في عام 2023 خرجت مظاهرات حاشدة في الشوارع الإسرائيلية، استمرت طويلًا، وانطلقت هذه المظاهرات بعد أن أعلن ليفين وزير عدل حكومة بنيامين نتنياهو عما أسماه إصلاحات قضائية في الرابع من يناير عام 2023.

تشتمل هذه التعديلات/ الإصلاحات القضائية على أربعة مجالات رئيسة وهي سلطة المحكمة العليا، وتركيبة المحكمة العليا، وحماية نتنياهو وحلفائه، وأخيرًا الحد من صلاحيات المستشارين القانونيين.

بسبب هذه التعديلات التي أرادت حكومة نتنياهو تفعيلها، خرجت المظاهرات الحاشدة، وكان من ضمن الشعارات التي رُفعت في هذه المظاهرات شعار «لن نتوقف حتى يوجد الدستور!»، وبعد أن أعلن نتنياهو عن مشروع التعديلات القضائية، خرج عضو الكنيست ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد وقال «إن أي مفاوضات مع الائتلاف الحاكم لإيجاد حل وسط يجب أن تشمل مناقشات حول صياغة الدستور»، وكذلك دعت شكما بريسلر وهي واحدة من قادات الاحتجاجات في شارع كابلان إلى وضع دستور فردد الآلاف خلفها بكلمة واحدة «دستور!، دستور!». وكذلك استخدم الإسرائيليون وسم «#الدستور_الآن» على مواقع التواصل الاجتماعي.

إن كل هذه المحاولات لبناء دستور مكتوب في إسرائيل تنبئ عن مشكلة تعاني منها الحياة القانونية وبالتالي السياسية والاجتماعية في إسرائيل تتمثل في عدم وجود دستور مكتوب.

وكانت هذه المسألة تناقش لسنوات عديدة، فمنذ أن تم الإعلان عن استقلال ونشوء دولة إسرائيل على يد ديفيد بن جوريون في 1948 تم طرح المسألة، وقد قال بن جوريون في وقتها إنه لا يجب بناء دستور في الوقت الحالي حتى لا يتم حرمان أجيال من اليهود الذين سيهاجرون من بناء دولتهم.

لكن في خضم هذا الجدال الذي زاد وتفاقم في فترة اندلاع المظاهرات، ينبغي أن يأتي السؤال، ما هي الأبعاد السياسية والدينية للدستور غير المكتوب في إسرائيل؟ ولماذا لم تتم كتابة دستور حتى هذه اللحظة التي تكاد كل دول العالم فيها تمتلك دساتير مكتوبة؟

تذكر ليندة طرودي في بحثها المنشور على مركز دراسات الوحدة العربية -وهو واحد من المصادر الرئيسة في هذا المقال- إن البنود التي أسسها قانون الأساس تفترض انتصار القومية اليهودية من خلال توفير امتيازات لليهود في هذه البنود، دون أن يعطى المواطنون الفلسطينيون الامتيازات نفسها، حتى تحول قانون الأساس الإسرائيلي هو الشماعة الأساسية التي تعلق عليها إسرائيل الامتيازات التي تمنح لليهود، ولهذا لم يكن من الممكن أن يوجد الدستور المكتوب لأنه سيحتم على إسرائيل -وهي التي تدعي الديمقراطية- أن تعمل بقوانين الديمقراطية فلا يكون هناك امتيازات بحسب العرق أو القومية.

تعاني الديمقراطية الإسرائيلية من العديد من التناقضات والمشاكل التي تكتنفها بناء على أساس عدم وجود دستور مكتوب، ومن ضمن هذا التناقض ما ذكره عزمي بشارة في كتابه «من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية» يقول: «وما زالت هذه المواجهة محتدمة وتعتبر من إشكاليات الديمقراطية اليهودية المعاصرة. وتتقاطع مع ثلاثة صراعات أساسية دائمة الحضور في هذه المواجهة: الأول هو الصراع حول العلاقة بين الدين والدولة، والثاني هو الصراع على تضييق الحريات أو توسيعها ومدى خضوعها للمسألة الوطنية وقضايا الأمن التي قد تتخذ شكل سياسات احتلال قمعية حينًا آخر، والصراع الثالث هو الصراع بين مساواة المواطنين ويهودية الدولة، وقد ازداد احتدام الصراع الأخير فيما يتعلق بالمواطنين العرب ما بين البرلمان والمحكمة العليا في العقدين الماضيين».

