الهُويَّة الوطنية في ظل مُتغيرات العصر
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
محمد بن رامس الرواس
لطالما كانت ولا تزال الهُويَّة الوطنية واحدة من أهم القيم التي تجمعنا كلُحمة وطنية واحدة في ظل عناصرها الأساسية اللغة والدين والجغرافيا والقيم والمبادئ وكل ذلك رسخ لقيام هُويَّة وطنية وانتماء واحد للوطن في مجتمع عُماني متماسك ظل شامخاً عبر الأيام والسنين.
والهُويَّة الوطنية تمثل الركيزة الأساسية التي ينطلق منها انتماؤنا لوطننا العزيز عُمان وهي المحرك والدافع الأساسي لتقديم ما نستطيع تقديمه للوطن والتضحية لأجله من أجل حماية مكتسباتنا بجانب الحفاظ على المبادئ والقيم ثم الأرض مما يساهم بلا شك في ازدهار سلطنتنا الحبيبة عُمان واستقرارها.
والهُويَّة الوطنية بمفهومها العام وتعريفها يكمن فيه أنها مجموعة من الخصائص والسمات المشتركة الذي تُميز المجتمع والتي عادة ما تكون منتقاة من القيم والمبادئ والعادات السائدة فيه وكذلك من التاريخ والجغرافيا المشتركة وكل ذلك وغيره يجعل الوطن كروح واحدة تضمن استقراره وبقاءه.
والهُويَّة الوطنية تتداخل قد تختلف بعض عناصرها من دولة إلى أخرى عبر ما يمر به كل مجتمع أو دولة من تغيرات من حقوق مشتركة ولغات مختلفة إلا أن الهُويَّة الوطنية بصفة عامة تظل تعبيراً حقيقياً للإنسان وانتمائه وانعكاس كل ذلك على مصداقيته من خلال العطاء الذي يقدمه لوطنه والشعور والتعبير الذي يكنه بداخله في ترجمة ذلك للواقع عبر أقوال وأفعال حيث إنَّ طاقات الأفراد هي الوقود الدائم لهذا الانتماء الوطني والذي يجب أن يبرهن الواحد منَّا على ما يقوم به تجاه وطنه.
وبرغم أن سلطنة عُمان الحبيبة تشكلت حضارتها على مدار قرون فائتة من الزمن، إلّا أنها حافظت بشكل وبصورة واضحة على هُويَّتها الوطنية الواحدة ومصيرها الواحد حتى أصبحت الهُويَّة الوطنية العُمانية نوراً يضيء درب اليوم في مواجهة التحديات التي تواجهها الهُويَّة الوطنية في الساحة العالمية في ظل المتغيرات الحديثة، لكن ولله الحمد ظل مفهوم الوطنية العُمانية مرتبطا بلغتها وتاريخها وجغرافيتها وهي العوامل التي ربطتها بعناصرها الأساسية، ومع ظهور العولمة خلال السنوات الفائتة أصبحت المجتمعات تصارع لأجل لا يحدث فيها تغيرات في هُويَّتها الوطنية مما قد تساهم فيه العولمة بشقها السلبي في تغيير الهُويَّة الوطنية للمجتمعات من خلال حدوث تلاقح الأفكار والثقافات الذي يدار خلال وسائل التواصل الحديثة وما حدث من انفتاح وعبور للأفكار تكنولوجيا ومعلوماتيا وما نتج عنه وأفرزته وسائل الإعلام الجديدة.
