حلم يراود المرضى:"سرير" فى العناية المركزة
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
رحلة البحث تمتد من أيام لأسابيع والخط الساخن لا مجيب
مريض سرطان: الموت أقرب من غرفة الرعاية.. وجلطة المخ أودت بحياة والد أحمد
خبراء: المنظومة الصحية تحتاج لنظرة متكاملة
يعيش العديد من المصريين رحلة عذاب وانتظار–أملًا يشبه المستحيل– بحثًا عن سرير بالعناية المركزة، خاصة مع كثرة الحوادث اليومية على الطرق السريعة وارتفاع معدلات الأعمار وزيادة عدد من ينتمون لفئة كبار السن، وحاجة الأطفال حديثى الولادة لغرف الحضانات أو العناية المركزة، لعلاج أمراض الأسابيع الأولى من الولادة.
وما بين عدم توافر سرائر الإنعاش فى المستشفيات الحكومية وارتفاع أسعار الحصول على واحد فى المستشفيات الخاصة، يدور المرضى وأسرهم فى دوائر مفرغة، أسعار خيالية ورحلة بحث لا تنتهى فى المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، بينما يتسلل الموت البطيء ليفتك بالأحبة المعلقة حيواتهم بقشة العثور على سرير عناية مركزة.
وتعد مشكلة نقص أسرة الرعاية المركزة واحدة من أكبر التحديات التى تواجه القطاع الصحى فى مصر منذ سنوات، والتى عجزت الحكومات المتوالية عن حلها، حى تفاقمت المشكلة وأصبحت كارثة، حيث تحتاج مصر لحوالى 50 ألف سرير رعاية، فى حين كشفت وزارة الصحة والسكان فى أبريل الماضى عن إنشاء أضخم مجمع للرعايات المركزة والذى تم استحداثه وتجهيزه فى عدد من المستشفيات بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى، تتم إحالة الحالات المرضية إليه من خلال غرفة الطوارئ بالوزارة، ويضم هذا المجمع 90 سريرًا قال عنها الدكتور حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان، إنها ستقلل عدد حالات الانتظار من 700 إلى 300 حالة، وهو ما يعنى استمرار الأزمة.
على صعيد آخر أعلن الدكتور عادل عبدالغفار المتحدث الرسمى باسم وزارة التعليم العالى أن المستشفيات الجامعية تمتلك أكثر من 30% من عدد أسرة القطاع الحكومي، بمجموع 35 ألف سرير وألف حضانة، و5 آلاف سرير رعاية.
وكشف المتحدث باسم وزارة التعليم العالى عن أن عدد أسرة العناية المركزة عام 2014 بلغ 3 آلاف سرير، وصل هذا العدد عام 2022 إلى (5 آلاف و30 سريرًا)، بزيادة قدرها (2030) سرير بتكلفة قدرها مليارا جنيه.
ورغم هذه التصريحات والأرقام فإن أزمة الحصول على سرير فى غرفة عناية مركزة ما زالت قائمة، بل إنها تتفاقم من عام لآخر، وتمتد رحلة البحث عن سرير رعاية مركزة لأيام وقد يفقد بعض المرض أرواحهم بسبب عجز أسرهم عن توفير سرير رعاية مركزة لهم.
وقد وضعت وزارة الصحة نظامًا مركزيًا لحل المشكلة، حيث أعلنت عن أن طلب سرير رعاية مركزة لمريض، يستوجب الاتصال برقم الطوارئ 137، وهو الخط الساخن الذى حددته الإدارة المركزية للرعاية الحرجة والعاجلة لحجز سرير، إلا أن هذا النظام لم يحل المشكلة بسبب العجز الكبير فى عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية والجامعية التى ترفع شعار كامل العدد، بل إن المرضى يواجهون تحديات كبيرة مع الخط الساخن، حيث تضطر أسرة المريض للاتصال عدة مرات دون أن يتم الرد عليهم، وعند الرد يتم الحصول على بيانات المريض ورقمه القومي، ولكن الحالة لا تُضاف إلى قائمة الانتظار إلا بعد تقييم الطبيب لها، والذى يحدد درجة الحالة ومستوى الرعاية المطلوب، وفى بعض الأوقات، قد يستمر الانتظار لعدة أيام أو أسابيع حتى يتوفر سرير رعاية، وهو ما يعرض حياة المريض للخطر، خاصة فى حالات السكتات الدماغية والقلبية والجلطات.
