تحرك التنظيمات التكفيرية ووهم “إسرائيل” في تغيير الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
يمانيون/ تقارير لعل ما حدث في سوريا قبل أيام من سيطرة القوات التابعة للتنظيمات التكفيرية على مدينة حلب، وعودة هذه القوات المشكوك في دينها وعقيدتها ووطنيتها، إلى فرد عضلاتها بالتحرك المشبوه في مواجهة مفتوحة وجديدة مع الجيش العربي السوري، بعد فترةٍ طويلةٍ تجاوزت التسع سنوات من توقف الأعمال العسكرية في القطر السوري الحبيب، يستدعي منا التنبه إلى أن هناك ثمة أمور ومفاجئات لا نريدها قد تحدث إذا لم نستعد لمواجهتها بالشكل المطلوب.
لا مناص من وصف ذلك التحرك بالمشبوه والأمرٌ المثير للريبة والاستغراب، لأنه يأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لأمتنا العربية والإسلامية حيث يصطف فيه أحرارها في قوى محور المقاومة جنبا إلى جنب في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع العدو الإسرائيلي، في العديد من جبهات المساندة في كل من اليمن والعراق ولبنان وإيران، وهي الجبهات التي لم تتوقف يومًا واحدًا عن أداء واجبها الجهادي لنصرة ودعم وإسناد أهلنا في قطاع غزة المحاصر وكل فصائل المقاومة هناك.
ألم يكن الأجدر بهذه التنظيمات التكفيرية التي تدين في ظاهرها بالدين الإسلامي وبمذهب أهل السنة، أن تتحرك صوب الأراضي الفلسطينية لنصرة إخواننا وأهلنا في فصائل المقاومة الفلسطينية الموجودة في غزة بدلًا من التحرك لإسقاط النظام السوري الذي يعد واحدا من المنضوين تحت لواء محور المقاومة ويتعرض في الكثير من الأحيان لضربات إسرائيلية متتالية وغير مبررة!!
الهدف الحقيقي لتحرك التنظيمات التكفيرية في سوريا
بناءً على كل ما سبق ذكره وعلى ما لدينا من معطيات يفرضها واقع الحال، فإن هذا التحرك في هذا الوقت بالذات، من المؤكد أنه تحركٌ داعمٌ ومساندٌ للعدو الإسرائيلي، فهو إذن تحركٌ معادٍ عن سبق قصد وإصرار لكل حركات وفصائل المقاومة التي تقف اليوم في مواجهةٍ مفصليةٍ مع العدو الإسرائيلي، سواءً التي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها.
ويلاحظ أن هذا التحرك قد جاء عقب تصريحات قريبة لرئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ذكرى «طوفان الأقصى» مطلع أكتوبر الماضي، تعهد فيها بتغيير الواقع الأمني في منطقة الشرق الأوسط ردا على الهجوم الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر.
وبناءً عليه وبالنظر إلى ما يحدث اليوم في سوريا، نستنتج إن هذا التحرك يأتي بهدف إضعاف وزعزعة جبهات الإسناد في محور المقاومة، وهو أيضًا تحرك مدعوم من الأنظمة العربية المطبعة مع العدو، كالإمارات والبحرين والسعودية والأردن، وكيف لا تكون تلك الأنظمة داعمة له وهي المطبعة مع العدو، وسبق لها وأن تحركت لحماية وتأمين العدو، من خلال عمل خطوط برية تهدف لكسر الحصار البحري اليمني المفروض على العدو الصهيوني منذ نوفمبر من العام الماضي.
كما لا ننسى القول بأن تلك الأنظمة هي التي كانت – من أول وهلة للاضطرابات الجيوسياسية التي عصفت بالقطر السوري الحبيب في عام 2011م – السبب المباشر في خلق مثل هذه التنظيمات التكفيرية والإجرامية المتعددة الأوجه والمسميات والحاملة لكل الأفكار الهدامة والخارجة بطبيعتها عن قيم الدين الإسلامي الحنيف والعدالة والإنسانية، ناهيك عن أنها تدعي نفاقًا وتضليلًا انتهاج منهج مذهب أهل السنة، في الوقت الذي لا تعترف نهائيا ومن خلال أفعالها بنصرة أهل السنة في فلسطين فما بالك بنصرة الشيعة في لبنان.
