كيف تحولت إسرائيل لدولة دينية محكومة بشريعة الحاخامات؟
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
بات الحديث متزايدا في دولة الاحتلال عن نشوء حالة من "الحكم الذاتي" ببعض المدن الخاصة بالحاخامات والمتدينين اليهود، إذ يحظر على سواهم من "العلمانيين" دخولها، أو استخدام مواصلاتها، ومنشآتها العامة، ما يعتبر وصفة جاهزة لمزيد من الانقسامات بين الإسرائيليين، ونشوب صراعات إضافية داخلهم.
المحامية ومديرة منظمة "العائلة الجديدة"، إيريت روزنبلوم٬ قالت إنّ: "مظاهر نشوء صيغة الحكم الذاتي في المدن "الدينية" في الدولة باتت متزايدة، بحيث لا يمكنني مثلا زيارة مدينة بني براك، وهي أشهرها، دون تعديل ملابسي بما يتوافق مع تعليمات الحاخامات، وإلا فإنني سأتعرض للعداء في أماكن معينة منها، أي أننا دخلنا عهد: دولة الحكم الذاتي والحكم الديني الصارم".
وأضافت روزنبلوم٬ خلال مقال نشره موقع زمن إسرائيل، وترجمته "عربي21" أن "هذه الظاهرة الغريبة عن الدولة نتيجة طبيعية لتحالف سياسي مفاجئ، جمع المتطرفين اليهود المعتنقين لقيم دينية، ما يكشف عن واقع معقّد للحكم الديني الذي بات يسيطر على الحياة اليومية الإسرائيليين".
وأوضحت أن: "القوانين الجديدة والصارمة تحدّد المسموح به وغير المسموح في كل مجالات الحياة: التعليم، الحياة الأسرية، العلاقات، الشوارع والملابس، والأماكن العامة، بحيث أصبح كل إسرائيلي ملزما بتكييف أسلوب حياته مع القيم الدينية للقطاع المهيمن على مكان إقامته".
وأكدت أن "القوانين التي يسنّها الائتلاف اليميني تزيد من هذه الفجوات بين المدن الإسرائيلية، حتى بات في كل ركن من أركانها ما باتت تعرف بـ"قوانين الاحتشام" التي تمس الفضاء العام، وجميع الإسرائيليين مطالبون بالالتزام بقواعد الديانة اليهودية".
"منها تقييد النشاطات يوم السبت، وحظر التجارة فيه، وإغلاق أماكن الترفيه العاملة قرب المناطق الدينية، مما يضطر الإسرائيليين لتغيير أنماط حياتهم، وإذا لم يفعلوا ذلك، سيتعرضون لخطر دفع الغرامات المالية" تسترسل المحامية نفسها.
وأشارت أن "هذه القوانين التعسفية يعني أن العديد من الإسرائيليين عادوا الى أيام "الغيتو"، فكل خروج من مكان السكن إلى واحدة من المدن "الدينية" بمثابة رحلة إلى "إسرائيل مختلفة"، حيث يشعر الإسرائيليون، وكأنهم غرباء، ويجري تطبيق القوانين على نطاق واسع بشكل رئيسي في "المدن المختلطة"، ما يعيد تحديد الحدود بين القطاعات اليهودية".
وأردفت بأن "هذا الواقع الجديد هو نتيجة طبيعية للائتلاف الديني الحاكم، الذي يؤكد أن كل شيء في الدولة يتم وفقاً للمبادئ الدينية، مما يكشف التعقيد الكامن وراء القوانين والقيود الجديدة التي فرضها، لأنه في الممارسة العملية يصبح الأمر أكثر صعوبة، لأن قدرة الإسرائيليين على التنقل بحرية بين المدن اختفت تقريبًا".
