أعلن الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة مؤخرًا اختيار المنيا عاصمة للثقافة المصرية لعام ٢٠٢٥.

أشاد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية بهذا الاختيار لما تتمتع به محافظة المنيا من مقومات ثقافية متفرّدة عبر العصور التاريخية وحتى العصر الحديث والمعاصر، وأن اسم المنيا جاء من الكلمة الهيروغليفية (منعت خوفو) الذي ورد في نقوش مقابر بني حسن وهو اسم مرضعة الملك خوفو ثم تطور هذا الاسم إلي (مونى) في القبطية وتعني المنزل ومنه جاء الاسم الحالي (المنيا).


آثار مصرية قديمة
 

ويوضح الدكتور ريحان أن المنيا تضم تل العمارنة وهى المنطقة التى اختارها أخناتون وزوجته نفرتيتي لإقامة عاصمة مملكته  (أخت آتون)  من أجل عبادة الإله الواحـد (آتون) الذى رمز إليه بقرص الشمس تخرج منه أشعة تنتهى بأيد بشرية لتهب الحياة للكون وتضم المعبد الآتونى الكبير والذى شيده أخناتون للإله آتون وهو المعبد الرئيسى بالمدينة وكان أكبرها طوله 1كم وعرضه 250م،  علاوة على 26  مقبرة منحونة فى الصخر لم يدفن فيها سوى الأميرة ماكت آتون ابنة الملك أخناتون والتى توفيت أثناء فترة حكمه أما باقى المقابر فخصصت لأفراد الطبقة الحاكمة والنبلاء فى عهد الملك أخناتون.

والأشمونين وكانت عاصمة للإقليم الحادى عشر من أقاليم مصر  وبها آثار مصرية قديمة ويونانية ورومانية ومسيحية وإسلامية أهمــها تماثيل للإله تحوت وبقايا السوق اليونانى وبقايا كنيسة على الطراز البازيلكى، وقد لعبت دورًا كبيرًا فى حرب التحرير ضد الهكسوس بمعرفة رئيس المدينة "بعنخى".

وتعد مقابر بنى حسن وبها 39 مقبرة منحوتة فى الصخر لأ شراف وحكام مدينة " حبنو " من الدولة الوسطى أهمها مقبرة أمنمحات (أمينى) ومقبر(خنوم حتب) ومقبرة (باكت) ومقبرة (خيتى) رسمت على جدرانها مناظر تمثل مختلف أنواع الرياضة  وتعد سجلاً كاملاً للحياة اليومية فى عصر الدولة الوسطى، كما تضم آثار  بناها الإمبراطور هادريان عام 120 ق.م تخليدًا لصديقه الحميم أنتينيو الذى مات غرقًا فى النيل وسُميت بمدينة أنتينيوبوليس.

آثار مسيحية
 

وينوه الدكتور ريحان إلى وجود أهم محطة في مسار العائلة المقدسة بمركز سمالوط بالمنيا  وهى جبل الطير الذى سمي بهذا الاسم نسبة إلى طيور البوقيرس المهاجرة التي كانت تأتى سنويًا وتستقر على سفح الجبل وتنقر بمنقارها في صدع الجبل، وسمى أيضا الدير بالبكارة ويطلق أحيانًا على المنطقة دير الكف أو جبل الكف أو كنيسة الكف تكريمًا لكف المسيح التي طبعت على الصخرة، ويوجد الكثير من القصص والمعجزات الخاصة بالرحلة، ويزور جبل الطير 3 ملايين زائر من المسلمين والمسيحيين في الاحتفال بالذكرى السنوية التي تستمر لمدة 10 أيام في شهر مايو للتبرك به، كما تضم المنيا دير البرشا وبه كنيسة الأنبا بيشوى من القرن الرابع الميلادى ودير أبو فانا ويضم كنيسة من القرن السادس الميلادى ودير أبوحنس ودير القديس أباهور.

الآثار الإسلامية
 

أشار الدكتور ريحان بأن المنيا تشرف ببقيع مصر بمدينة البهنسا مدينة الشهداء وبها أربعون من الصحابة وكانت إحدى المدن التى تأتى منها كسوة الكعبة، وتضم مسجد الحسن بن صالح بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب  وهو المسجد الوحيد فى مصر الذى له قبلتان وضريح سيدى فتح الباب أحد أبطال الفتح الإسلامى ومسجد سيدى على الجمام  قاضى قضاة البهنسا وإمام المالكية فى عصره بالإضافة إلى مجموعة من القباب مثل قبة أبوسمرة وقبة الأمير زياد الفضل بن الحارث بن عبد المطلب بن عم رسول الله " صلى الله عليه وسلم " مزار السبع بنات، كما تضم المنيا مساجد أثرية عديدة منها مسجد اللمطي ومسجد العمراوي (الوداع) ومسجد الفولى ومسجد القاياتي.

