لجريدة عمان:
2025-04-10@09:19:22 GMT

الصحافة والتحول الرقمي

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

منذ أسبوعين استضافت سلطنة عُمان ممثلة في جامعة السلطان قابوس مؤتمرا دوليا حول الإعلام والاتصال وثورة الذكاء الاصطناعي. المؤتمر الذي استمر على مدى ثلاثة أيام ونظمه قسم الإعلام بالجامعة بمشاركة أكثر من 60 باحثا من مختلف دول العالم، ناقش قضايا عديدة تتصل بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي سواء في الصحافة ووسائل الإعلام أو في برامج ومناهج التعليم الإعلامي.

النتائج النهائية التي خرج بها المؤتمر تؤكد أننا أمام تحول رقمي فرعي جديد ضمن التحولات الرقمية التي شهدتها صناعة الصحافة منذ دخول جهاز الحاسوب في تحرير وإنتاج الصحف. هذا التحول كما أكد المؤتمر يمثل حتمية تكنولوجية لا بد للصحافة أن تتبناها وتتعامل معها وتستفيد منها وفي نفس الوقت نفسها تأخذ الحذر من سلبياتها ومخاطرها ليس فقط على صناعة الصحافة، ولكن على المجتمع كله.

السؤال الذي لم يجد إجابة حاسمة في المؤتمر هو سؤال أين نحن من هذه الثورة الجديدة أو بالأصح أين صحافتنا من هذه التقنية الواعدة والخطيرة في الوقت نفسه. في اعتقادي أن الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تبدأ بالحديث عن التحول الرقمي الذي تنتمي له ثورة الذكاء الاصطناعي الحالية حتى يمكن أن نضع تلك الثورة في سياقها الطبيعي وهو سياق التحولات والثورات التكنولوجية التي سبقتها وتبنتها الصحافة من ثورة الطباعة وحتى ثورة شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى هذا الأساس أتناول في هذا المقال الذكاء الاصطناعي باعتباره تحولا من تحولات رقمية عديدة شهدتها صناعة الصحافة على طول تاريخها، على أن أجيب في المقال التالي عن سؤال أين صحافتنا من ثورة الذكاء الاصطناعي؟

علينا بداية أن نعترف أن عالم اليوم يشهد تحولات جوهرية في مجالات متعددة بفضل التكنولوجيا الرقمية. ولم تكن الصحافة بعيدة عن هذه التحولات ولم تتأخر في استيعابها وتوظيفها، بل والمساهمة في تطويرها تماما مثلما من قبل مع كل التقنيات السابقة على التقنيات الرقمية بدءًا من تطوير الطباعة والتصوير مرورا باستخدام التلغراف والمذياع في نقل الأخبار والصور وتوزيعها، والأقمار الصناعية في إصدار طبعات دولية من الصحف الوطنية الصحف وحتى ظهور جهاز الحاسوب وإدماجه في غرف الأخبار واستخدامه في التغطية الصحفية وإنشاء الأنظمة التحريرية. ويمكن اعتبار دخول أجهزة الحاسوب مجال الإنتاج الصحفي وإدارة المؤسسات الإعلامية البداية الفعلية للتحول الرقمي الذي كان على الصحافة مواكبته والتأقلم مع متطلباته المادية والبشرية.

ومع خروج شبكة الإنترنت من ضيق الاستخدام العسكري والعلمي إلى رحابة الاستخدام الجماهيري، تتال ظهور التقنيات الرقمية وبالتالي التحولات في جميع مجالات الحياة وفي مختلف الصناعات بما في ذلك صناعة الصحافة. ويمكن القول إن التقنيات الرقمية المتتالية التي ظهرت مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين، قد أحدثت بالفعل ثورة في الصحافة خاصة في كيفية إنتاج الأخبار ونقلها واستهلاكها.

وتمثلت أبرز معالم هذا التحول في الخروج المبكر للصحف الورقية إلى شبكة الويب وتأسيس مواقع إلكترونية، بعد أن كانت شركات التزويد بخدمات الإنترنت تستخدم أخبارها في باقات الاشتراكات التي تقدمها للمشتركين فيها. وبعد فترة قصيرة قررت الصحف الكبرى الخروج بنفسها إلى الشبكة لتحجز لها مكانا عليها وتأسيس مواقع لها تكون امتدادًا إلكترونيًا لها من جانب، ولكي تكون تلك المواقع وسيلة للترويج للنسخ الورقية، من جانب آخر. وأصبحت مواقع الصحف بوابات إخبارية متكاملة تستقطب أعدادا كبيرة من المشتركين.

