السودان: فرّوا من ويلات الحرب ليلاحقهم شبح الجوع أينما ولّوا وجوههم
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
لعدة أشهر، كانت عزيزة إبراهيم تتنقل من قرية إلى أخرى في السودان هربًا من القتل. ومع ذلك، لم يكن مقتل أقاربها واختفاء زوجها هما ما دفعا الشابة البالغة من العمر 23 عامًا لمغادرة البلاد نهائيًا، بل كان الجوع هو السبب الرئيسي.
اعلانتقول عزيزة إبراهيم، وهي تحتضن ابنتها البالغة من العمر عامًا واحدًا: "لا يوجد لدينا ما نأكله بسبب الحرب"، وذلك بعد أيام من عبورها إلى تشاد.
لقد أدت الحرب في السودان إلى تفشي المجاعة، حيث أجبرت الناس على ترك أراضيهم الزراعية. الغذاء في الأسواق نادر، والأسعار ارتفعت بشكل كبير، وتواجه المنظمات الإغاثية صعوبة في الوصول إلى الأكثر ضعفًا بسبب القيود التي تفرضها الأطراف المتنازعة.
هذه خريطة تحديد موقع السودان وعاصمته الخرطوم. AP/Copyright 2021 APخلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 نتيجة التوترات بين الجيش ومجموعة الدعم السريع، قُتل حوالي 24 ألف شخص وتعرض الملايين للتشريد وتحذر التقارير من أن حوالي 25 مليون شخص أي أكثر من نصف سكان السودان من المتوقع أن يواجهوا الجوع الحاد هذا العام.
قال يان إغيلاند، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي: "الناس يموتون جوعًا في الوقت الحالي... إنه أمر مصطنع، هؤلاء الرجال المسلحون الذين يمتلكون السلطة هم من ينكرون الطعام على النساء والأطفال". وأشار إلى أن الأطراف المتنازعة تمنع المساعدات وتؤخر التصاريح للمنظمات الإنسانية.
حليمة عبد الله تحمل ابنتها كلثوم أبكر البالغة من العمر 7 أشهر والتي تعاني من سوء التغذية الحاد في عيادة تديرها منظمة أطباء بلا حدود في موقع أبوتنغي للنازحينSam Mednick/2024- APبين أيار/ مايو وسبتمبر/أيلول، شهد أحد المستشفيات في موقع نزوح بتشاد وفاة سبعة أطفال بسبب سوء التغذية، وقد أُجبرت منظمة أطباء بلا حدود على وقف الرعاية لـ 5000 طفل يعانون من سوء التغذية في شمال دارفور لعدة أسابيع بسبب العقبات المتكررة.
في سبتمبر/أيلول، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن كلا الجانبين إلى السماح بالوصول غير المقيد ووقف قتل المدنيين، لكن القتال لا يظهر أي علامات على التراجع، حيث قُتل أكثر من 2600 شخص في أكتوبر/ تشرين الأوّل فقط.
عثمان طاهر وعائلته يعبرون من السودان إلى تشاد بالقرب من عكا يوم الأحد، 6 أكتوبر. 2024. Sam Mednick/ 2024 -APتشتد أعمال العنف حول عاصمة شمال دارفور، الفاشر، التي تعتبر العاصمة الوحيدة في المنطقة الغربية التي لا تسيطر عليها مجموعة الدعم السريع، وقد شهدت دارفور بعضًا من أسوأ الفظائع خلال الحرب.
هربت عزيزة إبراهيم من قريتها في غرب دارفور ولجأت لأكثر من عام إلى مدن قريبة مع أصدقائها وأقاربها، كان زوجها قد غادر للبحث عن عمل قبل الحرب ولم تسمع عنه منذ ذلك الحين.
سلمى عيسى أبكر البالغة من العمر 17 شهرًا تستريح في عيادة تديرها منظمة أطباء بلا حدود في موقع أبوتنغي للنازحين بالقرب من عكا، تشاد، الجمعة 4 أكتوبر/تشرين الأول. 2024.Sam Mednick/ 2024 APوقد واجهت صعوبة في إطعام ابنتها، واضطرت لقطع الخشب وبيعه في تشاد لتوفير المال لشراء الحبوب، لكن بعد عدة أشهر نفد الخشب مما أجبرها على المغادرة نهائيًا.
أشخاص آخرون فروا إلى تشاد وصفوا ارتفاع أسعار الغذاء بثلاثة أضعاف ونقص المخزون في الأسواق.
