العمليات اليمنية تشدد الخناق على “إسرائيل” وتجعل الاستفراد بغزة مستحيلاً
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
يمانيون../
فتحت القوات المسلحة اليمنية مسار ردع جديد ضد العدو الصهيوني، وذلك باستهداف شمالي فلسطين المحتلة لأول مرة منذ بدء عمليات الردع اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، ما يؤكد أن اليمن سيضرب موعداً مع خيارات جديدة تربك العدو وتجبره على وقف إجرامه في غزة.
وتحمل العملية الجديدة مزيداً من الأبعاد والدلالات، وفي مقدمتها استئناف العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية العراقية، وتشتيت خيارات العدو الدفاعية.
وعلى ضوء بيان متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، عصر الثلاثاء، بشأن تنفيذ ثلاث عمليات في عمق كيان الاحتلال، بواقع عمليتين شمال فلسطين المحتلة وعملية جنوبها، بالشراكة مع المقاومة الإسلامية في العراق، يبدو أن معادلة جديدة تلوح في الأفق، سيما أن استهداف شمال فلسطين المحتلة من قبل القوات المسلحة اليمنية هو الأول من نوعه منذ بداية طوفان الأقصى.
ومن اللافت أن عمليتي استهداف شمال فلسطين المحتلة لأول مرة، تأتي عقب وقف إطلاق النار بين كيان العدو الصهيوني والمقاومة الإسلامية في لبنان، وهنا كانت الرسالة القوية للعدو إلى جانب الضربة العسكرية، حيث أن استهداف شمال فلسطين المحتلة بعد توقف صواريخ حزب الله، يوحي للعدو بأن ساحات المقاومة ما ستظل تضرب في كل مفاصله، وأن وقف صواريخ حزب الله باتفاق لا يعني وقف صواريخ باقي ساحات الجهاد التي تطال شمال فلسطين المحتلة أو أي مكان في عمق الاحتلال.
وفي ظل التقارير الصهيونية التي تتحدث عن مصاعب كبيرة أمام العدو لإعادة تأهيل شمال فلسطين المحتلة وعودة المغتصبين إليها وتطبيع الحياة فيها، فإن هذه العملية اليمنية العراقية تزيد التعقيدات أمام العدو في هذا الصدد، خصوصاً وأن التقارير “الإسرائيلية” التي أكدت الحاجة لـ10 سنوات قادمة حتى تعود الحياة في الشمال، كانت مبنية على الاستقرار العسكري والأمني والتفرغ للبناء والتأهيل، ما يعني أن عودة الصواريخ مرة أخرى إلى شمال فلسطين المحتلة ستجعل الأمر مستحيلاً أمام العدو ويجعل تطبيع الحياة هناك بعيد المنال، خصوصاً إذا استمر الردع اليمني في ضرب هذا “الوتر الحساس” الذي أشغل العدو طيلة 14 شهراً وكبده خسائر فادحة وحال دون أي انتصار عسكري في غزة على وقع العمليات الصاروخية التي كانت المقاومة الإسلامية اللبنانية تنفذها طولاً وعرضاً.
وفي حال زاد الزخم العسكري المقاوم في ضرب شمال فلسطين المحتلة، فإن العدو أيضاً سيجد نفسه أمام صفعة جديدة بعد الصفعة السابقة التي تعرض لها أمام حزب الله وحاول ترقيعها باتفاق لوقف إطلاق النار، حيث أن استمرار الصواريخ على الشمال سيجعل ملفات العدو هناك معلّقة، فالغاصبون سيبقون مهجّرون في الفنادق والشقق السكنية البعيدة التي يقطنونها ويستنزفون المزيد من الأموال الطائلة التي تكبد العدو خسائر كبيرة وعجزاً مالياً مستمراً، فالإنفاق على المساكن والفنادق والرعاية الشاملة للفارين من الشمال يجعل حكومة المجرم نتنياهو في دوامة عجز مالي متراكم، تجبره على إضافات متواصلة للموازنات التكميلية لتغطية هذه البنود، فضلاً عن المتاعب الأخرى سياسياً وأمنياً وعسكرياً وما تتطلبه من إنفاقات ضخمة، سيما وأن الدفاعات الجوية المكلفة ستظل تعمل في الشمال، وتضاعف الفاتورة وتزيد من اتساع رقعة الفشل العسكري والأمني الإسرائيلي، خصوصاً وأنها لم تثبت نجاعتها خلال الفترات الماضية من التصعيد اللبناني، فما بالها عندما تكون الأهداف “المعادية” هي صواريخ فرط صوتية، أو بالستية متطورة فشلت أحدث المنظومات الأمريكية والغربية في مواجهتها.
