يمانيون:
2025-03-10@02:15:50 GMT

كيف حقّقت “المقاومة” نصرها العسكري والسياسي؟

تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT

كيف حقّقت “المقاومة” نصرها العسكري والسياسي؟

يمانيون../
يُجمع الخبراء العسكريون أن حرب لبنان الأخيرة لم تكن كسابقاتها من الحروب، وكل ما يندرج تحت مسمى هذه الحرب من تفاصيل كان مختلفًا تمامًا عمّا سبق، والأدق؛ أنه كان أكثر تعقيدًا. هذه المسلّمات تقودنا إلى نتيجة حتمية واحدة، وهي أن النصر المحقّق في هذا الإطار لم يكن نصرًا عاديًا أو كنصر حرب تموز 2006، بل كان نصرًا عظيمًا.

هذا الأمر يبدو واضحًا إذا ما تم قياسه بمعايير العلوم العسكرية والقتالية والدفاعية قبل أي معايير أخرى، وذلك من خلال قراءة وقائع المعركة انطلاقًا من المنظور العسكري، بالإضافة إلى ما جاء في اتفاقية وقف إطلاق النار من بنود ثبّتت أحقّية وحجم هذا النصر.

يشير منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية ورئيس المحكمة العسكرية السابق الخبير العسكري العميد منير شحادة في هذا السياق إلى أن حشد 5 فرق عسكرية على حدود لبنان مدجّجة بمئات دبابات الميركافا، ومحمية بمئات الطائرات الحديثة، ومزودة بآلاف الأطنان من الذخيرة، وبعد تمكن “إسرائيل” من اغتيال معظم قادة الصف الأول بمن فيهم القائد الأعلى لهذه المقاومة، وبعد عملية الـpagersالإرهابية التي أدت إلى إخراج 3200 عنصر من المقاومة من مهامهم. بعد كل هذه الضربات التي تعتبر قاتلة بالنسبة لأي جيش في العالم، نرى في الجنوب صمودًا وقوةً واستبسالًا من المقاومين في الدفاع عن أرضهم، حيث انتقلت المقاومة من مرحلة استيعاب الصدمة إلى الدفاع إلى الهجوم، ووصلت إلى حد استهداف منزل رئيس وزراء العدو وقصف وزارة حربه؛ وكل هذا يعدّ نصرًا.

في هذا الصدد، أكد الخبير العسكري العميد علي أبي رعد أيضًا، أن “الإسرائيلي” ظن بعد كل ما قام به من عمليات استهداف تراكمية، أنه سيحصد في نهاية الأمر إنجازات تُكتب له، معتقدًا أن بمقدوره أن يفعل في لبنان ما فعل مع الجيوش العربية كافة، ولكن “حساب الميزان لم يطابق حساب البيدر.”

العميد شحادة يستشهد هنا بمؤشر آخر، عندما تتوجه فرقتان عسكريتان (91 و 98) مدعومتان بفرقة ثالثة (210) لتهاجم بلدة جنوبية عمقها 4 كلم بطول 8 كلم، وتحاول ذلك على مدة شهرين، لكنها في النهاية لم تستطع أن تحتل هذه البلدة. هذه الفرق الخمس حاولت لشهرين اختراق الحدود، ولم تتمكن أن تخترق سوى جزء من المحور الغربي منها وبقوة محدودة، وصلت إلى منطقة شمع، ثم تعرضت إلى كمين في منطقة البيّاضة أدى إلى تدمير عدد من الدبابات وتراجع هذه الفرق؛ وكل ذلك يصنّف نصرًا.

عندما يتّحد العالم بأكمله إعلاميًا ويهشّم صورة المقاومة ويسعى إلى خلق الفتنة وإيجاد شرخٍ ما بين المقاومة وبيئتها على امتداد سنة وشهرين تقريبًا، ولم يفلح في إحداث أي شرخ بعد أن أظهرت البيئة- رغم هذا الدمار والمأساة- أنها متمسكة أكثر من أي وقت مضى بمقاومتها؛ فهذا يعدّ نصرًا.