وأبرزت: "لم يعودوا يفهمون لماذا يلتزمون بقواعد لا علاقة لها على الإطلاق بهم، لأنها تمسّ مباشرة بحريتهم الشخصية بسبب القواعد الصارمة، ويبدو أن الحكومة تستخدم الدين كذريعة للسيطرة عليهم، بغض النظر عمن يكونون".
وأشارت إلى أن "الصورة الناجمة عن هذا الواقع أسفرت عن نشوء "دولة داخل الدولة"، فتل أبيب مثلا، وفي إطار الحكم الذاتي هناك شعور بحصار سكانها، وإجبارهم على تقديم بعض التنازلات، وبات أصحاب المحال التجارية فيها يعملون في ظل العديد من القيود، فلا يُسمح لهم بفتح أبوابهم في أمسيات الجمعة، رغم أن جمهوري علماني فقط، كما أن الافتتاح ليلة السبت يقتصر على وقت معين، وكأنني أعيش في حظر التجول، لأن شوارع تل أبيب يسودها شعور بالعزلة، وبالغضب أيضاً".
من جهته، يعبّر الحاخام هاس، أحد قادة الجمهور الأرثوذكسي المتطرف، ورئيس مدرسة دينية معروفة في بني براك، عن إحباطه من: "الحكم الذاتي غير الديني العلماني في تل أبيب"، بقوله إن "إسرائيل لم تنشأ لتكون مكانا للإباحية والتوجهات التي تدنّس قيم الديانة اليهودية".
وتابع: "لأن الحفاظ على الدين يجب أن يفوق كل الاعتبارات السياسية، وسوى ذلك أمر لا يمكن تصوره في الدولة"، معتبرا أن "الوضع في تل أبيب خطيئة أخلاقية، لأنها تروّج للمحتوى الليبرالي، مما قد يكون له تأثير سلبي على الشباب الإسرائيلي، ويزيد الانقسام في المجتمع".
إلى ذلك، استعرضت الكاتبة خلال المقال الذي ترجمته "عربي21" جُملة من القوانين التي تؤكد توجّه دولة الاحتلال الإسرائيلي نحو مزيد من الاحتكام للشريعة اليهودية الحاخامية، وليس القيم الليبرالية القائمة عليها منذ إنشائها.
وتشمل القوانين قيودًا على حرية الزواج والشراكة، ووسائل النقل العام، وإغلاق الأعمال التجارية يوم السبت، وحظر العروض العامة خلال أوقات الصلاة، وبحسب قوانين الحكومة، فلا يوجد تقريبًا أي مكان في الدولة يستطيع الإسرائيليون العيش فيه دون شخص يشرف على ملابسهم، وطريقة كلامهم وطعامهم، وأنماط حياتهم، مما يعني نجاح نموذج الحكومة الدينية التي تم تحديد قواعدها من قبل الحاخامات، فيما ترك الجمهور العلماني على الهامش. وفقا للمصدر نفسه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاحتلال الحاخامات الغيتو الاحتلال الحاخامات الغيتو اليمين الصهيوني صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحکم الذاتی فی الدولة
إقرأ أيضاً:
القوة الخفية التي هزمت “حميدتي”
منذ انطلاق الرصاصة الأولى في الخرطوم يوم 15 أبريل 2023، كان واضحاً أن محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يقرأ المشهد العسكري والسياسي جيداً، أو قرأه بعين الوهم لا ببصيرة الواقع وبواطن الحقائق.
راهن الرجل على انقلاب خاطف وسريع يمكنه من وضع السودان في قبضته، لكنه لم يدرك طبيعة القوة الخفية في الدولة السودانية، تلك الدولة التي تبدو في ظاهرها ضعيفة ومفككة وآيلة للزوال، وذات مؤسسات هشة قابلة للانهيار السريع، لكنها أثبتت مراراً أن لديها عناصر قوة خفية لا تظهر إلا في مواجهة التحديات الكبرى.
عناصر القوة الخفية في الدولة السودانية:
• قوة المجتمع في التناصر والتعاضد ومقاومة الظلم والعدوان.