كما أن استمرار هذا المسار الجديد من الردع في ضرب شمال فلسطين المحتلة، سيدخل العدو حتماً في متاعب جديدة، ويجعل مخططه في الاستفراد بغزة أمراً مستحيلاً، كما سيتمكن هذا المسار من تثبيت معادلة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله الذي أكد فيها أن عودة المغتصبين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلة وتطبيع الحياة فيها، مرهون بوقف الحصار والعدوان على غزة، وبهذا يجد العدو نفسه أمام مأزق حقيقي، ويجد نفسه أمام خيار واحد لإعادة الحياة إلى “الشمال”، وهذا الخيار لا يخرج عن وقف الإجرام بحق غزة.
وفي الشق الآخر من العملية، والمتمثل في ضرب هدف حيوي للعدو الصهيوني جنوب فلسطين المحتلة، وتحديداً في منطقة أم الرشراش التي يسميها العدو “إيلات”، فإنها أيضاَ تضاعف شواهد تطور القدرات اليمنية، وأيضاً تزيد من الخناق على العدو الذي يعاني من حصار بحري عطّل أهم موانئه الذي هو ميناء “ام الرشراش” المنفذ الوحيد المطل على البحر الأحمر.
فالعملية تؤكد أن اليمن لم يكتفِ بالحصار البحري الخانق وتعطيل وشل وإفلاس “ميناء أم الرشراش”، بل زاد من خياراته باستهداف الأهداف الحساسة والهامة في تلك المنطقة الحيوية، لمضاعفة خسائر العدو وتشديد قبضة الخناق عليه.
من جانب آخر توحي العمليات الثلاث شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بتطور كبير ونوعي للقوات المسلحة اليمنية، حيث أن الأسلحة المستخدمة في الثلاث العمليات تنوعت، وجميعها حققت الهدف دون أن تتمكن أياً من الدفاعات الأمريكية أو الإسرائيلية أو الغربية في رصدها واعتراضها، وهذا بدا واضحاً من خلال عدم نشر العدو الصهيوني أو راعيه الأمريكي لأي أخبار مسبقة بشأن رصدهم للصواريخ والمسيرات التي ضربت الشمال والجنوب، عكس العمليات السابقة التي كان الأعداء ينشرون أخباراً برصد ما يسمونه “أهدافاً جوية معادية” وهي في طريقها لأهدافها في “فلسطين المحتلة”، ما يؤكد أن هذا التطور اللافت سيضع العدو ورعاته أمام تحديات صعبة، وتجعلهم في مسارات مرهقة لملاحقة خيارات القوات المسلحة اليمنية، أما مواكبتهم للخيارات فقد صارت مستحيلة في ظل تجدد مسارات الردع اليمنية وتطورها بشكل لافت، يعبر عنه المسؤولون العسكريون الأمريكيون والغربيون بـ”الصادم” و”المدهش” والمرهق أيضا.
وبعودة العمليات المشتركة بين القوات المسلحة اليمنية والمقاومة الإسلامية في العراق، يتأكد للأعداء أن ساحات المقاومة ستظل على الموعد في تجديد الضربات غير المتوقعة، وتنويع التكتيكات والأساليب العسكرية الموجعة، حتى يتبين للأعداء أن الاستفراد بغزة سيظل حلماً يستحيل الوصول إليه، وأن الأجدر فعله هو وقف الإجرام على الشعب الفلسطيني وبكامل شروط فصائل المقاومة الفلسطينية التي تملك أوراق قوة وضغط، خصوصاً وأن كل ساحات الجهاد والمقاومة خارج فلسطين وبما تملكه من خيارات، باتت أوراق قوة وساحات ضغط بيدها، كونها تتمترس في خندق الأمة المتقدم في مواجهة العدو الصهيوني ورعاته، وخلفها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
المسيرة – نوح جلاس
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: القوات المسلحة الیمنیة شمال فلسطین المحتلة المقاومة الإسلامیة العدو الصهیونی فی ضرب
إقرأ أيضاً:
من عقيدة “دايتون” إلى خطة “فنزول”.. “السلطة الفلسطينية” أداة بيد العدو الصهيوني
يمانيون/ تقارير
تحولت السلطة الفلسطينية، التي من المفترض أن تكون حامية لحقوق الشعب الفلسطيني، إلى أداة تخدم أهداف الكيان الإسرائيلي، حيث تتاجر بأرواح أبناء شعبها وحقوقهم في ظل الظروف الصعبة السائدة، فضلا عن أن عدم قدرتها على التكيف مع التقلبات في الصراع يجعلها حجر عثرة أمام حركة المقاومة، مما يستدعي إجراء قراءة متأنية لعلاقتها بواجباتها ومهامها.
