في رسالة متداولة، نفث أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بشكوى إلى عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، يتهمه فيها  بـ »البهتان والاستعلاء »، على خلفية تصريحه حول « العلمانية »، استغله ابن كيران ليرد على التوفيق في تجمع خطابي عقده حزب العدالة والتنمية نهاية الأسبوع الفائت، مؤكدا -التوفيق- في رسالته على أنه كان على ابن كيران أن يكلمه ويسأله ماذا قال، وماذا أردت أن أقول، وحيث إنه لم يفعل، فإنه حسب نص رسالة التوفيق، ابن كيران استعلى فحادى بالبهتان.

إلى ذلك، كان ابن كيران، قد رد على تصريحات لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أدلى بها في جلسة لمجلس النواب الأسبوع الماضي، قائلا: » إن المغرب دولة إسلامية وليست دولة علمانية »، مؤكدا -التوفيق- على خلفية نقاش سابق دار بينه وبين وزير الداخلية الفرنسي، واصفاً من خلاله المغاربة بأنهم « علمانيون »، إن » المغاربة متمسكون بدينهم ودولتهم الإسلامية التي يقودها أمير المؤمنين ».

وقال ابن كيران في لقاء حزبي مع ساكنة أولاد برحيل والنواحي بإقليم تارودانت أمس الأحد، « إننا لن نتنكر لأنفسنا، والمغاربة لن يتنكروا لأنفسهم، فالمغاربة مسلمون ومتمسكون بدينهم ودولتهم الإسلامية وليست العلمانية ».

 

وهذا نص الرسالة بالكامل…

 

رسالة من أحمد التوفيق إلى عبد الإله ابن كيران…

 

شكوى إلى الله

موجهة، قصد الاطلاع، إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران

 

السيد الرئيس،

شكوت بثي إلى الله وآثرت أن تطلع عليه. بلغني أنك ذكرت كلامي في تجمع حزبي، ونسبت إليّ ما فاتك فيه التبيّن وجانبك اليقين. ذكرت ما فهم منه الناس أنني قلت إن الدولة في المغرب علمانية، وأنا لم أذكر الدولة؛ لأن الدولة دولة إمارة المؤمنين، وأنت تعرف أنني، بفضل الله، خديماً في باب تدبير الدين منذ أزيد من عقدين من الزمن.

 

السيد الرئيس،

لقد ألزمت نفسك بما لا يلزم، لأن مجرد كلام شخص أو حتى آلاف الأشخاص، لا يفيد في تغيير الحقيقة في مثل هذا الأمر الخطير. أمر لا يحتاج إلى من ينتصب “للدفاع” عنه في المجامع، وأقصد أمر النسبة للدين أو التعلل منه. فالأئمة لها صبغتها ولا تبديل لهذه الصبغة بزعم أو رأي أو تأكيد أو نفي.

 

أيها الأستاذ الرئيس،

كان عليك وقد نُقل لك ما قيل، أو سمعت كلمات “عجلى” قيلت في البرلمان، كان عليك أن تكلمني وتسألني ماذا قلتُ وما ذا أردت أن أقول، وحيث إنك لم تفعل فإنك قد استعليتَ فحاديتَ بالبهتان.

 

أيها الرئيس،

إن الشخص الذي حاورته في الموضوع مسؤول نبيه يعرف المغرب، وهو متدين في نفس الوقت، ولكنه يعيش في نظام لا يرى الدين حاجة جوهرية للإنسان يجب أن تحميها الدولة، ولكل وجهة هو موليها.

 

أيها الرئيس،

إنك رئيس حزب سياسي عصري، والحزب السياسي العصري مقتبس من نظام غربي علماني، وإنك منتخب على أساس تكافؤ أصوات الناخبين بغض النظر عن معتقداتهم وسيرهم، وهذا الأمر مقتبس من نظام غربي علماني. وإنك عندما كنت رئيساً للحكومة قد اشتغلت على نصوص قوانين تخدم المصلحة العقلانية وتُعرض على تصويت البرلمان، وهذا أمر مقتبس من نظام غربي علماني، لأنك لو أردت أن تستشير شيوخ طائفة لأضعت كثيراً من الوقت بسبب خلافاتهم، وقد قمت بتمرير عدد من القوانين بمرجعية وفاق أو قرارات دولية، وهذا الشأن مقتبس من نظام غربي علماني. وقد كان عليك كرئيس للحكومة أن تقتنع بالحريات الفردية كما ينص عليها الدستور وتحميها قواعد النظام العام، وهذا أمر مقتبس من سياق غربي هو سياق العلمانية، وكان من مراجعاتك أيها الرئيس كل ما يتعلق بالمواطنة، وهو مرجع مقتبس من سياق تاريخي علماني، وإن كنا نجده له بعيديا، التفاصيل في تراثنا الديني.