ومع مطلع الألفية الجديدة شهدت الصحافة الرقمية تطورًا كبيرًا بفضل التقدم المستمر في التقنيات التي تم توظيفها لتحسين المنتج الصحفي ومد توزيعه عبر منصات جديدة لم يكن من المتصور الوصول لها. الإنترنت فائق السرعة، والهواتف والأجهزة اللوحية الذكية، والتطبيقات التفاعلية، ساهمت جميعها في تغيير كيفية إنتاج وتوزيع الأخبار، وأصبحت الصحف الإلكترونية قادرة على تحديث محتواها في الوقت الفعلي، مما أتاح للجمهور الوصول إلى الأخبار فور حدوثها.

مع كل تحول كبير، تأتي التحديات. ولعل أحد أهم التحديات الكبرى التي تواجهها الصحافة الرقمية هي مشكلة الدخل المالي. لفترة طويلة كانت صناعة الصحافة تعتمد على نموذج أعمال قائم على توليد الدخل من خلال مصدرين رئيسيين، هما عائدات التوزيع والاشتراكات، والإعلان، إلى جانب بعض المصادر الأخرى غير المنتظمة مثل الدعم الحكومي، كما هو الحال في صحافة الدول النامية، وعائدات بيع بعض المواد والخدمات الصحفية لصحف أخرى غير منافسة. ومع التحول الرقمي وظهور الصحافة الإلكترونية انخفض التوزيع الورقي بشكل تدريجي وحاد كما انخفضت حصة الصحف من الإعلانات وهو ما أثر سلبًا على حصيلة الإيرادات، وأدى في النهاية إلى توقف صحف شهيرة وكثيرة عن إصدار النسخ الورقية وخروج بعضها من السوق الصحفي. وقد تأقلمت الصحافة مع هذا التحول من خلال تبني نموذج أعمال جديد يقوم على استمرار النسخ الورقية مع الاهتمام أكثر بالنسخ الإلكترونية، واعتماد نموذج أعمال جديد يقوم على إتاحة بعض الخدمات المجانية للقراء مع تقديم الخدمات الكاملة للمشتركين فقط. وإذا كان هذا التحول الرقمي المتمثل في الصحافة الإلكترونية، قد حرم صناعة الصحافة من مصادر تمويل مهمة فإنه في المقابل أتاح أيضًا فرصًا جديدة، مثل الاشتراكات الرقمية والإعلانات المخصصة التي تستهدف المشتركين وزوار الموقع بناءً على بياناتهم وتفضيلاتهم الشخصية. ولا يمكن الحديث عن التحول الرقمي في الصحافة دون التوقف أمام التحول الكبير الذي أحدثه ظهور وانتشار شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، و«تويتر (اكس حاليا)، و«إنستجرام»، وغيرها من الشبكات التي سارعت الصحف ووسائل الإعلام إلى إنشاء حسابات موثقة عليها واستخدامها كقنوات توزيع أولية للمنتج الصحفي يمكن أن تقود القراء والمستخدمين الى المنصات الرقمية الأخرى للصحيفة، خاصة الموقع الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الذكية، وهو ما يعزز وجودها الرقمي من ناحية ويزيد من حصيلتها الإعلانية من ناحية أخرى. ولم تسهم هذه الشبكات فقط في توزيع أخبار الصحف وزيادة تعرض الجمهور لها، بل أيضًا في تفاعل الجمهور مع المحتوى، مما أضفى طابعًا تفاعليا جديدًا على صناعة الأخبار. في المقابل قدمت الصحافة خدمات كبيرة لمنصات التواصل الاجتماعي وحولتها من منصات اجتماعية تربط بين الأصدقاء والمعارف إلى منصات إخبارية وهو ما ساعد على انتشارها وتزايد استخدامها بشكل غير مسبوق.

آخر التقنيات الحديثة التي دخلت صناعة الصحافة وأثرت فيها هي تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي رغم قصر عمرها أصبحت تلعب دورًا محوريًا في صناعة الصحافة. ورغم عدم تبني تلك التقنيات في بيئات صحفية متعددة، والمقاومة التي تلقاها من الصحفيين وإدارات المؤسسات الصحفية في كثير من الدول، ورغم المخاطر الأخلاقية المحيطة باستخدامها، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت تُستخدم بالفعل من جانب أعداد متزايدة من الصحفيين في العالم سواء في إعداد وكتابة الأخبار الجاهزة مثل أخبار الطقس والأخبار الرياضية وتقارير الأسواق المالية أو في تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة، الأمر الذي يساعد الصحفيين في الكشف عن الأحداث والقضايا التي تهم الجمهور ويجب الاهتمام بها، كما يتم استخدام تقنيات التعلم الآلي في تخصيص المحتوى للمستخدمين بناءً على تفضيلاتهم واهتماماتهم.

في مقابل ما سبق يمكن القول إن التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على جودة المنتج الصحفي وعلى فرص العمل في الصحافة. فإذا كانت هذه التقنيات تُمكن الصحف من تحديث الأخبار في الوقت الفعلي وتحليل البيانات الكبيرة، وتجعلها صحافة أكثر تفاعلية وتعزز مشاركة الجمهور في المنتج الصحفي، فإنها على الجانب الآخر يمكن أن تؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة، ونشر الشائعات والأخبار الزائفة والصور والفيديوهات المشكلة بتقنيات التزييف العميق، بالإضافة إلى الاستغناء عن أعداد أكبر من الصحفيين في المستقبل القريب. وللحديث بقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تقنیات الذکاء الاصطناعی التحول الرقمی صناعة الصحافة فی الصحافة هذا التحول من الصحف

إقرأ أيضاً:

مسار جديد لقيادة الذكاء الاصطناعي في أوروبا

أطلقت المفوضية الأوربية في بروكسل خطة عمل الذكاء الاصطناعي للقارة المقرر أن تحول الصناعات التقليدية القوية في أوروبا ومجموعة المواهب الاستثنائية إلى محركات قوية للابتكار والتسريع في الذكاء الاصطناعي وفقاً للجهاز التنفيذي الأوروبي.

وستعزز الخطة قدرات الاتحاد الأوروبي في مجال الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال الإجراءات والسياسات التي تتمحور حول خمس ركائز رئيسية.

وأوضحت المفوضية الأوروبية انها ستعمل على تعزيز البنية التحتية لنظام الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة في أوروبا من خلال شبكة من مصانع الذكاء الاصطناعي. وسيتم بالفعل نشر 13 من هذه المصانع في أوروبا.

وسيساعد الاتحاد الأوروبي أيضا في إنشاء مصانع الذكاء الاصطناعي العملاقة مجهزة بما يقرب من 100,000 شريحة ذكاء اصطناعي حديثة ، أي أربعة أضعاف مصانع الذكاء الاصطناعي الحالية فيما ستقود مصانع الذكاء الاصطناعي العملاقة الموجة التالية من نماذج الذكاء الاصطناعي الحدودية وتحافظ على الاستقلالية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في القطاعات الصناعية والعلوم الحيوية ، مما يتطلب استثمارات عامة وخاصة. وسيتم تحفيز الاستثمار الخاص في المنشئات العملاقة Gigafactory بشكل أكبر من خلال خطة الاستثمار الاوربية في مجال الذكاء الاصطناعي InvestAI، والتي ستحشد استثمارات بقيمة 20 مليار يورو لما يصل إلى خمسة مصانع عملاقة في الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء الاتحاد.

 

ولتحفيز استثمارات القطاع الخاص في القدرات السحابية ومراكز البيانات، ستقترح اللجنة أيضا قانونا لتطوير الحوسبة السحابية الذكاء الاصطناعي بهدف مضاعفة قدرة مركز البيانات في الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات على الأقل في السنوات الخمس إلى السبع المقبلة ، مع إعطاء الأولوية لمراكز البيانات عالية الاستدامة.

ووفق المفوضية الاوربية سيتم إطلاق استراتيجية شاملة لاتحاد البيانات في عام 2025 لإنشاء سوق داخلي حقيقي للبيانات التي يمكنها توسيع نطاق حلول الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من إمكانات الذكاء الاصطناعي ، إلا أن 13.5٪ فقط من الشركات في الاتحاد الأوروبي تبنت الذكاء الاصطناعي. وستلعب البنية التحتية الأوروبية للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك على وجه الخصوص مصانع الذكاء الاصطناعي ومراكز الابتكار الرقمي الأوروبية (EDIHs) دورا مهما في هذه الاستراتيجية.

 

ولتلبية الطلب المتزايد على المواهب الذكاء الاصطناعي، ستقوم المفوضية بتسهيل التوظيف الدولي لخبراء الذكاء الاصطناعي والباحثين ذوي المهارات العالية من خلال مبادرات مثل مجموعة المواهب، وعمل ماري سكودوفسكا-كوري "MSCA Choose Europe" وبرامج الزمالات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها أكاديمية مهارات الذكاء الاصطناعي القادمة.

أخبار ذات صلة جامعة محمد بن زايد تسلط الضوء على دور الذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات عدسات الذكاء الاصطناعي تجربة تفاعلية جديدة من "سناب شات"

وستساهم هذه الإجراءات في مسارات الهجرة القانونية للعمال ذوي المهارات العالية من خارج الاتحاد الأوروبي في قطاع الذكاء الاصطناعي وجذب أفضل الباحثين والخبراء الأوروبيين في مجال الذكاء الاصطناعي إلى أوروبا.

وتقول المفوضية الاوربية إن قانون الذكاء الاصطناعي يرفع ثقة المواطنين في التكنولوجيا ويوفر للمستثمرين ورجال الأعمال اليقين القانوني الذي يحتاجونه لتوسيع نطاق الذكاء الاصطناعي ونشره في جميع أنحاء أوروبا.


وستطلق اللجنة أيضا مكتب خدمة قانون الذكاء الاصطناعي ، لمساعدة الشركات على الامتثال لقانون الذكاء الاصطناعي. وسيكون بمثابة نقطة اتصال مركزية ومركز للمعلومات والإرشادات بشأن قانون الذكاء الاصطناعي. المقترحة ومناهج السياسات - بما في ذلك تدابير إضافية لضمان التطبيق السلس والبسيط لقانون الذكاء الاصطناعي.

وفي أول أغسطس 2024 ، دخل قانون الذكاء الاصطناعي حيز التنفيذ ونشرت مبادئ توجيهية بشأن ممارسات الذكاء الاصطناعي المحظورة في 4 فبراير 2025.

وفي 24 يناير 2024 ، أطلقت المفوضية حزمة من التدابير لدعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الأوروبية في تطوير الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة. وفي 9 يوليو 2024 ، دخلت لائحة وEuroHPC JU

المعدلة حيز التنفيذ ، مما يسمح بإنشاء مصانع الذكاء الاصطناعي.

وفي 10 ديسمبر 2024 ، تم اختيار سبعة اتحادات لإنشاء مصانع الذكاء الاصطناعي ، تليها ستة اتحادات إضافية في 12 مارس 2025.

وفي قمة عمل الذكاء الاصطناعي في باريس في 11 فبراير 2025 ، أعلنت الرئيسة فون دير لاين عن مبادرة InvestAI، وهي مبادرة لتعبئة استثمار بقيمة 200 مليار يورو في الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء أوروبا.

 

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • التوصية بتمكين الصيادلة وتوظيف التقنيات الرقمية في ختام "الملتقى الإقليمي لكونجرس عُمان للصيدلة"
  • التوصية بتمكين الصيادلة وتوظيف التقنيات الرقمية في ختام "الملتقى الإقليمي لكونجرس عمان للصيدلة"
  • مسار جديد لقيادة الذكاء الاصطناعي في أوروبا
  • زيارة ماكرون لجامعة القاهرة في عيون الصحافة ووسائل الإعلام العالمية
  • أي دولة ستحسم سباق ريادة الذكاء الاصطناعي عالميًا؟
  • والي الخرطوم يعلن شروع الولاية في إعادة تأهيل المراكز الصحية في المناطق التي تم تطهيرها من دنس التمرد
  • تحذير أممي: الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف خلال العقد المقبل
  • رفقاء افتراضيون: هل يهدد الذكاء الاصطناعي جوهر العلاقات الإنسانية؟
  • الذكاء الاصطناعي يرصد مخالفات استخدام الهاتف في الأردن
  • الأمن السيبراني والتحول الرقمي: رهانات الجزائر في تعزيز دورها القانوني في القارة