في هذا السياق، يُبرز قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الخدمات التي تقدمها السلطة الفلسطينية للعدو الإسرائيلي والذي يرتكب جرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني، مثل تجريف المنازل، وحرق المساجد، والاقتحامات المتواصلة. ويؤكد السيد القائد: “بدلاً من أن تكون السلطة الفلسطينية درعًا يحمي الشعب، نجدها تخذل المواطنين في الضفة الغربية، حيث لم يكن لها أي دور فعّال في مواجهة اعتداءات قوات العدو ومستوطنيه”. كما يُشير إلى أن من المؤسف في الأمر، هو أن الأجهزة الأمنية التابعة لهذه السلطة انخرطت فيما يُسمى “اتفاقيات التنسيق” مع قوات الاحتلال، مستهدفةً كل من يقاوم هذه الاعتداءات.
استشهاد السيد القائد بتصعيد الاعتداءات من قبل الأجهزة القمعية الفلسطينية بالتنسيق مع العدو، يعكس حقيقة الانحدار الذي وصل إليه دور السلطة. فهي لم تكتفِ بما يقوم به كيان العدو من قتل وتهجير، بل تورطت في الاعتداءات على المجاهدين، وبالأخص في مدينة جنين. هذا السلوك يُعَد خيانة عظمى لكل ما يمثله نضال الشعب الفلسطيني من قيم خلال مراحل سعيه لاستعادة الحقوق المشروعة ونيل الحرية.
كما ينبه السيد القائد إلى وجود عناصر تعمل كجواسيس وعملاء للعدو، مما يبرز الخطر الذي يواجه القضية الفلسطينية من الداخل، حيث تؤكد أفعال السلطة وأجهزتها القمعية على جريمة وخيانة واضحة تستهدف كل من يواجه انتهاكات الاحتلال. ناهيك عن أن الحملات الإعلامية التي تستهدف المجاهدين، لا تُحمّل السلطة الفلسطينية و العدو الإسرائيلي أي مسؤولية.
على الرغم من جميع هذه التحديات، تظل البطولات التي يسطرها المجاهدون في فلسطين تعبيرًا حقيقيًا عن نموذج يُحتذى به في مسار الجهاد المقدس. كما أكد السيد القائد أن العمليات النوعية التي نفذتها كتائب القسام وسرايا القدس تُظهر أن القضية الفلسطينية ما زالت حية في قلوب أبنائها. وتمثل هذه البطولات، على الرغم من التحديات الكبيرة، بارقة أمل جديدة لإيجاد مقاومة فعالة ضد الكيان الصهيوني المؤقت.
استباحة الأراضي والأرواح بخدعة “حماية وطن”
منذ يونيو 1948، أصبح الفلسطينيون ضحايا لظلم الطغاة، تعاني أغلب عائلاتهم تحت وطأة البطش العسكري الإسرائيلي، في حين تُمنح القوات الصهيونية حرية مطلقة للتوغل في الأراضي الفلسطينية وارتكاب الجرائم دون رادع.
في الوقت الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، تواصل الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ مطلع ديسمبر 2024 عملياتها العسكرية في مخيم جنين ، تحت ذريعة “حماية وطن”. وبينما تدعي السلطة أنها تستهدف من يُطلق عليهم “الخارجين عن القانون”، تأتي الحقائق على الأرض لتروي قصصًا مختلفة تمامًا؛ إذ تدور اشتباكات مع مقاومين شرفاء يرفضون نزع سلاحهم، مدركين أن تحديات الواقع تستدعي تسليحهم وتخصيص الموارد لدعم مقاومتهم.