إن واحدة من الحجج التي اعتمدت عليها إسرائيل للتهرب من كتابة دستور هو الجدال الدائم بين الأيديولوجيات السياسية والاجتماعية الموجودة، وبالتالي استمرارية السياسات غير الشرعية التي تمارسها إسرائيل لعدم وجود ما يقيد توسع الحكومة في هذه السياسات.

كما أنه يمكن ذكر أن هناك تخوفا مستمرا من انحسار التضامن الاجتماعي في إسرائيل، بسبب زيادة الانقسام بين اليهود والعرب والذي يزداد كل سنة بسبب السياسات التعسفية التي تقوم بها إسرائيل. هناك أيضًا الانقسام اليميني واليساري الذي زاد من انقسامات المجتمع اليساري وتشتته سياسيًا واجتماعيًا بسبب كثرة الأحزاب الموجودة.

إضافة لذلك، فإن هناك انقسامًا دينيًا وعرقيًا بين اليهود الموجودين في إسرائيل، لذا رأى بن جوريون أن الدستور المكتوب سيفشل في بناء المجتمع والدولة إضافة لإمكانية تحوله إلى حجة أيديولوجية وثقافية. كما أنه رأى أن الحياة المشتركة يمكن أن تنتج شعورا بالأمة كما يسميه، وبإمكانها أن تعزز مسؤولية وشراكة على جميع المستويات المعيشية بدلا من الدستور المكتوب.

بالنسبة للمتدينين، فإن الدستور المكتوب هو انتصار العلمانية عليهم، لذلك فإنه لا يمكن بناء دولة ديمقراطية في ظل معارضة الأحزاب الدينية لكتابة دستور، لأنها لا تتناسب مع التعاليم الدينية التي يؤمنون بها، ولذلك وقعت إسرائيل في هذا المأزق المحتوم، فهي من جهة تقدم نفسها على أنها دولة دينية وقومية لليهود، ومن جهة أخرى تود أن تكون دولة ديمقراطية وعلمانية.

أنشئ قانون في عام 1950 الذي ينص على أنه يحق لكل يهودي القدوم إلى دولة إسرائيل من دون تحديد من هو اليهودي، ثم في عام 1970 عادت إسرائيل لتحدد أن اليهودي هو من ولد من أم يهودية، ولذلك وقعت إسرائيل مرة أخرى في مأزق أسئلة مثل من هو اليهودي وما هي اليهودية؟، فبعضهم اعتبروا أن يهود الفلاشاه -وهم يهود سود تعود أصولهم لإثيوبيا- ليسوا منهم، أي أنهم ليسوا يهودا، فاستمر هذا المأزق الإبستمولوجي يلاحق إسرائيل.

في الختام، يمكن القول إن كتابة دستور إسرائيلي هو واحد من المهددات للمخططات الإسرائيلية التوسعية إذ أنه سيحتم على الدولة أن تعمل بالمبادئ الديمقراطية التي تتضمن الحرية والمساواة للمواطنين، وتحديد حدود الدولة، وتحديد العلاقة بين الدولة والمواطنين، وتحديد العلاقة بين الأحزاب السياسية فيما بينها.

على الرغم من أن إسرائيل تدعي بأنها دولة ديمقراطية، إلا أن عدم وجود دستور مكتوب يحتّم عليها أن تتعامل بسياسات فصل عنصري مع المواطنين غير اليهود خاصة، لذلك لا يمكن لهذه الدولة التي تدّعي شيئًا وتمارس شيئًا آخر أن تستمر بالدستور غير المكتوب، ولعل هذا يتضح أكثر في تفاقم الجدال بين الإسرائيليين أنفسهم حول ضرورة كتابة الدستور لضمان عدم تحول الحياة السياسية في إسرائيل إلى ديكتاتورية، الضمان الذي يبدو أنه لن ينجح مع استمرار التطهير العرقي والإبادة الجماعية لأكثر من عام كامل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی إسرائیل عدم وجود فی هذه

إقرأ أيضاً:

برنامج الشراكات الاقتصادية الشاملة للإمارات يصل إلى محطته الـ20

رشا طبيلة (أبوظبي)

أخبار ذات صلة إطلاق «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث» «الحلم».. عرض سينمائي يضيء على تجربة الفنان محمد الأستاد

