سوريا.. مخاض الثورة وتعدد القوات وتشابك المصالح
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
في لحظة تاريخية مهمة تمكنت قوات المعارضة السورية المسلحة إلى حلب وسيطرت على معظمها، ثم توجهت صوب حماة التي تبعد عن العاصمة دمشق قرابة 200 كيلومتر. حتى هذه اللحظة سارت الأمور على ما يرام ولم تواجه القوات المسلة المعارضة مواجهة يعتد بها في مسيرتها العسكرية، وبات كثيرون يشعرون أن سقوط النظام مسألة وقت. بيد أنه وفي اليوم الرابع بدأنا نسمع عن تحذيرات وتهديدات ومطالبات بالتدخل؛ ليس لإنقاذ سوريا من التفتت والتفكك بل لإنقاذ نظام بشار الأسد.
بالنسبة للدول المتواجدة على أرض سوريا بقوة السلاح والرجال سوف نجد روسيا ومعها إيران وقوات حزب الله والمليشيات الشيعية العابرة من الحدود عن طريق لبنان والعراق، وبالطبع سوف نجد تركيا التي نجحت في فرض شريط حدودي آمن داخل الأراضي السورية كما نجحت في تمكين القوات المسلحة المعارضة من حكم إدلب والسيطرة عليها في اتفاق خفض التصعيد الذي وُقع في أستانة 2019.
ترى دول "الثالوث العربي" (السعودية والامارات ومصر) حتمية بقاء بشار في الحكم وأهمية وقف قطار الثورة المسلحة في سوريا، لما في ذلك من خطورة على النظم فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى لخوفها من وجود دولة إسلامية مسلحة في منطقة الجوار. إذن إيران وروسيا والثالوث العربي وقد تتبعهم بعض الدول العربية؛ ترى الأمر من زاوية الحفاظ على بشار وإن هلك الشعب
بالنسبة للدول المؤثرة على المشهد الداخلي السوري من خارج سوريا فهي بالطبع السعودية والإمارات اللتان ترغبان في تقوية عضد بشار الأسد وعدم إسقاطه؛ لما يمثل ذلك من تمكين لقوة الشعب السوري المسلحة من حكم سوريا أو على الأقل أن تكون لها كلمة في مستقبل الحكم في سوريا وهذا ما لا تقبله كلتا الدولتين ومعهما مصر؛ لما لذلك من تأثير سلبي على النظام في مصر، والذي يخشى من تكرار ما حدث في 25 يناير 2011، ويخشى أيضا من فكرة تعلم الشعوب من بعضها كيف تحوّل ثورتها من ثورة سلمية إلى أخرى مسلحة كما جرى ويجري في سوريا حاليا. ترى دول "الثالوث العربي" (السعودية والامارات ومصر) حتمية بقاء بشار في الحكم وأهمية وقف قطار الثورة المسلحة في سوريا، لما في ذلك من خطورة على النظم فيها من ناحية، ومن ناحية أخرى لخوفها من وجود دولة إسلامية مسلحة في منطقة الجوار.
إذن إيران وروسيا والثالوث العربي وقد تتبعهم بعض الدول العربية؛ ترى الأمر من زاوية الحفاظ على بشار وإن هلك الشعب وقُتل نصفه وشُرد بقيته، رغم أن بشار قد مُنح فرصا عديدة لكي يكون حاكما مستقيما؛ لكن هيهات لأنه لا يختلف كثيرا عن البقية الذين فشلوا في تقديم نموذج واحد للحكم الرشيد، والذين فشلوا أيضا في الحفاظ على وحدة التراب الوطني لبلدانهم.
الكيان الصهيوني يرى فيما يجري فرصة جديدة لتفكيك دول الجوار وفرصة لضرب القوات الإيرانية وحزب الله في سوريا، في محاولة يائسة منه لإخراج إيران والقوات الشيعية من سوريا لأنها تشكل مددا لحزب الله في حربه دفاعا عن لبنان، وبالتالي ترى دولة الكيان أن سقوط بشار الأسد ليس في صالحها، وبالتالي تنضم لا إراديا لفكرة التحالف مع كل من (الثالوث العربي) وروسيا وإيران في الحفاظ على بشار وعدم تمكين الثورة السورية من النصر والحكم في سوريا.
وهكذا نرى ولأول مرة في الصراع في المنطقة أن إيران والكيان الصهيوني والثالوث العربي وروسيا في خندق واحد من أجل الحفاظ على بشار الأسد كورقة مهمة للحفاظ على دولة الكيان، لأنه وبخبرة السنوات الماضية لم يطلق رصاصة ضد الاحتلال الصهيوني في الجولان، ولم يشارك سوى بالخطب الرنانة دعما للمقاومة في فلسطين، والتزم الصمت لعام مضى وترك رجاله في الإعلام يتحدثون عن الجيش العربي السوري الذي يتحرك من أجل دعم وإسناد المقاومة على الأقل كما فعل حزب الله.