تتضح الحقائق أن دور السلطة الفلسطينية يتجلى بشكل أساسي في تنفيذ توجيهات العدو الإسرائيلي ، حيث يتركز التنسيق الأمني على منع أي هجمات ضد الأهداف الإسرائيلية، سواء من “الجنود” أو المغتصبين، بدلاً من حماية حقوق الفلسطينيين وممتلكاتهم.
تظل حالة الاستباحة التي تعيشها الأراضي الفلسطينية بيد العدو الصهيوني، في ظل تواطؤ السلطة الفلسطينية مع هذه الانتهاكات، علامة على ضياع سيادة أمة بأكملها. ومع استمرار عمليات إطلاق النار العشوائي، والاعتقالات، ومصادرة الأراضي، والإخلاءات، يُطرح السؤال مجددًا: لماذا تُستهدف روح المقاومة بدلاً من التصدي للعدو وحلفائه؟ إن اعتداءات المستوطنين الصهاينة قد تضاعفت بشكل كبير، خصوصًا مع تصاعد الأعمال العدائية في قطاع غزة، مما يثير تساؤلات حول دور السلطة في حماية أبناء الشعب الفلسطيني.
أسوأ أنواع التطبيع
لقد وصفت مجلة “فورين بوليسي” ما يسمى بـ “التعاون الأمني” بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني بأنه وضع يخسر فيه محمود عباس، مؤكدةً أن الاستمرار في هذا التعاون يقوّض ما تبقى من “شرعية” السلطة الداخلية ويعرض وجودها للخطر. من منظور الشعب الفلسطيني، يُصنف هذا التعاون على أنه فعل خياني، غير مرغوب به من جميع الأطياف الفلسطينية، إذ يُعتبر شكلًا من أشكال التبعية للعدو والخيانة العظمى للتراب الفلسطيني وحركات مقاومته.
وفي سياق متصل، سخرت حركة “مقاطعة إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها (حركة “بي دي إس”) بعد مجزرة نابلس في فبراير 2023، حيث أكدت في بياناتها على أن ممارسة السلطة الفلسطينية لما تسميه بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني المؤقت تعني تقديم الحماية للعدو على حساب دماء الفلسطينيين. وفي بيانها، دعت الحركة إلى تصعيد الضغط الشعبي على السلطة لوقف هذا العار المسمى بالتنسيق الذي يُعتبر أسوأ أشكال التطبيع مع كيان العدو.
وللتعريف بالتنسيق الأمني هو تعاون استخباراتي وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأجهزة كيان العدو، بما في ذلك “الشاباك” ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”. يهدف هذا التعاون في المقام الأول إلى حماية المستوطنين الصهاينة مما تصنفه سلطات كيان العدو بـ “الإرهاب وأعمال العنف”، وفي السياق، ووفقا لبنود اتفاق “أوسلو” الموقع عام 1993، فإن السلطة الفلسطينية ملزمة بمحاربة واستهداف أي نشاط للمقاومة الفلسطينية واعتقال ناشطيها.
ورغم أن بنود اتفاقيتي أوسلو وطابا، قد عزلت السلطة الفلسطينية بتسخيرها كأداة لتنفيذ سياسات كيان العدو، بل أصبحت مسؤولة عن قمع المقاومة بدلاً من دعم حقوق الشعب الفلسطيني إلا محمود عباس زاد على ذلك باعتباره ما أسماه بالتنسيق الأمني بين سلطته وسلطات الكيان الصهيوني “مسؤولية مقدسة”، مما يبرز التبعية السلبية والمطلقة لهذه السلطة تجاه العدو ومواقف الولايات المتحدة.
من “عقيدة دايتون” إلى خطة “فنزول”
بعد فشل قمة “كامب ديفيد” عام 2000، شهد ما أسمي بالتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وسلطات الكيان الصهيوني تراجعًا ملحوظًا، إلا أن ذلك تغير مع طرح “خارطة الطريق” الأمنية عام 2003، التي أعادت الأمور إلى نصابها، خصوصًا بعد الانقسام الفلسطيني عام 2007.
ووفقا لدراسة نشرها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، فإن هذا التدهور والانقسام دفعا إلى استعادة الاجتماعات والدوريات المشتركة وتبادل المعلومات، مما أسفر عن زيادة الإشادة من قبل سلطات العدو بما أسماه “التعاون الأمني الفلسطيني”، خصوصا وأن ذلك يكفل لسلطات العدو بالحق في التدخل العسكري في مناطق السلطة الفلسطينية.
