وصناعتها؛ واستثمارها الاستثمار المكافئ واللائق. ومن فقه الفرصة تداركها تتبعا وتشوّفا؛ تدارَك الفرصة قبل أن تندمَ على فواتها، وإيَّاك ثم إيَّاك من التسويف. قال الماوردي رحمه الله: "فينبغي لمن قدرَ على ابتداء المعروف أن يعجِّلَه؛ حذرا مِن فواته، ويبادر به خيفة عجزه، ويعتقد أنه من فُرصِ زمانه وغنائم إمكانه، ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه؛ فكَم مِن واثقٍ بقدرة فاتتْ فأعقبتْ ندما، ومُعَوِّل على مُكْنة زالتْ فأورثتْ خَجلا، ولو فَطنَ لنوائب دهْره وتحفَّظَ من عواقب فكره، لكانتْ مغارمه مدحورة، ومغانمه مَحْبورة"، وقيل: مَن أضاعَ الفرصة عن وقتها، فليكنْ على ثقة من فواتها.
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا
فَعُقْبَى كُلّ خَافِقَةٍ سُكُونُ
وَلاَ تَغْفلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا
فَلاَ تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
والفرق بين "الاغتنام" و"الاستفادة" من الفرص يكمن في الدلالة والإيحاء؛ فالاغتنام يعني الاستفادة من الفرصة بشكل نشط وعاجل، وهي تحمل دلالة على استثمار الفرصة بشكل كامل لتحقيق أقصى فائدة، وهي تتضمن غالبا تصرفا سريعا أو جريئا. أما الاستفادة فتعني أخذ الفائدة من شيء ما، ولكنها قد لا تتضمن بالضرورة التخطيط أو اتخاذ خطوات نشطة كما هو الحال في "الاغتنام".
ومن المهم أن نؤكد أن الفرصة فقها وصناعة وإدارة تعنى بأمرين؛ أحدهما فهم إمكانات الفرصة ومسالك اغتنامها، أما الأمر الآخر فيرتبط بتطوير مهارة التعرف على الفرص الذي يتطلب بدوره مزيجا من الوعي الذاتي، والتفكير التحليلي، والرغبة في التعلم والاعتبار والاستثمار من الخبرات.
الفرصة كذلك تتطلب المبادأة والإيجابية وخوض المخاطر وعدم تهيب الفشل، وتطوير مهارات التفكير النقدي وتعلم كيفية تحليل المعلومات وتقييمها بعناية. والقدرة على فرض الأسئلة الصحيحة يمكن أن تجعل من السهل تحديد الفرص الواعدة وامتلاك استراتيجيات مرنة؛ تساعد على الاقتراب من الفرص والانفتاح عليها بالتفكير الإيجابي حول التغيرات والفرص الجديدة، ذلك أن العقلية الإيجابية تجعل من اليسير التكيف مع التحديات، مع الأخذ في الاعتبار التحليل المتوازن والموزون ضمن التلازم مع عملية تقييم للوضع الحالي؛ وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، بل لا بد من جمع المعلومات اللازمة؛ والاستعداد الاستعداد لاغتنام الفرصة عندما تظهر، بما يشمل التحضير النفسي العملي وتقبل المخاطرة والمخاطر على أن يكون ذلك مشفوعا بالتنفيذ السريع عند توفر الفرصة باتخاذ خطوات سريعة للتحرك نحوها.
إن التأخير قد يفوّت اغتنام الفرصة، فالقرار ابن وقته؛ إن فات زمنه فات أثره. وهناك مجموعة عوائق يمكن أن تحول دون التعرف على الفرص والتعامل معها، ومن أبرزها؛ القلق والخوف من الفشل المانع من استكشاف الفرص المتاحة، والافتقار إلى المعرفة أو المعلومات، والروتين والجمود باعتماد طرق عمل تقليدية والذي يعطّل التفكير الإبداعي والقدرة على اكتشاف الفرص الجديدة، وغياب الرؤية أو الأهداف الواضحة الذي يمكن أن يؤدي إلى ضياع الفرص المحتملة، والخوف من التغيير، وعدم وجود شبكة اتصالية وتواصلية مناسبة مما يعوق الوصول إلى معلومات الفرص.