بالنظر إلى القوات المسلحة المعارضة، نجد أن الجيش السوري الحر هو أقدم مجموعة عسكرية تأسست بغرض أن تكون الجناح العسكري للمقاومة السياسية في 2011، ولكنه لم يرق إلى أن يكون جيشا حقيقيا حتى عام 2016 وبعد أن تدخلت تركيا لحماية حدودها مع سوريا، ومنذ ذلك الحين تمت إعادة تشكيله (يصل قوامه إلى 30 الف مقاتل) ودعمه من قبل الدولة التركية.
وهناك هيئة تحرير الشام، وهي قوات تنتمي إلى السلفية الجهادية وقد ظهرت في 2017 نتيجة تحالف واندماج جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا والتي كان يقودها أبو محمد الجولاني) وجيش السنة ولواء الحق وحركة نور الدين زنكي. وهذه الهيئة مصنفة كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية مما يرجح أن "دول الثالوث" ومعها إيران ومعها دولة الكيان سوف تصطف ضدها عسكريا إن أمكن وسياسيا طول الوقت.
وهناك وحدات حماية الشعب الكردية التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي مدعومة من أمريكا، وتعارض التواجد التركي، وهي أيضا غير منسجمة مع هيئة تحرير الشام أو الجيش الحر، ويدور الحديث حاليا حول الرغبة في عدم الاقتتال مجددا أثناء العمليات الحالية.
لتركيا كلمة مسموعة سياسيا وعسكريا، وبالتالي فهي قادرة على توجيه البوصلة من دون أن تصطدم بـ"الثالوث العربي" ولا بالكيان الصهيوني أو حتى إيران وروسيا
أما إيران فتتواجد وبقوة في سوريا بمجموعة من المستشارين العسكريين من المستوى العسكري الرفيع، إضافة إلى قوات حزب الله وقوات شيعية شعبية، وكلها مؤيدة لبشار الأسد. وقد دخلت القوات الشيعية وفي طليعتها حزب الله إلى سوريا في 2012 وخاضت معارك ضد قوات المعارضة السورية. وتعتبر قوات حزب الله منظمة إرهابية في دول مجلس التعاون الخليجي.
أما روسيا فلديها قاعدة عسكرية في حميميم، وقد تدخلت من قبل بغارات جوية وقتلت الألوف من الشعب السوري والقوات المقاتلة ضد النظام في سوريا، وانتهى الأمر باتفاق خفض التصعيد في أستانة عام 2019.
أما تركيا فترى التواجد في سوريا هو خط دفاع متقدم للأراضي التركية ووقف العمليات الإرهابية التي كانت تحدث وباستمرار داخل أراضيها، كما ترغب أيضا في حل معضلة اللاجئين بإعادتهم إلى الأراضي السورية المحررة، مما قد يساهم في تخفيف العبء عن اقتصادها الذي يعاني التضخم منذ سنوات ويهدد فرص بقاء الرئيس أردوغان وحزبه في السلطة.
وأعتقد أن لتركيا كلمة مسموعة سياسيا وعسكريا، وبالتالي فهي قادرة على توجيه البوصلة من دون أن تصطدم بـ"الثالوث العربي" ولا بالكيان الصهيوني أو حتى إيران وروسيا.
هذه القوات المتعددة المنتشرة فوق التراب السوري اتفقت على شيء واحد وعكسه، وهو إما اسقاط بشار أو تثبيته في كرسي الحكم، ولأول مرة تنضم دول الثالوث العربي إلى كل من إيران ودولة الكيان في الدفاع عن نظام بشار الأسد، وهي مفارقة عجيبة، إذ أنه من مصلحة السعودية هزيمة إيران وحزب الله في سوريا بصفتهما أعداء للدولة السعودية (السنية)، كما أن دولة الكيان تزعم أنها تحارب الوجود الإيراني في سوريا لأنه يمثل خطرا عليها، ورغم ذلك اتفق هؤلاء على شيء واحد هو حماية بشار والتضحية بالشعب السوري.
الموقف مشتبك ومعقد والمعارك العسكرية قد لا تحسم الأمور في سوريا وحدها، ولكنها ستدفع نظام بشار إلى التفاوض عبر ممثليه (روسيا وإيران ) في مؤتمر أستانة القادم في الدوحة بعد أيام، وأعتقد أن التفاوض سيكون صعبا في ظل تقدم القوات العسكرية المعارضة وضعف الدعم العسكري الروسي والإيراني حاليا، وهي فرصة للخروج من الحكم وترك الشعب السوري ليقرر بعيدا عن التدخلات الخارجية
ثمة نقطة جديرة بالنقاش، وهي أن البعض اعتبر تحرك المعارضة السورية في هذا التوقيت إسنادا لجهود دولة الكيان في حربها على إيران وحزب الله خصوصا من جهة التوقيت، حيث بدأت العمليات العسكرية بعد وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وهو أمر لافت للنظر، وذلك لأن الثوار المقاتلين في سوريا كانوا ينتظرون اللحظة المؤاتية للقيام بعملياتهم الموجهة ضد النظام وضد الوجود الروسي المنهك بفعل الحرب في أوكرانيا.
ولا ينكر أحد أن الوجود الإيراني وحزب الله تأثرا كثيرا بالحرب الصهيونية على جنوب لبنان طوال الفترة السابقة، ولكن لا أتصور وجود علاقة ما مهما كانت بين القوات المقاتلة والكيان الصهيوني، كما أتصور أن الحكمة تقتصي ابتعاد حزب الله عن التصادم مع القوات المسلحة السورية المعارضة حتى لا يفقد التأييد العربي والإسلامي له في حربه ضد الكيان الصهيوني.
الموقف مشتبك ومعقد والمعارك العسكرية قد لا تحسم الأمور في سوريا وحدها، ولكنها ستدفع نظام بشار إلى التفاوض عبر ممثليه (روسيا وإيران ) في مؤتمر أستانة القادم في الدوحة بعد أيام، وأعتقد أن التفاوض سيكون صعبا في ظل تقدم القوات العسكرية المعارضة وضعف الدعم العسكري الروسي والإيراني حاليا، وهي فرصة للخروج من الحكم وترك الشعب السوري ليقرر بعيدا عن التدخلات الخارجية.
الوضع في سوريا هو نموذج للدولة الفاشلة التي يصر قادتها على البقاء مع زيادة نسب انزلاقها نحو الهاوية، ولكن المستبد لا يرى إلا نفسه وإن ضاعت الأوطان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الأسد إيران الثورة إيران سوريا الأسد الثورة فجر الحرية مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی إیران وروسیا الشعب السوری دولة الکیان بشار الأسد وحزب الله نظام بشار فی سوریا حزب الله من ناحیة ذلک من
إقرأ أيضاً:
سوريا وفلسطين
في الساعات الأولى لوصول الثورة السورية مظفرة إلى دمشق وهروب الأسد، قام الكيان بحملة تدمير منهجية لما تبقى من أسلحة النظام الساقط بدعوى خشيته من وقوعها في يد الإرهابيين، وهو توصيف الثورة السورية منذ انطلاقتها سنة 2011، والتقي فيه الصهيوني مع العربي الرسمي. وسمعنا موقفا مزايدا من أيتام البعث ونظامه في كل الرقعة العربية، بل حتى من أبواق السيسي الذي يحاصر غزة ويقتل الكيان مواطنيه بلا شفقة قبل أن ينعطف ويناور، يصف قادة الثورة السورية بأنهم عملاء للكيان وأنهم إخوان مسلمون صنعتهم مخابرات غربية. وهي أسطوانة يعود عمرها إلى العام 1952، وقد جاؤوا بل جيء بهم إلى سوريا الممانعة لإنهاء الصراع وترسيخ التطبيع! وقد ساعد صمت الثوار/ القادة الجدد على نشر هذه الأسطوانة وترسيخها حتى الآن على رواج الدعاية المزايدة. أما كيف كان الكيان مطمئنا إلى أن الأسلحة كانت بين أيد أمينة لم تهدد بها الكيان طيلة خمسين عاما؛ فسؤال لم يجب عليه أحد.
السؤال برسم المستقبل: كيف سيكون موقف سوريا الجديدة من الكيان الذي يحتل جزءا من أرضها وزاد فتوسع في أكثر مما تم الوقوف عنده ذات هدنة؟ للإجابة سنحاول العودة إلى التاريخ وصولا إلى سوريا الجديدة التي سيحكمها إسلاميون بشراكة غالبا أو بمفردهم احتمالا.
