يروّج اليمينيون المتطرفون المعجبون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل باعتباره دليلًا على أن إسرائيل قادرة على استخدام قوتها العسكرية المتفوقة لإجبار أعدائها على تلبية مطالبها دون اللجوء إلى تنازلات تدعو إليها إدارة بايدن الضعيفة على ما يبدو.

ولكن الحقيقة أن الاتفاق يظهر العكس تمامًا، فبالرغم أن إسرائيل قادرة بكل تأكيد على إلحاق خسائر فادحة بأعدائها، فإنها لا تستطيع ببساطة هزيمتهم، بل إنها سوف تضطر بدلًا من ذلك إلى التعايش مع خصومها على حدودها على أمل أن تتمكن من ردعهم عن شن المزيد من الأعمال العدائية في المستقبل القريب.

ومن حسن حظ نتنياهو أنه أدرك حدود القوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان. والسؤال الآن: هل يدرك نتنياهو حدود القوة العسكرية في قطاع غزة؟

لا شيء من هذا ينفي أن إسرائيل وجهت ضربات قوية لحزب الله، وخاصة منذ منتصف سبتمبر، عندما فجرت عملية سرية إسرائيلية أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها قادة حزب الله. وقد لخص نتنياهو إنجازات إسرائيل في إعلانه عن وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء عما قال: «لقد قضينا على كبار قادة المنظمة، ودمرنا معظم صواريخهم وقذائفهم، وقتلنا الآلاف من الإرهابيين، ودمرنا البنية التحتية للإرهاب تحت الأرض المتاخمة لحدودنا، وهي البنية التحتية التي كانوا يبنونها لسنوات».

ولكن من الواضح أن حزب الله، على الرغم من تدهوره بشكل كبير كقوة عسكرية، لا يزال بعيدًا عن الهزيمة، ناهيك عن تدميره بالكامل. ففي يوم الأحد، قبل يومين فقط من إعلان وقف إطلاق النار، أطلق حزب الله نحو 250 صاروخًا وقذيفة أخرى على أهداف في وسط وشمال إسرائيل، في واحدة من أعنف الهجمات التي يشنها منذ أشهر. ولم تصدر الحكومة الإسرائيلية أي تقديرات للخسائر في صفوف حزب الله، على النقيض من حماس، وهو ما يشير إلى أن الأعداد ليست كبيرة بالقدر الكافي للإعلان عنها. وتشير تقارير معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي إلى أن حزب الله خسر ما مجموعه 2450 مقاتلًا من أصل ما يقدر بنحو 40 إلى 50 ألف مقاتل. ولا شك أن حزب الله لديه عشرات الآلاف من الصواريخ والمقاتلين الذين ما زالوا قادرين على إعادة بناء قدراته العسكرية ـ ومن المرجح أن يعود إلى جنوب لبنان بجوار الحدود الإسرائيلية بغض النظر عما تنص عليه اتفاقية وقف إطلاق النار.

الواقع أن وقف إطلاق النار الأخير يدعو في الأساس إلى إحياء قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى في عام 2006 آخر حرب بين إسرائيل وحزب الله. وكان القرار يدعو قوات حزب الله إلى الانسحاب شمال نهر الليطاني (على بعد نحو عشرين ميلًا من الحدود الإسرائيلية) مع تحرك القوات المسلحة اللبنانية لتأمين جنوب لبنان. وكان من المفترض أن تتولى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مراقبة الالتزام بتنفيذ القرار. ولكن من المؤسف أن الجيش اللبناني ضعيف للغاية ومنقسم إلى الحد الذي لا يسمح له بتحدي حزب الله، ولا تملك قوات حفظ السلام أي سلطة للقيام بأي شيء آخر غير الوقوف متفرجة ومشاهدة حزب الله وهو يتحصن في مكانه.

إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في عام 2006 لم يمنع حزب الله من تعزيز قواته على الحدود الشمالية لإسرائيل، ولن يمنعه أيضًا من وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه هذا الأسبوع. وبمجرد عودة اللاجئين اللبنانيين إلى جنوب لبنان، فسوف يكون مقاتلو حزب الله في وسطهم. والواقع أن محاولة منع حزب الله من إعادة بناء قواته في المنطقة تتطلب من الجنود الإسرائيليين أن يحتلوا جنوب لبنان بأنفسهم، ولكن بعد أن فعلوا ذلك في الفترة من عام 1982 إلى عام 2000، فإنهم لا يرغبون في تحمل هذه المهمة الشاقة مرة أخرى. وهذه المرة، حرص نتنياهو على إبقاء الهجوم البري على بعد أميال قليلة من الحدود الإسرائيلية لتجنب الدخول في مستنقع مكلف في قتال العصابات المسلحة.