ماذا بعد تحرك التنظيمات التكفيرية في سوريا؟
بالعودة إلى تحليل هذا التحرك، فإن من غير المستبعد أن خلق مثل هذا التنظيمات التكفيرية لم ينحصر فقط على سوريا، بل تجاوزه إلى استنساخ مثيلاتها في اليمن والعراق، وإن حملت تسميات مختلفة عما في سوريا، إلا أن الأفعال التي كانت تقوم بها كانت متطابقة وتهدف بالدرجة الأولى إلى تفتيت وتمزيق النسيج الاجتماعي، وإلهاء الرأي العام بصراعات داخلية تؤدي إلى إضعاف البنية المجتمعية الواقفة ضد العدو وإشغالها عن القضية الفلسطينية.
وبالتالي فإن من غير المستبعد وبحسب مخططات العدو الإسرائيلي وداعميه أمريكا والغرب، أن هدف تغيير الشرق الأوسط الذي سبق لنتنياهو الكشف عنه، يعني أن بقاء إسرائيل يرتبط بضرورة تفتيت وخلخلة منظومة قوى محور المقاومة في اليمن والعراق، وبالنظر للأحداث والمواجهات التي جرت في البلدين فيما سبق، فيما بين القوى الوطنية المتحررة من طوق التبعية لأمريكا وإسرائيل، وبين القوى التكفيرية ومن إليها التابعة لأمريكا وإسرائيل والمدعومة بالمال والسلاح وأحيانا بالمشاركة في المعارك من قبل دول التطبيع، وبالتخطيط والدعم اللوجستي من دول الهيمنة والشر، نجد أن الحرب الأمريكية الإسرائيلية في البلدين قد تستمر ضد الإسلام بشكل عام ودون أن تفرق بين طائفتي السنة والشيعة، فالكل لديها سواءٌ في القتل والإبادة، الكل مسلمون حيوانات لا يستحقون البقاء.
تلك الحرب القذرة قد تختلف عن سابقاتها وقد تظهر في سياقات تضليلية أشد خطورة وتأثيرًا على الوسط العام في البلدين، ومن شأنها أن تخلق واقعًا صعبًا يتمكن فيه العدو من الظهور بمظهر خادع جديد وأدوات مأجورة لا تهمها الأرض ولا البشر ولا الدين، ومن هنا ينبغي على القوى المتحررة في كلا البلدين الانتباه والحذر، والقيام برصد دقيق وشامل لكل ما يحدث حاليا في سوريا، وابتكار خطط عسكرية وأمنية جديدة تكون كفيلة بصد ومنع حدوث ما لا يحمد عقباه مستقبلًا.
نتنياهو واهم
يؤكد شالوم ليبنر (مسؤول إسرائيلي سابق معروف)، في مقال له نشر بمجلة “فورين أفيرز” أن الفرضيات “الإسرائيلية” حول ما يمكن تحقيقه عبر قوة السلاح وإلى أي مستوى سيدعم البيت الأبيض تحت قيادة دونالد ترامب هكذا توجه، يجري المبالغة فيها بشكل خطير.
وأشار الكاتب محذرا إلى أن نتنياهو وحلفاءه يقللون من حجم المشاكل العديدة التي ستؤدي إلى هدم طموحاتهم الكبرى. قائلًا في هذا السياق: إن إيران وبدلاء إيران لا يمكن أن يزولوا عن الوجود، وإن حماس وحزب الله وأنصار الله أثبتوا قدرتهم على الصمود وبدأوا ينظمون صفوفهم من جديد.
كما تحدث عن قوة نيران كبيرة لا تزال في حوزة تلك الأطراف، وأنها ما زالت قادرة على إطلاق مئات القذائف والصواريخ الباليستية والمسيرات التي تقتل “الإسرائيليين” وتدمر ممتلكاتهم.
وأضاف، أنه حتّى عندما تعجز هذه الجهات عن تخطي الدفاعات الإسرائيلية الجوية، فإنها مع ذلك تنجح في نشر الفوضى وتدفع بأغلبية الإسرائيليين إلى الملاجئ وتؤدي إلى تعطيل حياتهم، ولذلك فقد اعتبر أحلام نتنياهو بزوال واستسلام هذه الفصائل أحلام خيالية لا تنسجم مع الواقع، ما يعني أن حديث نتنياهو عن حتمية تغيير وجه الشرق الأوسط ليس إلا وهمًا من جملة أوهامه التي لا مناص من محاولة تجريب الفشل في تحقيق المستحيل.
نقلا عن المسيرة نت
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: التنظیمات التکفیریة العدو الإسرائیلی محور المقاومة الشرق الأوسط هذا التحرک فی سوریا مع العدو
إقرأ أيضاً:
فرصة تاريخية أمام أمريكا في الشرق الأوسط
ترجمة - نهى مصطفى -
لطالما شكل الشرق الأوسط مقبرةً للطموحات الدبلوماسية الأمريكية، إذ يغادر الرؤساء المتعاقبون السلطة تاركين المنطقة في وضع أكثر تعقيدًا مما سبق.
سعى بيل كلينتون لتحقيق اختراق في عملية السلام، لكن جهوده انتهت باندلاع الانتفاضة الثانية. أطاح جورج دبليو بوش بصدام حسين، فتحول مشروعه إلى مستنقع عزز نفوذ إيران. حاول باراك أوباما استثمار الربيع العربي ووقّع اتفاقًا نوويًّا مع طهران، لكن صعود تنظيم داعش وحرب سوريا عرقلا مساعيه. انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي وقُتل قاسم سليماني، لكنه ترك إيران أكثر جرأة. أما جو بايدن، فركز على تحقيق الاستقرار، ليجد نفسه في عامه الأخير يواجه تداعيات هجمات 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة.
يجد ترامب نفسه اليوم أمام فرص حقيقية في الشرق الأوسط، قد تمنحه نفوذًا، لكنه في المقابل قد يفاقم أزمات المنطقة، كما بدأ بالفعل عبر خفض المساعدات ودعوته لإخلاء غزة. خلال ولايته، سيعتمد مصير الشرق الأوسط إلى حد كبير على قراراته، بين اغتنام الفرص أو تبديدها باندفاعه.
ترِكة ترامب الأولى تتعلق بإيران، التي كانت لعقود في صميم أزمات الشرق الأوسط. اليوم، تبدو طهران أضعف من أي وقت منذ ثورة 1979، مع محاصرة حماس وحزب الله عسكريًّا، وفشل صواريخها الباليستية في مواجهة الدفاعات الإسرائيلية، وفقدانها السيطرة الفعلية على سوريا، التي باتت تحت تحالف مناهض لها. في حين يعاني اقتصادها من سوء الإدارة والعقوبات وتراجع أسعار النفط.
في ظل هذه الأوضاع، بدأ القادة الإيرانيون يلمحون إلى انفتاح على اتفاق نووي جديد، إذ تبدو البدائل أكثر سوءًا. انتُخب الرئيس مسعود بيزشكيان عام 2024 ببرنامج يركز على تحسين الاقتصاد، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون اتفاق مع واشنطن وتخفيف العقوبات. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فرغم تشدده، يدرك تراجع قدرة إيران على الردع، في مقابل استعداد أمريكي-إسرائيلي متزايد للضربات الهجومية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو وترامب غير المتوقعة.
أبدى ترامب اهتمامًا بالاتفاق، وقد يدفعه المشهد الاستراتيجي الجديد للحصول على تنازلات إيرانية غير متوقعة، تشمل قيودًا مشددة على التخصيب النووي، وضوابط دائمة، وحدودًا على الصواريخ الباليستية والتدخل الإقليمي.
