الجامعة العربية.. ماذا أفادت سوريا؟!!
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
من الأسئلة التي كنت أطرحها مع أو على ذاتي ولم أجد حافزاً أو دافعاً للكتابة عنها أو محاولة الإجابة عليها هو: لماذا أعيدت سوريا للجامعة العربية، ولماذا عادت أو قبلت العودة؟..
الذي أعرفه هو أن الأنظمة العربية الخليجية بقيادة النظام السعودي ساروا في شراكة مع تركيا لتجميع وتمويل الإرهابيين من أرجاء العالم لتدمير سوريا، وفيما تركيا انزعجت لاحقاً من دولة كردية محتملة في إطار مخطط أمريكي ربطاً بما بات يسمى “قسد” تنظيم أو منظمة لأكراد سوريا، فشخصياً وفي موازاة ذلك لا أستبعد أن أمريكا هي من أوعز لأنظمة عربية لإعادة سوريا للجامعة العربية، وعندما كانت أمريكا تدلي بتصريحات قليلة تؤكد أنها تعارض هذه الخطوة تأكدت أكثر أن إعادة سوريا للجامعة جاء من رؤية أمريكية في إطار سيناريو وألعاب قائمة وقادمة.
بمجرد التوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار بين حزب الله وإسرائيل جاءت أحداث سوريا كمسألة معد ومرتب لها وجاهزة للتنفيذ..
تركيا وبالرغم من جهود الرئيس الروسي “بوتين”، بالتأكيد هي ضالعة في تطورات الأحداث بسوريا، ولكن ماذا عن الأنظمة العربية التي كانت شريكة لتركيا في تدمير سوريا في محطة 2011م؟!.
هنا أقول إن عودة أو إعادة سوريا للجامعة العربية لم تكن غير تكتيك أمريكي لإنجاح مشروعه المتجدد في سوريا ولمحاولة إخفاء دور الأنظمة العربية فيما سيحدث ـ الآن ـ في سوريا..
تركيا تخفي أو تغطي على دورها بحديثها عن لعبة أمريكية إسرائيلية وراء أحداث سوريا، وذلك ما لا تستطيع أو لا تحتاج قوله الأنظمة العربية من اعتقادها أن إعادة سوريا للجامعة العربية يمثل براءة لها فلا تحتاج لاتهام أمريكا وإسرائيل كما الحالة “الأردوغانية” بل إنها خارج التهمة، فكونها بذلت جهداً خارقاً لإعادة سوريا للجامعة فهي باتت فوق مثل هذه التهمة..
أعتقد أن النظام السوري شرب المقلب تركياً وعربياً، وعلاقته مع تركيا تجعله في توقع أن تسير في عمل كهذا، ولكنه صدًق أن قبوله العودة للجامعة العربية أمنّ ظهره عربياً في مثل التطورات التي حدثت وهذا هو المقلب والانقلاب غير المتوقع وخارج الحسابات، وبالتالي كان عليه أن يعي أن العودة للجامعة العربية هو تكتيك أمريكي ولا يمكن ويستحيل الاعتماد على تكتيك أمريكي لحماية بطن أو ظهر..
ما يؤكد ذلك هو سرعة تواصل وزير الخارجية السوري بنظيره السعودي مع بدء هذه الأحداث، والمؤكد أن النظام السعودي والقطري والإماراتي سينفون أي علاقة لهم بالنصرة أو جبهة الشام وبالتالي بالأحداث الأخيرة في سوريا، وإذا لم تقتنع سوريا بما يقال لها فماذا بمقدورها عمله؟..
هكذا هي أنظمتنا العربية وجامعتنا العربية وسياساتنا العربية منذ أن أصبح الثراء والثروة هي القيادة العربية وأصبح النظام السعودي هو المؤثر الأقوى عربياً ومنذ أصبحت دولة كما قطر تصدر قرارات قمة بدون قمة لتفويض أمريكا والغرب بالتدخل في ليبيا أو لتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، وبالتالي فقرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية هو قرار أمريكي كما قرار إعادة سوريا للجامعة هو قرار أمريكي، وأنظمة كالسعودية والإمارات وقطر تنفذ ما يؤمر به أمريكياً لأي أهداف وأي تكتيكات..
ولهذا فالتساؤل التي تطرحه الأحداث والمستجدات هو ما الذي أضافته عودة سوريا للجامعة العربية؟..
إذا لم تضف شيئاً ـ وهي لم تضف شيئاً يذكر ـ فما حدث هو مسرحية عربية لتنفيذ تكتيك وغائية أمريكية ليس إلا، وأعرف أن النظام السوري ذاته على الأرجع لم يصل إلى هذه القناعة..
على العموم ما يجري في سوريا هو في إطار مشهد الصراع الإقليمي والدولي، وأمريكا باتت شديدة الوضوح في التفكير والقرارات وفي المشاريع والتكتيكات بالرغم من محاولة الأدوات العربية كأنظمة التغطية عليها ما أمكن وهذا يتجسد حتى في حالة سوريا وحكاية العودة للجامعة العربية..
الاصطفاف الإقليمي والدولي المغاير تظل مواقفه أقل وضوحاً كما حالة إيران أو أكثر غموضاً كما حالة روسيا والصين..
وأعتقد أن سوريا موقعها مهم ومؤثر للاصطفاف الأمريكي الغربي والمنغمسين في الأمركة والصهينة من الأنظمة العربية تحديداَ، بما يفترض من الاصطفاف المقابل أن لا يظل يراوح في سقف عدم وضوح وسقف غموض..
حدوتة الجامعة العربية والعودة تقدم شيئاً من أخطاء للنظام السوري، فيما ليس هذا زمن ولا مكان التعاطي في أخطاء إلا في الربط بما حدث وما استجد!!.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: سوریا للجامعة العربیة الأنظمة العربیة الجامعة العربیة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
مشاهد من سوريا
يمكن القول ضمن مناخ غير مغرق في التفاؤل وليس محكوما بالتشاؤم، أن الأسابيع القليلة الماضية، منذ هروب الأسد، أسقطت سرديات كبرى كانت مرسخة في الوعي الجمعي، بعضها لدى إخواننا في الطائفة العلوية، وبعضها الآخر في الوعي الجمعي لدى جمهور الثورة.
أولى هذه السرديات التي سقطت هي أن النظام السوري باق إلى أجل غير معروف، وأن ثمة قرار إقليمي ـ دولي ببقائه، باعتباره نظاما يمكن التعامل معه دوليا، وأن قوته العسكرية ـ رغم هشاشتها ـ تبقى أقوى بكثير من قوة الثوار العسكرية، وأن إيران وروسيا لا يمكنهما التخلي عنه مهما صعبت الأمور.
ثاني هذه السرديات التي سقطت هي فعل التسامح الذي أعلنه الثوار تجاه جمهور النظام، خصوصا تجاه الطائفة العلوية، باستثناء من مارس القتل المقصود وشارك في إجرام النظام.
منذ بداية الثورة، سمع كاتب هذه السطور، من بعض زملائه من الإخوة العلويين في الوسط الإعلامي بدمشق، أن الثورة عبارة عن إرهابيين سُنة، سيقضون على الطائفة العلوية ويحولون نسائهم إلى "سبايا" وخدم.
رغم حجم العنف والقتل الذي مارسه النظام، ورغم وقوف بعض الأقليات بقوة إلى جانبه، لم تنشأ حرب طائفية، بل نشأت حرب أهلية، وبين الإثنين فارق كبير، على الرغم من أن الخلفيات الفكرية المضمرة لا تخلو من أبعاد طائفية في الوعي الجمعي للأقليات، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال منافي للتفكير الوطني العام.إن فعل التسامح هذا، لا يُعبر فقط عن تغير في المزاج الأيديولوجي لفئة ذات توجه ديني أيديولوجي فحسب، بقدر ما هو نابع أيضا من مقتضيات بناء الدولة الجديدة.
وما حدث خلال الأربعة عشر سنة الماضية يؤكد ذلك، فرغم حجم العنف والقتل الذي مارسه النظام، ورغم وقوف بعض الأقليات بقوة إلى جانبه، لم تنشأ حرب طائفية، بل نشأت حرب أهلية، وبين الإثنين فارق كبير، على الرغم من أن الخلفيات الفكرية المضمرة لا تخلو من أبعاد طائفية في الوعي الجمعي للأقليات، ذلك أن التفكير الأقلوي هو بطبيعة الحال منافي للتفكير الوطني العام.
على مدار العقود الماضية، ولا سيما مع اندلاع الثورة السورية، أخذ نظام الأسد يبث في وعي الجمهور العلوي مخاطر فوز الثورة ـ ذات التوجه الإسلامي الراديكالي ـ، وخطر ذلك على الطائفة بمجملها.