وصل عدد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقعتها الإمارات لغاية اليوم، 20 اتفاقية شراكة، بعد أن تم الإعلان أمس الأول عن توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات وأفريقيا الوسطى، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة البينية وفرص الاستثمار، خاصة في القطاعات الرئيسة. 
ودخلت 6 من تلك الاتفاقيات حيز التنفيذ، أما بقية الـ14 دولة، فهي حالياً قيد الإجراءات تمهيداً لدخولها حيز التنفيذ وهي كوستاريكا وكولومبيا وكوريا الجنوبية وموريشيوس وتشيلي وصربيا والأردن وفيتنام وأستراليا ونيوزيلندا وماليزيا وكينيا وأوكرانيا، وأفريقيا الوسطى.
وخلال أسبوع أبوظبي للاستدامة في يناير الماضي في أبوظبي، تم الإعلان عن توقيع 3 اتفاقيات جديدة مع كل من نيوزيلندا وماليزيا وكينيا. وأبرم البرنامج، الذي جرى إطلاقه خلال شهر سبتمبر 2021، حتى الآن اتفاقيات مع دول في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية وأوروبا الشرقية، ما أسهم في تحسين العلاقات التجارية والوصول إلى أسواق تضم نحو ربع سكان العالم.
ويُعد برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة ركيزة أساسية لتحقيق هدف دولة الإمارات المتمثل في رفع إجمالي التجارة غير النفطية إلى 1.1 تريليون دولار بحلول العام 2031، حيث أدى البرنامج دوراً مهماً في تحسين الوصول إلى الأسواق سريعة النمو، وأسهم بصورة كبيرة في زيادة حجم إجمالي التبادل التجاري للدولة، الذي وصل في العام 2024 إلى أعلى مستوياته عند 816 مليار دولار، بزيادة تبلغ 14.6% عن عام 2023.
وتسعى الإمارات إلى تعزيز موقعها كمركز تجاري عالمي لتأتي اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، لتؤكد إيمان الدولة بمفهوم الانفتاح التجاري المبني على القواعد العادلة.
وقامت الدولة بتعزيز مكانتها التجارية من خلال هذا المشروع الحيوي، الذي يربط دولة الإمارات مع شركائها التجاريين من خلال منظومة الاتفاقيات التي تنظم العمل التجاري بين الإمارات وشركائها بشكل أفضل، ما يزيد من الصادرات الإماراتية، ويعزّز من استثمارات الدولة وحماية تلك الاستثمارات، إلى جانب دعم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في الانخراط بأسواق جديدة ومتنوعة.
وتم تحديد 5 مزايا رئيسة لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي أصبحت محطة مهمة ضمن استراتيجية التجارة الخارجية التي تنفذها الدولة، وتسعى من خلالها إلى بناء علاقات تجارية أقوى وأكثر تكاملاً مع الأسواق الأكثر ديناميكية حول العالم، وتتمثل هذه المزايا في تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية، وتسهيل النفاذ للأسواق لمزودي الخدمات، وتوفير قواعد واضحة ومرنة وشفافة والوصول إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى تسهيل الإجراءات الجمركية، وتعزيز المنافسة وفق مبدأ التجارة العادلة. 
وتُعد اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة جسراً للشراكات المستدامة، حيث تتميز دولة الإمارات ببيئة أعمال جاذبة تجعلها الوجهة الأولى للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم العربي، وأحد أبرز المراكز العالمية في هذا المجال بفضل مركزها المالي والتجاري والاقتصادي المتطور، وتسعى الإمارات خلال الخمسين عاماً المقبلة لتصبح عاصمة عالمية للاستثمار والابتكار الاقتصادي.

مقالات مشابهة

  • إزالة 20 حالة تعدِ على أراضي زراعية وأملاك دولة بمركزي أسيوط وصدفا
  • دستور دولة (تأسيس) الإفتراضية
  • (نجد شامت لأبو تركي واخذها شيخنا)..
  • العربي للدراسات السياسية: إسرائيل تستخدم سلاح التجويع للضغط على المقاومة
  • الإمارات تتبع استراتيجية شاملة لتوطين الصناعات التقنية
  • الشيخة فاطمة توجه تحية اعتزاز وفخر للمرأة في الإمارات والعالم
  • برنامج الشراكات الاقتصادية الشاملة للإمارات يصل إلى محطته الـ20
  • الإمارات تحتفي غداً بـ "يوم المرأة العالمي"
  • دستور تحالف السودان التأسيسي هل يصمد أمام نقض المواثيق العهود؟
  • السعودية: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة