القوات المسلحة ، مؤسسة سودانية راسخة جذورها في عمق أرض السودان ووجدان إنسانه المتشرب للجندية أصلا وفعلا محبة للبلد وما حوله من الناس .
وطني الذي أهوى كتاب ملاحم كبرى
تضيئ على الزمان وتبهر ..

وذلك قول الشاعر محمد المهدي المجذوب مقدما النموذج الأعلى للشخصية السودانية وصورة الولاء للبلد والإنتماء إليه وعشقه ولو أدى ذلك العشق إلى حتفه أو المجازفة بحياته .


ولم تقف الأدبيات السودانية وحدها في إبراز خصوصية السوداني وتفرده ، حتى المستعمر نفسه ، وقف صعقا دهشا أمام المياسم المائزة للسوداني .
أنظر مثلا إلى شاعر الأمبراطورية البريطانية ” رود يارد كيبلنق ” في قوله :
” عبر البحار كم جالدنا الأعداء ،
بعضهم كان جسورا وبعضهم لم يكن كذلك
الباتان … الزولو … والبورميين
لكن الأشعث كان أعجبهم جميعا ” ..

والأشعث هذا إشارة إلى الأمير عثمان دقنة وجنوده في معركة التيب فبراير 1881م شرق السودان .
فنحن أكثر شعوب الأرض تجشما لمشقة الحياة وإحتفاءا بالعناء ، سيما وإن كان هذا العناء ثمنه حماية الناس والأرض والعرض
إذ قال الطيب صالح مثلا على لسان الراوي في ” دومة ود حامد ” :

” نحن قوم جلودنا تخينة ، ليست كجلود سائر الناس . لقد اعتدنا هذه الحياة الخشنة ، بل في الواقع نحبها ” .
بهذا تشكلت شخصية الرجل السوداني الأصيل ، فهو لا يحتفي إلا بالقوة والشدة والمروءة وقيم النجدة والغوث ، مجندا نفسه دائما ليوم كريهة وسداد ثغر .

واتصالا بذلك الجذر والأصل المكون للشخصية السودانية ، كانت إستجابة الرجال النبلاء في تأسيس الجيش السوداني من أول النداء تسابق لنيل شرف الإلتحاق به أهل الوقار والجلد ، من كل جهات السودان ، يقينا منهم أنه غير لائق بهم أن لا يبدون أمام نداء الوطن إلا الرضا والإستجابة لإمتحان العشق المؤدي إلى المخاطرة بالأرواح والأنفس .

وتوافد أهل السبق من الرجال المؤسسون للمؤسسة العسكرية بجميع قسمات جغرافيا السودان وطقوس أقاليمه الثقافية بحدودها المائزة ، وبمعانيهم الواردة في التاريخ والمأثورات النبيلة ، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ، فأنتجوا هذا المعني النبيل للجيش السوداني بقوس قزح من ألوان الرجال وصدور عامرة بألحان الجلالات الأثيرة التي أنتجوها من أنغام أرواحهم الأثيرة من تجاه تضاريس دارفور :
” فقرا شيلو جلالا ، لعلي ود زكريا ”
أو ” ود الشريف رايو كمل
جيبوا لي شلايتو من دار قمر ”
وجاؤا بأجمل الأنغام من بلاد أهلنا الشلك ، ورموز ودلالات وإشارات إنبثقت من الوجدان الجمعي السوداني المتعدد التكوين وكيانه الأصيل الممتدد عبر الجذور .

وتتجلى السوداناوية في القوات المسلحة كأروع ما يكون في ملاحم بطولاتهم كما عبر عنها صلاح أحمد إبراهيم ” كانوا يتساقطون واحدا إثر واحد دركا ، بعد حياة كرست لمحبة الناس وإسعاد الناس وكف الأذى عن الناس في صمت وإنكار ذات ، فعلهم اليومي وطنية وعبادة ، وحياتهم العادية بطولة وتضحية ومصائرهم موصولة بمصير الشعب ” ..

الجندي السوداني صاحب إرادة وعزيمة وقدرة وإصرار ، يعطى مؤسسته العسكرية دفقات قلبه ، فهي عنده وطن وحافز ، وإرادة للحياة وحلم كامن في أعماق أرضنا يتطلع إلى المستقبل ورؤياه الإنسانية ، وفي مهنيته منغمس بالروح متصوف يرى أن دروب الوصول مثل الصعود في مسالك الجبال الوعرة . ولكنها مشيئة الله .

القوات المسلحة نتاج تاريخ السودان وجغرافيته وتركيبته الإجتماعية ، عملت على إزكاء عناصر وحدة مجتمعاته – بيانا عمليا – وإرساء مقومات التمازج داخل بناءها الهيكلي التنظيمي وعقيدتها القتالية التي لا تعرف لغير السودان الواحد الموحد ولاءا ولا ترفع لغيره لواءا آخرا .
فأخذوا من قمة جبل التاكا سموقه ، ومن هضاب جبل مرة زهوه ، ومن نهر النيل عطاءه ، ومن نخيل الشمال تواضعه ..