 

هناك عشرات من الظواهر الأخرى دخلت في حياتنا من اللقاء بهذا النظام وتتبناها بعنوانها الذي هو “التقدم” دون أن نحس بأي غضاضة، ولكي نفهم قبل أن نتوقف عند ما لنا وما لهم يجب أن نظل مستحضرين أن تاريخ الناس، كل الناس، جارٍ في كل الأحوال بقضاء الله وقدره، وسننه، سبحانه، فضاء مفتوح بين سائر في الأرض ونظر.

 

يجري كل ما ذكر في سياق هذه المملكة في أمن وانسجام لأن إمارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعيّاته، ولولا ذلك لعشنا العلمانية التي لا مرجع فيها سوى الأغلبية، وأنت كنت مضطراً إلى تحالف حكومي، ولا يفترض أن يكون حلفاؤك فيه على نفس الاقتناع أو الفهم للدين، وهذه خلطة أخرى “طيبة” متأصلة في مطبخ العلمانية.

 

الواقع أننا نعيش في أوضاع مركبة ليست لنا لا الثقافة ولا الإرادة الصادقة للتميز بقصد فهمها، وقع هذا منذ أن دخل حرف جرنا إلى جملة نظام صنعه الغير كما صنع أسلحة الغلبة، وكان بإمكاننا لو استطعنا أن نغزوه بالأخلاق. أما عدم التميز فهو قصور في النصج السياسي الذي لا يأتينا بالتستر والنفاق.

 

هكذا أيها الرئيس أقنعتُ محاوري بأن كل القيم العقلانية المتعلقة بالاجتهاد، في حرية، هي التي عليها العمل في سياقنا، سياق حرية الدين التي هي أصل في الإسلام، وإنما النعمة عندنا أن إمارة المؤمنين تحمي تلك القيم المجتمعية من جهة الدولة وتحمي الدين بتيسير العبادات كمطلب أساسي لأغلبية الناس، وهو ما يتوافق مع جوهر تلك القيم العقلانية إلى أقصى حدود الاجتهاد.

 

السيد الرئيس،

 

إن الكلام عن العلمانية (Secularism) قد لا يحسنه كل “زعيم”، لأنه مفهوم معقد في الفلسفة السياسية، لم ينته فيه الجدال حتى في بيئته، فهناك لائكية فرنسا (Laïcité) التي جاءت في سياق تاريخ العلاقة المتوترة بين الكنيسة والمجتمع الذي تخففت عنه الثورة الفرنسية، وهي حالة خاصة، وهناك العلمانية التي تأخذ فيها الدولة حاجات الناس الدينية بعين الاعتبار، وهي موجودة في دول غربية أخرى، وأذكر أنني سألت في عام 2008 (انطلاقاً من نفس الاهتمام)، سألت السيد سفير ألمانيا في المغرب عن الرسم الذي تجمعه الدولة رسمياً من الناس للإنفاق على الدين، ففاجأني بأن مبلغه، بالنسبة لعام 2006، هو ثمانية مليارات ونصف مليار أورو.

 

السيد الرئيس،

 

ما زلت تذكر، ولا شك، أنني عشت معك أزمة رحيل الأستاذ عبد الله باها. وتذكر أنني قلت لك إن الأحوط في السياسة في بيئهن العامل فيها على النزاهة والنظافة للناس ويقنعهم بإنجازاته بدل أن يلجأ إلى تعريض الدين لضعف الإنسان بتحويله إلى شعارات لمجرد الغواية أو ما نسميه بالاستقطاب. والحالة أن الدين هو الأخلاق بكل تجلياتها ومستوياتها، ابتداءً من النوايا الصادقة، وهذا فهم فطري عند الناس. لذلك تجد بعض أهل ديننا يعجبون بأخلاق بعض أهل بلاد العلمانية. وقد كان جوابك، رداً على “النصيحة”: يظهر لي أن هذا هو ما ينبغي.

 

السيد الرئيس،

 

إن السياق المغربي بخلفياته التاريخية ومؤهلاته الحاضرة مبشر بإمكان بناء نموذج يحل عدداً من المشاكل الفكرية للأمة وهي متعثرة في أوحال التخبط في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن الأمر يتوقف على توحيد الله بدل إطلاق العنان للأنانية وهي الشرك الخفي. والحالة أن الله الذي أجرى ويجري أحوال الناس قد أرشدنا إلى فتح البصائر على هذا المشترك الإنساني في سنن الصلاح والفساد.

 

السيد الرئيس،

 

نفثت بهذه الشكوى لا لأقنعك، وأنت تعرف أنني لا أريد على المتقولين، بل القصد أن يسمعها “السميع”، وتكون أنت من الشاهدين. وعسى أن يسمعها بعض من سمعوا تشهيرك فيفهموا.