ورغم أن نتنياهو لن يعترف بذلك علنًا، فإنه يبدو أنه أجرى حسابًا خاصًا مفاده أن إسرائيل تستطيع أن تتعايش مع مقاتلي حزب الله على حدودها ما داموا يردعون عن مهاجمة إسرائيل فعليًا. والواقع أن اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2006 نجح في ضمان 17 عامًا من السلام، وإذا نجح الاتفاق الحالي في تحقيق النجاح نفسه، فسوف يكون هذا إنجازًا مهمًا - إنجاز من شأنه أن يسمح لأكثر من ستين ألف لاجئ إسرائيلي بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء مجتمعاتهم في شمال إسرائيل.

والسؤال الآن: إذا كان نتنياهو على استعداد لإبرام اتفاق تسوية مع حزب الله، لماذا لا يكون على استعداد للقيام بنفس الشيء مع حماس؟ في نفس الخطاب الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار في لبنان، تعهد نتنياهو بأن «نكمل مهمة القضاء على حماس»، وهي المهمة التي يقول القادة العسكريون الإسرائيليون إنهم لا يستطيعون تحقيقها. هذا الشهر، أخبر يوآف جالانت، بعد وقت قصير من إقالته من قبل نتنياهو من منصب وزير الدفاع، عائلات الرهائن الإسرائيليين أنه لا يوجد شيء أكثر يمكن تحقيقه باستخدام القوة العسكرية في غزة.

لقد تكبدت حماس بالفعل خسائر فادحة - زعم نتنياهو يوم الثلاثاء أن إسرائيل «قتلت ما يقرب من عشرين ألفا». والآن أصبحت قدراتها العسكرية، التي كانت دائما أقل من قدرات حزب الله، ضئيلة للغاية. وتصور البعض أنه بعد وفاة زعيم حماس يحيى السنوار الشهر الماضي، مهندس الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، سيعلن نتنياهو النصر وينسحب.

ولكن نتنياهو يصر على إعادة الركام إلى مكانه، وإعادة قوات الدفاع الإسرائيلية إلى شمال غزة لشن هجوم تلو الآخر على نفس الأرض. وتستمر الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات الإسرائيلية في الارتفاع حتى مع انخفاض العائدات العسكرية. ولا يبدي نتنياهو أي اهتمام يذكر بوقف إطلاق النار، الذي قد يؤدي إلى إطلاق سراح 101 رهينة إسرائيلية، وكثير منهم ما زالوا على قيد الحياة. لماذا لا؟

لقد أخبرني الدبلوماسي الأمريكي المخضرم آرون ديفيد ميلر في رسالة إلكترونية: «لقد كان التوصل إلى اتفاق لبنان أسهل بالنسبة له. ففي غزة، يعرف أن حماس لن تطلق سراح الرهائن من دون تنازلات كبرى ـ إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين المتهمين بقتل إسرائيليين ووقف الحرب. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انهيار ائتلافه اليميني. وهو يخطط لإبقاء قوات الدفاع الإسرائيلية عاملة في غزة لأشهر قادمة».

إن الائتلاف اليميني يضغط على نتنياهو ليس فقط بشأن قضية إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، بل وأيضًا بشأن القضية الحاسمة المتمثلة في من يحكم غزة بعد انتهاء الصراع. وقد أوضحت الأحزاب اليمينية، بقيادة إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، أنها ستعارض أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة. ولكن في غياب مشاركة السلطة الفلسطينية، فمن غير المرجح للغاية أن تقدم الدول العربية المعتدلة وغيرها من الشركاء الدوليين يد المساعدة.

