اليمن يعلم العالم مفهوم التحرر من التسلط الأمريكي
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
اليمن يعلم العالم مفهوم التحرر من التسلط الأمريكي.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
مقدمات أساسية في مفهوم فقه الفرصة في طوفان الأقصى.. قاموس المقاومة (55)
يُعد مدخل الفرصة الاستراتيجية والحضارية من المداخل المهمة في علوم الاستراتيجية والسياسة، كما أن نجاح الحركات الاجتماعية والجماعية أو فشلها -ومنها العمل الانتفاضي في نماذجه المختلفة- يتأثر بصورة رئيسة ليس فقط في إدراك تلك الفرص؛ بل بامتلاكها والبناء عليها وفق منطق "لا تدع الفرصة تفلت"، وإذا أتت الفرصة فاهتبلها واستثمرها.
وفي المعاجم "اهتبل الفُرْصةَ: اغتنمها"، وتعد الفرصة أفضل طريق للتصدي للتحديات ومحاولة استخدام هذا الوقت المناسب لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي والنهوض بالأمة في طاقاتها واستنفارها. ووفقا للمتخصصين فإن السياق المتعلق بالفرصة بإمكانه أن يؤثر على خمسة أمور؛ أولها الحشد والنظامية، وثانيها طرح مطالب محددة واضحة وجدت الظروف المواتية، وثالثها إقامة تحالفات معينة، ورابعها توظيف سياسات وتكتيكات سياسية معينة بدلا من أخرى، وخامسها التأثير على مجمل البيئة بكاملها على المستوى الداخلي والإقليمي والخارجي.
وتكمن ميزة هذا المدخل في تأكيده على مراعاة هذه الأمور الخمسة بما يضمن الفاعلية والتأثير، ويحيلنا ذلك إلى مسألة غاية في الأهمية تتعلق باستثمار الفرصة، والتي تتطلب بدورها القدرة على صناعتها والمقدرة في فن إدارتها. ومن هنا وجب على الأمة ومن خلال أجهزة تهتم بصناعة المستقبل وبناء الاستراتيجيات أن تحرص على الفرص الاستراتيجية النادرة وأن تعظم من آثارها.
الفرصة فقها وصناعة وإدارة تعنى بأمرين؛ أحدهما فهم إمكانات الفرصة ومسالك اغتنامها، أما الأمر الآخر فيرتبط بتطوير مهارة التعرف على الفرص الذي يتطلب بدوره مزيجا من الوعي الذاتي، والتفكير التحليلي، والرغبة في التعلم والاعتبار والاستثمار من الخبرات
والفقه في اللغة؛ الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم. وتخصيص اسم الفقه بهذا الاصطلاح حادث، واسم الفقه يعم جميع الشريعة التي من جملتها ما يتوصل به إلى معرفة الله ووحدانيته وتقديسه وسائر صفاته، وإلى معرفة أنبيائه ورسله عليهم السلام، ومنها علم الأحوال والأخلاق والآداب والقيام بحق العبودية وغير ذلك.
وبهذا الفهم الواسع كانت إضافة الفقه الى الفرصة (فقه الفرصة)، معتمدا ذلك المدخل المهم من أن استثمار الفرص الاستراتيجية والحضارية التي هي من الندرة بمكان، وأن إدارتها تحتاج إلى رؤية استراتيجية أصيلة ورصينة وبصيرة، فإن الأمر كما يتعلق بإدارة الأزمات لا بد وأن يُمكِّن من إدارة الفرص وتقليل الخسائر والمخاطر.
إن "استثمار الفرصة له جانبان؛ الأول يتعلق بصناعتها، والثاني يتعلق بإدارتها". إن خروج الأمة من عقلية مواجهة الأزمات المستمرة وإدمانها إدارة الأزمات لهو من الأمور التي تحقق جوهر معاني الاستراتيجية الحقيقية؛ بأنها عقل العمل بإعمال كل مسارات التفكير والنظر والبحث والتأصيل وعمليات التيسير والتسيير؛ مستلهمة أصول التدبر والتدبير ودافعة إلى البحث في طرائق التغيير قاصدة إلى الفاعلية والتأثير.