لعب النظام بذكاء على محور الأقليات والمظلوميات التاريخية، فخلق وعيا زائفا مفاده أن بقاءه عامل رئيس في حمايتهم والمحافظة على حقوقهم.
ثالث هذه السرديات هو الاعتقاد الذي كان سائدا بأن ثمة تماه وجودي بين النظام والطائفة العلوية، وأن الطائفة ستستميت من أجل بقاء النظام.
وقد بين هروب الأسد زيف هذا التصور من ناحيتين، فكرية وواقعية: بالنسبة للناحية الواقعية، ظهر استياء واضح من إخواننا العلويين من استمرار هذا النظام الذي أصبح وجوده يشكل حملا ثقيلا عليهم على صعيد التكاليف المعيشية الباهظة وصعوبات الحياة.
أما بالنسبة للناحية الفكرية، وهذا هو الأهم، فهو مرتبط بالأسباب الحقيقية لدعم الطائفة للنظام، وهي أسباب في الجزء اليسير منها اقتصادي، في حين أن السبب الحقيقي يكمن في الكينونة السياسية في الوعي الجمعي.
انتقلت الطائفة العلوية مع الاستعمار الفرنسي من طائفة اجتماعية مغلقة تعيش في الجبال إلى طائفة منفتحة اجتماعيا إلى حد ما، ثم حدث تحول خلال نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي مع وصول شخصيات عسكرية قيادية على رأس الجيش أدخلت الطائفة في صلب صراعات الساحة السورية المتخمة بالأيديولوجيات الدينية والعلمانية.
ثم حدثت النقلة الكبرى مع تسلم حافظ الأسد سدة الرئاسة، وما عناه ذلك من انتقال الطائفة، ليس إلى طائفة منفتحة اجتماعيا فحسب، بل إلى طائفة سياسية أخذت تلعب دورا في مستقبل سوريا على الصعيدين الداخلي والخارجي.
هنا نشأ وعي قوي، أو فورة في الوعي بكينونة الطائفة سياسيا، ونشأ معها ما يمكن تسميته قطعا معرفيا مع التاريخ الغابر ورفض استذكاره لصالح واقع جديد يحقق هذه الكينونة.
إن قيام مشايخ العلويين ورجالاتها بهدم تماثيل حافظ الأسد في مناطقهم، ثم الدعوة إلى المشاركة في بناء سوريا جديدة، ليس ناجما عن جبن بقدر ما هو تعبير عن رغبة بطي حقبة الأسد والشروع في بناء سوريا الحديثة والمشاركة فيها بفعالية.إن الكينونة السياسية هذه هي ما يجب التركيز عليه، سواء في دعم الطائفة للنظام لعقود خلت، أو في الأسباب التي دفعت جمهورا عريضا من السوريين للثورة، ذلك أن الثورة لم تنشأ من أسباب طائفية ـ هيمنة أقلية على أكثرية ـ بل نشأت مع وصول الكينونة السياسية لدى الأفراد إلى مرحلة لم تعد قادرة على ضبطها وإخفاءها.
وعي الذات لذاتها ككينونة سياسية هو جوهر الفعل السوري، وهذا ما يفسر مطالب الحرية وإنشاء نظام ديمقراطي على أنقاض النظام الاستبدادي لدى الثوار.
إن قيام مشايخ العلويين ورجالاتها بهدم تماثيل حافظ الأسد في مناطقهم، ثم الدعوة إلى المشاركة في بناء سوريا جديدة، ليس ناجما عن جبن بقدر ما هو تعبير عن رغبة بطي حقبة الأسد والشروع في بناء سوريا الحديثة والمشاركة فيها بفعالية.
إن هذه الكينونة السياسية التي كانت سببا في دعم الطائفة للنظام هي ذاتها السبب في التخلي عنه.
سوريا بحاجة إلى كل مكوناتها وأفرادها من أجل بناء دولة ديمقراطية ليبرالية قائمة على المواطنة بغض النظر عن الانتماءات الضيقة.
وإذا كان لإخواننا العلويين حضورا إجراميا ممثلا بآل الأسد وداعميهم من أبناء الطائفة، فإن للعلويين أيضا بصمة تاريخية وثقافة هامة: صالح العلي، أدونيس، سعد لله ونوس، بدوي الجبل، ممدوح عدوان، فؤاد غازي، جمال سليمان.. إلخ.