في عام 2007، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية الجنرال “كيث دايتون” إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتنفيذ خطة أُطلق عليها اسمه. كانت أهداف هذه الخطة هي تأهيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وإعادة تسليحها وتدريبها وفق عقيدة أمنية تخدم ما تطلق عليه “أمن إسرائيل”، وتقوم على قمع المقاومة الفلسطينية وتفكيك بنيتها التحتية في الضفة الغربية. وهناك، رفع دايتون شعار “حفظ الأمن” وهو الزيف الذي، حينها، أشعل الجدل حول الدور الحقيقي الذي ستؤديه هذه الأجهزة كمنظمات قمعية ضد شعبها بدلًا من حماية حقوقه.
وأثناء حفل تخريج دفعة من رجال الأمن، أعرب أحد الخريجين عن الهدف الحقيقي وبشكل صريح، أفصح أنهم لم يتدربوا ليحاربوا كيان العدو الإسرائيلي، وإنما ليحققوا ما أسماه “النظام” و”الأمن” لصالح “إسرائيل”. وهي تصريحات تعكس حالة الضياع وخلو صفوف من أسمتهم خطة دايتون بقوى الأمن الفلسطينية من أي صلة بشيء اسمه “الهدف الوطني”.
وللتعبير عن نجاح مسار الخطة لقمع المقاومة، أشاد دايتون، خلال محاضرة له في معهد واشنطن لسياسة “الشرق الأدنى” في مايو 2009، بما وصفه “إنجازات الأجهزة الأمنية الفلسطينية في إجهاض أي محاولات للخروج عن السيطرة، بما في ذلك منع اندلاع انتفاضة ثالثة”. هذا النجاح، وفقًا لدايتون، جعل “الإسرائيليين” يشعرون بالثقة تجاه “الأمن الفلسطيني”، وساعد قوات كيان العدو على سحب جزء من قواتها إلى غزة خلال عملية “الرصاص المصبوب” في يناير من نفس العام.
مع تغيير الإدارات الأمريكية، وُلدت جديدة وبأهداف إضافية أطلق عليها اسم “خطة فنزل” في فبراير 2023، نسبة إلى المنسق الأمني الأمريكي الجنرال “مايكل فنزل”. وتتلخص هذه الخطة، كالسابقة، في تشكيل قوات خاصة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتدريبها على مستوى عال لملاحقة المقاومة المسلحة في مناطق كالضفة الغربية، تحديدًا في نابلس وجنين.
صياغة الخطة أُعدت على هامش اجتماع عُقد في العقبة بالأردن حضره مسؤولون أمريكيون بارزون، كتعبير عن التأثير السياسي الأمريكي المستمر على الساحة الفلسطينية، حيث تسعى الإدارة الأمريكية لإعادة السيطرة الفلسطينية على مناطق شمال الضفة الغربية، ولكن تعزيز هذه السلطة لابد أن يأتي على حساب المقاومة.
ولمواجهة تصعيد المقاومة الفلسطينية خاصة بعد عملية “سيف القدس” في صيف 2021 وما تلاها من أحداث، سعت سلطات العدو إلى وضع خطة جديدة لتعويض الفشل المتزايد في فرض السيطرة الأمنية على الضفة الغربية، حسب تعبيراتها. وعقب عمليات طوفان الأقصى في 7 أكتوبر2023، تزايد الحديث عن ضرورة تنشيط السلطة في الضفة، بل والعمل على إحلالها كبديل لحركة حماس في غزة، وهو التوجه الذي تدعمه الولايات المتحدة في الاجتماعات التي جرت بين المسؤولين الأمريكيين ونظرائهم في كل من السلطة الفلسطينية وسلطات الكيان الصهيوني، وتم التركيز خلالها على ضرورة وضع خطة شاملة لتحسين الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
على أن تحمل الخطة الجديدة اقتراحات بأن يكون هناك تدريبا لقوة من عناصر الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وتحت إشراف “الجنرال فنزل”، برز الحديث عن هدف جديد تمثل في أهمية المسارعة إلى تدريب وتخريج قوة تستطيع السيطرة على غزة.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة تواجه مقاومة من بعض الشخصيات الإسرائيلية، يتقدمهم المجرم نتنياهو، الذي يرفض أي اقتراح يتضمن تعزيز دور السلطة في غزة، تأتي خطة “فنزول” والتي تم تطويرها بعد أحداث “طوفان الأقصى” لتهدف إلى تعزيز السيطرة الصهيونية عبر السلطة الفلسطينية، وتمكينها من استعادة ما تسميه بـ “الأمن” الذي فقدته في ظل تصاعد الأنشطة المقاومة. وقد تضمنت خطة “فنزول”، وفق ما نشرته وسائل إعلام العدو الاسرائيلي الأهداف التالية:
