الديون الأميركية وهيمنة الدولار.. هل تتأثران بخفض تصنيف الولايات المتحدة؟
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
"يبدو أن الولايات المتحدة تأخرت كثيرا في إدراك أن إصدار الديون هو دجاجة واشنطن التي تبيض ذهبا، وأن السوق يظهر أن البيض الذهبي الذي تضعه واشنطن لا يزال مطلوبا للغاية".
هذا ما قاله الكاتب ماكسيميليان هيس المحلل ومستشار المخاطر السياسية في مقال نشره موقع الجزيرة الإنجليزية.
وعندما خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ألقى الجمهوريون اللوم على إدارة بايدن، ويرى الكاتب أنهم إذا أرادوا استعادة التصنيف السابق (AAA) قبل خفضه في الأول من أغسطس/آب الجاري إلى (AA+)، فإن الطريق إلى ذلك بسيط للغاية وهو إلغاء سقف الديون مرة واحدة وإلى الأبد.
وقد أرجعت فيتش هذا الخفض إلى التدهور المالي المتوقع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتكرار مفاوضات سقف الدين الحكومي التي تهدد قدرة الإدارة على سداد التزاماتها.
وأشار الكاتب إلى أن تأثير السوق كان ضئيلا، إذ لم تكن هناك حركة كبيرة في سعر وعائد سندات الخزانة الأميركية، وآلية الاقتراض القياسية، ولا في قيمة الدولار الأميركي مقابل العملات الأخرى حتى بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في اليوم التالي أنها ستزيد الاقتراض بمقدار 7 مليارات دولار في الربع القادم وإضافة 6 مليارات دولار أخرى في مزادات الديون في الشهر المقبل.
الطلب على الديون الأميركيةوهناك طلب كبير على ديون الولايات المتحدة، والتي تلعب دورا حيويا ليس فقط في النظام المالي الأميركي، ولكن في جميع أنحاء العالم، وإن أكبر اقتصادين بعد الولايات المتحدة -الصين واليابان- أحدهما منافس، والآخر حليف، هما أكبر مشتر لسندات الخزانة الأميركية في العالم، والتي لا تخدم فقط بوصفها مصدرا لحيازات الدولار الأميركي للاحتياطيات العالمية، ولكنها أيضا الأداة السائدة التي يتم من خلالها تمويل التجارة الدولية.
وتمثل سندات الخزانة الأميركية ما يقرب من نصف القروض عبر الحدود وترتيبات تمويل التجارة على مستوى العالم، وهذا يمنح الولايات المتحدة ما وصفه الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان بامتيازها الباهظ.
وهذا الامتياز لا يمنح الولايات المتحدة فوائد اقتصادية كبيرة فحسب، بل أيضا فوائد سياسية، فهذا هو السبب في أن العقوبات الأميركية لاذعة للغاية ولها مثل هذا الامتداد خارج الإقليم، ولا يمكن للشركات والبلدان التي تحتاج إلى دولارات أن تخاطر بالتعرض لها.
وأظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية -أمس الثلاثاء- زيادة الحيازات الأجنبية من سنداتها في يونيو/حزيران، وأن اليابان كانت أكبر حائز خارجي لها، إذ زادت مشترياتها الصافية منها.
وزادت حيازات الأجانب من ديون الحكومة الأميركية إلى 7.563 تريليونات دولار في يونيو/حزيران، ارتفاعا من 7.521 تريليونات الشهر السابق له.
ديون أميركا أقل مخاطر من الدول الأخرىويشير هذا الامتياز أيضا إلى قدرة الولايات المتحدة على إصدار ديون بمخاطر أقل بكثير من البلدان الأخرى، فتلك البلدان بحاجة إلى دولارات، ولا توجد جهة غير الولايات المتحدة لإصدارها، ويبدو أن هناك قلقا أقل بكثير هذه المرة.
كما أشارت فيتش إلى أن سقف التصنيف الأميركي سيبقى عند (AAA)، مما يعني أن الشركات الأعلى تصنيفا مثل "آبل" لا داعي للقلق بشأن تأثر تصنيفاتها، ولا المؤسسات المدعومة من الولايات المتحدة مثل بنوك التنمية المختلفة التي تدعم دورها الرائد في النظام الاقتصادي الدولي.
ومع ذلك، هناك من يدعي أن تخفيض فيتش يهدد المستثمرين بمعاملة ديون الولايات المتحدة بشكل مختلف، أو تسريع بحثهم عن أصل احتياطي آخر، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد بديل حقيقي يظهر في الأفق.
وأعلنت فيتش مؤخرا أن الدولار الأميركي يبدو أنه سيظل "العملة العالمية البارزة" حتى عام 2050، وأن الطلب العالمي على الدولار، وسندات الخزانة، سوف يغطي أكثر من مجرد إصدار ديون الولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الخزانة الأمیرکیة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
قوات أوروبية بأوكرانيا.. تعكير للمفاوضات الأميركية الروسية أم للضغط على موسكو؟
موسكو- حصل المقترح الأوروبي بنشر 30 ألف جندي في أوكرانيا على زخم جديد بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تأييده الكامل للفكرة، مع التشديد على أن قوات بلاده لن تشارك فيها.
ويأتي الموقف الأميريكي بعد يوم واحد من انعقاد اجتماع غير رسمي للقادة الأوربيين في باريس، دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقال إنه لبحث ملف الأمن الأوروبي المشترك وتحفيز التخطيط للدعم الأوروبي لكييف والتوصل إلى إجماع بشأن نشر محتمل للقوات هناك، وسط خلافات بين دول القارة حول هذا المقترح.