من ناحية أخرى، يؤكد العميد شحادة أن الحديث عن فشل المقاومة في ردع “إسرائيل” كلام خطأ، وأن قوة الردع لا تقاس بحجم الدمار وعدد الشهداء، وصحّة هذا القول تتضح إذا قرأنا الأمور بطريقة معاكسة. تمتلك “إسرائيل” 12 فرقة عسكرية بحدود الـ 400 ألف جندي، ومع كل هذه الترسانة من الأسلحة والدبابات والصواريخ فإنها لم تمنع المقاومة من التسبب بتهجير مليون نازح “إسرائيلي”، ومن تدمير معظم مستعمرات الشمال ومن قصف قلب تل أبيب وحيفا ومعظم المصانع العسكرية، ومن إغلاق كل المصالح التجارية “الإسرائيلية” وإصابة هذا الكيان بالشلل الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، فهل يمكن حينها أن نقول إنه ليس لدى الجيش “الإسرائيلي” قوة ردع؟

وبالحديث عن عوامل أخرى للنصر، يذْكر العميد أبي رعد أن الإرادة الحقيقية للقتال لدى العنصر البشري في حزب الله تعدّ إحدى أهم هذه العوامل، وهذا ما كرره سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في أحد خطاباته، يضاف لذلك أن الهيكلية القيادية والعسكرية للمقاومة لم تتأثر بشكل أفقدها التوازن، بل على العكس استعادت زمام الأمور مباشرة بعد الأسبوع الأول للحرب.

ومن جملة العوامل لا بد –وفقًا للعميد عينه- من ذكر أهمية الإستراتيجية الدفاعية والقتالية التي اعتمدها حزب الله، مستفيدًا من الخبرات التي راكمها على مدار أعوام، والتي استطاع من خلالها أن يطور قدراته البشرية والمادية وحتى أسلحته، ويشير إلى أن ثمة فرقاً شاسعاً جدًا ما بين مقدرات المقاومة في العام 2006 ومقدراتها الحالية، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على صعيد العدو وإمكانياته وما يمتلكه من أسلحة تعد من أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا والصناعة العسكرية.

أما على صعيد اتفاق وقف إطلاق النار، ولمعرفة ما إذا تمخض عن هذا الاتفاق نصر أم لا، فيجب أن نعرف بدايةً من هو الذي سارع أولًا لإبرامه. كانت “إسرائيل”- والكلام هنا للعميد شحادة- هي أول من سعى لذلك، والدليل أنه منذ أكثر من أسبوعين بدأت تخرج من الإعلام “الاسرائيلي” عدة تصريحات عن مسؤولين تحدثوا عن وجود تقدم في عملية وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، وفي العلم العسكري من يسعى لوقف إطلاق النار أولًا هو المهزوم، وبالتالي فإن النصر هنا هو حتمًا للمقاومة.

إلى جانب ذلك، يرى العميد أبي رعد أن الضغط الأميركي على “إسرائيل” وإصرارها على وقف إطلاق النار قبل انتهاء الولاية الرئاسية الأمريكية الحالية، هو دليل على حجم المأزق الذي يعيشه الكيان المحتل وكذلك عجزه عن تحقيق أي إنجاز بسبب الملاحم البطولية التي خطّها رجال المقاومة في جنوب لبنان، بل إن مجرد توقيع الاتفاق هو اعتراف ضمني بوجود وبقوة المقاومة.

وفي الإطار عينه، يؤكد أننا اليوم أمام الاتفاق 1701 مضافًا إليه بند اللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق، والتي ضمت لبنان و”إسرائيل” وممثل الأمم المتحدة وحديثًا أميركا وفرنسا (بعد ضغط من قبل لبنان)، وهذا يعني أن “نتنياهو” لم يحقق أيًّا من أهدافه التي سبق أن أعلن عنها في بداية الحرب، أبرزها القضاء على المقاومة وإبعادها إلى ما بعد نهر الليطاني.

العوامل المجتمعة المذكورة أعلاه تقودنا إلى نتيجة واضحة، منطقية وحتمية، وهي أن النصر قد تحقق فعلًا في المفهوم العسكري والإستراتيجي، وما حملته بنود اتفاق وقف إطلاق النار يعدّ أيضًا نصرًا جديدًا في الميزان التفاوضي السياسي.

العهد الاخباري- سارة عليان

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • القائد يحذر “إسرائيل”: الحصار بالحصار
  • “أمن المقاومة الفلسطينية” يكشف ضبط متخابر مع العدو خلال مراسم تسليم الأسرى
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • مقررة أممية: إسرائيل تريد تصفية “الأونروا” باعتبارها رمزا للوجود الدولي في فلسطين
  • قضية “اولاد المرفحين”.. الفرنسية التي قدمت شكاية الإغتصاب تسحب شكايتها
  • صحيفة عبرية: “حرب الإرث” اندلعت في “إسرائيل”
  • العربي للدراسات السياسية: إسرائيل تستخدم سلاح التجويع للضغط على المقاومة
  • فلسطين تدعو الأمم المتحدة للتحرك ضد جرائم “إسرائيل” في الضفة وغزة
  • “شِعب الجرار” إحدى المكونات الطبيعية التي تعزّز الحياة الفطرية والبيئية في جبل أحد بالمدينة المنورة
  • بريك .. إسرائيل سوف تخسر إذا خرجت لمحاربة “حماس” مرة أخرى