كم كتب المثقفون القوميون واليسار من كتب ومن مقالات وكم نظّروا ووضعوا الخطط للمعركة؟ إنها مكتبة ثقيلة الوزن لم تعد تستحق بقاءها في مكتبات الجيل القادم، وقد حل زمن حرقها أو أرشفتها للشفقة؛ لوضع سردية تحرير أخرى. لقد سقط الخطاب القومي مع سقوط آخر نظام قومي في دمشق، انكشفت الخديعة الكبرى، لم تكن فلسطين إلا ذريعة حكم طاغ دمر الشعوب المحيطة
حرب طويلة وجولات
انطلقت المقاومة الفلسطينية من الداخل عربية مسلمة سنية، ولم تسأل عن الطوائف والأيديولوجيات. كانت تلك جولة أولى أشارت إلى الطريق ولم تصل إلى غايتها، حتى تولت الأنظمة العربية الناشئة مهمة التحرير ففشلت وكانت النكبة الكبرى.
الجولة الثانية من الحديث باسم فلسطين ستتولاها الأنظمة القومية التي أدمنت الانقلابات العسكرية تحت مظلة تحرير فلسطين. واستمر ذلك من 1952 إلى 2024، تاريخ سقوط آخر نظام قومي منقلب يزعم التحرير. في هذه الجولة الطويلة غاب حديث الدين والمذاهب وحلت الأيديولوجيات اليسارية والقومية والليبرالية، وقتلت الأنظمة فيها من الفلسطينيين أكثر مما قتل الكيان المحتل، وأُهدر فيها البشر والثروات الطائلة وشارك حتى الفلسطيني العلماني في خيانة معركته وشعبه بتحالفاته مع الأنظمة.
ظهرت إيران الشيعية في الطريق وتولت مهمة التحرير وزايدت على الأنظمة العربية نفسها (أو سرقت منها القضية)، وكان الحديث أكثر من الفعل حتى اكتشف العرب أنهم تحت احتلال إيراني باسم فلسطين. وكانت الثورة السورية خاتمة للادعاء الإيراني الذي اندحر لتعود القضية إلى أهلها العرب السنة. والقضية الآن على طاولة الثورة السورية وبقية التيار الإسلامي السني الممتد من تركيا إلى المغرب، وعاموده الفقري حركة الإخوان المسلمين بتسمياتهم المختلفة. فكيف سيسلكون وقد شهدوا انطلاق مقاومة عربية سنية من غزة في حرب الطوفان؟
مكتبة للحرق
كم كتب المثقفون القوميون واليسار من كتب ومن مقالات وكم نظّروا ووضعوا الخطط للمعركة؟ إنها مكتبة ثقيلة الوزن لم تعد تستحق بقاءها في مكتبات الجيل القادم، وقد حل زمن حرقها أو أرشفتها للشفقة؛ لوضع سردية تحرير أخرى. لقد سقط الخطاب القومي مع سقوط آخر نظام قومي في دمشق، انكشفت الخديعة الكبرى، لم تكن فلسطين إلا ذريعة حكم طاغ دمر الشعوب المحيطة (والبعيدة) ومنع وصولها إلى المعركة. وإلا ما معنى أن يقتل نظام قومي عربي نحو مليون مواطن باسم التوازن الاستراتيجي مع العدو ولا يخوض معركة واحدة حتى لتحرير جزء محتل من قُطره؟ (من تكملة الحساب إحصاء القتلى باسم فلسطين من ليبيا إلى العراق مرورا بمصر واليمن).
لقد سقطت الأيديولوجيات أيضا؛ بدءا من تنظيرات اليسار التي بنت على الصراع الطبقي أو وحدة الطبقة العاملة العربية واليهودية في مواجهة الصهيونية؛ أعلى مراحل الإمبريالية. لدينا ما يكفي من الإثباتات أن اليسار العربي كان أقرب إلى التطبيع الفكري والثقافي مع العدو من أجل مقاومة الرجعية العربية، وهي التسمية التي يعوم بها عداءه للتيار الإسلامي السني المسيس والذي وضع قبل غيره فلسطين على أجندته. وقد كان لحرب الطوفان مزيّة كشف هذا الموقف فحركة حماس عند اليسار العربي حركة إخوانية رجعية أضرت بالقضية.
على أبواب جولة جديدة
انتمت حركة حماس إلى عز الدين القسام، أول مجاهد/ مقاوم عربي مسلم سني، كأنها تستعيد نقطة البداية الحقيقية للمقاومة، وأغلقت قوس الأنظمة العربية والتحالفات المزيفة معها كما أغلقت قوس الأيديولوجيين العرب.