منزل ماريا القبطية


أردف الدكتور ريحان بأن المنيا تضم قرية الشيخ عبادة مسقط رأس السيدة مارية القبطية زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم والتي أهداها المقوقس حاكم مصر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك 20 ثوبًا من المنسوجات التي اشتهر بصناعتها إقليم المنيا وهى الثياب المعروفة باسم " القباطي " وهى مصنوعة من الكتان الأبيض به زخارف وقد امتدحها النبي صلى الله عليه وسلم إعجابًا وتقديرًا وكفّن في بعضها، وتنسب القرية إلى عبادة بن الصامت الصحابى الجليل، وعقب وصول عمرو بن العاص رضى الله عنه إلى مصر وفتحها كان ضمن الجيش وبعد موقعة البهنسا انطلقت الجيوش بقيادة عبادة للصعيد من أجل إكمال الفتح الإسلامي حيث وصل إلى القرية وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول مارية القبطية فقرر البقاء هناك وبنى مسجدًا في المكان الذي كان يوجد به منزل أسرة مارية وكان هذا هو أول مسجد في ملوي وأعفى أهل البلد من الخراج وأكرمهم إكرامًا للسيدة مارية وهنا تغير اسم البلد ليصبح الشيخ عبادة.

طه حسين والحب المفقود
 

ويتابع الدكتور ريحان بأن المنيا هي التي كشفت عن سر اختفاء عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين لمدة ثلاثة أشهر فى الشتاء من كل عام، واتضح أنه اختفاء اختيارى باستراحته بتونة الجبل التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا واشتق اسمها من الكلمة المصرية القديمة "تاحني" أى البحيرة إشارة إلى بحيرة كانت تتكون في المنطقة نتيجة لفيضان النيل وأضيفت إليها كلمة الجبل نظرًا لوقوعها في منطقة جبلية صحراوية.


وهذه الاستراحة كانت بجوار محبوبته إيزادورا وهى قصة حقيقية لفتاة كان عمرها 18 عام رائعة الجمال عاشت فى مصر القديمة منذ القرن الثانى قبل الميلاد عشقت شابًا رفض أباها الزواج ثم وافق وحين ذهبت لرؤية المحبوب عبر ضفتى النيل اختل توازنها وغرقت وتم تحنيط جسدها ورثاها والدها بمرثية شعرية كتبت باليونانية وسجلت على جدران المقبرة وبقيت المومياء شاهدة على هذا الحب الذى سطر على صفحات النهر الخالد وكانت مقبرتها بتونة الجبل مصدر إلهام لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: المنيا مصر القديمة آثار المنيا الآثار الفرعونية المزيد المزيد صلى الله علیه وسلم الدکتور ریحان مسجد ا

إقرأ أيضاً:

د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان

تظل القيم الإسلاميَّة هى الضامنة لاستقرار المجتمع، المحقِّقة لسلامه النفسى، الحافظة لمكتسباته الماديَّة ومنجزاته الحضاريَّة، وبقدر توطن هذه القيم وتجذُّرها فى نفس الإنسان بقدر ما ينعكس ذلك على المجتمع إيجاباً، وعندما تهتز منظومة القيم فى أى مجتمع تتدهور أوضاعه، وتسوء أحواله، ومن ثَمَّ يُهرع القادة والمفكرون والمثقفون إلى ترسيخ هذه المنظومة القيميَّة فى حياة الناس.

ولما كان لهذه المنظومة من الأهمية، جنَّد الأزهر الشريف علماءه وطلابه لرعايتها، والحفاظ عليها، باعتباره وارث أنوار النبوة التى جاءت تتمم مكارم الأخلاق، والمطالع لتاريخ الأزهر يجد أنَّ بناء الإنسان ليس شعاراً يرفعه الأزهر ولا يتجاوز مداه حناجر المنادين به، بل إنَّ بناء الإنسان محور دراسات الأزهر؛ العقديَّة، والفكريَّة، والشرعيَّة، والسلوكيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، وكل ما ينتجه الأزهر من أطروحات علميَّة، أو يعكف عليه من دراسات أكاديمية مراده منها بناء الإنسان، والارتقاء بالخصائص الإنسانيَّة إلى أعلى مستوياتها؛ لتصير جديرة بالاستخلاف وعمارة الأرض.

