صحيفة البلاد:
2025-01-07@02:16:21 GMT

علي أحمد باكثير.. شاعر من بلاد الأحقاف

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

علي أحمد باكثير.. شاعر من بلاد الأحقاف

وُلد الأديب الأستاذ على بن أحمد باكثير فى جزيرة سوروبايا بإندونيسيا في ديسمبر 1910م لأبوين مهاجرين من حضرموت.
وإندونيسيا أحد أهم معاقل الهجرة الحضرمية الى الشرق الآسيوي، وحين بلغ العاشرة، أرسله والده إلى حضرموت لاكتساب العلوم العربية والإسلامية، وتأكيدً ارتباطهم بوطنهم، ويصف باكثير رحلته تلك قائلاً في إحدى قصائده:

من رأى ذاك الغلامَ العَربي؟ غادرَ المنشا إلى أرضِ الجـــــــدودْ
سنةُ الجدِّ ومنهاجُ الأبِ
فهي العادات في الدنيا قيودْ
كقيودِ الكونِ ذي النَّــظم العـجاب
غادرَ (الجاوةَ) فِردوسَ الدُّنى
وطنَ النعمةِ ينبوعَ الشرفْ
قاصدًا من (حضرموتَ) الوطن
ينشدُ العزَّ ويرتادُ الشـــــــــرفْ

وحين وصل إليها عام 1920م، عاش مع إخوته من أبيه، والتحق بمدرسة النهضة العلمية في مدينة سيئون، ودرس على يد شيوخ أجلاء منهم عمه القاضى محمد بن محمد باكثيرالشاعر والنحوي، والفقيه السيد محمد بن هادى السقاف.

وفى سن 13 عاما بدأ في نظم الشعر والتدريس فى المدرسة التي تعلم بها ثم تولى إدراتها وهو دون العشرين من عمره، وفي عام 1346 اقترن بفتاة أحبها إلا أنها أُصيبت بمرض عضال، وتوفيت بعد 3 سنوات، فحزن عليها حزنا عظيما، وغادر حضرموت في عام1931م إلى الحبشة والصومال ثم اتجه إلى مكة المكرمة واستقر بها لأكثر من عامٍ نظم خلاله مطولته “نظام البردة” وأول مسرحياته الشعريه “همام” أو “في بلاد الأحقاف” (طبعهما في مصر عند قدومه إليها عام 1934م) والتحق بجامعة فؤاد الأول(جامعة القاهرة حالياً)، ونال منها ليسانس الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وأثناء دراسته، قام بترجمة مسرحية {روميو وجولييت (لشكسبير بالشعر المرسل، وبعد عامين كتب مسرحيته ( أخناتون ونفرتيتي) بالشعر الحر، ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في الأدب العربي، و بعد تخرجه في الجامعة، التحق بمعهد التربية للمعلمين، وحصل منه على الدبلوم عام 1940م، واستقر به المقام في مصر، وعمل مدرساً للغة الإنجليزية لمدة 14 عاماً في المنصورة والقاهرة. وفي عام 1943م اقترن بسيدة مصرية، ومنح الجنسية المصرية بموجب مرسوم ملكى.

ترك العمل في التدريس عام 1955، والتحق بوزارة الثقافة موظفاً بقسم الرقابة على المصنّفات الفنية. واختير عضواً في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وتوطدت علاقاته بالعديد من أهل الفكر والأدب والثقافة وفي مقدمتهم طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم والمازني ومحي الدين الخطيب ونجيب محفوظ وصالح جودت وغيرهم، واعتبره نقاد الأدب العربي الحديث ثاني كاتب مسرح عربي بعد توفيق الحكيم.
وطوال حياته، لم تغب عنهُ حضرموت،كما لم ينس مسقط رأسه إندونيسيا، وكان يحنّ لهما.
يقول في إحدى قصائده الشعرية التي جسّدت غربة الإنسان الحضرمي الدائمة :
(سُرباي) إنك مــــــــــوطنٌ لولادتـــــــــــي
ومـــــــــــــحلُّ تربيتي ومهدُ صبــــــــــــــــــــايَا
لكن لي وطنًا يعزُّ فِراقُــهُ
كيف السبيل لذاك وهو حـمايا
هي (حضرموتُ) وما عنيتُ سوى رُبا (سيؤون) فهي مرابعي ورُبـــــايــا
وكانت محبوبته وزوجته (نور) في حضرموت أحد موانع وصله لسورابايا، يقول:
منعَ ارتحالي نحوكم شغفي بها فعييتُ عنه ولم أكن أتعايَا
لولا هواها عن سُراي يعوقني لركبتُ نحوكم الرِّيَاحَ مَـــــطَايا
وقد تنوع إنتاجه الأدبى بين الرواية والمسرحية الشعرية والنثرية، ومن أشهر أعماله الروائية [وا إسلاماه] و(الثائر الأحمر). ومن أشهر أعماله المسرحية (سر الحاكم بأمر الله) و(سر شهر زاد) التى ترجمت إلى الفرنسية و(مأساة أوديب) التى ترجمت إلى الإنجليزية، كما كتب عدداً من المسرحيات ذات الفصل الواحد. وصدرت له العديد من المسرحيات الملحمية الشعرية والنثرية أشهرها ملحمة (عمر بن الخطاب).