وعند كتابة هذا المقال لفتتني دراسة قيمة ترتبط بفقه الفرصة المتعلقة بسنن التدافع والتغيير: "سنّة التربص، معالمها القرآنية، وأثرها في تحقيق التمكين (دراسة موضوعية)"، للأستاذ الدكتور عبد السلام المجيدي. وقد لفتت الانتباه الى سنة قرآنية مهمة ألا وهي "التربص". ورغم أن مفهوم "التربص" يحتمل في اللغة معنى سلبيا وآخر إيجابيا؛ إلا أن الآيات القرآنية ارتقت بهذا المفهوم الإيجابي إلى مصاف السنن المتعلقة بالجمع والمجموع: "قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ" (طه: 134). وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار، ويسمى المتاركة، أي نترككم وتربصكم؛ لأننا مؤمنون بسوء مصيركم.. وفيما يقرب من هذا جاء قوله تعالى: "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ" (التوبة: 52).
ويؤكد الدكتور المجيدي أن "سنّة التربص سنة قرآنية اجتماعية حكيمة تنبذ الجانب السلبي المستسلم للواقع، ولها أثر ملموس في قيام الفرد والمجتمع بالواجبات الشرعية في أزمنة الضعف من الصبر، والذكر، واليقين، والأخذ بأسباب النصر من غير تنازل عن المبادئ، أو تعجل، أو تهور.
إن ما تستوجبه هذه السنّة من العمل وبذل الجهد والاصطبار على طريق الحق طلبا للنصر، والإعداد بدأب سعيا لاهتبال الفرصة السانحة ويوم الفتح الإلهي الموعود المنتظر". وقد عرف البحث بهذه السنة وعالج القصور في فهم بعضهم لها، ممن تركوا العمل واكتفوا بالانتظار العاجز لحدوث التغيير بواسطة الخوارق، وخلص إلى عدة نتائج؛ أهمها: أن "المراد بالتربص الكمون المترقب لانتهاء مرحلة الضعف، وليس مطلق الانتظار. والكمون يقتضي العمل المناسب لها استعدادا لحدوث التغيير، وأن القرآن الكريم تكفل بذكر معالم التربص التي ينبغي الوقوف عندها لتتحقق النتائج والآثار المرجوة من التطبيق الأمثل لهذه السنة، وربّى الجيل الذي ينقلب بنعمة من الله وفضل إلى ميدان التحرر والتحرير من تخويف الشيطان وأوليائه".
أجزم في النهاية أن طوفان الأقصى بما مثّله من ذروة للنموذج الانتفاضي يشكل فرصة تاريخية. كانت هذه المقدمات حول مفهوم فقه الفرصة وأهميته فاتحة، أما الحيثيات المتعلقة بذلك وفعل الطوفان إنما يستأهل مقالا آخر نتوقف فيه على الفرص الكامنة والبادية في طوفان الأقصى كفرصة تاريخية قائمة؛ آن للأمة أن تغتنمها والإفادة منها واستثمار مآلاتها.
x.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفرصة الفقه فرصة فقه مفاهيم طوفان الاقصي مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الفرص
إقرأ أيضاً:
هل شكلت طوفان الأقصى بالفعل تحديا وجوديا لإسرائيل؟.. خبراء يجيبون
يشكك كثير من المعارضين لعملية طوفان الأقصى بكل ما يقال من أنها بأحداثها وتداعياتها شكلت تحديا وجوديا لإسرائيل، ويقللون في الوقت نفسه من قيمة وحجم تلك التحديات لأنها لم تخرج عن السيطرة العسكرية الإسرائيلية بحال، والتي استباحت لاحقا في عدوانها على غزة كردة فعل على العملية كل صور وأشكال القتل والتدمير والإبادة الجماعية.