من جهة أخرى وصلت عواطف آدم إلى تشاد في أكتوبر/تشرين الأوّل بعد أن كان زوجها يكسب القليل جدًا من نقل الناس بعربته التي تجرها الحمير، إذ فقد أطفالها الوزن وكانوا دائمًا جائعين.
فارون إلى تشاد قادمين من السودان في أدري، تشاد، الأحد، 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024Sam Mednick/ 2024 APمع تدفق المزيد من الناس إلى تشاد، تشعر المنظمات الإنسانية بالقلق حيال قدرتها على دعمهم إذ منذ بداية الحرب، دخل حوالي 700 ألف سوداني إلى تشاد ويعيش الكثير منهم في مخيمات للاجئين أو مواقع نزوح مؤقتة.
في وقت سابق من هذا العام، خفض برنامج الغذاء العالمي حصص الإغاثة بنسبة تقارب 50% بسبب نقص التمويل. ورغم توفر الأموال الآن للعودة إلى الحصص الكاملة حتى بداية العام المقبل، إلا أن المزيد من القادمين سيزيد الضغط على النظام الغذائي.
خديجة عمر آدم تجلس إلى جانب طفلها المريض في عيادة تديرها منظمة أطباء بلا حدود في موقع أبوتنغي للنازحين بالقرب من عكا، تشاد، الجمعة، 4 أكتوبر/تشرين الأول. 2024. Sam Mednick/ 2024 APخلال زيارة لوكالة أسوشيتد برس إلى أدري في أكتوبر/تشرين الثاني، قال بعض الذين فروا من السودان إنهم لا يزالون يعانون.
قالت خديجة عمر آدم إنها لا تملك ما يكفي من المساعدات أو المال لتناول الطعام بانتظام، مما جعل الرضاعة الطبيعية لطفلتها المصابة بسوء التغذية أمرًا صعبًا. وقد ولدت طفلتها خلال الأيام الأولى للحرب بمفردها.
اعلانRelatedبرنامج الأغذية العالمي يرسل 700 شاحنة لتخفيف أزمة الغذاء في السودانيونيسف: الأطفال في السودان تحت تهديد المجاعة والأوبئة في ظل الصراع المستمرفي اليوم العالمي للطفل.. غزة أصبحت مقبرة للأطفال.. ولبنان بات رعبهم الصامت.. والسودان مثالا لحرمانهمأدخلت العيادة التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 340 حالة لطفل يعاني من سوء التغذية الحاد بين أغسطس /أب وسبتمبر/أيلول. ويخشى العاملون الصحيون أن يرتفع هذا العدد.
فيما قال الدكتور أولى درامان واتارا، رئيس الأنشطة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في المخيم: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أخشى أن تخرج الوضع عن السيطرة".
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مجلس الأمن الدولي يصوّت على مشروع وقف إطلاق نار فوري في السودان حمدوك يُعرب عن خشيته من اندلاع حرب أهلية في السودان ويُحذر: على أوروبا الاستعداد لاستقبال الملايين الأمم المتحدة: فيضانات جنوب السودان تُشرّد 379 ألف شخص وتؤثر على 1.4 مليون مجاعةجمهورية السودانجرائم حرباعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. 424 يوما من القتل والدمار والتهجير في غزة.. ونتنياهو وقف النار مع لبنان لا يعني انتهاء الحرب يعرض الآن Next عاجل. رئيس كوريا الجنوبية يرفع الأحكام العرفية بعد فرضها بساعات عقب تصويت البرلمان على إبطالها يعرض الآن Next تطهير عرقي ورغبة بالانتقام.. شهادات مروعة عن ممارسات الجيش الإسرائيلي وحرقه لمنازل المدنيين في غزة يعرض الآن Next هل يعتنق رونالدو الإسلام؟ زميله السابق في نادي النصر السعودي يكشف المزيد يعرض الآن Next مارين لوبان تقود المعارضة للإطاحة بالحكومة: حجب الثقة هو السبيل لحماية الفرنسيين من "ميزانية ظالمة" اعلانالاكثر قراءة هل ستزور إسبانيا قريبا؟ قانون جديد يلزم السياح بتقديم 100 معلومة شخصية عنهم وخشيةٌ من تأثر السياحة قصف متواصل على غزة وواشنطن تحمّل حماس مسؤولية تعثر المفاوضات وإسرائيل تستهدف مجددا جنوب لبنان صحيفة بريطانية: أوكرانيا تواجه مشكلة كبيرة مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومروسياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني فرنسافولوديمير زيلينسكيقتلدونالد ترامبقطاع غزةفلاديمير بوتينإسبانياالصحةإسرائيلتركياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024المصدر: euronews