وعنه يقول الشيخ علي الطنطاوي: “إنّي أفخر أني أول من كتب بحثًا في مجلة الآداب البيروتية، قبيل وفاة باكثير بشهرين، أثبت فيه أن باكثير هو رائد شعر التفعيلة بلا منازع”.
وتقديرا لريادته الأدبية والفكرية، مُنح الأستاذ علي أحمد الكثير العديد من الجوائز منها:جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية 1960، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1962مناصفة مع الأستاذ نجيب محفوظ، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى 1963، ووسام عيد العِلم ووسام الشعر. ومنح بعد وفاته وسام الآداب والفنون 1985، ووسام الاستحقاق في الأدب والفنون 1998 من الجمهورية اليمنية.توفي -رحمه الله- في 10 نوفمبر 1969م بعد حياةٍ حافلة بالإبداع والعطاء.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: عبدالعزيز التميمي

إقرأ أيضاً:

الفن.. الحياة

يلجأ الإنسان إلى المنطق والبيان حينما يحاول التعبير عن شعور أو إحساس أو موقف؛ مستخدما اللغة المنطوقة أو المكتوبة أو الفعل أو حتى الإشارة، فإذا كان الشعور فيّاضا والإحساس مرهفا، والموقف يحمل رؤية معينة يكون الحماس لها قويا؛ فليس أمام المرء سوى أن يختار لونا من الآداب أو الفنون يعبر من خلاله عن شعوره أو إحساسه أو موقفه.

ومع اختلاف الثقافات والحضارات عرفت الأمم المختلفة ألوانا عديدة من الآداب والفنون، وكان من الطبيعى أن تزدهر بعض هذه الآداب والفنون فى كل أمة بينما لا يزدهر بعضها فى أمم أخرى، فالحضارة الأوروبية على سبيل المثال عدت اللوحة والتمثال والعمارة ومختلف الفنون التشكيلية فنها الراقى، بينما الحضارة اليابانية وجدت فنها الراقى فى تصميم الحدائق.

ويلاحظ أن الفنون والآداب المختلفة قد تطورت بتطور الحياة الإنسانية ذاتها، كما أن هذا التطور أدى إلى ظهور فنون جديدة لم تكن معروفة من قبل، ففن النحت الذى عرفه الإنسان البدائى تطور كثيرا إلى أن صار لما هو عليه اليوم كفن له أصوله ومدارسه الفنية المختلفة، وفنون المسرح التى عرفها الإنسان فى العصر اليونانى القديم بعد إرهاصات سابقة لهذا العصر تطورت كثيرا وأفادت من مستحدثات التكنولوجيا والفكر الإنسانى إلى أن صارت هذه الفنون إلى ما هى عليه اليوم. وفى الوقت ذاته فإن التطور التكنولوجى والفكرى للإنسان أدى إلى ظهور فنون جديدة فى العصر الحديث لم تكن معروفة من قبل مثل فنون الراديو والسينما والتليفزيون، وقد تبلورت هذه الفنون بعد تطورها المستمر إلى أن أصبحت فنونا مستقلة قائمة بذاتها.

إن تطور الفنون المختلفة وارتباط ذلك التطور بتطور الإنسان ذاته، يؤكد بوضوح ارتباط الفنون المختلفة بحياة الإنسان وبمفردات هذه الحياة ومن ثَم بالمجتمع الإنسانى وبالبيئة الحضارية بوجه عام.

ونتيجة لذلك، فإن الفنان يرتبط بمجتمع ما وببيئة حضارية معينة بصورة أو بأخرى، وهذا الارتباط يمثل علاقة الفنان بمجاله فى الحياة والتجارب التى يتولد عنها الشعور والإحساس والموقف الذى يعبر عنه بفنه، إذ لا يمكن أن ينفصل العمل الفنى عن مجاله وإلا أصبح بلا معنى، فالفنان إذًا لا يمكن أن ينفصل عن مجتمعه بقيمه وعاداته وتقاليده، إذ يُعد هو فى حد ذاته نتاجا لهذه القيم والعادات والتقاليد، ومتأثرا بها بصورة أو بأخرى.

فالعمل الفنى قد يعكس صورًا من حياة الفنان، ولكن هذا لا يعنى أنه تعبير عن حياة الفنان، لأن شخصيته وتجاربه فى الحياة ليست هى التى تحدد العمل الفنى وتعطيه كيانه، وإنما الذى يحدد ذلك العمل هو عقله الخالق وتجاربه الفنية، وعلى قدر نضوج هذا العقل الخالق وتمكن الفنان من فنه تكون قيمة العمل الفنى.

وفى النهاية، تظل الحياة لتجسد أسلوب كل منا فى التعبير عن فنه؛ فنه فى الكتابة، وفنه فى التحدث، وفنه فى التعامل، بل وفنه فى السكوت فى بعض الأحيان، وهذا ما ذهب إليه الأديب الفرنسى «شاتوبريان» عندما قال: «الفن هو الأسلوب، والأسلوب هو الإنسان».

أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب جامعة المنصورة

[email protected]

 

 

مقالات مشابهة

  • "بلاد جان".. رحلة غامضة من أسوان لأبيدجان
  • شاعر وملحن .. مصطفي كامل يحصل علي العضوية البروفيشينال علي مستوي العالم
  • من نجد إلى الشام
  • تفاصيل تعاون محمود عليم شاعر "هيجيلي موجوع" مع عمرو مصطفي
  • رئيس الطائفة الإنجيلية يشكر السيسي لكلِّ ما يبذله في سبيلِ الحفاظِ على سلامةِ الوطن
  • وجوه وحكايات ..!!
  • مسير لخريجي الدورات العسكرية المفتوحة في بلاد الروس بصنعاء
  • قبائل بلاد الطعام بريمة تعلن النفير العام والجهوزية لمواجهة الأعداء
  • الفن.. الحياة
  • جنوب الوادي تُشارك بتحرير معجم اللغة العربية وترشح أستاذًا لجائزة الدولة التقديرية