 

الرباط في فاتح جمادى الثانية 1446

الموافق لثالث دجنبر 2024.

أحمد التوفيق

 

كلمات دلالية ابن كيران احمد التوفيق العدالة والتنمية العلمانية وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: ابن كيران احمد التوفيق العدالة والتنمية العلمانية وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السید الرئیس أیها الرئیس ابن کیران

إقرأ أيضاً:

وزير السياحة: الرئيس الفرنسي معجب بالحضارة المصرية والتجربة الجديدة في الأهرامات تسير بنجاح

أعرب شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، عن إعجاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحضارة المصرية القديمة، مؤكدًا تقديره لجولته في المتحف المصري الكبير.

أول تعليق من الشركة المسئولة عن تطوير منطقة الأهرامات بشأن مشهد الازدحام خبير سياحي يكشف تفاصيل أزمة الازدحام خلال التشغيل التجريبي لتطوير منطقة الأهرامات

تصريحات الوزير جاءت في إطار الزيارة الرسمية التي قام بها ماكرون، والتي تمثل خطوة هامة في تعزيز العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا.

في مداخلة هاتفية مع الإعلامي أسامة كمال في برنامج «مساء dmc»، الذي يُعرض على قناة «dmc»، أكد فتحي أن الجولة التي قام بها الرئيس الفرنسي في خان الخليلي كانت استثنائية، مشيرًا إلى أن استقبال المواطنين للسيسي وماكرون كان طبيعيًا ومميزًا.

وأضاف أن عملية تأمين الجولة كانت راقية، حيث لعب المواطنون دورًا مهمًا في تأمين الزيارة إلى جانب الإجراءات الأمنية الرسمية.

وأوضح الوزير أن جولة الرئيس الفرنسي في خان الخليلي تعد بمثابة دعاية إيجابية للسياحة المصرية، مشيرًا إلى أن الدعاية الأكبر تتمثل في استقرار البلاد. 

وقال إن الدولة المصرية بأكملها تدعم مشروع افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يشهد إقبالًا كبيرًا، إذ بلغ عدد الزوار في الافتتاح التجريبي نحو 7000 زائر يوميًا.

 وأكد أن الاجتماعات نصف الشهرية لمتابعة تجهيزات المتحف لا تزال مستمرة لضمان نجاح الحدث.

وفيما يخص تجربة تشغيل النظام الجديد في منطقة الأهرامات، أشار وزير السياحة إلى أن النظام بدأ بنجاح، رغم حدوث «أمر غير ملائم» في إحدى اللحظات، مؤكدا أن المشهد الذي تم تداوله لم يستمر سوى 15 دقيقة، وتم احتواؤه بسرعة. 

وأوضح أن الدولة تعلمت من هذا الموقف وتعمل على تجنب حدوث مشكلات مشابهة في المستقبل.

وأضاف أن المنظومة الجديدة في الأهرامات تهدف إلى تقديم تجربة سياحية متقدمة ومتكاملة، تنهي فترة طويلة من العشوائية التي عانت منها المنطقة، مشيرًا إلى أن الدولة تسعى لتنظيم عمل أصحاب الدواب دون إنهاء نشاطهم. 

وأكد أن مشاكل سوء التعامل مع السائحين لن تستمر مستقبلًا، وأن الوزارة منفتحة على تلقي أي ملاحظات أو نصائح بخصوص التجربة التجريبية.

وشدد فتحي على أن بعض المشكلات الفردية التي تحدث بين الحين والآخر لا ينبغي تعميمها، مشيرًا إلى أن هناك من يروج لمزاعم كاذبة بأن السائحين لا يعودون إلى مصر. 

وأكد أن هذا غير صحيح، بل على العكس، فإن السائحين يعودون إلى مصر بكثرة.

مقالات مشابهة

  • صلاح الدين عووضه.. شفشافة الجيش..!!
  • الرئيس الإماراتي يتسلم أوراق سفراء جدد بينهم الإسرائيلي يوسي شيلي
  • معركتنا الوطنية في خطر
  • مفاجأة .. الزمالك يهدد بشكوى ضد زيزو
  • وزير السياحة: الرئيس الفرنسي معجب بالحضارة المصرية والتجربة الجديدة في الأهرامات تسير بنجاح
  • حزب مصر القومي: الرئيس السيسي يُجسد دعم الدولة الثابت لفلسطين بعيدًا عن الشعارات
  • سعود بن صقر يستقبل الأمير حسين برهان الدين نجل سلطان البهرة
  • عن الدين والدولة ملاحظات أوَّلية
  • الرئيس السيسي وماكرون يزوران العريش واستقبال حاشد من المواطنين
  • حزب مستقبل وطن يثمن زيارة الرئيس الفرنسي إلى مصر