ويجب ألا يصرفها ذلك على أهميته وجلالة قدره عن تشوّف الفرص بل وصناعتها؛ واستثمارها الاستثمار المكافئ واللائق. ومن فقه الفرصة تداركها تتبعا وتشوّفا؛ تدارَك الفرصة قبل أن تندمَ على فواتها، وإيَّاك ثم إيَّاك من التسويف. قال الماوردي رحمه الله: "فينبغي لمن قدرَ على ابتداء المعروف أن يعجِّلَه؛ حذرا مِن فواته، ويبادر به خيفة عجزه، ويعتقد أنه من فُرصِ زمانه وغنائم إمكانه، ولا يمهله ثقة بالقدرة عليه؛ فكَم مِن واثقٍ بقدرة فاتتْ فأعقبتْ ندما، ومُعَوِّل على مُكْنة زالتْ فأورثتْ خَجلا، ولو فَطنَ لنوائب دهْره وتحفَّظَ من عواقب فكره، لكانتْ مغارمه مدحورة، ومغانمه مَحْبورة"، وقيل: مَن أضاعَ الفرصة عن وقتها، فليكنْ على ثقة من فواتها.
إِذَا هَبَّتْ رِيَاحُكَ فَاغْتَنِمْهَا
فَعُقْبَى كُلّ خَافِقَةٍ سُكُونُ
وَلاَ تَغْفلْ عَنِ الإِحْسَانِ فِيهَا
فَلاَ تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
والفرق بين "الاغتنام" و"الاستفادة" من الفرص يكمن في الدلالة والإيحاء؛ فالاغتنام يعني الاستفادة من الفرصة بشكل نشط وعاجل، وهي تحمل دلالة على استثمار الفرصة بشكل كامل لتحقيق أقصى فائدة، وهي تتضمن غالبا تصرفا سريعا أو جريئا. أما الاستفادة فتعني أخذ الفائدة من شيء ما، ولكنها قد لا تتضمن بالضرورة التخطيط أو اتخاذ خطوات نشطة كما هو الحال في "الاغتنام".
ومن المهم أن نؤكد أن الفرصة فقها وصناعة وإدارة تعنى بأمرين؛ أحدهما فهم إمكانات الفرصة ومسالك اغتنامها، أما الأمر الآخر فيرتبط بتطوير مهارة التعرف على الفرص الذي يتطلب بدوره مزيجا من الوعي الذاتي، والتفكير التحليلي، والرغبة في التعلم والاعتبار والاستثمار من الخبرات.
الفرصة كذلك تتطلب المبادأة والإيجابية وخوض المخاطر وعدم تهيب الفشل، وتطوير مهارات التفكير النقدي وتعلم كيفية تحليل المعلومات وتقييمها بعناية. والقدرة على فرض الأسئلة الصحيحة يمكن أن تجعل من السهل تحديد الفرص الواعدة وامتلاك استراتيجيات مرنة؛ تساعد على الاقتراب من الفرص والانفتاح عليها بالتفكير الإيجابي حول التغيرات والفرص الجديدة، ذلك أن العقلية الإيجابية تجعل من اليسير التكيف مع التحديات، مع الأخذ في الاعتبار التحليل المتوازن والموزون ضمن التلازم مع عملية تقييم للوضع الحالي؛ وعدم التسرع في اتخاذ القرارات، بل لا بد من جمع المعلومات اللازمة؛ والاستعداد الاستعداد لاغتنام الفرصة عندما تظهر، بما يشمل التحضير النفسي العملي وتقبل المخاطرة والمخاطر على أن يكون ذلك مشفوعا بالتنفيذ السريع عند توفر الفرصة باتخاذ خطوات سريعة للتحرك نحوها.