إنَّ مواجهة المجتمع العُماني لكل ذلك وبرغم التحولات الهائلة في قيم بعض المجتمعات إلّا أنه ظل مُتمسكًا بقِيَمِه ومبادئه ومحافظًا عليها، ولا شك أننا نحتاج إلى مزيد من الثقافة في هذا المجال، من أجل تثبيت وترسيخ الهُويَّة الوطنية العُمانية بمفهومها الأصلي المرتبط بالأرض، وتعزيز ولاء وانتماء أبناء الوطن الواحد من أجل مصلحة الوطن الذي يحفظ كرامة الإنسان ويوفر لهم السعادة وسبل العيش الكريم؛ فيظل الجميع فخورًا بانتمائهم لوطنهم، ويفخر الوطن بهم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العراق الذي أصبح بين كمّاشتين
آخر تحديث: 3 دجنبر 2024 - 9:06 صبقلم: سمير داود حنوش المنظومة السياسية في العراق تعيش حالة من الاسترخاء واللامبالاة، يدفعها شعور ببقائها الأبدي، غير مُبالية بالتحولات الكبرى التي بدأت تُعيد رسم الخارطة السياسية، وكأنها خارج اللعبة. ذلك الغرور السياسي يُبنى على وهم زائف وعدم الاعتراف بأن عنصر المفاجأة جزء من طبيعة العمل السياسي.بات في حُكم المؤكد أن المنطقة برمتها على موعد مع أربع سنوات حافلة بالمتغيرات، بدأت بعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وتستمر مع جلوس دونالد ترامب في البيت الأبيض. ويسود الاعتقاد في الأوساط السياسية أن الملف الأهم لترامب سيكون عراقيا، بعد أن أدرك الجمهوريون الخطأ الذي وقع فيه الديمقراطيون حين سلّموا العراق على طبق من ذهب لإيران. لذلك، وكما يقولون، إن الكتاب يُقرأ من عنوانه، فقد اختار ترامب تشكيلة وزارية من شخصيات تُعرف بدعمها المطلق لإسرائيل وعدائها المُعلن لإيران. أول الغيث للعراقيين هو مغادرة السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانوسكي لتحل محلها تريسي آن جاكوبسون، التي تعهدت أمام الكونغرس الأميركي بمحاربة إيران وقطع أذرعها في العراق بمواجهة علنية ومباشرة، في تحول جذري يمثل تغييرا في سياسة البيت الأبيض، عكس السياسة الناعمة التي كانت تنتهجها رومانوسكي. أوضح تقرير نشره معهد “منتدى الشرق الأوسط الأميركي” بعنوان “إذا غادر ترامب العراق، فسيكون ذلك هدية لإيران والصين”، أن أمام الولاية الثانية لترامب فرصة إعادة تعديل السياسة التي انتهجها جو بايدن، والتي من بينها محاولة استرضاء إيران، لتحل محلها سياسة الضغط الأقصى التي تجمع بين السياسة والاقتصاد. صورة الواقع السياسي العراقي تشبه سفينة تُبحر في بحر متلاطم الأمواج وعلى ظهرها أكثر من ربّان يريد القيادة، محصلتها غرق هذه السفينة بعد أن ضاعت بوصلتها.في الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى تجنيب العراق ويلات الحرب ويبعده عن الصراع الإقليمي، بعد أن اكتسب تأييدا عربيا من خلال الجامعة العربية، يحاول تجديد ذلك التأييد من خلال الاتحاد الأوروبي وكسب تأييد دولي لمنع قصف الأراضي العراقية من خلال زيارته إسبانيا. لكن بالمقابل، تصاعدت أصوات من الفصائل العراقية، من بينها حركة النجباء، تحذر الحكومة من التواطؤ مع العدو الإسرائيلي! وتؤكد أنها ستضحي بالنظام السياسي في العراق إذا تم تخييرها. كل الاحتمالات تؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة ستنضم إلى حليفتها إسرائيل في ضرب العراق، وقد يكون موعد الضربة قريبا من تاريخ تنصيب ترامب في البيت الأبيض، خصوصا مع الدلائل والوقائع التي أثبتت أن العراق يمتلك صواريخ تصل إلى مديات تتجاوز 150 كلم، متحديا الشروط والالتزام الدولي الذي ألزمه بوجوب ألاّ يمتلك صواريخ تبعد أكثر من ذلك المدى، تعتبرها الولايات المتحدة مخالفة للقانون الدولي قد تعيده إلى البند السابع. الضربة الإسرائيلية القريبة للعراق بدأت تُحشّد لها الفصائل من خلال التحشيد والتسليح، وإخلاء المواقع المهمة، واختفاء قادتها.يبدو أن سيناريو فصل الساحات وتشتيتها قد تم إقراره إسرائيليا بعد أن أوصلت الفصائل رسالتها باستمرار قصف الأهداف الإسرائيلية رغم إعلان الهدنة في لبنان، حيث منعت السفارة الأميركية في بغداد من إرسال المساعدات جوا إلى لبنان دون المرور بنقطة تفتيش مقامة في الأردن، على اعتبار أن تلك المساعدات قد تتضمن مواد ممنوعة تصل إلى حزب الله اللبناني من العراق، حسب صحيفة “ذا كرايدل الأميركية”.العراق الذي أصبح بين كماشة الفصائل المسلحة التي بدأت تُجهّز حشودها للمواجهة العسكرية، من خلال التدريب واستقبال شحنات المسيّرات والصواريخ التي تأتي من إيران، وبين الضغط الأميركي الذي بدأت عقوباته الاقتصادية وحتى العسكرية تلوح في الأفق، إضافة إلى ما يترتب عليه من تغييرات في النظام السياسي قد ترسم لهذا البلد بدايات أو نهايات لا يمكن التنبؤ بها.