ضحايا نقص الأسرّة
بالواسطة والمحسوبية يتم دخول المريض لغرفة الرعاية المركزة والمريض الذى لا يتمكن من ذلك يصبح أمامه طريقان، إما رعايات المستشفيات الخاصة أو أن يضع نفسه فى عداد الموتى، وهذا ما أكده أحمد عبدالخالق فى منتصف السبعينات الذى شكا لنا معاناته فى البحث عن سرير فى أحد المستشفيات الحكومية بعد إصابته بورم فى الحالب، واعتقد أن المستشفى الحكومى سيكون مكانًا آمنًا لتلقى العلاج المناسب، لكنه فوجئ بمشاكل لا حصر لها، بدءًا بذهابه لمستشفى السيد جلال حيث لم يجد سرير رعاية مركزة، ثم ذهابه إلى أحد المستشفيات الحكومية الأخرى ولكنه فوجئ بنقص المستلزمات الطبية الأساسية مثل محلول العمليات.
وأضاف: بعد أن تم تخديرى استعدادًا للعملية، أخبرت إدارة المستشفى أسرته فجأة أنه لن يستطيع إجراءها بسبب نفاد المحلول، وفى الأسبوع التالى عاد إلى المستشفى، ليكتشف أن اسمه قد أُزيل من قائمة الانتظار وكأن العملية قد أُجريت بالفعل. هذه اللحظة كانت بمثابة صدمة له، لأنه ما زال فى انتظار العلاج.
أما أحمد فتح الله، فأوضح أن مشكلة عدم وجود سرير فى العناية المركزة تعد أزمة كبيرة خاصة إذا كانت حالة المريض حرجة، وحكى أحمد معاناته مع هذه المشكلة قائلًا: عندما تعرض والدى لجلطة فى المخ كان لا بد من نقله إلى العناية المركزة، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن سرير ولكننا مثل أى مواطن فقير فشلنا فى إيجاده، وحاولنا دخول أحد المستشفيات الخاصة إلا أنهم طلبوا منا إيداع مبلغ مالى كبير تحت الحساب كجزء من تكلفة العلاج ولكن لضيق ذات اليد لم نستطع توفير ذلك المبلغ وظل والدى ملازمًا للفراش حتى فارق الحياة، وكأن العلاج فى مصر أصبح من حق الأغنياء فقط أو من لديه وساطة تمكنه من دخول المستشفيات الحكومية.
رعايات خاصة بعيدة عن الرقابة.
ومع معاناة المواطنين بسبب نقص أسرة الرعاية المركزة انتشرت الرعايات الخاصة التى لا تخضع للرقابة الطبية وتتميز بأسعارها المنخفضة، مستغلين ضعف وحاجة المرضى وأسرهم، بل والأكثر من ذلك أن هناك بعض الأسر لجأت لعمل غرف رعاية مصغرة بالمنازل، فى إحدى مستشفيات الأطفال الشهير بمنطقة مدينة نصر، فوجئ أب وأم بأن أسعار الليلة الواحدة فى غرفة العناية المركزة لطفلهم حديث الولادة 8 آلاف جنيه للإقامة فقط، بالإضافة إلى المتطلبات الأخرى مثل الأدوية والمستلزمات الطبية.
بل إن الأبوين تعرضا لصدمة كبرى عندما طلبت الطبيبة منهما الدخول لغرفة الرعاية والتعلم من فريق التمريض كيفية صناعة غرفة رعاية مركزة لابنهم بالمنزل، نظرًا لأنه سيمكث فترة طويلة فى هذه الحالة، وقبل الأبوان الأمر خوفًا على ابنهما، وتعلما ما يمكن تعلمه خلال ساعتين فقط حتى يمكنهما توفير الرعاية لطفلهما المريض.
