السودان: فرّوا من ويلات الحرب ليلاحقهم شبح الجوع أينما ولّوا وجوههم
تاريخ النشر: 4th, December 2024 GMT
لعدة أشهر، كانت عزيزة إبراهيم تتنقل من قرية إلى أخرى في السودان هربًا من القتل. ومع ذلك، لم يكن مقتل أقاربها واختفاء زوجها هما ما دفعا الشابة البالغة من العمر 23 عامًا لمغادرة البلاد نهائيًا، بل كان الجوع هو السبب الرئيسي.
تقول عزيزة إبراهيم، وهي تحتضن ابنتها البالغة من العمر عامًا واحدًا: "لا يوجد لدينا ما نأكله بسبب الحرب"، وذلك بعد أيام من عبورها إلى تشاد.
لقد أدت الحرب في السودان إلى تفشي المجاعة، حيث أجبرت الناس على ترك أراضيهم الزراعية. الغذاء في الأسواق نادر، والأسعار ارتفعت بشكل كبير، وتواجه المنظمات الإغاثية صعوبة في الوصول إلى الأكثر ضعفًا بسبب القيود التي تفرضها الأطراف المتنازعة.
خلال الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 نتيجة التوترات بين الجيش ومجموعة الدعم السريع، قُتل حوالي 24 ألف شخص وتعرض الملايين للتشريد وتحذر التقارير من أن حوالي 25 مليون شخص أي أكثر من نصف سكان السودان من المتوقع أن يواجهوا الجوع الحاد هذا العام.
قال يان إغيلاند، رئيس مجلس اللاجئين النرويجي: "الناس يموتون جوعًا في الوقت الحالي... إنه أمر مصطنع، هؤلاء الرجال المسلحون الذين يمتلكون السلطة هم من ينكرون الطعام على النساء والأطفال". وأشار إلى أن الأطراف المتنازعة تمنع المساعدات وتؤخر التصاريح للمنظمات الإنسانية.
بين أيار/ مايو وسبتمبر/أيلول، شهد أحد المستشفيات في موقع نزوح بتشاد وفاة سبعة أطفال بسبب سوء التغذية، وقد أُجبرت منظمة أطباء بلا حدود على وقف الرعاية لـ 5000 طفل يعانون من سوء التغذية في شمال دارفور لعدة أسابيع بسبب العقبات المتكررة.
في سبتمبر/أيلول، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن كلا الجانبين إلى السماح بالوصول غير المقيد ووقف قتل المدنيين، لكن القتال لا يظهر أي علامات على التراجع، حيث قُتل أكثر من 2600 شخص في أكتوبر/ تشرين الأوّل فقط.
تشتد أعمال العنف حول عاصمة شمال دارفور، الفاشر، التي تعتبر العاصمة الوحيدة في المنطقة الغربية التي لا تسيطر عليها مجموعة الدعم السريع، وقد شهدت دارفور بعضًا من أسوأ الفظائع خلال الحرب.
هربت عزيزة إبراهيم من قريتها في غرب دارفور ولجأت لأكثر من عام إلى مدن قريبة مع أصدقائها وأقاربها، كان زوجها قد غادر للبحث عن عمل قبل الحرب ولم تسمع عنه منذ ذلك الحين.
وقد واجهت صعوبة في إطعام ابنتها، واضطرت لقطع الخشب وبيعه في تشاد لتوفير المال لشراء الحبوب، لكن بعد عدة أشهر نفد الخشب مما أجبرها على المغادرة نهائيًا.
أشخاص آخرون فروا إلى تشاد وصفوا ارتفاع أسعار الغذاء بثلاثة أضعاف ونقص المخزون في الأسواق.
من جهة أخرى وصلت عواطف آدم إلى تشاد في أكتوبر/تشرين الأوّل بعد أن كان زوجها يكسب القليل جدًا من نقل الناس بعربته التي تجرها الحمير، إذ فقد أطفالها الوزن وكانوا دائمًا جائعين.
مع تدفق المزيد من الناس إلى تشاد، تشعر المنظمات الإنسانية بالقلق حيال قدرتها على دعمهم إذ منذ بداية الحرب، دخل حوالي 700 ألف سوداني إلى تشاد ويعيش الكثير منهم في مخيمات للاجئين أو مواقع نزوح مؤقتة.
في وقت سابق من هذا العام، خفض برنامج الغذاء العالمي حصص الإغاثة بنسبة تقارب 50% بسبب نقص التمويل. ورغم توفر الأموال الآن للعودة إلى الحصص الكاملة حتى بداية العام المقبل، إلا أن المزيد من القادمين سيزيد الضغط على النظام الغذائي.
خلال زيارة لوكالة أسوشيتد برس إلى أدري في أكتوبر/تشرين الثاني، قال بعض الذين فروا من السودان إنهم لا يزالون يعانون.
قالت خديجة عمر آدم إنها لا تملك ما يكفي من المساعدات أو المال لتناول الطعام بانتظام، مما جعل الرضاعة الطبيعية لطفلتها المصابة بسوء التغذية أمرًا صعبًا. وقد ولدت طفلتها خلال الأيام الأولى للحرب بمفردها.
أدخلت العيادة التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 340 حالة لطفل يعاني من سوء التغذية الحاد بين أغسطس /أب وسبتمبر/أيلول. ويخشى العاملون الصحيون أن يرتفع هذا العدد.
فيما قال الدكتور أولى درامان واتارا، رئيس الأنشطة الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في المخيم: "إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أخشى أن تخرج الوضع عن السيطرة".