• قوة المؤسسات العسكرية والأمنية في تراكم خبراتها، وعمق تأهيلها المهني ، وروح الثبات والصبر على تحقيق الأهداف، وهي سمات تميز ضباطها وجنودها.
• قوة وجسارة الشباب بمختلف انتماءاتهم السياسية في مواجهة التحديات والمخاطر، سواء في الحروب أو التظاهرات.
• مستوى الوعي السياسي القادر على فضح النوايا الشريرة المغطاة بالشعارات التجميلية.
• العمق التاريخي لنضالات الشعب السوداني، الممتد منذ الممالك المسيحية، مروراً بمملكة الفونج، والثورة المهدية، واللواء الأبيض.ما فعلته قوات حميدتي أنها استفزت مكامن القوة الخفية في الدولة السودانية، فوجدت نفسها في مواجهة مختلف الطيف القبلي والجهوي والثقافي والسياسي والعسكري. ونتيجة لذلك، تشكّل تيار وطني عريض وغير مسبوق، عابر للانتماءات.
هذا التيار الوطني ضمّ:
• شيوخ ورجال الدين والطرق الصوفية مثل عبد الحي يوسف، شيخ الزين محمد أحمد، شيخ الكباشي، والمكاشفية، والختمية، وقساوسة كنيسة ماري جرجس وغيرهم.
• الفنانات مثل ندى القلعة، إيمان الشريف، ميادة قمر الدين وغيرهن.
• المفكرين من مختلف التيارات، من الإسلاميين مثل أمين حسن عمر، عبد الوهاب الأفندي، التجاني عبد القادر، وحسن مكي، إلى اليساريين والليبراليين مثل البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، د. محمد جلال هاشم، د. عشاري أحمد محمود، د. معتصم الأقرع، د. صلاح بندر، والروائي عبد العزيز بركة ساكن وغيرهم.
• المقاتلين من الحركات المسلحة في دارفور، وقوات “كيكل”، و”برأوون”، و”غاضبون”، و”المستنفرين”، وشباب الأقباط، و”ميارم الفاشر”، و”مرابطات الشمالية ونهر النيل”، والشيخ موسى هلال.
كل هؤلاء وغيرهم تصدوا لحماية الدولة السودانية والدفاع عن وجودها.
حميدتي، الذي كان بالأمس شريكاً في السلطة، متمتعاً بقوتها ونفوذها، ظن أنه قادر على اختطاف الدولة، لكنه نسي أن القوة وحدها لا تكفي، وأن شرعية البندقية لا تدوم طويلاً. فالرهان على الدعم الخارجي، والتحالفات المصلحية، واستراتيجية “الأرض المحروقة”، لن يحقق له أهدافه، بل سيؤدي إلى عزله وإنهاء وجوده في الفضاء العام.
فشل مشروع انقلاب حميدتي على الدولة السودانية لم يكن مفاجئاً، بل كان حتمياً، لأن أي انقلاب يفتقر إلى عمق سياسي، ورؤية استراتيجية، وحاضنة شعبية، لا يعدو كونه مغامرة متهورة باهظة التكلفة.
منذ اللحظة الأولى، كان واضحاً أن حميدتي يخوض معركة بلا غطاء وطني، وبلا ظهير سياسي يمتلك الخبرة والذكاء، وبلا أفق بعيد. اعتمد على القوة اللحظية العارية، لكنه واجه الحقيقة القاسية: القوة الخفية في المجتمع كانت أكبر من قوته العسكرية.
اليوم، وبعد ما يقارب العامين من الحرب، لم يبقَ لحميدتي سوى أطلال مشروع متهالك، وتحالفات تتآكل، وساحة تتسع لنهاية مأساوية.
فالتاريخ لا يرحم من ظنوا أن البنادق تصنع شرعية، ولا يغفر لمن توهموا أن الدعم الخارجي وحده يمكنهم من حكم الأوطان.