رغم ذلك، تبقى حدود للتنازلات الإيرانية، وقد يتجاوز ترامب السقف المطلوب. لكن إبرام اتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويحدّ من نفوذها الإقليمي يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. وإذا نجح ترامب في هذا، فسيتمكن من التباهي بـ«صفقة أفضل» من اتفاق أوباما، وبيعها للكونجرس.
الفرصة الثانية المتاحة لترامب في المنطقة هي إنهاء حرب غزة، التي تُعد أكبر انتكاسة للسلام والاستقرار منذ حرب العراق، وبدء عملية تحقيق الاستقرار في «اليوم التالي». فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، وردّ إسرائيل العنيف، غرقت غزة في مأساة غير مسبوقة. لكن وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن، الذي تم التوصل إليه في 15 يناير بعد محاولات فاشلة وبمساعدة فريق ترامب القادم، قد يوفر مسارًا لإنهاء الحرب. وبعد 15 شهرًا من الدمار، أوقفت إسرائيل العمليات الكبرى، وبدأت حماس بإطلاق سراح الرهائن، وبدأ سكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
المرحلة الأولى من الاتفاق محدودة زمنيًّا، ولا ضمان لاستمراريتها. ويعتمد الانتقال إلى المرحلة الثانية على قرارات صعبة بشأن إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، ومصير حماس. كانت صور الرهائن الهزيلين الذين أُطلق سراحهم في 8 فبراير تذكيرًا لإسرائيل بضرورة التوصل لاتفاق جديد قبل وقوع المزيد من الوفيات. وفي المقابل، تدرك حماس أن رفض الصفقة قد يكون مكلفًا، خاصة بعد تهديد ترامب بـ«الجحيم» وغياب أي دعم مرتقب من إيران أو حزب الله، مما دفعها أساسًا للموافقة على الاتفاق. إذا تمكن ترامب من تمديد الهدنة أو منع استئناف القتال، فسيكون أمامه فرصة لوضع أسس استقرار جزئي في غزة والضفة، وتمهيد الطريق لاتفاق «التطبيع» بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع اتفاقيات أبراهام. غير أن هذا يتطلب إنهاء الحرب، إلى جانب التزام إسرائيلي بمسار يقود إلى دولة فلسطينية، وهو أمر مستبعد مع الحكومة الحالية، لكنه قد يصبح ممكنًا تحت ضغط ترامب، خاصة إذا رأى فيه فرصة للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ورث ترامب أيضًا فرصًا في لبنان، حيث كانت آفاق البلاد قاتمة حتى قبل حرب غزة، لكنها ازدادت سوءًا مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحزب الله، ما أسفر عن آلاف الضحايا ونزوح عشرات الآلاف من المدنيين. عانى لبنان لعقود، وتفاقمت أزمته منذ 2011 مع تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري. غير أن إضعاف حزب الله منح البلاد أخيرًا فرصة للتحرر من النفوذ الإيراني وبناء دولة أكثر استقرارًا وسيادة.
جاءت هذه الفرصة نتيجة للخسائر الفادحة التي تكبدها حزب الله منذ أن أخطأ في الانخراط بالحرب مع إسرائيل عقب هجمات 7 أكتوبر. رغم دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لعملية عسكرية كبرى ضد الحزب، تردد نتنياهو في البداية تحت ضغط إدارة بايدن لتجنب التصعيد الإقليمي. وبحلول أواخر 2024، صعّدت إسرائيل ضرباتها ضد حزب الله، مستهدفة قادته ومقاتليه عبر عمليات اغتيال دقيقة، بما في ذلك مقتل حسن نصر الله، إضافة إلى غارات جوية دمرت بنيته التحتية العسكرية. وفي نوفمبر 2024 وافق حزب الله على وقف إطلاق النار دون شرط إنهاء حرب غزة، وسحب قواته إلى شمال الليطاني، ما أتاح انتشار آلاف الجنود اللبنانيين في منطقة عازلة بالجنوب.