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية مجلس الأمن الدولي يصوّت على مشروع وقف إطلاق نار فوري في السودان حمدوك يُعرب عن خشيته من اندلاع حرب أهلية في السودان ويُحذر: على أوروبا الاستعداد لاستقبال الملايين الأمم المتحدة: فيضانات جنوب السودان تُشرّد 379 ألف شخص وتؤثر على 1.4 مليون مجاعةجمهورية السودانجرائم حربالمصدر: euronews
كلمات دلالية: روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل فرنسا حزب الله فولوديمير زيلينسكي روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إسرائيل فرنسا حزب الله فولوديمير زيلينسكي مجاعة جمهورية السودان جرائم حرب روسيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فرنسا فولوديمير زيلينسكي قتل دونالد ترامب قطاع غزة فلاديمير بوتين إسبانيا الصحة إسرائيل تركيا منظمة أطباء بلا حدود فی البالغة من العمر أکتوبر تشرین یعرض الآن Next سوء التغذیة فی السودان إلى تشاد فی موقع
إقرأ أيضاً:
الكيزان والحرب: مشروع التمكين الدموي وتجارة المأساة في السودان
بقلم: عمر سيد أحمد
أبريل 2025
O.sidahmed09@gmail.com
لم يكتفِ الكيزان بثلاثة عقود من القمع والفساد، بل اختاروا تفجير حرب أهلية جديدة لإعادة تمكين أنفسهم على أنقاض السودان. أطلقوا العنان لميليشياتهم، وتركوا المدن تنهار تحت ضربات النهب والاغتصاب والقتل، بينما احتمى الجيش ـ المختطف منذ سنوات ـ داخل معسكراته، تاركًا الشعب فريسة لصنيعتهم: الدعم السريع.
عندما انسحب الدعم السريع من بعض المناطق، لم يعد الأمان. عاد الجيش ذاته، ومعه مليشيات مسلحة وتجار حرب من حركات مُدجّنة، لا لحماية المواطنين، بل لإكمال مشروع الفوضى تحت مسمى “التحرير”. كل ذلك جرى تحت غطاء سياسي وإعلامي مموّل، هدفه تزييف الحقائق وتحويل المجرمين إلى أبطال.
من الفوضى إلى إعادة التمكين
استغل الكيزان الحرب كأداة ذكية لتحويل غضب الشعب ضدهم إلى صراعات بين مكونات المجتمع. بدلاً من أن تتوحد القوى المدنية والثورية، تم جرّها إلى خلافات داخلية، بينما واصل الكيزان اختراق مؤسسات الدولة: سيطروا على الجيش عبر البرهان، وعلى الإعلام عبر أبواق مأجورة، وعلى الاقتصاد عبر شبكات فساد مزروعة بعناية منذ سنوات.
لم تكن الفوضى عبثية، بل جزء من خطة لإعادة التمكين. أُفرغت السجون من المجرمين، أُطلقت الكتائب الإرهابية، واستُخدم العنف العرقي والجنسي كسلاح سياسي. أُحرقت القرى، وقُسّمت المجتمعات على أساس إثني وجهوي، لإنتاج واقع لا يُمكن الخروج منه إلا عبر بقاء الكيزان في السلطة.
ماكينة الكذب الإعلامي
كان للإعلام دور محوري في استمرار هذه الكارثة. غرف إلكترونية بتمويل ضخم تبث الشائعات وتعيد تصوير الكيزان كـ"منقذين"، في حين أنهم أصل الكارثة. إعلاميون مرتزقة يبررون القصف، ويشيطنون دعوات السلام، ويُهاجمون كل من يكشف الجريمة.
تُستخدم وسائل التواصل كسلاح. تُنشر الكراهية على مدار الساعة، ويُعاد تشكيل الوعي العام ليُصدق أن هذه الحرب هي “معركة كرامة”، رغم أن الكرامة بالنسبة للكيزان تعني فقط: العودة إلى السلطة بأي ثمن.
تجارة المأساة
بعد أن دمروا المدن، خرج تجار الحرب من أوكارهم ليتحدثوا عن “إعادة الإعمار”. نفس الوجوه من نظام الإنقاذ تعرض اليوم خدمات "الصيانة" و"التنظيف" للعقارات التي نُهبت تحت أعينهم، بل وأيديهم. هذا الاستثمار في جراح الناس ليس فقط وقاحة سياسية، بل جريمة أخلاقية واقتصادية، تُظهر كيف تحوّل الخراب إلى سوق رائجة للمجرمين.
الكيزان والجنجويد: تحالف الإجرام
رغم وحشية الدعم السريع وجرائمه في القتل والاغتصاب والنهب، يبقى الكيزان أكثر خطورة، لأنهم لا يمارسون العنف فقط، بل يصنعون بيئته، ويبررونه باسم الدين والوطن، ويُديرونه من فوق الطاولة وتحتها. استخدموا السلطة لتدمير مؤسسات الدولة، والدين لتبرير الجرائم، والإعلام لتسويق القتلة.
الرسائل واضحة
- إلى قادة الجيش المختطف: أنتم واجهة لمليشيا تحمي مشروع التمكين، لا جيش وطني.
- إلى القوى المدنية: لا أمل دون وحدة حقيقية، ولا انتصار دون مواجهة الكيزان أولًا.
- إلى الدول التي تموّل الحرب: أنتم شركاء في الجريمة، وسيُحاسبكم التاريخ.
- إلى الشعب السوداني: الحرب لها تجار، ولا مخرج إلا بإسقاطهم جميعًا.
الخاتمة: لا عدو غيرهم
ما يحدث ليس قدراً محتوماً، بل مشروع إجرامي واضح. العدو واحد: الكيزان وأدواتهم في الجيش والميليشيات. لا نهاية لهذه الحرب إلا بإسقاط من صنعها وتاجر بها، ولا مستقبل لهذا الوطن إلا إذا استعاد الشعب سلطته، وعدالته، وذاكرته.