الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ يرفعن خمس
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
في كل مرة أستعيد التفكير في الحكمة التي أشرنا إليها سابقًا في مقالاتنا عن "خمس يُعرفن بخمس"، أجد نفسي أمام زخم جديد من التأملات التي تعيد تشكيل نظرتنا إلى الحياة وقيمها. واليوم، نستكمل سلسلة "الحياة لمن عاشها بعقل" بالحديث عن خمس فضائل عظيمة تُعرف بأنها ترفع خمسًا أخرى، لتُضيف إلى حياتنا أبعادًا أعمق، وتجعلها أكثر ثراءً بالمعاني والدروس.
أولًا أنَّ التواضع هو الفضيلة التي ترفع صاحبها، وهو الخلق الذي يجعل الإنسان أكثر قربًا من الناس وأكثر قبولًا للحق. التواضع ليس مجرد تصرف اجتماعي لطيف، بل هو عبادة قلبية تُعزز صلة الإنسان بربه وبمن حوله. قالت عائشة رضي الله عنها: "إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة.. التواضع". والتواضع كما عرّفه العلماء هو الخضوع للحق وقبوله ممن جاء به، صغيرًا كان أو كبيرًا.
وبالنظر إلى واقع حياتنا، نجد أن التواضع يرفع الإنسان في كل مكان، سواء كان غنيًا أو فقيرًا، قويًا أو ضعيفًا. فمن يملك المال ويتواضع للفقير، ومن يملك العلم ولا يتعالى على من يجهل، كلاهما يجسدان هذه الفضيلة. يقول الإمام الشافعي: "التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام". والتواضع يورث المحبة في القلوب، ويجعل صاحبه محبوبًا بين الناس، مما يساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية وبناء مجتمعات أكثر ترابطًا وسلامًا.
لذلك، إذا أردنا أن نبني مجتمعًا مليئًا بالمحبة والإخاء، فعلينا جميعًا أن نتحلى بهذه الصفة النبيلة، لأنها الطريق إلى قلوب الناس وإلى رضا الله.
أما الفضيلة الثانية، فهي المال الذي يرفع صاحبه إذا أُحسن استخدامه؛ فالمال في الإسلام ليس هدفًا بحد ذاته؛ بل وسيلة لتحقيق الخير ومساعدة الآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" (رواه البخاري). واليد العليا هي اليد المعطية التي تمنح دون أن تنتظر مقابلًا، أما اليد السفلى فهي اليد الآخذة التي تحتاج إلى العون.
وعندما نفكر في قيمة المال، نجد أنه يمكن أن يكون نعمة أو نقمة، حسب كيفية استخدامه. حيث أن المال الذي يُكتسب بجهد ويُنفق بكرم يرفع من قدر صاحبه؛ لأنه يصبح وسيلة لتحقيق الخير وإعانة الآخرين. ولكن المال الذي يُستخدم للتفاخر أو للسيطرة على الآخرين قد يتحول إلى وسيلة للذل واللؤم.
ولهذا، علينا أن ننظر إلى المال كأداة للارتقاء بالنفس ومساعدة المحتاجين، وأن نحذر من أن يصبح وسيلة للفساد أو التباهي؛ فالمال الذي يُستخدم بحكمة يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة.
وبالحديث عن الفضيلة الثالثة، نجد أن الصمت هو الذي يرفع الإنسان عن الزلل. في عالمٍ يمتلئ بالصخب والحديث غير المفيد، يصبح الصمت فضيلة عظيمة تحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" (رواه البخاري).
والصمت، عندما يكون في موضعه الصحيح، يُجنب الإنسان الكثير من المشاكل، ويجعل كلماته أكثر قيمة وتأثيرًا. ففي كثير من الأحيان، قد يكون الصمت أبلغ من الكلام، خاصة عندما لا تكون الكلمات ضرورية أو عندما يكون الحديث قد يُسبب أذى للآخرين.
ومن هنا، نصيحتي- لكل من يقرأ هذا المقال- أن يجعل الصمت أداة للحكمة والتفكر، خاصة في المواقف التي تتطلب ضبط النفس. فعندما يصمت الإنسان، فإنه يُظهر احترامه للآخرين، ويُجنب نفسه الوقوع في الزلل الذي قد يُضعف مكانته أو يُفسد علاقاته.
أما الفضيلة الرابعة، فهي الحياء الذي يرفع الخلق. الحياء في الإسلام هو زينة الأخلاق، وهو الذي يمنع الإنسان من الوقوع في القبائح أو التفريط في حق الآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخيرٍ" (رواه البخاري).
والحياء، كما عرفه العلماء، هو خلق يحمل صاحبه على فعل الجميل وترك القبيح. قال ابن القيم: "الحياء من الحياة، وكلما كان القلب أحيى كان الحياء أتم". الحياء يجعل الإنسان يتصرف بوعي واحترام، ويعزز علاقاته بالآخرين لأنه يُظهر اهتمامه بمشاعرهم وحقوقهم.
وفي حياتنا، نجد أن الحياء هو خلق يحمي الإنسان من الوقوع في الأخطاء، ويجعله محبوبًا بين الناس. فالحياء ليس ضعفًا أو خجلًا زائدًا، بل هو قوة تجعل الإنسان يضع لنفسه حدودًا وقيمًا يلتزم بها.
وأما الفضيلة الخامسة هي ترك الهزل الذي يرفع الكلفة. الهزل في معناه الإيجابي هو المزاح الخفيف الذي يُضفي المرح على الحياة، ولكن إذا زاد عن حده، فقد يُضعف العلاقات ويُقلل من احترام الآخرين.