كما فتح الاتفاق الباب أمام تغييرات سياسية كبرى، حيث تم انتخاب قائد الجيش السابق جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، والفقيه نواف سلام رئيسًا للوزراء، وكلاهما ملتزم بتحسين الحكم وتعزيز استقلال لبنان. لا يزال حزب الله مؤثرًا في السياسة اللبنانية، لكن نفوذه تراجع بشكل ملحوظ، لا سيما مع تزايد سخط اللبنانيين من قيادته. كما أن قدرة إيران على دعمه ضعفت بفقدانها لنفوذها في سوريا. في ظل هذه الظروف، قد تحصل الحكومة اللبنانية الجديدة على دعم سياسي واقتصادي وعسكري دولي، بما في ذلك من الولايات المتحدة. وإذا تمكن ترامب من تجاوز معارضته التقليدية للمساعدات الخارجية، فستكون لديه فرصة لتعزيز قدرات الحكومة والجيش اللبنانيين، ما قد يسهم في مزيد من تهميش حزب الله والحد من النفوذ الإيراني في لبنان.
وأخيرًا، تأتي الفرصة الأكثر إثارة للدهشة في سوريا، التي كانت واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في الشرق الأوسط على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية. فبعد سنوات من محاولات عزل بشار الأسد أو الإطاحة به، بحلول عام 2020، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها قد تقبلوا إلى حد كبير واقع استمرار حكمه. لكن مع انشغال العالم بأزمة غزة، ومع إضعاف إيران وروسيا بسبب صراعاتهما مع إسرائيل وأوكرانيا، وجدت المعارضة السورية، بقيادة هيئة تحرير الشام، فرصة للتحرك. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تشن الهيئة هجومها العسكري مباشرة بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، الذي منع الجماعة اللبنانية من التدخل لإنقاذ الأسد كما فعلت عام 2011 عندما كان نظامه على وشك الانهيار.
المفاجئ بنفس القدر أن هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أعلنت التزامها بحقوق الإنسان واحترام الأقليات، ونأت بنفسها عن ماضيها المتشدد. فجأة، اختفى النظام السوري الذي كان حجر الزاوية لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وشريان الدعم لحزب الله، ومستضيفًا للقوات الروسية، ومصدرًا رئيسيًّا لتجارة المخدرات، ليحل محله احتمال قيام سوريا جديدة. ولا يزال على الرئيس الجديد، أحمد الشرع، إثبات التزامه بتحقيق تغيير حقيقي، لكن مجرد وصوله إلى الحكم كان أمرًا لا يمكن تصوره قبل أشهر فقط.
ورغم أن السياسة الأمريكية لن تكون العامل الحاسم في تحديد نجاح أو فشل الوضع في سوريا، فإن واشنطن قادرة على التأثير. فقد يقرر ترامب رفع تصنيف الهيئة كمنظمة إرهابية في مقابل التزامها بالحكم الرشيد والتعاون في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الإبقاء على وجود عسكري أمريكي متفق عليه في الشمال الشرقي لمنع عودة تنظيم داعش. كما قد يخفف العقوبات ويدعم الاقتصاد السوري إذا التزمت الحكومة الجديدة بإغلاق القواعد البحرية الروسية. وقد يساعد سوريا في إيجاد بدائل للحبوب والنفط لتعويض خسارة الإمدادات الروسية والإيرانية. إضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب نفوذ واشنطن لدى تركيا والأكراد السوريين لتسهيل اتفاق سياسي بينهم وبين النظام الجديد في دمشق.
لا تزال التحديات والمخاطر في الشرق الأوسط هائلة، بدءًا من الحكومات الضعيفة والصراعات العرقية والطائفية، وصولًا إلى التداعيات المستمرة لحرب غزة. لكن سيكون من الخطأ تجاهل الفرص التي خلقها المشهد الاستراتيجي الجديد، والتي بدت قبل عام أو حتى بضعة أشهر فقط بعيدة المنال. ولا شك أن ترامب سيرغب في تحقيق نجاح حيث فشل غيره من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يجعل أي شخص مهتم بالمنطقة يأمل في أن يتمكن من اغتنام هذه الفرصة.
فيليب جوردون دبلوماسي أمريكي وباحث في العلاقات الدولية.
نشر المقال في Foreign Affairs