للقوات المسلحة نصيب مهول في بلورة الشخصية الثقافية السودانية ، وهو أمر يتعلق في جانب التركيبه الحيوية التي تاسست بها الوحدات التنظيمية للجيش ومسمياتها مثالا :
الغربية ، الهجانه ، الشرقية ، الشمالية ، الجنوبية ، إلخ .. وهي بهذا تنسج غزلها وفقا للوجدان السوداني وذاكرته ، في فعل يمكن القول بإن جوهره إكتشاف لهوية السودان ، ليس بطريقة المثقفين وبياناتهم وأشعارهم ومقالاتهم ولكن بأنساق أبنيته الهيكلية التنظيمية وعقيدته القتالية التي تتطلب تنوع القدرات التي تشكلها البيئات الإجتماعية أصلا بتنوع ثقافاته في فعل أشبه بفعل اللاعبين للعبة الشطرنج أمام اللوحة بحجارتها التي تؤدي كل منها دورا محددا إزاء كل قطعة أخرى ، وتعمل كل منها في تكامل اللعبة والوصول بها إلى غاياتها نصرا أو هزيمة .

إحسان إدارة التنوع الثقافي السوداني عند القوات المسلحة هي فطرة مجبولة عليها وفي درجة إحسانها لها هي أرفع درجات من أولئك الذين يتكلمون في منصات الفكر ويكتبون في الصحف والمجلات بلسان الفلسفة .

القوات المسلحة في تقديري هي أكبر سعة ورحابة صدر بجميع أهل السودان وهي ميزة نادرة الوجود أو شبه غائبة في كل مؤسساتنا المدنية وتنظيماتنا السياسية والثقافية .
وجوهر القول أن جيشنا في ميدانه العملي يتلاعب الضباط وجنود الصف والجنود بالألسن والقوافي المتعددة الألحان ، والأخيلة ، وتتشكل تكويناته بقوس قزح من ألوان الناس .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
فضل الله أحمد عبدالله إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: القوات المسلحة

إقرأ أيضاً:

الوفد: دماء الشهداء سطرت تاريخًا حافلًا بالبطولات في صفحات التاريخ بأحرف من نور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال المهندس حمدي قوطة عضو الهيئة العليا في حزب الوفد، رئيس لجنة الصناعة بالحزب، إن دماء المصريين سطرت تاريخًا حافلًا بالبطولات والتضحيات في صفحات التاريخ بأحرف من نور، وباتت نموذجًا يحتذي به للأجيال المتعاقبة، ودرسًا من دروس الوطنية الحقيقية، وتحفيز الأجيال بالولاء والانتماء والدفاع عن الوطن والتضحية من أجله بالغالي والنفيس.

وأضاف رئيس لجنة الصناعة في بيان له اليوم، إن تضحيات الشهداء من أبطال القوات المسلحة والشرطة والشعب المصري عامل أساسي في قوة هذا الوطن وتقدمه وتنميته، فلولاهم لظلت مصر تحت سيطرة الاحتلال، لولا دمائهم العطرة والذكية التي روت تراب ورمال هذا الوطن، ما كان لهذا الشعب أن ينعم بالاستقلال ويحلم بالتقدم والتنمية ويعيش في الرخاء والازدهار، يستنشق هواء الحرية والسيادة على أراضيه.

وشدد المهندس حمدي قوطة على أن أرواح شهداء هذا الوطن الطاهرة ستظل شريكة في مسيرة التنمية ورفعة المجتمع عبر الزمان، اعتزازًا وتقديرًا لتضحياتهم في الدفاع عن أمن وسلامة أراضي هذا الوطن، فهم الذين استعادوا أراضي مصر من أسطورة الجيش الذي لا يُقهر وهم من حموا تراب الوطن من براثن الإرهاب التي كادت أن تفتك بمصر وشعبها ومقدراتها.

وحرص عضو الهيئة العليا لحزب الوفد على توجيه التحية لأبطال القوات المسلحة والشهداء الأبرار وأسرهم وذويهم بهذه المناسبة العظيمة ، والذي يوافق التاسع من مارس من كل عام تخليدًا لبطولات الشهيد البطل عبد المنعم رياض ورفاقه الجنود الذين دفعوا ثمنًا كبيرًا هو أغلى الأثمان ببسالة وجسارة من أجل الدفاع عن الوطن وتحقيق أمن واستقرار سيناء.

مقالات مشابهة

  • البرهان يعين سفراء جدد ويطالب بحل مشاكل الجاليات السودانية
  • نقابة العاملين بالبترول: يوم الشهيد من الأيام الخالدة في تاريخ مصر
  • قيادى بالوفد: دماء الشهداء سطرت تاريخًا حافلًا بالبطولات
  • الوفد: دماء الشهداء سطرت تاريخًا حافلًا بالبطولات في صفحات التاريخ بأحرف من نور
  • معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية
  • يوم الشهيد| مصر لا تنسى أبناءها.. 9 مارس.. يوم حاسم في تاريخ العسكرية المصرية.. “البوابة نيوز”.. ترصد بطولات شهداء القوات المسلحة
  • مفتي الجمهورية: دماء الشهداء سطورٌ محفورة في تاريخ الأمة ومفاتيح عزتها التي لا تذبل
  • مصر والأزمة السودانية- دلالات تحرير الأسرى
  • الشعب السوداني مدين لكيكل بنجاحه في اهم عملية قام بها كعميل مخابراتي
  • برلماني: يوم الشهيد سيظل خالدا في تاريخ الوطن امتنانا لتضحيتهم من أجله