إن ابن جفير وسموتريتش يتحدثان علانية عن التطهير العرقي لقطاع غزة وإعادة المستوطنين اليهود. ولا يوجد ما يشير إلى أن نتنياهو، وهو رجل عملي بامتياز، يشاركهما أحلامهما المجنونة، ولكنه لا يستطيع أن يتحمل الانفصال عن المتطرفين، خاصة في الوقت الذي لا يزال يواجه فيه المحاكمة بتهمة الفساد. (ومن المقرر أن يدلي رئيس الوزراء بشهادته في العاشر من ديسمبر).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وقف إطلاق النار أن إسرائیل جنوب لبنان حزب الله

إقرأ أيضاً:

عودة الحرب على غزة.. نتنياهو يبحث عن نصر مطلق ويبعثر مسار التفاوض

منذ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إحباط أي تقدم في أي مفاوضات تقود إلى وقف الحرب على قطاع غزة، ولجأ إلى ذرائع مختلفة في كل مرة يرى فيها نفسه بعيدا عما يسميه "النصر المطلق".

ولم يُرد نتنياهو من وراء إطالة أمد المفاوضات تحسين شروطها والإتيان بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) "صاغرة" لإعادة الأسرى وفق شروط إسرائيلية، بل أراد في حقيقة الأمر تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية المرتبطة برسائل القوة للداخل الإسرائيلي وتحقيق الردع في غزة والضفة والمنطقة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 280 غارة خلال شهر.. هل حققت إسرائيل أهدافها من استباحة أجواء سوريا؟list 2 of 2تاريخ عريق وواقع متأزم.. هل تستطيع إيران "الانبعاث من تحت الرماد"؟end of list

وبمساعدة الولايات المتحدة إسرائيل في تحقيق أهدافها طوال فترة الحرب، وضلوعها أيضا في تذليل عقبات التفاوض، يظهر السؤال حول مآلات الحرب والتفاوض والأهداف من ورائها، وهو ما ناقشه الباحث محمد هلسة في ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان "مسارات الحرب والتفاوض في غزة وأزمة الحلول".

"الحرب فقدت جدواها"

ظهر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 نقاش في إسرائيل حول الأهداف التي يرجى تحقيقها من الحرب التي ستشن على قطاع غزة، وتعمَّق النقاش أكثر بعد الاجتياح البري، وسط تضخم مشاعر انتقامية تنادي بضرب حماس بأي طريقة.

وتلخصت أهداف الحرب التي أعلنتها الحكومة في القضاء على البنية التحتية العسكرية والحكومية لحماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، وتبديد أي تهديد مستقبلي لإسرائيل في القطاع.

إعلان

واستخدمت إسرائيل في سبيل ذلك القوة الجوية المدمرة والعمليات البرية واستهداف البنية التحتية والاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وسياسية، إلى جانب تشديد الحصار والتجويع الممنهج ومنع إدخال المساعدات.

ومع طول عمر الحرب، تعالت الأصوات الإسرائيلية لوقف القتال في أقرب فرصة، بدعوى أن "الحرب استنفدت أهدافها وتحولت إلى حرب مراوحة لا إمكانية لتحقيق مزيد من الإنجازات فيها"، مع المطالبة بوضع ملف استعادة الأسرى الإسرائيليين على قائمة الأولويات.

واصطدمت تلك الأصوات مع موقف نتنياهو القائل بضرورة استمرار الحرب حتى تحقيق "النصر المطلق"، من دون توضيح طبيعته أو كيفية تحقيقه.

وتمكن نتنياهو حتى اللحظة من تصفية عدد من قادة من حماس، على رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، والقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف وعديد من القادة الآخرين، إلى جانب تدمير معظم القوة القتالية لحماس وترسانتها الصاروخية، واستعادة معظم الأسرى بالمفاوضات، واقتطاع جزء كبير من القطاع في الشمال لتوسيع المنطقة الأمنية العازلة، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش.

ورغم ذلك كله، فإن إسرائيل عجزت عن القضاء على حماس على نحو كامل بوصفها قوة ما زالت تخوض مجموعاتها حربا على إسرائيل وتفرض قوتها وسيطرتها على قطاع غزة، مانعة بذلك إسرائيل من فرض بدائلها المختلفة لحكم القطاع، واحتفاظها حتى الآن بعدد من الأسرى الإسرائيليين.

فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي تطالب بوقف الحرب واستعادة الأسرى (غيتي) مفاوضات متقطعة

بدأت المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في يناير/كانون الثاني 2024 في العاصمة الفرنسية باريس، ثم في القاهرة في فبراير/شباط من العام نفسه، لتستقر المفاوضات بعد ذلك في الدوحة.