إن التأخير قد يفوّت اغتنام الفرصة، فالقرار ابن وقته؛ إن فات زمنه فات أثره. وهناك مجموعة عوائق يمكن أن تحول دون التعرف على الفرص والتعامل معها، ومن أبرزها؛ القلق والخوف من الفشل المانع من استكشاف الفرص المتاحة، والافتقار إلى المعرفة أو المعلومات، والروتين والجمود باعتماد طرق عمل تقليدية والذي يعطّل التفكير الإبداعي والقدرة على اكتشاف الفرص الجديدة، وغياب الرؤية أو الأهداف الواضحة الذي يمكن أن يؤدي إلى ضياع الفرص المحتملة، والخوف من التغيير، وعدم وجود شبكة اتصالية وتواصلية مناسبة مما يعوق الوصول إلى معلومات الفرص.
وعند كتابة هذا المقال لفتتني دراسة قيمة ترتبط بفقه الفرصة المتعلقة بسنن التدافع والتغيير: "سنّة التربص، معالمها القرآنية، وأثرها في تحقيق التمكين (دراسة موضوعية)"، للأستاذ الدكتور عبد السلام المجيدي. وقد لفتت الانتباه الى سنة قرآنية مهمة ألا وهي "التربص". ورغم أن مفهوم "التربص" يحتمل في اللغة معنى سلبيا وآخر إيجابيا؛ إلا أن الآيات القرآنية ارتقت بهذا المفهوم الإيجابي إلى مصاف السنن المتعلقة بالجمع والمجموع: "قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ" (طه: 134). وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار، ويسمى المتاركة، أي نترككم وتربصكم؛ لأننا مؤمنون بسوء مصيركم.. وفيما يقرب من هذا جاء قوله تعالى: "قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ" (التوبة: 52).
ويؤكد الدكتور المجيدي أن "سنّة التربص سنة قرآنية اجتماعية حكيمة تنبذ الجانب السلبي المستسلم للواقع، ولها أثر ملموس في قيام الفرد والمجتمع بالواجبات الشرعية في أزمنة الضعف من الصبر، والذكر، واليقين، والأخذ بأسباب النصر من غير تنازل عن المبادئ، أو تعجل، أو تهور.
إن ما تستوجبه هذه السنّة من العمل وبذل الجهد والاصطبار على طريق الحق طلبا للنصر، والإعداد بدأب سعيا لاهتبال الفرصة السانحة ويوم الفتح الإلهي الموعود المنتظر". وقد عرف البحث بهذه السنة وعالج القصور في فهم بعضهم لها، ممن تركوا العمل واكتفوا بالانتظار العاجز لحدوث التغيير بواسطة الخوارق، وخلص إلى عدة نتائج؛ أهمها: أن "المراد بالتربص الكمون المترقب لانتهاء مرحلة الضعف، وليس مطلق الانتظار. والكمون يقتضي العمل المناسب لها استعدادا لحدوث التغيير، وأن القرآن الكريم تكفل بذكر معالم التربص التي ينبغي الوقوف عندها لتتحقق النتائج والآثار المرجوة من التطبيق الأمثل لهذه السنة، وربّى الجيل الذي ينقلب بنعمة من الله وفضل إلى ميدان التحرر والتحرير من تخويف الشيطان وأوليائه".
أجزم في النهاية أن طوفان الأقصى بما مثّله من ذروة للنموذج الانتفاضي يشكل فرصة تاريخية. كانت هذه المقدمات حول مفهوم فقه الفرصة وأهميته فاتحة، أما الحيثيات المتعلقة بذلك وفعل الطوفان إنما يستأهل مقالا آخر نتوقف فيه على الفرص الكامنة والبادية في طوفان الأقصى كفرصة تاريخية قائمة؛ آن للأمة أن تغتنمها والإفادة منها واستثمار مآلاتها.
x.com/Saif_abdelfatah