إعادة السيطرة على شمال الضفة الغربية، مستهدفًا مدن نابلس وجنين بهدف استعادة ما أسمي بـ “الوضع الأمني” إلى ما سابق ما كان عليه قبل التصعيد. ضرب بنية المقاومة من خلال التعامل بصلابة مع عناصر المقاومة، واستهدافها عسكريًا. تدريب قوة خاصة يتم تشكيلها بقوام عددي يبلغ 5000 عنصر من قوى الأمن الفلسطينية تحت إشراف أمريكي في الأردن. تخصص هذه القوة لقمع المقاومة المسلحة. ويأتي الهدف الرابع في إطار ما أسمي بالتنسيق الأمني، حيث تتولى هذه القوة فكرة تقليص الحاجة لتواجد قوات كيان العدو الإسرائيلي في الضفة.وخصص الهدفين الخامس والسادس لعملية ربط غزة بالضفة في إطار أمني موحد تحت مظلة السلطة الفلسطينية، لضمان عدم انفصال الأوضاع الأمنية في القطاع عن الضفة، على أن يتم (سادسا) تدريب قوة في غزة لتولي المهام الأمنية هناك، مما يعزز السيطرة الفلسطينية لصالح بسط نفوذ سلطات كيان العدو في كلا المنطقتين.
ضغوط بايدن وأهمية الخطة
بحسب تقارير إعلام العدو الإسرائيلي، فإن رئاسة السلطة الفلسطينية وافقت على هذه الخطة التي تأتي تحت ضغوط إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن. الخطة تهدف إلى إعادة تأسيس الدور الأمني للسلطة، وإعادة تفعيل التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال بشكل فعّال.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى”، تضاعفت تطلعات سلطات كيان العدو لتطبيق فعال لخطة “فنزول”. حيث يؤكد المراقبون على أهمية السيطرة الإدارية والأمنية في كل من الضفة والقطاع، لضمان إحباط تصاعد الهجمات الفدائية.
وعن أهمية خطة “فنزول”: صرح الكاتب الفلسطيني ساري عرابي بأن الأهداف الأمريكية تأخذ في الاعتبار ضرورة تنشيط السلطة الفلسطينية لأداء مهامها الأمنية ليس من أجل الأمن الفلسطيني، وإنما نظراً لتزايد وتيرة المقاومة، ويحرص التوجه الأمريكي على أهمية “إعادة ربط” غزة مع الضفة الغربية تحت إدارة السلطة الفلسطينية وإنهاء هيمنة حركة حماس على غزة.
ويعتقد عرابي أن الهدف من الخطة ليس هو إحلال قوات السلطة محل قوات كيان الاحتلال، بل جعلها تنفذ المهام الأمنية التي ينبغي أنها خارج إطار مسؤولية قوات كيان الاحتلال لكونها تقع في داخل المناطق المفترض عدم دخول الكيان فيها وفق اتفاقية “أوسلو”. خصوصا وأن هذه الأمور لا تزال معقدة وتواجه تحديات كبيرة تفرضها غالبية الأطراف الفلسطينية والتي لا تقبل الحفاظ على وضع أمني يُخضع حقوقها وكرامتها لسيطرة سلطات الكيان الإسرائيلي.
الأهداف والتوجهات الأمنية في الضفة الغربية
تستمر السلطة الفلسطينية في تنفيذ خطتها الأمنية التي تخدم العدو الإسرائيلي، حيث وافقت رئاسة السلطة على خطة تستهدف إنهاء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتعزيز التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي. تأتي هذه المساعي في وقت يزداد فيه الضغط من قبل القوى الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة، لإعادة تفعيل دور السلطة وتقوية بنيتها الأمنية. ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تستهدف الخطة إنهاء أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتحديدًا عبر تغيير التوجهات الأمنية للسلطة الفلسطينية لجعلها أكثر صلابة في مواجهة عناصر المقاومة. كما تركز الخطة أيضًا على استهداف البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية وحرمانها من أي موارد أو قنوات تمويل. وتشمل الخطة إعادة تدريب قوة خاصة من 5,000 عنصر من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة لتكون مهمتهم مواجهة المقاومين، وخاصة في مدن مثل نابلس وجنين.