وانتهت جميع الجولات من دون تحقيق اختراق في مسارها، إلى أن أعلن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عن "مقترح إسرائيلي لوقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر والإفراج عن جميع المحتجزين"، ورغم تبني مجلس الأمن الدولي للمقترح في قراره رقم 2735 يوم 10 يونيو/حزيران 2024 وموافقة حماس، فإن نتنياهو تنصل منه وقرر الاستمرار في الحرب.

إعلان

بعد ذلك، عادت مفاوضات الدوحة بمشاركة أميركية ومصرية، ثم توقفت مرة أخرى وسط تمسك نتنياهو بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا) وتفتيش العائدين إلى شمال غزة، ليتدخل الرئيس الأميركي المنتخب حينها دونالد ترامب للدفع نحو التوصل إلى اتفاق قبل تنصيبه رسميا يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025، وهو ما حدث، ثم خرقته إسرائيل يوم 18 مارس/آذار 2025.

ترامب أرسل ستيف ويتكوف لتسريع الاتفاق على وقف إطلاق النار (رويترز) إسرائيل: القضاء على حماس أولا

ويقوم الموقف الإسرائيلي في المفاوضات على وجوب استمرار الحرب حتى بعد توقيع أي اتفاق، على افتراض أن الاتفاق لن يحقق أهداف الحرب، وهو ليس سوى مسار جزئي ووقتي لاستعادة الأسرى وحرق أوراق حماس في أي مفاوضات مستقبلية.

وخلق الموقف الإسرائيلي هذا حالة من العبث خلال المفاوضات، فالتفاوض على وقف إطلاق النار على أساس مطلب استمرار إطلاق النار لا يوحي إلا بالاستخفاف بطرف مقابل يفاوض أساسا على شروط وقف إطلاق نار مستدام وإنهاء الحصار وإعادة الإعمار.

وتتباين الجبهة الإسرائيلية بين نتنياهو وحلفائه من اليمين الذين يرون أن أولوية الحرب هي القضاء على حماس وأن الأسرى الإسرائيليين ليسوا سوى ثمن يسير في سبيل ذلك من جهة، وأحزاب المعارضة وأهالي الأسرى الذي ينادون بأن يكون الأسرى على رأس الأولويات من جهة أخرى.

إسرائيل تخوض مفاوضات وقف إطلاق النار على أساس العودة للحرب من جديد (الفرنسية) حماس: وقف إطلاق النار أولا

تبني حماس موقفها على أساس إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من المحاور الرئيسية والمدن وعودة سكان شمال القطاع وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين تحددهم هي، وسط هيمنة إسرائيل ميدانيا وتكنولوجيا.

ورغم مرونة حماس في التفاصيل المتعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، فإن نتنياهو ظل يختلق الذرائع لتفادي الالتزام بمقتضيات اتفاق وقف إطلاق النار، ويتهرب من الإعلان عن القبول بوقف الحرب والانسحاب من القطاع عبر افتعال الأزمات وتقديم شروط إضافية.

إعلان

وتعاملت حماس مع المماطلة الإسرائيلية بمطالبة الوسطاء بوضع جدول زمني وتقديم ضمانات دولية لتنفيذ ما اتفق عليه، وهي تعي أن السلوك الإسرائيلي والأميركي يراد منه سحب ورقة الأسرى من يد الحركة فحسب.

حماس تتعامل مع المفاوضات على أساس تحقيق الوقف الدائم لإطلاق النار ورفع الحصار وإعادة الإعمار (رويترز) لماذا عاد نتنياهو إلى الحرب؟

أظهرت حماس بعد التوقيع على اتفاق الهدنة الأخيرة التزاما كاملا ببنود المرحلة الأولى، في حين كان واضحا أن نتنياهو لم يكن ينوي أصلا الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، ناهيك على الثالثة، وهو ما يفسر قرار العودة للحرب.

وافتقرت إسرائيل للنية الحسنة على مدار المفاوضات، فقد كانت تأمل في إثارة رد فعل عنيف من جانب المقاومة يوفر لها ذريعة العودة إلى الحرب، وبينما لم ينجح الفخ، عادت إسرائيل مع ذلك إلى الحرب وألقت باللوم على حماس.

ويواجه نتنياهو وضعا داخليا يزداد تعقيدا بالتزامن مع العودة إلى الحرب، فمن المفترض أن ائتلافه سيجري تصويتا على موازنة عام 2025، وليس لديه الأغلبية اللازمة لتمريرها، وهو ما قد يودي بحكومته، خاصة مع استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في فبراير/شباط الماضي ثم استقالة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في نهاية مارس/آذار، احتجاجا على رغبة بن غفير في حقائب وزارية أكثر للعودة إلى الحكومة بعد استئناف الحرب.

