متاحف على قوائم اللصوص.. حصيلة التراث السوداني المدمر خلال الحرب الأخيرة
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
خلال فعاليات النسخة الـ24 من مؤتمر الآثاريين العرب، الذي أقيم مؤخرًا بمدينة الشيخ زايد، جرى مناقشة العديد من القضايا الخاصة بالمدن والعواصم العربية التي تعرض تراثها للنهب والتدمير خلال الفترة الأخيرة.
الدكتور إخلاص عبد اللطيف مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار ورئيس لجنة استرداد الآثار السودانية تحدثت عن الوضع الحالي داخل السودان وما تعرض له التراث السوداني.
في إقليم دارفور تعرض قصر ومتحف «السلطان بحر الدين: الجنينة» للتدمير بشكل كامل. وتعرضت مقتنياته للسرقة، كما تمت سرقة كافة الوثائق والملابس الملكية من منازل أسرة السلطان بحر الدين التي تنتمي لقبيلة المساليت، حيث استهدفتها قوات الدعم السريع. وتعرض أيضًا متحف «نيالا» لعمليات تخريب واسعة، حيث سرقت جميع مقتنياته، بالإضافة لجميع الأثاث وصناديق العرض المتحفية الجديدة.
وفي شمال دارفور تعرض متحف السلطان «علي دينار» بمدينة الفاشر للقصف، لكنه لم يتأثر بشكل كامل إلا أنه نال معرض حاليًا لخطر مباشر بوصول الحرب إلى المنطقة، وقد تم تخزين مقتنيات المتحف في صناديق وسيتم حفظها في مكان أكثر أمانًا. كما تم احتلال متحف «الجزيرة» الواقع في وسط السودان من قبل قوات الدعم السريع.
وفي ولاية الخرطوم تعرض متحف «التاريخ الطبيعي» التابع لجامعة الخرطوم للقصف والتدمير بشكل كامل. أما متحف «الإثنوغرافيا» التاريخي والذي استخدم كمقر لنادي الجيش الإنجليزي خلال فترة الاستعمار. فقد تعرضت مبانيه الواقعة على الجانب الشرقي منه للتدمير بالإضافة لتدمير المجموعات المتحفية المعروضة داخله. وتعرض المتحف «الحربي» التاريخي للتدمير والذي استخدم أيضًا في فترة الاستعمار البريطاني. حيث جرى تدمير العديد من المركبات الأثرية الموجودة داخله خلال الحرب الأخيرة. وتعرض «متحف بيت الخليفة» في أم درمان إلى التدمير وسرقت الكثير من مقتنياته المتحفية. أما بالنسبة لـ«متحف السودان القومي» والذي يعد أهم وأكبر المتاحف السودانية، والمستودع الرئيسي لكل مقتنيات الحضارة السودانية، فقد سيطرت عليه قوات الدعم السريع. ووفقًا لمديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار فقد تم تحطيم أبواب المخازن وسرقة مقتنيات المتحف، وتم بيع الكثير منها في أسواق الخرطوم، وعلى حدود جنوب السودان. فمنذ أغسطس 2023، غادرت ثلاث شاحنات محملة واتجهت نحو غرب البلاد. كما وزعت قوات الدعم السريع مقتنيات المتحف المتحف القومي السوداني على حدود السودان بغرض الاتجار بها.
مقتنيات المباني الدينيةأما بالنسبة لمقتنيات المباني الدينية التاريخية فقد جرى نقل مقتنيات الكنيسة الكاتدرائية التي تم إنشاؤها سنة 1912. حيث نقلت المقتنيات إلى متحف «القصر» لكنه تعرض أيضًا للسرقة في نهاية الأمر. أما بالنسبة للمباني الدينية الأخرى التي تأثرت بسبب الحرب منها: كنيسة القديس جورج الأسقفية، والكنيسة الأسقفية الحضرية، وكنيسة السيدة العذراء مريم الأسقفية، والكنيسة الإنجيلية. وبالنسبة للمساجد التي طالتها الحرب الأخيرة منها مسجد أرباب العقائد بالخرطوم، والجامع الكبير في كل من الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. بجانب عمل منصة مشتركة مع اتحاد الآثاريين العرب بالتنسيق مع جامعة الدول العربية لبحث كيفية حماية واسترداد الآثار السودانية المنهوبة.
أما بالنسبة للآثار السودانية التي تم حمايتها -حتى الآن- قامت لجنة مكتب طوارئ القاهرة للأعمال الاحترازية بتأمين وحفظ وتوثيق المتاحف في المناطق الآمنة خلال الفترة من 2023 وحتى الآن. حيث جرى توثيق جميع مقتنيات «متحف الدامر» بولاية نهر النيل وإخلائه ونقل وتخزين مقتنياته إلى مكان آمن. كما تم أيضًا توثيق ونقل مقتنيات متحف «أرض مروي»، وهو الأمر نفسه الذي جرى اتباعه مع متحف «الدامر» الواقع في ولاية نهر النيل.
مشكلات التراث السودانيوعن المشكلات التي تواجه التراث السوداني على مدار تاريخه أوضحت إخلاص عبد اللطيف أن الاكتشافات الأثرية في السودان تأخرت مقارنة بشمال وادي النيل، حيث بدء التفكير في هذا العمل بعد دخول الرحالة الأوربيين للسودان في القرن الـ19 التاسع عشر. من خلال علماء الآثار مثل: «بوركهارد، وهانبري، وفردريك كايو، وبلفون» إذ لفتوا بتقاريرهم أنظار العالم لكشف أسرار حضارة جنوب وادي النيل. حيث أجريت الاكتشافات العلمية المنتظمة والحفريات الأولى من خلال عالم المصريات الأمريكية جورج رايزنر ممثلًا عن جامعة هارفارد ومتحف الفنون الجميلة ببوسطن منذ أوائل القرن التاسع عشر(1905-1942) في نطاق واسع من المواقع مثل موقع كرمة، وجبل البركل، والأهرامات الملكية لمملكة كوش.