ووفقا لأولئك المعارضين فإن عملية طوفان الأقصى مكنت الجيش الإسرائيلي من تحويلها إلى أداة وذريعة لوضع بعض مخططات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية المعدة مسبقا موضع العمل والتنفيذ، كتهجير أهل غزة والضفة الغربية، وقد تفضي نتائج تلك العملية بتداعياتها إلى دفع الجيش الإسرائيلي لإعادة احتلال غزة، وفرض حكم عسكري عليها.
يعتمد الحكم على عملية طوفان الأقصى إن كانت قد شكلت خطرا وجوديا على إسرائيل بالفعل أم لا "على زاوية التحليل" حسب الباحث والمحلل الاستراتيجي الأردني، الدكتور صبري سميرة، مضيفا أن "العملية من الناحية الأمنية مثلت تحديا غير مسبوق لمنظومة الردع الإسرائيلية وكشفت ثغرات كبيرة في استخباراتها واستعدادها العسكري، مما أضر بهيبتها داخليا وخارجيا".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ومع ذلك، فمن الناحية الاستراتيجية بعيدة المدى، فإسرائيل ليست على وشك الانهيار، فهي لا تزال تتمتع بتفوق عسكري ودعم دولي واسع، خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية، لكن اللافت أن إسرائيل بذلت أقصى جهدها لاستغلال 7 أكتوبر لصالحها، ولتعزيز وجودها المادي والسياسي، وإضعاف الوجود الفلسطيني عبر الضربات القاسية على غزة".
د. صبري سميرة باحث ومحلل استراتيجي أردني
وتابع: "ورغم الخسائر الفلسطينية الفادحة، إلا أن الفلسطينيين كسبوا تعاطفا وتأييدا عالميا أعاد قضيتهم إلى الواجهة الدولية.. لكن في المقابل فإن الفلسطينيين يواجهون تحديا وجوديا ماديا وسياسيا استراتيجيا إذا لم يتقنوا الاستثمار السياسي لنتائج 7 أكتوبر، فقد تتحول كل هذه التضحيات إلى خسارة".
وحذر المحلل الاستراتيجي سميرة من أن "إسرائيل وأمريكا وحلفاءهما قد يجدون ترتيبات جديدة تُفرض على الفلسطينيين بما يناسب مصالحهم، لا مصالح الشعب الفلسطيني، فالكرة الآن في ملعب القيادات الفلسطينية التي يجب أن تتفاهم وتتحد على مشروع سياسي واقعي وقيادي استراتيجي، يتعايش مع الواقع ويستثمر الزخم العالمي لتحقيق أهداف فلسطينية عادلة ومستدامة".
وفي ذات الإطار رأى الرئيس السابق للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في الداخل الفلسطيني- 1948، إبراهيم صرصور أن "عملية طوفان الأقصى كشفت الكثير من جوانب الضعف في البنية التحتية السياسية، الاجتماعية العسكرية والنفسية للمجتمع الإسرائيلي ومؤسساته التي تعتبر العمود الفقري لوجود إسرائيل، وهزت العملية الكثير من "المسلمات" الصهيونية".
وتابع مبينا المسلمة الأولى بالقول إن "القضية الفلسطينية كانت في طريقها إلى النسيان في ظل الدعم الدولي غير المحدود لإسرائيل من جهة، وقطار التطبيع الذي انطلق بأقصى قوة دون أن تحتاج إسرائيل لدفع أي نوع من الأثمان من جهة أخرى، فجاءت عملية الطوفان لتقلب الطاولة في وجه هذه "المُسّلَّمة" وأثبتت أن القضية الفلسطينية حية بدليل أنها أحرجت الأنظمة العربية حتى التي ذهبت بعيدا في تطبيعها مع إسرائيل".