ويمكن تلخيص الأسباب غير المعلنة للعودة إلى الحرب في 3 أسباب:

1- تعمد نتنياهو استدامة الحرب على غزة لأطول فترة ممكنة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك لمعرفته أن المجتمع الإسرائيلي يستجيب للهدوء في أثناء الحروب، وهو ما يفتح الباب أمام حالة استثنائية قد تمكنه من إحداث تغييرات عميقة.

2- رفع مستوى المواجهة مع حماس كما لم يكن ممكنا من قبل، وهو ما عبّر عنه مسؤولون إسرائيليون لصحيفة نيويورك تايمز بقولهم: "نستهدف الآن قادة كبارا في حماس لم نكن نعتبرهم أهدافا في السابق"، وهو ما يعني السعي إلى انهيار حماس عمليا وتسليم القطاع إلى العشائر المحلية.

إعلان

3- استكمال مشروع التهجير وتحقيق أجندة أوسع للاحتلال، مع بحث إسرائيل عن وسائل جديدة لإعادته إلى الطاولة والبحث عن بدائل لمصر والأردن قد تشمل سوريا والسودان والصومال وغيرها من الدول التي يمكن لترامب مساومتها بملفات اقتصادية أو سياسية.

4- عودة الحرب على غزة بالتزامن مع الضربات الأميركية في اليمن قد تكون مقدمة لضرب إيران وحسم المعركة معها ومع حلفائها في المنطقة، خاصة مع التحريض الإسرائيلي المستمر ضدها، ومع تصريحات ترامب عن احتمال التصعيد معها.

نتنياهو عاد إلى الحرب وألقى المسؤولية على حماس (الفرنسية) كل الاحتمالات مفتوحة

في ظل تهديدات نتنياهو بأن للضربات الجوية ما بعدها والدعم الأميركي الأعمى وغياب الإسناد الخارجية للمقاومة بما يكفل تغيير مسار الحرب أو إيقافه، فإن مستقبل الحرب يحتمل 3 سيناريوهات:

1- من المرجح أن تستمر الحرب في غزة إلى حين الموافقة على الميزانية، مما يعني أن الحرب قد تتوقف بعد عدة أسابيع متفاوتة الشدة.

2- قد تنجح حماس في الموافقة على مقترح مبعوث ترامب ستيف ويتكوف في تشجيع الوضع الداخلي الإسرائيلي المضطرب والرهان على إمكانية حدوث تحولات داخلية إسرائيلية تكبح جماح إسرائيل في مواصلة الحرب، لكنه رهان محفوف بالمخاطر وقد يجدد الحرب مع نهايته.

3- إذا لم ينجح ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين حماس وإسرائيل، فإن ترامب قد يقع في مأزق "تقديم الدعم لحرب لا نهاية لها"، دون القدرة على التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الأسرى ووقفا دائما لإطلاق النار، في حين قد يأتي التدخل الأميركي لاحقا لوقف الحرب من دون اتفاق.

في المحصلة، لا يبدو أن هناك أي آفاق سياسية في المستقبل، فالمقاومة لا تزال صامدة رغم الخسائر، وهو ما يسبب قلقا وجوديا لإسرائيل، لأنه قد يمثل مشروعا نموذجيا لقوى أخرى في المنطقة، ويجعل الفوضى وسيلة إسرائيل الوحيدة لاستمرار الحرب إلى حين تنفيذ مشروع التهجير أو القضاء على حماس.

إعلان

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية التركي يشترط وقف إطلاق النار في غزة للتطبيع مع إسرائيل
  • بدران: لا مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار في غزة
  • عودة الحرب على غزة.. نتنياهو يبحث عن نصر مطلق ويبعثر مسار التفاوض
  • بدران: لا مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار
  • مسؤول في حماس: لا مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار
  • قيادي بحماس: من الضروري التوصل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة
  • الصحة الفلسطينية: 58 شهيدا و213 مصابا جراء الغارات الإسرائيلية
  • هيئة البث الإسرائيلية: زيارة نتنياهو لواشنطن انتهت بسرعة مثيرة للريبة
  • مسؤول: إسرائيل لن تقبل مقترح مصر بشأن غزة
  • تفاصيل تعديلات المقترح المصري بشأن وقف إطلاق النار بغزة