كلمات دلالية: روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل فرنسا حزب الله فولوديمير زيلينسكي روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل فرنسا حزب الله فولوديمير زيلينسكي مجاعة جمهورية السودان جرائم حرب روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فرنسا فولوديمير زيلينسكي قتل دونالد ترامب قطاع غزة فلاديمير بوتين إسبانيا الصحة إسرائيل تركيا منظمة أطباء بلا حدود فی البالغة من العمر أکتوبر تشرین یعرض الآن Next سوء التغذیة فی السودان إلى تشاد فی موقع
إقرأ أيضاً:
السودان.. نظام رعاية صحية يئن تحت الحرب
مع استمرار الحرب في السودان، يعيش القطاع الصحي أزمة غير مسبوقة، مع نقص الأدوية والعاملين الصحيين، والاستهداف للمؤسسات الصحية من قبل قوات الدعم السريع.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حربا خلفت أكثر من 20 ألف قتيل وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
واندلعت حرب السودان قبل انتهاء عملية سياسية بناء على "الاتفاق الإطاري" الذي وقعه في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022 المكون العسكري في السلطة الانتقالية آنذاك وقوى مدنية أبرزها "الحرية والتغيير-المجلس المركزي"، وفشلت فيها الأطراف بحل مسألة دمج الدعم السريع داخل المؤسسة العسكرية.
استهداف الدعم السريع للقطاع الصحيتشير عدة تقارير إلى استهداف قوات الدعم السريع للمنشآت الصحية في السودان. على سبيل المثال في ديسمبر/كانون الأول 2024 قالت منظمة أطباء بلا حدود، إن قوات الدعم السريع استهدفت مستشفى بشائر جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم، بإطلاق جنودها الرصاص داخل المستشفى.
إعلانوأوضحت المنظمة الدولية، في بيان: "أطلق المهاجمون النار داخل قسم الطوارئ، وهددوا الطاقم الطبي بشكل مباشر، وعطلوا الرعاية المنقذة للحياة بشكل خطير".
وأضافت: "ندين بشدة التوغل العنيف لقوات الدعم السريع في غرفة الطوارئ بمستشفى بشائر التعليمي في جنوب الخرطوم" الأربعاء.
ودعت المنظمة قوات الدعم السريع إلى احترام حياد المرافق الطبية وسلامة العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وفي البيان، قال رئيس بعثة أطباء بلا حدود في السودان صامويل ديفيد ثيودور: "دخل العديد من جنود قوات الدعم السريع غرف الطوارئ وبدأ بعضهم في إطلاق النار على العاملين الطبيين، وهددوا المرضى وموظفي أطباء بلا حدود ووزارة الصحة".
وفي أغسطس/آب 2024 قالت وكالة الأنباء السودانية إن قوات الدعم السريع قصفت مستشفى الدايات في أم درمان والمناطق المجاورة له. وأوضحت الوكالة أن عددا كبيرا من القذائف سقطت في المنطقة وألحقت دمارا واسعا بالمباني.
وأشارت إلى أن لجنة الطوارئ الصحية لولاية الخرطوم دانت القصف واعتبرته دليلا آخر على استهداف قوات الدعم المرافق الصحية وتعطيل جهود تقديم الخدمات العلاجية للمواطنين.
وقال محمد إبراهيم رئيس اللجنة الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة بولاية الخرطوم إن قوات الدعم قامت -في وقت سابق- بنهب واسع لأجهزة ومعدات مستشفى الدايات الذي يعد أكبر مستشفى تخصصي بالبلاد.
فظائعوقبل أيام، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أدلة مدعومة بمقاطع فيديو، جمعها فريق التحقيقات المرئية التابع لها، توثق فظائع قالت إن قوات الدعم السريع ارتكبتها في السودان خلال عام ونيف منذ اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني في 15 أبريل/نيسان 2023.
وتكشف الأدلة المرئية التي جمعتها الصحيفة الأميركية وحللتها على مدى أشهر، هويات قادة قوات الدعم السريع الذين كان جنودهم يرتكبون "فظائع" تحت أنظارهم في جميع أنحاء السودان.
إعلانوقالت إن هذا التحقيق الاستقصائي الموثق بلقطات مصورة، أتاح لها تحديد 10 من قادة قوات الدعم السريع أثناء إشرافهم على جرائم حرب محتملة وتحديد مواقع العديد من مسارح عملياتهم الأخرى، منوهة إلى أن قائدهم الأعلى الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، هو الذي قد يتحمل المسؤولية الكاملة.
انعدام الأمنوتقول منظمة الصحة العالمية إن انعدام الأمن يجعل تقديم الرعاية الصحية أكثر صعوبة. فأكثر من ثلثي المستشفيات الرئيسية في المناطق المتضررة أصبحت خارج الخدمة، والمستشفيات التي لا تزال تعمل معرضة لخطر الإغلاق بسبب نقص الموظفين الطبيين والإمدادات والمياه النظيفة والكهرباء. كما أن الهجمات المتكررة على مرافق الرعاية الصحية تمنع المرضى والعاملين الصحيين من الوصول إلى المستشفيات والحصول على العلاج، حيث يتم استهداف المرافق الصحية والمستودعات الطبية ونقل الإمدادات والعاملين الصحيين. كما تعطل نظام مراقبة الأمراض، مما يشكل تحديا خطيرا للكشف عن تفشي الأمراض المعدية وتأكيدها..
وتضيف المنظمة -في منشور على موقعها تم تحديثه آخر مرة في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024- أن ملايين الأشخاص قد نزحوا منذ بداية الصراع، داخل السودان ولكن أيضا في البلدان المجاورة، حيث فر الناس بحثا عن الأمان، في تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
وتعمل منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع شركائها في مجال الصحة، بشكل مكثف على تنسيق الاستجابة الصحية، وتعزيز الرعاية.
من جهتها، تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين فيها لها عواقب وخيمة في ظل تفاقم أزمة الغذاء. وتعتبر مراكز الرعاية الصحية بالغة الأهمية للوقاية من سوء التغذية واكتشافه وعلاجه. كما أن قدرتها على العمل أمر حيوي بالنسبة للفئات الأكثر ضعفا، بما في ذلك الأمهات الحوامل والمرضعات والأطفال دون سن الخامسة.
إعلانوتقول أميلي شباط، التي تشرف على البرامج الصحية للجنة الدولية للصليب الأحمر في السودان: "إن الوضع في العيادات الصحية لا يمكن وصفه بالكلمات. فالمصابون يفتقرون إلى الأدوية والغذاء والمياه، وكبار السن والنساء والأطفال محرومون من العلاجات الأساسية مثل غسيل الكلى أو أدوية مرض السكري. والوضع يتدهور".
ووردت العديد من التقارير عن نهب وتخريب المرافق الصحية، والتهديدات والعنف الجسدي ضد الموظفين والمرضى، وحرمان المدنيين من خدمات الرعاية الصحية.
نظام صحي يعيش أزمة
نشرت المجلة الطبية البريطانية "بي إم جيه" (BMJ) تقريرا تحت عنوان "السودان.. من حرب منسية إلى نظام رعاية صحية مهجور" (Sudan: from a forgotten war to an abandoned healthcare system) في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وقال الباحثون أمل الأمين، سارة عبد الله، عبدة العبادي، المغيرة عبد الله، عبدة حكيم، نعيمة وقيع الله، جون باستورأنسا، إن السودان يواجه أسوأ أزمة إنسانية ناجمة عن الصراع في العالم، مع أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.
وأدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في السودان، مما أدى إلى إغلاقات وانقطاعات في الخدمات الطبية، وخاصة في المناطق المتضررة من الحرب.
وتدفع الحرب البلاد إلى أزمة صحية ناشئة، مع الانتقال من عبء مزدوج إلى رباعي من الأمراض، بما في ذلك الأمراض المعدية وغير المعدية والإصابات الجسدية والصدمات.
وقال الباحثون إنه اعتبارا من فبراير/شباط 2024، يوجد في السودان 6.8 ملايين نازح داخلي، ينحدرون من 12 ولاية من أصل 18 ولاية في البلاد، ويعيش 19% منهم في مستوطنات غير رسمية، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، متجاوزة أزمة سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، نزح 1.5 مليون شخص خارج البلاد، ويحتاج 24.8 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف سكان البلاد، إلى مساعدات إنسانية وحماية. علاوة على ذلك، يواجه السودان جوعا حادا، حيث يعاني 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك 4 ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية.
التأثير على نظام الرعاية الصحيةواجه النظام الصحي في السودان قبل الحرب، والذي يشمل إطار "مكونات" النظام الصحي لمنظمة الصحة العالمية – تقديم الخدمات، والتمويل، والقوى العاملة الصحية، والإمدادات الطبية، وأنظمة المعلومات الصحية والحوكمة- العديد من التحديات.
إعلانوقال الباحثون إن نظام الرعاية الصحية كان يعاني -قبل الحرب- من نقص التمويل، ويتسم بنقص حاد في القوى العاملة الصحية، فضلا عن التفاوتات الكبيرة في الوصول إلى الرعاية وجودتها وبأسعار معقولة.
وكان على 95.94% من السكان أن يدفعوا من جيوبهم الخاصة مقابل خدمات الرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، واجهت البلاد نقصا حادا في القوى العاملة الصحية، في عام 2019، بلغت كثافة الأطباء والممرضات والقابلات وغيرهم من العاملين الصحيين 3.6 و14 و9.1 لكل 10 آلاف شخص على التوالي، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى لكثافة منظمة الصحة العالمية البالغ 22.8 من المهنيين الصحيين.
ومع ذلك، كانت البلاد تتقدم ببطء نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأدت الحرب الحالية إلى تدهور النظام الصحي بشكل أكبر وأدت إلى ظهور تحديات جديدة أبرزها في تقديم الخدمات والقوى العاملة الصحية. وتأثرت البنية التحتية الصحية بشكل كبير، حيث أفادت منظمة الصحة العالمية أن 70% من مرافق الرعاية الصحية العامة والخاصة في الولايات المتضررة من الحرب أجبرت على الإغلاق بحلول نهاية عام 2023.
تشير بيانات وزارة الصحة الاتحادية السودانية إلى أن أكثر من 30% من المستشفيات العامة لم تعد في الخدمة في غضون عام من بدء الحرب. وعانت ولاية الخرطوم، مركز الصراع، من أكبر التأثيرات على نظامها الصحي. ومع اندلاع الصراع المسلح، لجأ الآلاف من السكان والمرضى من ولاية الخرطوم إلى ولاية الجزيرة، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب شرق الخرطوم، وقد جذبتهم بنيتها التحتية الطبية المتاحة نسبيا وقربها. ومع ذلك، بحلول نهاية عام 2023، انتشر القتال إلى ولاية الجزيرة، مما عرض للخطر ليس فقط سكانها ولكن أيضا النازحين والمرضى الذين فروا إلى هناك بحثا عن الأمان. وعلى غرار ولاية الخرطوم، حيث أجبر 58.5% من المستشفيات العامة على الإغلاق، أدى توسع الصراع إلى ولاية الجزيرة إلى تكرار الهجمات ونهب المرافق الطبية. ونتيجة لذلك، أغلقت العديد من المستشفيات في ولاية الجزيرة (56.2% من المستشفيات العامة) أو أجبرت على تقليص خدماتها، مما أدى إلى تفاقم ظروف النازحين الحاليين.
إعلانوتقع مناطق أخرى متأثرة بالصراع في الأجزاء الجنوبية والغربية من البلاد، وخاصة في دارفور وكردفان. وفي هذه المناطق، تأثرت القدرات التشغيلية للمستشفيات في بعض الولايات بدرجات متفاوتة. تحملت ولاية وسط دارفور وطأة التأثير، حيث أجبر نحو 40% من مستشفياتها العامة على الإغلاق، وشهدت اضطرابات شديدة في تقديم الخدمات الطبية. وفي الوقت نفسه، واجهت شمال دارفور والنيل الأبيض وشمال كردفان تحديات معتدلة نسبيا، حيث أجبر 33% و26.8% و16.2% من مستشفياتها العامة على الإغلاق، على التوالي.
في هذه الولايات المتضررة من الصراع، تضطر المرافق الطبية إلى الإغلاق بسبب تضافر عوامل: انعدام الأمن المستمر، وتدمير ونهب المرافق الطبية، ونقص حاد في العاملين في مجال الرعاية الصحية، والتحديات في شراء الإمدادات الأساسية. على سبيل المثال، في المناطق المتضررة من الحرب حيث نهبت سيارات الإسعاف، لجأ السكان إلى استخدام عربات الحمير وعربات اليد كسيارات إسعاف مؤقتة لنقل المرضى.
وتعرضت أنظمة المعلومات الصحية في البلاد للخطر الشديد بسبب الاستهداف المتعمد لأنظمة الاتصالات والمعلومات الصحية، إلى جانب العنف ضد العاملين في مجال الرعاية الصحية. جعلت هذه الاضطرابات المستهدفة جمع البيانات والاتصالات أمرا صعبا للغاية، مما أعاق جمع بيانات أساسية حاسمة لنظام الصحة.