وتضيف: تم التنقيب على آثار السودان تحت الحماية الاستعمارية، فقد تم نهب وسرقة وتدمير الكثير الآثار الموجودة داخل السودان، وهذا حدث مع الأهرامات البجراوية. حيث قام الطبيب الإيطالي فيرليني بارتكاب الجرائم في حق آثار السودان، وتعرضت أهرامات البجراوية بسببه وبسبب طرق الكشف غير العلمية للتدمير، حيث تم الاستيلاء على كميات كبيرة من الذهب الخالص، والتي تعود لممتلكات الملكة «أماني شخيتو» الكوشية المروية. أما بالنسبة للبعثات العلمية الممنهجة فقد ساهم وجودها تحت غطاء الاستعمار البريطاني في سرقة ونهب القطع الأثرية الفريدة، فقد تمت سرقة الآثار ونقلها ضمن مقتنيات متحف بوسطن بقيادة عالم الآثار الأمريكي جورج أندرو ريزنر. حيث عرضت في عام 2018 ضمن عرض مؤقت بمتحف بوسطن وأعيدت مرة أخرى للمخازن.
وفي ستينيات القرن الماضي قامت بعثة غانا بسرقة آثار سودانية تحت حماية الاستعمار، إذ جرى تداول هذه الآثار بدون إذن أو علم السودان. فقد دعمت الاتفاقيات الدولية التي تم وضعها خلال عهد الاستعمار الاستيلاء على القطع الأثرية السودانية ومنه قانون الآثار لعام 1958 والذي قنن عمليات تقسيم المجاميع الأثرية المكتشفة بين البعثات الأجنبية، ومصلحة الآثار السودانية. إذ كان لابد من إيقاف العمل بهذا القانون، لأن القانون صعّب من عملية استرداد هذه الآثار كون أن خروج القطع الأثرية تم بشكل قانوني، فهناك العديد من الدولة الإقليمية حاولت استرداد آثارها ولكن لم تنجح الجهود؛ لذلك لابد من عمل منصة إقليمية للمطالبة باسترداد المجاميع الأثرية.
ترى مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار ورئيس لجنة استرداد الآثار أن السودان في نهاية الأمر أصبح مغيبًا تمامًا بسبب انتقال هذه الآثار من متحف لآخر فقد تم إهداء قطع أثرية كوشية بدون علم أو استئذان حكومة السودان. وفي بعض الأحيان فقد تم تصنيف هذه الآثار لغير هويتها الوطنية، وهذه الأمور تجعل من الضروري إعادة العمل على قراءة وتفسير هذه المجموعات الأثرية بشكل صحيح، بعيدًا عن التفسيرات التي قدمها الاستعمار.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدعم السريع التراث السوداني متاحف السودان المزيد المزيد قوات الدعم السریع التراث السودانی الحرب الأخیرة أما بالنسبة المتاحف فی هذه الآثار بشکل کامل فقد تم
إقرأ أيضاً:
تسجيل "الحناء" على قوائم التراث الثقافي غير المادي لليونسكو
في إنجاز جديد يعكس حرص وزارة الثقافة المصرية على صون التراث الثقافي الوطني والعربي، شهدت مدينة أسنسيون، عاصمة باراجواي، التي تستضيف اجتماعات الدورة التاسعة عشرة للجنة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، تسجيل عنصر "الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية" ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي لليونسكو. جاء هذا الإنجاز بمشاركة وفد مصري برئاسة الدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة للتراث الثقافي غير المادي.
يأتي الملف التراثي نتيجة جهد مشترك بين 16 دولة عربية ، وهي: مصر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، السودان، المملكة العربية السعودية، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر،و يسلط الملف الضوء على أهمية الحناء كعنصر ثقافي يعكس الروح التقليدية في المجتمعات المشاركة، وكونها رمزًا للفرح والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الاحتفالية.
وعبّر الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، عن اعتزازه بهذا الإنجاز، مشيرًا إلى أن تسجيل الحناء يُعد العنصر التاسع الذي تضيفه مصر إلى قوائم التراث الثقافي غير المادي منذ توقيعها على اتفاقية 2003. وأضاف أن الوزارة ملتزمة بالحفاظ على التراث الثقافي المصري لحمايته، دعمًا للهوية الثقافية الوطنية.
وأشار الوزير إلى أن الجهود المصرية، بالتعاون مع الدول العربية، عكست التنوع الكبير في الفنون والطقوس والممارسات الاجتماعية المرتبطة بالحناء، مما يضمن استمرار هذا العنصر التراثي في حياة المجتمعات الممارِسة له، ونقله بين الأجيال حفاظًا عليه للأجيال القادمة.
من جانبها أكدت الدكتورة نهلة إمام أن الحناء ليست مجرد عنصر جمالي، بل تمثل طقسًا اجتماعيًا عريقًا في المجتمعات العربية، حيث تُستخدم في الحياة اليومية والمناسبات المختلفة، كما أشارت إلى ارتباط استخدام الحناء بتقاليد شفوية، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، وممارسات اجتماعية تشمل زراعتها واستخدامها في الحرف اليدوية والعلاجية.