دشن الكاتب والدبلوماسي الجنوب السوداني الدكتور أليو قرنق أليو كتابه عن تجربة والده رائد التعليم قرنق أليو 'قطوف من السيرة بمدرسة الشيخ لطفي" الصادر عن دار رفيقي للنشر بجنوب السودان، والذي يوثق لتجربة تعايش فريدة في هذا النموذج التعليمي الذي احتوى الطلاب الجنوبيين في منطقة رفاعة بولاية الجزيرة بشمال السودان إلى جانب أقرانهم الشماليين على مدى ٢٦ عاما منذ عام ١٩٨٥ وحتى استقلال دولة جنوب السودان عام ٢٠١١.


شارك في مناقشة الكتاب نادر السماني أمين عام اتحاد الكتاب السودانيين ومحمود سرور الدبلوماسي بسفارة جنوب السودان بالقاهرة وشول دينق المحاضر بجامعة أعالي النيل بجنوب السودان، وقدمت الندوة وأدارتها أسماء الحسيني الكاتبة الصحفية مدير تحرير صحيفة الأهرام، وساهم في إثراء الحوار عدد كبير من الحضور.
وقد كانت الندوة التي جمعت في القاهرة بين أبناء جنوب السودان والسودان ومصر مفعمة بالمشاعر النبيلة، محتشدة بالأفكار التي تعظم المشتركات وأهمية التلاقي والتعاون بين شعوب الدول الثلاث.


وفي كلمته قال الدكتور أليو قرنق أليو، إن مدرسة الشيخ لطفي ظلت تجربة فريدة في تاريخ الجنوبيين في شمال السودان في زمن صعب، حيث كانت الحرب في أوجها، تفت من عضد التماسك الاجتماعي بين شعوب الجنوب والشمال، فتجسدت عظمة إدارة المدرسة أنها لم تنكفىء على الهوية الجنوبية، فكانت مدرسة قومية ومثالا حيا للتأخي بين الشمال والجنوب، كما كانت تجربة نادرة في النضال ضد التهميش الممنهج، وأكدت أن المطالبة بالحقوق لا تتخذ شكل النضال المسلح فقط، وإنما للنضال وسائل أخرى، للعلم فيها دور كما البندقية، لتخريج أجيال قادرة على مواصلة الدفاع عن قضايا وطنهم وادارته بروح من المسئولية.

وقالت أسماء الحسيني، إن الكتاب ليس فقط سفرا أو مؤلفا عظيما تعبيرا عن الوفاء والتقدير والعرفان للمربي والمعلم والمدير قرنق أليو ورفاقه وأهل رفاعة الأبرار، الذين ضربوا جميعا المثل في العطاء والتضحيات والتسامي، وإنما هو أيضا رسائل من أجل الحاضر والمستقبل. وتأريخ لحقبة زمنية مهمة مر بها السودان، وأن الكاتب أرخ وسلط الضوء على الأحداث المتعاقبة والحروب الأهلية المتتالية والتداعيات الكارثية التي تولدت عنها، ورصد المظالم والتهميش والإقصاء الذي عانى منه أبناء جنوب السودان وقطاعات من أبناء الشمال، وسلط الضوء على السياسات الظالمة والأخطاء أوالخطايا التاريخية التي ارتكبتها القيادات والنخب الشمالية وبعض النخب الجنوبية، وكذلك الحشد الديني والاعلامي الموجه ضد الجنوبيين، والذي قاد في النهاية إلى اختيار الجنوبيين الانفصال بأغلبية ساحقة ناهزت ٩٩%.
وأضافت الحسيني ان الكتاب كشف عن كاتب وباحث متمكن يمتلك أدواته، ولديه رؤية شمولية منصفة ومنهج علمي وأسلوب بديع، وأكدت ان نموذج مدرسة الشيخ لطفي جسد مشاعر الإخاء والإنسانية والوحدة الوطنية المرتجاة التي تم اجهاضها، وكان يمكن أن يتكرر لو توافرت العوامل التي تواجدت في رفاعة مدينة العلم والتسامح الديني التي احتفت وتفاعلت بكل رحابة مع مدرسة الشيخ لطفى وطلابها ومعلميها.
ومن جانبه، قال نادر السماني، إن الكتاب يخاطب الروح قبل العقل، وإن الكتاب سجل مواقف إنسانية عظيمة مؤثرة، وأنه يوثق لتجربة المعلم والتعليم في السودان، ويؤكد دورهما في تمتين الوحدة الوطنية وبناء الأمم.
وأضاف السماني إن ترتيبات الهية قادت خطى هذه المدرسة إلى رفاعة لانجاحها، وقال إن النضال بوسائل أخرى فكرة عميقة ركز عليها الكاتب المعني بالدور التربوي وبناء الإنسان الجديد، وكان أن خلقت المدرسة وحدة وطنية بين أبناء الجنوب أنفسهم، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بالتربية والتعليم والثقافة والآداب والفنون، مشيدا بدور الأستاذ قرنق أليو الذي اعتمدت إدارته على الديمقراطية والتفاهم والمهنية العميقة.
وقدم شول دينق شهادته على نشأة ومسيرة مدرسة الشيخ لطفي، التي قال إنها كانت تجربة عظيمة عاصرها، وكان شاهدا على الجهود الجبارة التي بذلها الأستاذ قرنق ورفاقه الشجعان من أجل تأسيس واستمرارية هذه المدرسة العملاقة في ظل تحديات هائلة على جميع الأصعدة.
ودعا دينق إلى الاستفادة من هذه التجربة الملهمة، والمنهج الأبوي التربوي الذي اتبعه الأستاذ قرنق وأقرانه، القائم على التفاني والتضحية والاستقامة والنزاهة.
فيما أعرب محمود سرور عن تقديره لمؤلف الكتاب وللمجهود العظيم الذي بذله من أجل جمع شهادات مدير المدرسة والمعلمين والتلاميذ والمعاصرين لهذه التجربة الفريدة، التي قال إنها ما كانت ان تتحقق دون اهل رفاعة الكرام الذين يستحقون كل العرفان والوفاء، متمنيا لهم وللسودان كله السلامة والسلام.
وأكد سرور الذي كان معلما بمدرسة الشيخ لطفي إن التعليم أمن قومي، وأنه يجب أن يكون أولوية في دولة جنوب السودان الفتية، وأن يكرم المعلمون الذين حفروا في الصخر، وأن يتم تكريمهم وتقدير جهودهم على أوسع نطاق.

القاهرة:  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

قال عثمان ميرغني “هذا خيال علمي من عندي” ولم يصدقه أحد (2-2)

عبد الله علي إبراهيم

ملخص
"لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا "بَابِلَ" لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ"، التكوين 9.

اختبرت كلمة لعثمان في الأسبوع الماضي المياه في قول الأعاجم، لنرى منها، وإن لم يقصد إلى هذا، إن كان بوسعنا الاتكال على الإرادة المدنية الوطنية التي نزكيها كمناط الرجاء في إنهاء الحرب في السودان. فكتب كلمة على لسان الفريق أول عبدالفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، دعا فيها القوى السودانية كافة إلى مؤتمر يعقد في منتجع "أركويت" بولاية البحر الأحمر. وهي كلمة من صنع خياله وقلمه. ولكن أطراف الخصومة في السودان صدقوا أنها صادرة من البرهان بالفعل. ونهشوها كل بمظلمة واحتجاج.
تفنيد مبادرة البرهان المختلقة

أما أكثر من جاء إلى البيان الزائف بمظالم معارضة البرهان وذاكرتها، فهو محرر "رأي الغلابة" الإذاعي على النت. وقدم لحديثه بقوله إن "ما سُمي مبادرة البرهان" مما أراد منه لا الطعن في مصداقيتها، بل تبخيساً لها. فاستغرب لصدورها على نحو فطير في قوله ليسأل إن كان للبرهان مستشارون يرتبون له أمره، أو أنه يصحو بها حلماً في الصباح. وقال "حلمه أو حلم أبيه". وهذه مطاعنة لأنه ذاع عن البرهان أن والده حلم يوماً بأنه سيصير حاكماً على السودان. وعبّر المحرر عن ترحابه بأي جهد يبذل لإحلال السلام ليدخل من بعد هذا مناقشاً نص البرهان المختلق، باباً باباً، كأنه بالفعل صدر عنه. فقال إنه ليقبل بأن يدعو البرهان إلى مؤتمره كل الطوائف السياسية بلا استثناء. ولكنه يسأل أن من أين له أن يضمن أن تنسيقية القوى الديمقراطية التقدمية "تقدم" و"المؤتمر الوطني" سيتواضعان على الجلوس معاً فيه؟. فكيف اقتنع البرهان، في قوله، بإمكان هذا الاجتماع بينما لا يعترف أي منهما بالآخر من حيث المبدأ؟.
وعرج المحرر على ما ورد في المبادرة المصنوعة على إسقاط البلاغات الأخيرة التي فتحها النائب العام ضد رموز "تقدم". وسأل إذا لم تكُن هي "جزرة" لإغراء "تقدم" بالقبول بالمبادرة ثم لينقلب ويوقعهم تحت طائلتها في وقته المناسب. وسأل "وهل هذه بتلك؟"، ويريد من هذا إن كان طلب إسقاط التهم عن "تقدم" مما أراد به تسويغ إسقاط التهم عن "المؤتمر الوطني" أيضاً، وسمى هذا "لعباً بالسياسيين". فالعفو العام مطلب حسن، ولكن ليس بطريقة "هذه بتلك"، وأخذ على البرهان المجيء بحلول للأزمة لم يستشِر فيها أحداً، وعرض لما ورد في المبادرة الكذوب عن قيام مجلس تشريعي ليقوم بمهمات التشريع في البلاد. وسأل إن كان هذا الحل مما سيتفق معه عليه السياسيون المدعوون إلى مؤتمره، فجاء اقتراح هذا المجلس من طرف واحد، هو البرهان، من دون الاستئناس برأي من دعاهم إلى المؤتمر، وسماه "عقد إذعان" لأنه مما سيفرض من علٍ على المؤتمر. واشتم الرجل أن من وراء فكرة تمثيل القطاعات التي مر ذكرها في المجلس عودة للاتحاد الاشتراكي لنظام الرئيس السابق جعفر نميري (1969-1985). وتساءل المحرر عن توقيت المبادرة في يومنا هذا، وإن كان البغية أن تقبل بها "تقدم" لتكون جزءاً من هذه العملية السياسية "الإذعانية"، وسأل المحرر عن منزلة المؤتمر الوطني الذي ينفي البرهان أي صلة به، في هذا الترتيب. وسأل "هل يريد البرهان بمبادرته المتوهمة أن يسترد للسودان عضويته في الاتحاد الأفريقي؟ هل يريد بها تفادي قرارات تلوح في المحكمة الجنائية الدولية ضده ومحمد حمدان دقلو في وقت واحد؟ وهل ثمة اتفاقات سرية تعقد بين الجيش و’الدعم السريع‘ يريدون من القوى المدنية استكمالها في المؤتمر الذي دعا إليه البرهان؟"، ووصف كل المراوغات التي أخذها على البيان بـ"الثعلبية".
تقسيم السودان
وكان بيان البرهان "المفبرك" سانحة لاستعادة "تقدم" موقفها من المؤتمر الوطني المستثنى عندها من أي عودة للميدان السياسي، وهي العودة التي طلبها أخيراً بالحرب في عقيدة "تقدم". وكان هذا ما انشغل به تسجيل صوتي مار بمجموعات الـ"واتس"، فتجاوز صاحبه البرهان، لا لأن الدعوة لم تصدر عنه بالفعل، بل لأن البرهان ليس بشيء لأنه مجرد "بيدق من بيادق الحركة الإسلامية". فالدعوة إلى "مؤتمر أركويت" التي لم تقع كما رأينا، هي في الحقيقة دعوة من المؤتمر الوطني بعد فشله الذريع في هزيمة "الدعم السريع"، ومن قَبِل أن يشترك فيه يكون قد كافأ المؤتمر الوطني. وأشار صاحب التسجيل إلى محادثات خفية استبعدت الجيش، تجري بين الكيزان و"الدعم السريع" قد تفضي إلى تقسيم السودان.
ولكنه عاد ليقول إن المبادرة مما أراد بها البرهان التغطية على الهزائم العسكرية التي مُني بها، فصح عنده أن خطاب الإسلاميين الذين أشعلوا الحرب، "الديني التضليلي" باء بالفشل، واستنفدوا كل طاقتهم وسوف لن تلبث دولته، أي البرهان، أن تنهار على البلاد والعباد. ورأى صاحب التسجيل في "دعوة أركويت" مسعىً لتقسيم السودان بين "الدعم السريع" و"المؤتمر الوطني" يرمي بالشمال النيلي والوسط تحت نير الإسلاميين مرة أخرى. والمبادرة، في قوله، "جرثومة خبيثة" لإعادة المؤتمر الوطني للميدان السياسي، وشدد على ألا نفتح هذا الباب لهم، إلا إذا قبلوا بعرض مَن ثبت فساده منهم للمحاكمة، وحلوا تنظيمهم القديم في "المؤتمر الوطني" والحركة الإسلامية، واعتذروا إلى الشعب عن عقود حكمهم الكأداء وما بعدها، وأن يقولوا "تبنا". فلم يقُم السودانيون بثورة ضدهم ضحى لها شهداء عبثاً. فما معنى الثورة التي قامت ضدهم لو عاد المؤتمر الوطني من حيث أتى؟، بدلاً من ذلك فالمؤتمر الوطني مما يضرب بـ"حذاء من فولاذ" حتى تسيل الدماء من جسده، أو يعتذر من يد ويتوب. فإذا ما قامت انتخابات وصوّت الشعب له فلا تثريب. فهذه الحرب قد تقضي على السودان الذي نعرفه، ولكن كله يهون دون عودة الحركة الإسلامية بغير محاكمة عادلة لها.
وبقدر أقل، لم يسلم طرف الإسلاميين من هذه الوعكة في التواصل، فنشر محمد المسلمي الكباشي كلمة بعنوان "ليست هناك تسوية ولا مؤتمر حوار شكراً القائد البرهان"، واختلف في واحدة جوهرية عن أنصار "تقدم" في أنه عرف أن "مؤتمر أركويت" متوهم، وحمل من بعد ذلك على عثمان الذي عنده كمثل جحا الذي صدّق كذبته عن الوليمة في حيهم التي قالها لأطفال ليصرفهم عنه، ثم عاد ليصدقها حين رأى حماستهم للوصول إليها وسابقهم إليها. فقال إن الدعوة أمان وأحلام، ولكن صدّقها من كتبها واعتبرها واقعاً. وكان من وراء كتابتها، في قوله، غرض واضح هو إصابة المواطن الذي يرفض أي وجود للعملاء من أحزاب "تقدم" بإحباط. واستنكر عبارات للدبلوماسي الأميركي السابق كاميرون هدسون الذي زار السودان أخيراً، عن أن هناك تسوية بين الجيش والتمرد تنتهي بها الحرب لا منتصراً أو مهزوماً. وربط صاحب التسجيل بين "الخواجة" وعثمان بلا ضرورة ملجئة بقوله إن غرضهما واحد وهو تبخيس انتصار الجيش والتفاف المواطن حوله، في محاولة لبث الروح في جثمان التمرد، وشكر القائد البرهان الذي كذب ما نسبه إليه عثمان صريحاً، ودعا بالقطع لألسن الكذب.
اختبرت مقالة عثمان عن غير قصد مسبق بؤس التوقع في نهوض القوى المدنية السودانية بإرادة وطنية لإنهاء الحرب. فإذا اشتكى المجتمع العالمي من انقطاع التفاهم بين الأطراف المتحاربة في حومة الوغى، فلن يسعد بالمجتمع المدني الذي ينعم بحال ما بعد بابلية في قول هيدت، وهي حال التعذر المطلق في التفاهم المتبادلة بين الأطراف. فرأينا تجليات قصوى للفحولة في خطاب انعقد حول أكذوبة عثمان البريئة. وبدا منها أن المعول في هذا الخطاب ليس النص الذي انعقد حوله، بل فحيح تاريخ موغر من سوء الظن والمظالم والثارات. ولم يسلم طرف من الأطراف من تبلبل العبارة:
"لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا "بَابِلَ" لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ"، التكوين 9.

ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • الجنوب…الذي غابت عنهُ الشمس
  • في ذكرى ميلاد مديحة يسري.. “سمراء النيل” التي كرّمها العالم
  • ما “الجحيم” الذي يقصده ترامب؟.. البرغوثي يجيب / فيديو
  • “حماد” يستلم التقرير النهائي للجنة الطوارئ والاستجابة السريعة
  • لتمكين كوادر “التعليم” من الإسعافات الأولية.. “الهلال الأحمر” بالشرقية يدشن برنامج “المسعف المدرسي”
  • قال عثمان ميرغني “هذا خيال علمي من عندي” ولم يصدقه أحد (2-2)
  • البرهان: حرب السودان ستستمر طالما الخارج يدعم “الدعم السريع”
  • شاهد بالفيديو.. فنان مصري يتحدى متابع سوداني ويغني الأغنية “الترند” (يا دروب لي وين تودي) بصوت طروب وبطريقة رائعة تبهر المتابعين
  • حين وطأ عبدالحي “الجقلو” *