عجز فى عدد الأطباء والتمريض
وعلى صعيد آخر كشف الدكتور إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء أن المشكلة لا تقتصر على نقص أسرة العناية المركزة فقط، بل إنها أكبر من ذلك بسبب العجز فى عدد الأطباء والتمريض المدربين على أعمال العناية المركزة، لذلك فنحن أمام مشكلة أكبر نتجت عن هجرة الأطباء بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة، مع تدنى الأجور الشديد التى لا تكفى لتوفير حياة كريمة لهم، لذلك يبحث الأطباء باستمرار عن فرصة عمل فى أى دولة أخرى لتحسين دخولهم، بالإضافة إلى الاعتداءات المستمرة عليهم بدون وجود حماية لهم، وعدم وجود قانون للمسئولية الطبية يحميهم أثناء أداء عملهم، بل إنه أحيانًا يتم تحميل الأطباء أعباء نقص المستلزمات أو أسرة الرعاية المركزة أو الحضانات وبالتالى اصبحنا أمام مشكلة لا بد من حلها حلًا جذريًا.
وأكد الطاهر ضرورة النظر إلى المنظومة الصحية نظرة متكاملة لتقديم خدمة طبية حقيقية فبدون تحسين أحوال الأطباء والتمريض لن نتمكن من حل المشكلة، مشيرًا إلى أن بيئة العمل بالمستشفيات الحكومى بحاجة إلى التطوير، خاصة أن معظم المواطنين غير قادرين على تكاليف العناية بالمستشفيات الخاصة.
ضعف المنظومة
من جانبها أكدت الدكتورة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه تم طرح ومناقشة أزمة أسرة العناية المركزة فى البرلمان، وتم تقديم طلب إحاطة فى هذا الشأن. وكان الرد من الوزير ومساعديه أن المشكلة ليست فى نقص عدد الأسرة، بل فى نقص الأطقم الطبية سواء من الأطباء أو التمريض. وهذه المشكلة تشمل الحضانات أيضًا.
وأشارت «سعيد» إلى أن هناك ضعفًا فى منظومة الرعايات الصحية فى مصر، وكذلك فى الخط الساخن 137 الذى يقدم خدمات الرعاية المركزية للمصابين، ما يؤدى إلى انتظار الحالات فى أروقة الاستقبال بالمستشفيات بين الحياة والموت، حيث ينجو من ينجو ويموت من يموت.
وطالبت عضو مجلس النواب بضرورة إنشاء قاعدة بيانات متكاملة تضم بيانات كافة المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية، سواء التابعة لوزارة الصحة أو وزارة التعليم العالى والبحث العلمي، وتفعيل المراكز الصحية فى كل محافظة. ومن خلال هذه المنظومة يمكن توجيه المسعف إلى المكان المتاح بشكل أفضل.
وأوضحت النائبة إيرين سعيد أنها تقدمت بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان بشأن رفض هيئة الإسعاف نقل المرضى المحولين من قبل التأمين الصحى العادى إلى مستشفيات أخرى مجانًا، بسبب عدم تسجيلهم فى المنظومة الموحدة للرعايات.
وأكدت «سعيد» أنها تلقت العديد من الشكاوى من المواطنين الذين أُجبروا على دفع تكاليف إضافية بعد رفض هيئة الإسعاف نقل المرضى، رغم أن تحويلهم كان من قبل التأمين الصحى. وأشارت إلى أن هذا القرار يثقل كاهل المواطنين، خاصة أولئك الذين يعانون من ظروف صحية حرجة، ما يزيد معاناتهم ويضيف عبئًا ماليًا إضافيًا عليهم.
وأوضحت النائبة أن عدم توفر أسرة رعاية فى المستشفيات الحكومية يستدعى نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى، ولكن المواطنين يواجهون مطالبات بدفع تكاليف إضافية لاستخراج تحويلات للجهات المتعاقدة مع هيئة التأمين الصحي، مثل مرضى العلاج على نفقة الدولة الذين يُطلب منهم دفع رسوم الخطاب الصادر من التأمين.
واستنكرت النائبة غياب الربط بين هيئات الوزارة فى هذا السياق، متسائلة: «أين الميكنة والربط بين الهيئات؟» وطالبت بسرعة التدخل لحل هذه المشكلة وضمان نقل المرضى مجانًا فى مثل هذه الحالات، مؤكدة ضرورة أن يتم ذلك دون تحميل المواطنين أى تكاليف إضافية، خاصة أنهم قد تم تحويلهم من قبل التأمين الصحى.
غياب بروتوكول المرضى
والتقط أطراف الحديث الدكتور وجدى جرجس استشارى الأطفال وحديثى الولادة قائلًا إن أزمة العناية المركزة لها أوجه كثيرة اهمها نقص الفرق الطبية من أطباء وتمريض لتشغيل الرعايات والحضانات فى المستشفيات، بجانب تدنى الأجور، وعدم وجود قانون للمسئولية الطبية، وسوء ظروف العمل وخصوصًا لشباب الأطباء فبعد سنوات من معاناة الأطباء وأسرهم مع كورونا لم يجدوا أقل القليل من التقدير الذى يستحقونه سواء من الحكومة أو من المجتمع بالمقارنة بما تلقاه نظراؤهم فى أى دولة من دول العالم، بالإضافة إلى سهولة تحقيق حلم السفر لمزيد من التعلم وتحسين أحوالهم بعد فتح الدول الغربية أذرعها أمام شباب الأطباء بقوة.
وأكد استشارى الأطفال ضرورة وجود مسح يحدد مدى نوعية الرعايات التى يحتاج لها المجتمع حتى يتم توفيرها وتخصيص الأطقم اللازمة لتشغيلها، حيث يوجد نقص حاد فى التخصصات النوعية للرعايات المركزة، فمثلًا هناك عدد كبير من رعايات القلب، فى الوقت الذى يوجد فيه عجز كبير فى رعايات الأطفال والمخ والأعصاب والغسيل الكلوى والكبد والوحدات المتعلقة بالسكتة الدماغية.
وأشار جرجس إلى ضرورة العمل ببروتوكول علاجى محدد لكل حالة على حدة، وما يحدث عكس ذلك، مشيرًا إلى أن السبب فى أزمة الرعايات والحضانات هو عدم وجود بروتوكولات وأدلة عمل موحدة للتعامل مع المريض سواء فى الرعاية المركزة أو الحضانات، فالمسألة تخضع لتقدير الطبيب وهو ما يسبب وجود مرضى داخل الرعايات وحالتهم لا تستحق ذلك، ما يتسبب فى حدوث عجز فى عدد أسرة الرعايات والحضانات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المستشفيات الحكومية المستشفيات الخاصة وزارة الصحة العناية المركزة المستشفیات الحکومیة المستشفیات الخاصة العنایة المرکزة الرعایة المرکزة فى المستشفیات وزارة الصحة نقل المرضى عدم وجود عن سریر إلى أن فى عدد
إقرأ أيضاً:
نقل أسرى فلسطينيين إلى المستشفيات فور الإفراج عنهم من سجون إسرائيل
عرضت فضائية "يورونيوز عربي"، فيديو يرصد نقل أسرى فلسطينيين إلى المستشفيات فور الإفراج عنهم من سجون إسرائيل بأجساد منهكة.
وأوضحت أنه بدا الأسرى المُفرج عنهم في حالة ضعف وهزال شديدين، حيث فقد بعضهم القدرة على المشي نتيجة التعذيب الجسدي الذي تعرضوا له.
كما يعاني معظمهم من أمراض جلدية، فيما أُدخل أحدهم إلى المستشفى بسبب تليف في الرئة، وتلقى جميع الأسرى علاجًا للجرب.
وتابعت أنه بوجوه شاحبة وأجساد هزيلة وكدمات تروي فصول ما عاشوه خلف القضبان، وصل عدد من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم إلى مستشفى في خان يونس لتلقي العلاج بعد فترة وجيزة من وصولهم إلى المدينة الواقعة جنوب القطاع، وعقب عملية التبادل الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل.