بوابة الوفد:
2024-12-04@08:52:21 GMT

سوريا واللعب الدولى

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

عاد المشهد السورى إلى صورة تتشابه كثيرًا على ما كانت الحال عليه قبل 13 عاماً، لكن المشهد هذه المرة يتصدر الساحة الدولية ببراعة ليزحزح الكاميرات عما يحدث فى غزة، فتحول كل الاهتمام السياسى والإعلامى إلى سوريا، ليس فقط لخطورة ما يحدث من اقتتال داخلى عنيف بين قوات المعارضة والجيش النظامى، ولكن لأن وراء هذا الإقتتال دول كبرى تلعب بقوة على الساحة السورية وتتصارع مصالحها وتدفع بالوكالة مختلف الفصائل السورية للإقتتال والتناحر وإراقة دماء بعضهم البعض.


لقد تفجر الوضع فى سوريا بعد أيام قلائل من إدانة المحكمة الجنائية الدولية لنتنياهو كمجرم حرب، وبعد تقارب مجهول التفاصيل بين النظام السورى وتركيا، وبعد ساعات من إعلان اسرائيل وحزب الله الموافقة على مبادرة الرئيس الأمريكى جو بايدن لإجراء مفاوضات لوقف الحرب، ويعتبر البعض هذه الموافقة مروق من حزب الله على التحالف المتين بين الحزب والنظام السورى وايران، لا صدفة فى السياسة ولا فى الحرب، كل شىء له خططه وتكتيكاته بحنكة من أصحاب المصالح.
فجأة تم إعادة تسليح فصائل المعارضة السورية بقوة وتحريكها لتجتاح القرى فى ريف حلب الغربى وتشتبك مع قوات النظام للرد على هجوم حدث أيضاً فجأة من القوات النظامية على المناطق التى تسيطر عليها المعارضة، وفجأة اشتعل القتال وتصاعد بحدة بين الإخوة الفرقاء، وسيطرت المعارضة على حلب، ليعيد لنا المشهد سيناريوهات سبق وحدثت فى السودان لينفصل الجنوب عن الشمال، وفى ليبيا لتتواجد حكومتان فى الغرب والشرق، وفى فلسطين عندما انفصلت غزة عن باقى فلسطين، والمشهد الآن فى سوريا لا يبشر بخير، لأن أى حل عسكرى لن يأتى بخير أبدا لسوريا، بالطبع القتلى من الجانبين فيما يدفع المدنيون الثمن الأكبر من الاقتتال من أرواحهم ودمائهم وبيوتهم التى نزحوا عنها مشردين لا يعرفون لهم وجهة، لأن الموت ينتظرهم على يد هؤلاء وهؤلاء حتى قبل أن يتم تصنيف ولائهم وتبعيتهم سواء للمعارضة أم للنظام وتحالفه الروسى مع دخول تركيا الغامض على خط هذا التحالف بجهود روسية لتقريب وجهات النظر مع الأسد، الأهداف الظاهرة واضحة لتفجير صراع الإخوة الأعداء فى سوريا وما خفى من الأهداف أكبر وأعظم، فليس مقبولاً تصور أن المخابرات الروسية والسورية والإيرانية لم تكن على علم بإمداد المعارضة بالسلاح ولا بالخطة التركية الأوكرانية الاسرائيلية برعاية أمريكية لقطع إمدادات إيران عن سوريا ولبنان، الغموض يسود، وكل التأويلات متاحة لتحليل المشهد الدموى.
منذ 13 عاماً وأرض سوريا مسرح للعب الكبار وتسلل الأصغر ليجدوا لهم قطعة من التورتة السورية، بديهى ليس من مصلحة اسرائيل ولا أمريكا ولا أى دول غربية وقف أى حرب فى منطقة الشرق الأوسط والتقاط الشعوب العربية أنفاسها للبناء والتعمير، وإعادة توطين اللاجئين، فلا تكاد تبدو بادرة لتهدئة صراع فى بقعة عربية إلا وتشتعل حرب وصراع فى بقعة أخرى، وما يؤسف له أن سوريا تركت منذ البداية الفرصة لدخول أطراف دولية لاعبة فى أزمتها الداخلية، فلم تكن سريعة النجاة من المخططات الخارجية الهادفة لتدميرها وتمزيقها وإنهاك جيشها الذى كان واحداً أقوى جيوش العالم والاستفادة من حقول نفطها وثرواتها، فيما نجت دول أخرى بقوة من تلك المخططات وعلى رأسها مصر وتونس، التخبط السورى فتح بابها على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية والخارجية، فوجدت تركيا فرصتها فى سوريا لتبنى منطقة عازلة فى شمال سوريا تحت حماية مواليها بزعم حماية أراضيها من المد الكردى، ووجدت أمريكا فرصتها لتشكيل تحالف دولى للتدخل فى سوريا تحت شعار محاربة تنظيم الدولة الإرهابى، وأصبح لأمريكا السيطرة على المجال الجوى فى شرق الفرات لخدمة وحماية مصالحها فى استغلال حقول النفط فى دير الزور والحسكة، وتواجدت روسيا ايضا بقوة ليس لحماية نظام الأسد فقط كما تزعم، بل لمحاصرة الأطماع الأمريكية فى النفط السورى ومحاولة الاستفادة هى الأخرى من التورتة السورية المستباحة للجميع والتى باتت محرمة على الشعب السورى نفسه فى معظمه، ورسخت روسيا مصالحها فى منطقة البحر الأبيض المتوسط عبر قاعدة طرطوس، وجويًا عبر قاعدة حميميم السورية.
هكذا أصبحت خمس دول تلعب فى سوريا، كل لمصالحه وليس لمصلحة الشعب السورى، أمريكا، روسيا، إيران، تركيا، اسرائيل بجانب حزب الله اللبنانى، والسؤال الذى يفرض نفسه بقوة، ألم يكن هناك أى حل سياسى داخلى فى سوريا لمنع التدخلات الدولية وتوحيد الصف السورى، أو على الأقل إيجاد حل توافقى سوري-سورى بين النظام والمعارضة، وحقن دماء أبناء الشعب طيلة هذه السنوات، هل استعصى على النظام إيجاد الحل السياسى حتى لو كان الثمن التخلى عن السلطة وترك الفرصة للشعب للإختيار الحقيقى لنظام ورئيس ينقذ البلاد من مستنقع الدم الكائن والذى لا يبدو له نهاية أو رؤيا مستقبلية مبشرة على المدى القريب.
معلوم أن عدة دول عربية كانت ستغرق فى مستنقع الفوضى الخلاقة التى لقبوها بالربيع العربى، لكن كل الدول نجت من هذا المستنقع بدرجات متفاوته إلا سوريا التى لا تزال تئن تحت تلك الفوضى والتى لن تقتصر تداعياتها بالطبع عليها فقط حال استمرار الأوضاع على ما عليه، بل ستمتد إلى كل دول المنطقة لتؤثر فيها، وهنا أعول- رغم ما بى وبالشعوب العربية من خيبة امل- على إمكانية تحرك دور عربى قوى وفعال لإنقاذ سوريا من الطريق السائرة إليه بقوة دفع خارجى، إنقاذه سوريا ليس من أجل سوريا وشعبها فقط، بل من أجل المنطقة العربية ككل التى لن تنجو من التوتر والقلاقل بسبب وضع سوريا، ومن أجل إبعاد شبح اللهو الخفى الذى يعمد أيضا إلى زحزحة الصورة عما يحدث فى غزه، أما آن الأوان يا عرب؟

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فكرية أحمد غزة المحكمة الجنائية الدولية حزب الله إسرائيل فى سوریا

إقرأ أيضاً:

إيران: ندعم بقوة الحكومة والجيش في سوريا ضد الإرهابيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، دعم بلاده للحكومة والجيش في سوريا ضد الجماعات الإرهابية.
وقال عراقجي، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية /ارنا/، اليوم /الأحد/، على هامش مراسم إحياء ذكرى الیوم الوطني للقوة البحریة، سأتوجه إلى دمشق اليوم حاملا رسالة الجمهورية الإسلامية إلى الحكومة السورية، نحن ندعم بقوة الحكومة والجيش في سوريا.
وأضاف عراقجي الجيش السوري سينتصر مرة أخرى على هذه المجموعات الإرهابية كما كان في السابق.
 

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة برج العرب: بدأنا الدخول بقوة فى جميع تصنيفات الجامعات
  • سوريا يا عرب
  • المعارضة السورية تسيطر على اللواء 138 بريف حلب
  • نتنياهو معلقا على المشهد السوري: ما يهمنا هو مصالحنا الحيوية
  • نتنياهو معلقا على المشهد السوري: ما يهمنا هي مصالحنا الحيوية
  • فصائل المعارضة السورية تعلن السيطرة على مدينة تل رفعت
  • قوات المعارضة السورية تحظر التجوال في حلب لمدة 12 ساعة
  • كيف قلبت فصائل المعارضة السورية موازين الحرب في سوريا ... إدارة العمليات العسكرية ... تفاصيل تكشف لأول مرة
  • إيران: ندعم بقوة الحكومة والجيش في سوريا ضد الإرهابيين