وتنبثق قدرة الأزهر على التأثير فى بناء الإنسان، وتشكيل وعيه، من وراثته التاريخ الفكرى للعالم الإسلامى بأسره، فتقرأ فى صحنه وعلومه ونتاجه العلمى التنوع الذى لا يؤدى إلى فُرقة، والوحدة التى لا تنقلب إلى شموليَّة متوحشة، والمعايير التى تضبط النتائج، والأصول التى تضمن سلامة الوصول، وهذا الأفق الفكرى الواسع الذى استوعب حركة التاريخ الإسلامى على كلِّ الأصعدة دراسة وتحقيقاً وإنتاجاً لمزيد من المعطيات والدلالات التى تسهم فى بناء الإنسان، وتحافظ على خصائصه وسط التراكمات الماديَّة التى تتصارع لاغتيال الإنسانيَّة، مستمد من القرآن الكريم والسنة النبويَّة، إذ يعتمد الأزهر الشريف فى بناء الإنسان على هذين المصدرين الأصيلين، فهو يستمد من القرآن الكريم وتطبيقات السنَّة النبويَّة ما يبنى به الإنسان، ويقوِّم اعوجاجه، ويصلح فساده، فهو منهج قائم على الوسطيَّة التى ترشِّد سلوك الإنسان فى تعامله مع بنى جنسه من ناحية، ومع مفردات الكون من ناحية أخرى، وتربط دنياه بأخراه، فيحقق بذلك اعتدالاً لا يعرف الميوعة، ومرونة لا يتخللها تحلل.

وإذا كان هذا هو منهج الأزهر فى بناء الإنسان، فلا غرو أن نجده يتصدى لدعوات الابتذال والفجور، والسلوكيَّات الشاذة، والعقائد الفاسدة؛ والأفكار الهدَّامة التى تهدد الوجود الإنسانى، وتستبيح قيمه، وتقضى على فطرته التى فطره الله عليها، وتئد عفافه، وتغتال كرامته؛ وذلك صيانة للبناء الإنسانى، وحفاظاً على النسق الأخلاقى الذى يضمن استقرار المجتمع، وسلامة الوطن، وتفعيلاً للتكريم الذى اختص الله به بنى آدم فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»، وفى الوقت الذى يتصدى فيه الأزهر للدعوات الهدَّامة بلا هوادة أو مواربة نجده يتجاوب بسرعة البرق مع المبادرات الرصينة، ويتفاعل معها تفاعلاً إيجابياً يكون له صداه، وفى ضوء هذا الاعتدال نستطيع أن نفسر احتضان الأزهر لمبادرة مؤسسة الرئاسة «بداية جديدة لبناء الإنسان» وما اتخذه الأزهر من فعاليَّات شملت كل قطاعاته الدعويَّة، والتعليميَّة، والأكاديميَّة، وهى مبادرة تعكس رؤية رشيدة للقيادة السياسية.

وإذا كان الأزهر يحتضن هذه المبادرة ويجوب الآفاق تنفيذاً لبنودها، فقد كان لعلمائه دورهم المهم فلم يغفلوا فى أطروحاتهم العلميَّة قضية بناء الإنسان، فالأزهر عنوان ضخم على حقيقة كبرى تجاوز عمرها ألف عام وثمانين أو يزيد، كان بناء الإنسان محورها، وكانت قيمه موضع اهتمامها، وكان الحفاظ على خصائصه الإنسانيَّة محل دراساتها، وكانت هدايته لُبَّ دعوتها، وصدق الله العظيم إذ يقول «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ».

مقالات مشابهة

  • أسرار وكرامات.. قصة حياة السيدة نفيسة تزامنا مع إحياء مولدها
  • د. حسن يحيى يكتب: منهجية بناء الإنسان
  • خبير آثار يشيد باختيار المنيا عاصمة للثقافة المصرية لعام 2025
  • لا تنسوا الدعاء فهو عبادة يحبها الله
  • شكر الله وقت نزول المطر: عبادة يغفل عنها الكثيرون
  • ريهام العادلي تكتب: رسالة المرأة المصرية لرؤساء الهيئات الإعلامية
  • الدكتور أشرف العزازي أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة
  • الدكتور أشرف العزازي أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة
  • اختيار العاصمة الإدارية الجديدة عاصمة عربية للملكية الفكرية لعام 2024