يظهر الآن في الأفق المحيط بفلسطين قوس إسلام سياسي سني يمتد من شمال أفريقيا إلى تركيا. هذا القوس مفكك تنظيميا لكنه موحد فكريا وتحل فلسطين في مكان مكين من أجندته، وقد ارتبط جغرافيا بعد إسقاط نظام البعث الذي كان يفصل بين مكوناته، لكن ما تزال هناك حواجز عالية يعسر تذليلها لربط جبهة واحدة متماسكة. ولهذا القوس رأس حربة أو سهم متقدم في الأرض المحتلة في غزة والضفة، فهل سيعيد فتح معركة التحرير بعقل عز الدين القسام؟
بناء هذا القوس الآن أقرب إلى الأحلام الكبرى منه إلى حقيقة قابلة للتنفيذ، وذلك لوجود عوائق ذاتية وأخرى موضوعية.
العوائق الذاتية في كل قُطر هي الثورة المضادة التي ستعبّر لمدة طويلة عن الأنظمة والتيارات التي فشلت في كل مهمة أعلنتها من التنمية في الأقطار إلى تحرير فلسطين. ما زال أمامنا زمن طويل نسمع فيه خطاب الوصم بالرجعية والخيانة، وسيتحالف المهزومون مع الكيان وقوى الهيمنة باسم مقاومة الإرهاب الإسلامي والدعوشة.. الخ.
ومن العوائق الكبرى في تقديرنا أن التيار الإسلامي نفسه يحمل عقدة نقص أمام التيارات الأيديولوجية، وقد تجلت العقدة في عقد الربيع العربي الفاشل. العنصر الإسلامي خارج غزة يرتبك أمام اليساري والقومي ويهرب من مواجهته، وهذه ذلة غير مفهومة. ولا سبيل إلى الشفاء من هذه العقدة إلا بمواجهات فكرية شجاعة، لركن هذه التيارات في حجمها الميكروسكوبي وفضحها بجرها إلى معارك الديمقراطية حيث ستموت بلا صلاة.
جراحات سوريا عسيرة على المداواة في المدى المنظور، فتركة البعث ثقيلة والحصار مفروض والثورة المضادة نشطة وأي طلب لخوض معركة قومية في هذا الظرف هو نوع من المزايدة على المواطن السوري المكلوم، لكننا نذكّر بأنها معارك أجيال لا معارك مرحلة
أما العوائق الموضوعية فواضحة، ونجزم أن قوى الهيمنة والكيان منها في القلب أكثر إدراكا لقوة هذا التيار. وقد حاربته منذ عز الدين القسام وكانت الانقلابات القومية جزء من أدوات الهيمنة الخارجية على الداخل القطري والنتيجة واضحة لكل ذي نظر. لن تسمح قوى الهيمنة للتيار الإسلامي بالتوحد في معركة تحرير ولا في معركة تنمية اقتصادية للاستقواء، لذلك فالمعركة ذات وجهين: أولا، معارك فكرية وميدانية ضد الداخل الخياني المهزوم الآن والذي لن يترك الساحة مهما كان حجم خسائره، وثانيا معارك استقلال سياسي وسيادة اقتصادية وسياسية على الأقطار بالتوازي مع معارك توحيد التيار نضاليا عبر أجندة واضحة لا ترتبك بوصم الإرهاب أو اللاسامية. المعارك ضد قوى الهيمنة تنطلق في تقديرنا بتجاوز الخوف الذاتي بما يكلفه من أثمان، بعضها دُفع في غزة الطوفان.
هنا ستحل سوريا في قلب المعركة، وهي مهمة تاريخية يؤهلها لها التاريخ والجغرافيا، فهي همزة الوصل بين الشرق والغرب ومعبر القوة البشرية والقتالية نحو القدس. هكذا كان في زمن أمية وفي زمن صلاح الدين وفي زمن التحرر من الاحتلال المباشر المغدور بالانقلابات العسكرية.
نعم جراحات سوريا عسيرة على المداواة في المدى المنظور، فتركة البعث ثقيلة والحصار مفروض والثورة المضادة نشطة وأي طلب لخوض معركة قومية في هذا الظرف هو نوع من المزايدة على المواطن السوري المكلوم، لكننا نذكّر بأنها معارك أجيال لا معارك مرحلة، ولا مستقبل لسوريا للأسف والكيان مرابط بجوارها واحتلاله لجزء من أرضها يشكل طعنة في شرفها السياسي.
نختم جازمين بأن المعارك المزيفة انتهت بسقوط البعث واندحار إيران، والمناضلون المزيفون اندحروا ويتلاشون هباءات في الريح. مازال نظام وادي عربة يقف في طريق وحدة الحزام السني وما زال عسكر كامب ديفيد في السلطة ولهم سجون مليئة بالإخوان المسلمين، ولكننا نرى مرحلة مؤذنة بنهاية من جنس نهاية نظام البعث.