إن الكلفة، التي تعني المجاملات الزائدة، قد تكون ضارة إذا أصبحت وسيلة للنفاق أو للتغطية على الحقيقة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا" (رواه أبو داود). لذلك، فإن ترك الهزل الزائد والتحلي بالجدية في التعامل هو الطريق لبناء علاقات صادقة وواضحة.
وفي ختام هذا التأمل في "خمس يرفعن خمس"، نجد أن هذه الفضائل ليست مجرد صفات يمكن أن يتحلى بها الإنسان في لحظات عابرة؛ بل هي أسس متينة تبني عليها حياة ذات معنى وقيمة؛ حيث إن التواضع يجعلنا أكثر إنسانية، نلامس به قلوب الآخرين ونتقرب به إلى الله الذي يحب المتواضعين. والمال حين يُستخدم بحكمة، يصبح وسيلة لإغاثة الملهوف وتحقيق الخير، فيكون المال رفعة للنفس وسببًا لتعزيز الروابط الإنسانية.
أما الصمت، فإنه حكمة تجعل الإنسان في مأمن من زلات اللسان وتفتح له أبواب التأمل والفهم العميق. وكذلك الحياء، تلك الزينة التي تزيد القلب نقاءً، هو عنوان الأخلاق الرفيعة ودليل الإيمان الصادق. وأخيرًا، ترك الهزل يرفع الكلفة ويُبقي العلاقات صادقة وواضحة، خالية من المجاملات التي تعكر صفوها.
هذه القيم الخمسة هي بمثابة الأوتاد التي تُثبّت خيمة حياتنا على أرض صلبة. إنها تضفي على أفعالنا معاني أعمق، وتجعل من وجودنا قيمة مضافة في حياة الآخرين. الإنسان الذي يتبنى هذه القيم لا يعيش فقط لذاته، بل يصبح جزءًا من بناء مجتمع متماسك مليء بالحب والاحترام.
لنتذكر أن التحلي بهذه الفضائل لا يأتي من فراغ، بل يحتاج إلى جهد مستمر، ورغبة صادقة في تحسين الذات، وعزم على المضي قدمًا في طريق الإصلاح الداخلي. الحياة الحقيقية ليست بما نملك من مال أو مكانة اجتماعية؛ بل بما نتركه من أثر طيب وما نغرسه من قيم تعيش بعدنا.
فلنكن ممن يسعون للرفعة بمعناها الأعمق، رفعة القلب بالحياء، ورفعة النفس بالتواضع، ورفعة الروح بالصمت، ورفعة الأخلاق بترك الهزل، ورفعة الإنسانية باستخدام المال لخدمة الخير. حين نفعل ذلك، نصبح أكثر قربًا من جوهر الحياة الذي أراده الله لنا: حياة مليئة بالخير والنقاء والسلام الداخلي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أمير منطقة الجوف يرفع الشكر للقيادة على إطلاق ودعم الحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة
المناطق_واس
رفع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف، باسمه ونيابةً عن أهالي المنطقة، الشكر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- بمناسبة إطلاق الحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة عبر المنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان)، ودعمهما المستمر لمنصة “إحسان” منذ إنشائها؛ مما أسهم في تحفيز أهل الخير والمحسنين للمشاركة في دعم الفئات المستحقة عبر مجالات المنصة الموثوقة.
وأكد سموه أن التبرع السخي الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله-، للحملة الوطنية للعمل الخيري في نسختها الخامسة من خلال منصة “إحسان” يأتي امتدادًا ودعمًا لمسيرة العمل الخيري في المملكة، ويجسد عظيم اهتمام القيادة الرشيدة – أيدها الله -، في دعم الأعمال الخيرية في شتى المجالات، كنهج ثابت سارت عليه، وتنامى في أبنائها المواطنين والمواطنات، وانطلاقًا من منهجها في تعزيز التكافل المجتمعي خلال الشهر المبارك.
أخبار قد تهمك أمير منطقة الجوف يستقبل محافظ دومة الجندل ويطّلع على تقرير المحافظة لعام 2024 5 مارس 2025 - 4:32 مساءً أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة التنسيقية العليا لدعم ومساندة تنفيذ المشروعات والخدمات بالمنطقة للربع الرابع 2024م 4 مارس 2025 - 4:06 مساءًونوّه سمو الأمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز بما يجده المواطن والمقيم بالمنطقة، وجميع مناطق المملكة من دعم ورعاية واهتمام من قبل القيادة الرشيدة – أيدها الله -، وتوجيهاتها الدائمة بتقديم جميع الاحتياجات والخدمات التنموية التي تلامس حياة المواطن لينعم بالراحة والرفاهية، مشيرًا إلى ما تحظى به منصة (إحسان) من اهتمام ودعم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله -، لتعزيز الدور الريادي للمملكة في أعمال الخير والعطاء.
وأكد سموه أن الحملة الوطنية للعمل الخيري تأتي تجسيدًا للرعاية والاهتمام الكبيرين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء –حفظهما الله– بالعمل الخيري، وإتاحة الفرصة لأفراد المجتمع كافة للإسهام في أعمال البر والتكافل المجتمعي، في شهر يتضاعف فيه الأجر والمثوبة.
وسأل سموه المولى -عز وجل- أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن يحفظ البلاد من كل شر وسوء، ويرزقنا شكر نعمته، إنه سميع مجيب الدعاء.