كتيبة جنين: سرّ البقاء وخطاب التهديد
مدفوعة بالكثير من الحوافز ما بين الضغط الدولي والإلحاح الإسرائيلي والحاجة المتجددة لإثبات الولاء والسيطرة، تقدم الأجهزة الأمنية الفلسطينية منذ الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، على شن حملة أمنية على مخيم جنين تحت ذريعة “حماية وطن”.
الجديد في هذه الحملة كثير؛ فمن توقيتها الذي يتزامن مع حملات الإبادة التي تقوم الآلة الصهيوني في قطاع غزة، ازدياد شراستها التي عبّرت عنها التصريحات الرسمية الفلسطينية وأداء أفراد الأجهزة الأمنية، باستهدافها المواطنين والأطفال، واستخدامها لخطاب “الدعس على الروس، والتصفية، وإنهاء الحالة بلا ثمن”، واقتحام بيوت أهالي الشهداء وضربهم وطردهم منها.
حتى أساليبها التي اعتمدت فيها الحصار المشدد، من قطع الماء والكهرباء ومنع دخول الغذاء وتهديد السكان واستهداف المدنيين، ومنع البنوك ومحلات الصرافة من التعامل المالي مع المواطنين، إلى طول مدة الحملة، مع ما يرافقه من خطاب تحريضي ضد المقاومين يصفهم بأنهم “خارجون عن القانون، جبناء ومجرمون، مرتزقة ومتكسبون، داعشيو التوجه، يحتمون بالسكان والمشافي، تابعون لإيران وينفذون أجندة خارجية”.
انتهاءً بالزخم الشعبي الاستثنائي الذي وقف في وجه أجهزة السلطة وتقدمها منذ اليوم الأول، من خلال المسيرات والمظاهرات، وفعاليات الإسناد في المدن والمخيمات الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة، وعبر خطاب أهلي شعبي يطالب السلطة بمواجهة غطرسة كيان العدو ومستوطنيه بدلًا من الاستقواء على أبناء المخيم.
أي نوع من القيادة هذه؟
تساؤل مطروح على طاولة السلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، تلك السلطة هي أداة بيد العدو، تلعب دور الخائن الذي يبيع حقوق شعبه مقابل أن تبقى في موقعها، متناسيةً أن من تتعامل معه ليس شريكًا ولا يوسعه من واقع منهاجه العدائي حتى أن يمثل دور حمامة سلام، إنه عدوٌ غاشم يسعى لزوال كل ما هو فلسطيني.
لا يمكن إنكار أن السلطة الآن تُظهر حماقة سياسية بالغة، إذ اختارت طواعيةً الارتماء في أحضان العدو الصهيوني طامعةً في الجلوس على كرسي سلطة منزوع الصلاحيات، في تناقض فاضح مع قيم الجهاد والمقاومة. إنها تعمل كقوة شرطة تحمي إرادة العدو في اقتلاع ذلك الآخر الذي يفترض أن هذه السلطة العميلة الخائنة هي من يمثل إرادته في الثأر لنيل حقوقه في الأرض والسيادة. هذه السلطة التي ذهبت بارتمائها في أحضان العدو لتعمد إلى قمع أي صوت يعارض الصهيونية العدوانية ، مما يجعلها شريكة في الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.
إن التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني لا يعني سوى أن هذه السلطة أصبحت خادمة في صفوف “جيش” العدو، يستخدمها كعصا غليظة ضد شعبها، بينما يواصل هو انتهاكاته اليومية في الإنسان الفلسطيني واجتزاء أرضه ليستوطنها. كيف يُعقل أن يتغاضى من يتولى مقاليد السلطة عن كل هذه المجازر، بل وكيف يُعقل أن يشاهد وهو من يقدم رقاب شعبه كي تُداس تحت أقدام العدو؟ إن هذه الخيانة التي تجسد أبشع صور التفريط بحقوق الشعوب، لتدعو للتساؤل عن أي ثمنٍ مطلوب مقابل هذه الخيانة الجسيمة؟.
نقلا عن موقع أنصار الله