وتابع: "وفرضت وجودها على أجندة اجتماعات قمتها المشتركة العربية ـ الإسلامية بغض النظر عن فعالية هذه المؤتمرات في وقف المجزرة ضد الشعب الفلسطيني، والأهم في هذا الصدد أن العملية أوقفت مخطط التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي كان على وشك التوقيع، والذي لو تم لَدُقَّ المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية لأمد بعيد".
أما المسلمة الثانية، فتتمثل وفقا لصرصور في تصريحاته لـ"عربي21" من كون "إسرائيل تستطيع أن تعتمد على قوتها العسكرية لفرض أية معادلات مستقبلية على الأرض، ولن تستطيع أي قوة إقليمية أو دولية أن تحول بينها وبين ذلك، لكن عملية الطوفان أثبتت أن إسرائيل ليست أكثر من نمر ورق تمثل (جالوت) المعاصر المدجج بالسلاح، والتي أسقطه قتيلا (داود) الجديد الفلسطيني الذي لا يحمل إلا مقلاعا تحمله يد تتصل بقلب مؤمن بقضيته ملتزم بمنهج ربه وبهموم شعبه".
إبراهيم صرصور الرئيس السابق للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) في الداخل الفلسطيني
وأردف بأن "الذي حصل بالفعل أن عملية طوفان الأقصى كشفت ضعف إسرائيل، وقدرة تنظيم صغير ومحدود الإمكانيات المس بأقدس مقدساتها ألا وهي (القدرة العسكرية) بكل سهولة، فكيف لو واجهت إسرائيل جبهة عريضة من دول مصممة على استنقاذ الأرض والمقدسات"؟
ولفت إلى أن المسلمة الثالثة التي هزتها عملية الطوفان الدعوى القائلة بأن "المجتمع الإسرائيلي مجتمع متماسك رغم الخلافات التي تنشب ببين الحين والآخر بين مكوناته وأحزابه السياسية والأيديولوجية وحتى العرقية/الإثنية، لكن عملية الطوفان كشفت عن تهافت المجتمع الإسرائيلي وعمق الخلافات بين مكوناته المختلفة..".
من جهته وبرؤية مغايرة، علق الكاتب الفلسطيني المقيم في تركيا، أيمن خالد على موضوع التقرير بالقول إنه "في عالم السياسة هناك نموذجان: الرغبات والمصالح، فإذا ذهبنا نحو الرغبات المخزنة في عقولنا فالنتائج كارثية وهي استعداء المحيط العربي واتهامه بالتقصير أمام صوابية السابع من أكتوبر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكن إذا نظرنا إلى المصالح فالمصالح تقول إن السابع من أكتوبر كارثة لأنه لم يحقق نتائج مادية ملموسة ولكن فقط حقق لنا رغبات، وهي رغبات قديمة مخزنة في عقولنا مفادها أن رؤية ضعف الخصم مكسب".
أيمن خالد.. كاتب فلسطيني مقيم في تركيا
وذكر الكاتب الفلسطيني خالد المعارض لعملية طوفان الأقصى أن "الصورة الحقيقية هي أننا في عالم الرغبات نرى ما في عقولنا ولا نرى الحقائق، وفي عالم المصالح نرى عقولنا وضعفها وتقصيرها عن الأداء الأنسب وبالتالي تتطلب لغة المصالح الاعتراف بالخطأ والاحتكام للعقل، ومصافحة الخصوم في الرأي".
وأردف بأن "عدم توجيه تهمة صهاينة العرب للناس الذين اعترضوا على السابع من أكتوبر لأن رؤيتهم بُنيت على المصلحة التي تقول إن إسرائيل أمن قومي أمريكي، وأن قدراتنا على مواجهة أمريكا معادلة خاسرة، وأن المقاومة السلمية هي الحل لأنها لا تخسر خسارة المقاومة المسلحة" مؤكدا على أن "السلام الناقص أفضل من الحرب الخاسرة" على حد تعبيره.
.