التحديات الجديدةقبل الحرب، كان الوضع الصحي في البلاد يتميز بعبء من الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية، ولم تؤد الحرب إلى تدهور الوضع الصحي المتدهور في السودان فحسب، بل جلبت أيضا تحديات صحية جديدة، مثل الإصابات الجسدية والصدمات المرتبطة بالصراع.
يشير هذا إلى انتقال خطير من عبء مزدوج من الأمراض إلى عبء رباعي – يشمل الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية والإصابات الجسدية والصدمات – مما أدى إلى تفاقم الأزمة الصحية.
إعلانوقد أدى ارتفاع عدد النازحين داخليا وانهيار الصرف الصحي البيئي إلى تفاقم عبء الأمراض المعدية بشكل كبير. ويتجلى هذا الوضع المتدهور في تفشي الكوليرا والحصبة وحمى الضنك وحمى شيكونغونيا وحتى ارتفاع حالات داء الكلب في المناطق التي مزقتها الحرب.
من المتوقع أن تزيد الحرب من مشاكل الأفراد الذين يعيشون مع الأمراض غير المعدية وزيادة قابلية العديد من الآخرين للإصابة بها. وتشمل العوامل التي تؤدي إلى تفاقم هذا النزوح وعدم الاستقرار، مما يؤدي إلى محدودية الوصول إلى الخدمات الطبية للفحص والمتابعة، والتحديات في الحصول على أدوية الأمراض المزمنة، وانقطاع العلاج والصعوبات في تخزين الأدوية مثل الأنسولين بشكل مناسب بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
مبادرات
يقول الباحثون إنه على الرغم من التحديات المستمرة، كانت العديد من المبادرات ضرورية في دعم خدمات الرعاية الصحية والتخفيف من حدة الأزمات الإنسانية. وقد اجتذبت الجهود التي تقودها المجتمعات المحلية، ولا سيما المطابخ الخيرية المحلية التي تقدم وجبات مجانية للأفراد المحاصرين في مناطق الصراع، دعما كبيرا من الشتات السوداني، مما يسلط الضوء على الدور الأساسي للمشاركة المجتمعية في تخفيف المعاناة.
وقد دعت مبادرات أخرى مثل "نداء إعادة بناء وتأهيل المستشفيات" و"نداء الوقاية من سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال"، الذي أطلقته وزارة الصحة الاتحادية إلى الدعم من الجهات المانحة المحلية والإقليمية والدولية. وقد حظيت هذه المبادرات بمشاركة مجتمعية كبيرة، واستقطبت مساهمات كبيرة من منظمات المجتمع المدني والجمعيات المهنية مثل جمعية الأطباء السودانيين الأميركيين (SAPA)، وجمعية الأطباء السودانيين في قطر.
وعلى الرغم من الجهود الوطنية المبذولة، فلا يزال نظام الرعاية الصحية في السودان أثناء الحرب يواجه تحديات كبيرة. وتشمل هذه التحديات صعوبات في التنفيذ والتنسيق، وبنية تحتية هشة للمعلومات الصحية، والقيود الناجمة عن الموارد المحدودة وغير المستقرة والمجهدة، ونقص العاملين في مجال الرعاية الصحية. وعلاوة على ذلك، تعاني الأزمة الإنسانية في السودان من نقص حاد في التمويل، حيث تقل تعهدات المانحين بشكل مثير للقلق عما هو مطلوب. يتم تمويل 5% فقط من نداء الأمم المتحدة للمساعدات للسودان، مما يترك فجوة مذهلة تبلغ 2.56 مليار دولار.
إعلانويقول الباحثون إن الصراع في السودان تسبب في أزمة إنسانية وصحية قاتمة. إن النزوح الجماعي والجوع الحاد والآثار النفسية والجسدية للحرب، إلى جانب تعطيل تقديم الخدمات الصحية بسبب إغلاق المستشفيات، كل ذلك يؤكد الحاجة الملحة إلى استجابة دولية قوية.
وعلى الرغم من هذه الظروف الخطيرة، فإن المرونة والإبداع اللذين أظهرهما العاملون الصحيون والمجتمعات السودانية جديران بالثناء.
ويختم الباحثون بالقول "لا ينبغي للمجتمع الصحي العالمي أن يسمح للسودان بأن يصبح "حربا منسية" – يجب تجنب هذا السيناريو، بدءا من استعادة نظامه الصحي".