وكانت الولايات المتحدة طالبت في وقت سابق الزعماء الأوروبيين بتقديم ضمانات أمنية، بما في ذلك قوة عسكرية لأوكرانيا، في حال تمكنت واشنطن من التوصل لاتفاق مع موسكو حول وقف الحرب أو الهدنة مع أوكرانيا.
انزعاج أوروبيلكن رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن نشر قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا يُعتبر أمرا غير مقبول لبلاده ويشكل تهديدا لسيادتها، يطرح تساؤلات حول سيناريوهات المرحلة المقبلة من المفاوضات الروسية الأميركية بخصوص الحرب، وكيف سيكون موقف الكرملين في حال تم بالفعل إرسال قوات أوروبية إلى هناك.
ويميل عدد من المراقبين الروس للاعتقاد بوجود انزعاج أوروبي متزايد من مقاربة واشنطن لوقف الحرب في أوكرانيا، تقوم على أن أولويات الأمن الأميركية باتت تكمن في مكان آخر، ولذلك ينبغي التصرف دون التعويل على المشاركة الأميركية المباشرة.
إعلانوما يعزز من هذا الاعتقاد -وفق هؤلاء- هو استبعاد واشنطن لأوروبا وكييف من مفاوضات الرياض التي تجريها مع موسكو، وتقييم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإيجابي لها وإعلانه بأنه مستعد للقاء نظيره ترامب.
تباينيرى الباحث في السياسات الدولية، ديمتري كيم، أن سبب القلق الأوروبي، والتعبير عنه بمقترح إرسال قوات إلى أوكرانيا، جاء ردا على عزم الولايات المتحدة التحرك بـ"سرعة كبيرة" لوقف الحرب، في وقت تشعر فيه أوروبا بالتهميش في مفاوضات قد تهدد نهاية المطاف -حسب مفهومها- التوازن الأمني في القارة لسنوات قادمة.
ويوضح للجزيرة نت أن الحديث يدور عن إرسال قوات أوروبية لكنها لن تكون مشمولة بضمانة أمنية من الناتو بسبب الموقف الأميركي، مما يعني أن هذه البلدان ستضطر إلى الدفاع عن نفسها لوحدها في حال اندلع صراع جديد مع روسيا.
ومن هنا -يتابع الباحث- ستعتمد القرارات اللاحقة بهذا الخصوص على نوع الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة، إن وجد، وكذلك في حال تم التوصل إلى اتفاق بخصوص الحرب في أوكرانيا، وهو ما يزال سؤالا مفتوحا.
وباعتقاده، فإن فرض تسوية سلمية مستقبلية بين واشنطن وموسكو بات يشكل كابوسا لدى عواصم أوروبية خاصة لندن وباريس، وسط تباين في "حماسة" مجموعة أخرى منها تجاه نشر وحدات عسكرية بأوكرانيا، مثل السويد المترددة، وألمانيا التي تواجه انتخابات هذا الأسبوع، وبولندا "الخصم التاريخي" لكييف، وهو ما يمكن اعتباره ضربة للجهود المتعددة الجنسيات الناشئة.
خطة بديلةمن جهته، يعتبر خبير الشؤون العسكرية قسطنطين سوسلوف أنه رغم أن نهاية الحرب، التي باتت على مقربة من دخول عامها الثالت، كانت تُعتبر بعيدة المنال، إلا أن إعلان ترامب عن استعداده للتحدث مع روسيا والاجتماع مع بوتين أدى إلى "تدافع" القادة الأوروبيين للرد والمسارعة في وضع خطة بديلة للإبقاء على التوازن في القارة العجوز.
إعلانووفق تصريحه للجزيرة نت، فإنه من الناحية النظرية توجد عدة مستويات من القوات التي يمكن نشرها بعد وقف إطلاق النار في أوكرانيا هي:
الأول: قوة ردع برية كبيرة قادرة من الناحية النظرية على القتال إذا تجددت الحرب بين روسيا وأوكرانيا مرة أخرى، وتتكون من 100 إلى 150 ألف جندي. لكنه يتساءل ما إذا كانت أوروبا قادرة على توفير مثل هذا العدد، مع استبعاد مشاركة الولايات المتحدة. الثاني: قوة تتألف من عشرات آلاف الجنود الأوروبيين تنتشر على أجزاء من خط المواجهة، من شأنها أن تشكل مساعدة أكثر محدودية. ولكن قد يعني ذلك أنه إذا تجددت المواجهة بين روسيا أوكرانيا مرة أخرى فإن الدول الأوروبية سوف تنجر إلى الصراع. الثالث: النموذج الأكثر محدودية، وفق الخبير سوسلوف، ويتمثل في قوة تدريب كبيرة تشكل رادعا لأن القوات الأوروبية سوف تكون متمركزة بأوكرانيا وقادرة على القتال وتقديم الدعم في أزمة عسكرية. ويلفت أن ذلك لن يكون سوى مساعدة محدودة لأوكرانيا التي تواجه نحو 600 ألف جندي روسي على طول جبهة نشطة يبلغ طولها 950 كيلومترا على الأقل.وحسب ما يقول، فإن العملية العسكرية الروسية -التي انطلقت في فبراير/شباط 2022- كان من أبرز أهدافها منع أوكرانيا من أن تصبح جزءا من الغرب، بما في ذلك الانضمام إلى حلف الناتو، فضلا عن نزع سلاحها. لذلك ستعارض موسكو بالتأكيد وجود أي قوات أوروبية داخل أوكرانيا.
ويستعبد الخبير سوسلوف خطر اندلاع صراع أوسع بين أوروبا وروسيا، معتبرا أن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن الدول الأوروبية سوف تضطر لتقديم ضمانات أمنية كاملة لأوكرانيا.