وبدوره أكدّ الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، سري سمور، أن "عملية طوفان الأقصى شكلت في توقيتها تحديا وجوديا حقيقيا لإسرائيل، لكن الذي أنقذ الوجود الإسرائيلي هو التدخل الأمريكي المباشر أو شبه المباشر، والمسارعة إلى شن حرب الإبادة، والاستنفار في المنطقة بأسرها".
وأضاف: "فمن حيث توقيت العملية فإسرائيل كانت تشهد ما يعرف بالأزمة القضائية، وهي تغيير سياسي جذري في المؤسسات الإسرائيلية، والذي قاده اليمين ونتنياهو، في الوقت الذي كان المجتمع الإسرائيلي يشهد انقساما مجتمعيا وسياسيا حادا بين الطرفين، وجاءت هذه العملية كضربة أخرى لإسرائيل".
وردا على سؤال "عربي21" "لماذا شكلت عملية طوفان الأقصى تحديا وجوديا حقيقيا؟"، قال سمور: "أولا هذا باعترافاتهم هم، ولو شُكلت لجنة تحقيق سيتجلى الأمر بوضوح، ويظهر هذا إذا ما تتبعنا بعض العناوين الرئيسية، فإسرائيل دائما ما تتفاخر أنها متفوقة في المجال الأمني والاستخباراتي، ولا يفوت مؤسساتها الأمنية شيء، لكن أن تتم عملية الطوفان بهذه الصورة دون أن تتمكن أجهزتها الأمنية من معرفتها مسبقا، وتبقى مغيبة بعد ذلك لساعات ولا تعرف ما الذي حدث بالضبط، فهذا اختراق للمنظومة الأمنية التي تقوم إسرائيل عليها بالأساس".
وتابع: "من المعروف كذلك أن إسرائيل تقوم على الردع، وهو ما فشلت به في السابع من أكتوبر بعد أن قامت حماس بتنفيذ عملية قوية كعملية الطوفان، وهو ما أضعف نظرية الأمن الإسرائيلية، وأظهر مدى هشاشة قوة الردع لديها، والقدرة على زلزلة تلك النظريات والمسلمات".
سري سمور.. كاتب ومحلل فلسطيني
ولفت إلى أن قوة إسرائيل كذلك "تتمثل بقدرتها على تأمين الحماية والأمن للمستوطنين الإسرائيليين في المستوطنات الإسرائيلية، وتأمين ملاذات آمنه لهم داخل فلسطين المحتلة، وهو ما سقط في طوفان الأقصى وبات شعورا عاما في أوساط الإسرائيليين من عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين ملاذا آمنا لهم في المستوطنات، بدليل الهجرة العكسية".
واستدرك سمور مشيرا إلى أن "طوفان الأقصى الذي شكل تحديا وجوديا بالفعل لإسرائيل انقلب، إذا ما أردنا الدقة، خلال عام بسبب التدخل الأمريكي القوي في المنطقة، ما وضع المقاومة في حرب مع أمريكا بوكالة إسرائيلية، فالجيش الإسرائيلي يقاتل بتسليح وتمويل وتخطيط ودعم وإسناد أمريكي، فالتدخل الأمريكي أنقذ إسرائيل من تهديد وجودي حقيقي".
وأنهى كلامه بالقول إن "عملية الطوفان أحدثت زلزالا في الحالة الإسرائيلية بأكملها، رسميا وشعبيا، وستظهر تداعيات هذا الزلزال وارتداداته بعد توقف الحرب، وقد ظهرت بعد وقف إطلاق النار مع حزب الله وبعد وقف إطلاق النار عينات صغيرة مما يتحدث به الإسرائيليون، وهي مخيفة، فما الذي سيقولونه بعد ذلك عن غزة بعد هذه الحرب الطويلة؟ ستكون هناك نتائج صادمة للمجتمع الإسرائيلي، وستزيد الهجرة العكسية، وستتجرأ أية قوى معادية لإسرائيل مستقبلا لمواجهتها عسكريا".