زنقة 20. الرباط

أفحم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، برسالة تمت كتابتها بلغة بليغة، رداً على هجومه اللفظي الأخيرة بخصوص “علمانية الدولة المغربية”.

رسالة أحمد التوفيق الموجهة إلى عبد الإله ابن كيران، عنونها بـ”شكوى إلى الله”، وحملت كلمات بليغة سرد فيها تناقضات بنكيران وإخوانه في حزب “العدالة والتنمية” الذي يدعي “الإسلام”.

و حملت الرسالة تذكير لرئيس الحكومة السابق، كون هجومه على وزير الأوقاف، عقب تدخله بقبة البرلمان، لم يكن لائقاً، وعمل بنكيران على نقل ما تم تداوله فقط عبر مواقع التواصل الإجتماعي وما نقل إليه من طرف إخوانه، دون أن يتحرى أو يتصل به ليسأله.

و ذكر التوفيق في رسالته، أن مهاجمته من طرف رئيس الحكومة السابق، بسبب “علمانية الدولة” تنم عن جهل، لكون حزب “العدالة والتنمية” نفسه مستمد من نظام عصري غربي علماني، كما أن بنكيران حين كان رئيساً للحكومة فهو قبل أن يتولى المنصب بالإنتخابات وهو نظام مستمد من الغرب العلماني.

 

اليكم نص الرسالة الكاملة :

 

السيد الرئيس،
شكوت بثي إلى الله وآثرت أن تطلع عليه. بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين. ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن.

السيد الرئيس،
لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص، لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير. أمر لا يحتاج إلى من ينتصب “للدفاع” عنه في المجامع، وأقصد أمر النسبة للدين أو التعلل منه. فالأئمة لها صبغتها ولا تبديل لهذه الصبغة بزعم أو رأي أو تأكيد أو نفي.

أيها الأستاذ الرئيس،
كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات “عجلى” قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وما ذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان.

أيها الرئيس،
إن الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها.

أيها الرئيس،
إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني. وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني.

هناك عشرات من الظواهر الأخرى دخلت في حياتنا من اللقاء بهذا النظام وتتبناها بعنوانها الذي هو “التقدم” دون أن نحس بأي غضاضة، ولكي نفهم قبل أن نتوقف عند ما لنا وما لهم يجب أن نظل مستحضرين أن تاريخ الناس، كل الناس، جارٍ في كل الأحوال بقضاء الله وقدره، وسننه، سبحانه، فضاء مفتوح بين سائر في الأرض ونظر.

يجري كل ما ذكر في سياق هذه المملكة في أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى “طيبة” متأصلة في مطبخ العلمانية.

الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميز بقصد فهمها، وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميز فهو قصور في النصج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق.

هكذا أيها الرئيس أقنعتُ محاوري بأن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد، في حرية، هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد.

السيد الرئيس،

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: أیها الرئیس

إقرأ أيضاً:

الرئيس اللبناني: السلاح بيد الدولة حصراً ولن نعود الى لغة الحرب

الرئيس اللبناني: السلاح بيد الدولة حصراً ولن نعود الى لغة الحرب

مقالات مشابهة

  • رئيس البرلمان الكولومبي يرفض موقف حكومة بلاده المعترف بالكيان الوهمي
  • حكومة نتنياهو تتراجع عن إقالة رئيس الشاباك لتجنب سابقة قضائية
  • حكومة نتنياهو تلغي قرار إقالة رئيس الشاباك رونين بار
  • حكومة نتنياهو تُلغي قرار إقالة رئيس الشاباك
  • مجلس الدولة: الحوافز تُراعي ألا تُصرف جماعية للموظفين تشترط التمييز
  • الرئيس اللبناني: السلاح بيد الدولة حصراً ولن نعود الى لغة الحرب
  • برلماني: ملحمة بين الحكومة والنواب في إصدار قوانين تستهدف تعظيم موارد الدولة
  • أيها البرشلونيون: ارحموا عزيزَ قومٍ ذل ..!
  • نائب رئيس "الدولة" يدشّن نظام "دِراية" في كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا
  • حكومة نتنياهو تصادق مجددا على إقالة رئيس الشاباك